Skip to main content

Full text of "علاء الأسواني"

See other formats




٠ 


0 


1 
تو 
ا 





/ 








ل ااعسرار ١‏ اعسرار سر 2 حِ 
سس 0 
2 7 ر 
2 
د 
1 
ٍ - 7 ب 








<5 
4 





ا 2 1 
1 
7 1 3 

ا : ا 

ا 7 م 

ا : “بر 

من 

5-2 

2 

سم 

2 7 
0-6 

١ 





1 


ا 





ل 
9 
ا 
0 
2 
2-0 


1 


/ 2 22211 13خ طا>! ١132‏ ببايياييا/ / : جر دا 


هر 





1 
ار 














١ 3‏ ا ١‏ تحن . الضا ل ا 0 ابم اب ١ 1 ١ 0-0 ١‏ 0 
من لاش الكرة الموهويين : ا لج 


يك اه المج الوه الك 






0 6 ١ 
١ ١ 
5 2 5 . 

3 سي 





دائما الى 0 ا 1 ا ار 

|| جلس حيلن د كه الاحتياطي موسمًا كاملا أ ن يفسح ل 1 0 

7 7 شن 00 9 لام 00 
ب ال ابد د تك 0 ره 














0 000 اى +7 نقلة وقد خضل علن 
ّْ الجديدمن الجسوائسز الدوئيم 00 





001 0 أعماليه الى اللغة الازجليزية: كما 

ظ اخثاره المعلرض الدذولي البكتاب ب باريس عام 155 كواجد من 

3 ماتيا تاخير فرتسنى 3 الفسالم. 1 

1 عده 506 العايمر 5 كالراحل وجيب 

ل الل ل 000 
ل ا 21 0 

200 06 على عالمنا الاستثئتائي دا 0 ام‎ ٠ 


تحن نلا 1 0 حك 0 























تصميم الغلاف: عمرو الكفراوى 





سن ب ب 3 











تا ! 0 ٍ اتا يه ! لحيت 0 ِ 
ا ١ | 1 ١#‏ 
ود لمج-ده ا للد ليدم 
١ 2 !| #١ 3 !| 3‏ ِ والتوريةات |! 
١ || ١ ١ 1‏ 
تب ! تي / - ١ ١‏ عدب ! 
|| | 1 
ا لجا 
ب | رلا 53 | 
| . || 3 
لحت كت 
3 لل 3 دا | 
أ ع أ 9 
د ا 
١ 03‏ 3 لي لآ 
١ 1‏ 
لنب 1 3 لنب لل 2 ٠‏ لآ ال لب لآ 
١ 1 ١ || ١ 8 1‏ 1 
اوه ال ا ل ا 
١ |‏ 
اث | ا كي 1 اد لب الك لب | 
1١ 1١ 1‏ 1 
ثٍ لل 0 ثِ ١‏ 0ت ثِ 1 0 3 1 
١ 1 1‏ 1 1 
65-- امعد 1 2 | 0-1 ام 
١ 3 !| +‏ |! ا ١‏ ! علدت 5 |! 
1١ 2 1 ١ || ١ : 1‏ 1 
-- يجه ١‏ 6 د 
ب |! ارتب ١‏ خ ترفك |! ميرتب ا 





الالال ديه اللخ ج سه االالخنظ لخ لالخ [لالخنظلخ لالخ [لالخنظ لخ يخلالخ 7[7الخنظلخلخلدلخ [(الطنظ لخ لخطالخ [اللانظلخلخالخ (الخندد 
00111111 


<ااا 1171 1171 100110111 






١‏ اذك | ورور | ارؤكيوء | ارؤكيؤء ١‏ ووه | ارؤارياء 
حش ياف ياس محش كش محش 


١ . رباكت‎ 





| 1 06 0 51 05 ) 1 هع يفتكن 1 ١‏ إن 952 أ 1 0 تت 01 1 6 اك | ١ ١‏ م 9 
الاك إياكانا اللالا 0 010 اناا انان اتاياتانا (لا 000 لي لان لان للد 
111-1011 31 1-1 1 --7 11711 0 ااا111 7117 111 11710 7111-01 1111711171 


| ارار 4 | لان | ي ار 1 | ايا ار ١‏ | ايا در | ارا 6ر١‏ 
كح لابه السال ٠.‏ 0 كب سافب 





ا 
0 وى يذأن ١‏ 1 ص0 645 1 0 كك أ ا 1 1 065 ها 1 م 1 0 اه أ م ١‏ 6 تج 0 1 1 2 
الاك كاتا اللانا 0 تعوكانة ‏ ([الالا كان 1 الألانا تان (الالا تكلا (لالا كانه (الالاد 
اج كر 1ج ات ا ج1011 جرت ا حك ج211 اجرج اح لكك انما لجو وك ا اب 71111 


٠ | 0 | | 0 | 20 ْ | 2 |‏ ل 
506 ذأ 1 لحن »ا هخ ج١0‏ 1 كم 0 0 يبنا اتج 1 حجب ٠‏ 0 0 1 
زقلا ل ثلا ل ا 1 3 لتيكالا لله لتيكانا قلا ل إلا لالخ ا 


5 


اأنالت 


101 ا1 ا اا1171 اا 1701 1001 10711 11710 11 





2 


د - ايت 


100101101011 10 1 


| ارؤحريوء | ارو | ييه | ارواروء ١‏ اروكروء | يؤكيؤء | وكيوا | ورؤخيوء 
+ 0ك 1 1 2 ع كب 11 177 4 اي ج111 1 42 ايج 11 1 5 6 بصا رجي يبي 1 ا 6 يج 57 26 مأ _1 +1 1ك 1 
اللا لان (للالا 0 الات لادان الل ([لا اناا 


-و--- _ 0 - يينتتكاب. ات 5 فت 6 سس 


1011011 11-1 1171 11701 1 71 1211011 1 1170110 1 1 


| 4 | 1 
1 ا 
للها _ لان" 


١ 


1 اا 
اح 01 1 
لاا 0 


ا ب اح لذي 





1 
-ه 
3 5 





10 ا 1 ا 1001 اا 11 111110 771171 10011011121 





0 ١ ا‎ ١ 44404 ١ 1 ١ 0 || 2 ١ 

يحضت 5 صم 16 له 1 #|ه 11 سم > 56 اك ١‏ 

كا كت ون 1 0 مع 9983 1 5 0 3ن 1 نا 5 1 ١‏ | 0 034 9 6 1 بان 1 
الال 55 لانن لكان لا وان 

اجاج اوت 1 اا ا اوت ابن ا ات اا اج اوت اا اوت 0111 











| كرو ١‏ كرو | يو 1 يوحيو | / 

دفي 17 3 ات ١‏ سحي معحفييم لضي لحي 1 ب 
ا انان ناه د ظ ته انظ خا (لالظ تخا (لالخاخ خا لالد 
١ ١ 1177 2. 05 4 ١ 117611 1 11711111‏ 1 1111 11 11110 1 1 1111111 

١ ١أذأ ١‏ ؤذأ١1‏ || ذية ارو 6 ١‏ غية كرو ١ ١‏ ذرة ايو 4 | ذية ذرة ١ ١‏ ور 
2 حلفي 51 ِ عي 11 أده معحيير 177 000 صحفي 11 6 يب ا 8 
لذلا تالاه لانن كاد الإبباع 8" . 1 لان لخ لي ل لان ([الالا لخ لالظ لالخ 1لا 
11711 11 5- -09-2230). 977 978 191810 171 ا 1171 11 11701 111111-11 1 0-1111 





١ 6‏ - 5 ل 7 : | : ١‏ 2 ىْ 2 أ 4 - 55 ل - / ي1 ِ 4 
- 2 لكب 0 ول 96 2 ع م 0 لحكتد 2 
1101 111-11 وا 11001 © دأ إل ابقل - - 1171111 11001111 1171 11711 11711 0001111110121 


| 0 | 0 2 يي / 00 
1 01 1 2 أ 1 ١‏ 1 ص جات أ م 1 ا 
اللخ لتيكاناً الح 0 20 ري تسح 3 ا الي 


- تع ره مشلني5ئذأت»٠‏ 
7 3 د 


ا اتات اج ا اوم مدينة نضن بد القاهرة - مصس 0 ا اج ا ابوتكم 
تليفون: 11١177799‏ 
- 


١ 20 | 0 |‏ 0 5 وكيا ١ 0 ١‏ و / 
اح ج01 1 3-3 7 5ت 1 3 ١‏ 17-5 0 2" 0 01 1 اتج 1 5-5 > أ 2ك ىت ذن 1١‏ 82 ٠ت‏ 
لالت كان (الالدكانة اليك ميمه 6 عمل للتقوة لاكانا ا انان وكات (لالاتيكانة (لالاتحيكاتة (آان” 


0 5 









ع 
ع6 


1170111 اا 101 1100100 110 11-1011 0701 1 111 1 1-1111 


حرم .51010101 , ببانوابي 


/ 0 | 0 | كر ايا ١ 0 ١ ١‏ خا كيه 1١ ١ ١‏ اذا | 7 خا | 31 
1 15 ا 02 1 1 بج 01 1 1 0 9 1 00 11 3 )1 1 1 15-5 1 05 01 1 9-1 
انتخا (الالد تعد الاك ينانا لادان ا لامك المضت تدك ل لان 
711 1171 01 اتا 1111-1 10 إبا 1 1170001 1171 11-1 1 ااا 110161 االضوه 110 





١‏ كر كرو ١ ١‏ ويؤارؤ؟ ١‏ كرة ذيو 4 ١‏ ارؤ ١ ١‏ ؤذأاؤ | [زلانا ١‏ أذأز ١‏ فى 
اير 05 2-2 3 02 2 ل ا 2-2 1 5 > 7 3 2-1 1 ةا ١‏ 1 08 

1 0 1 5 5 أ 7< ن 95 )| 1-1 52 ) 1 0 جوأ م 5 5 )أ 1 5 9 
1 ا [الان ناا لكان (501خلع0ا0ة ‏ (الالذ كانه العا انان ل 


اا1171 117111 17011 1 117 110111 1011 5 ات 1170111 01101121 


علاء الأسواني 











سكم لدم سدم مدا ل-سدمه 2 
٠ ١ ١ ِ ١‏ | 
| ع 13 عم 7ت تت 
_- َ_ د ِ ا 3 ا ا 1 - ا 
١ 1 1‏ 
ست بوه ابوه 
٠ ١ ١ ١‏ لل 
المعدويات 
ا 
لط] بوس-ه 1 يجت يي يجت 
٠ ِ ,‏ | 5 | 








ماذا تعلم المصريون من مذبحة غزة؟.. سي ا اال سي مد ق 001015111 


يها القضاة ممعص تتطلي لبتم اد تخد لي حك 
قل الماضريون قابلزن للامكداد؟!: 0 


١ 0501 


للصمطلنغعة 1ج 


_ملاحظات الا تفسد سبل الفرج. ار 230516 100000 


. 


كسارة الأستاذ 0 صو وي 











«ا مج م مم فنعو يدنم و ويج و وج ره دده 


جريمة الدكتورة سدمة..:!.. ا ا ا ل ا 


٠ و‎ 


لماذا تتخلف عن العالم؟! 19 1 1 1 2201111 


لصسكدةا ِ 


كاياذا يرل الوه ...01 تديكاك ...الاي 





١ : 3 / 5 








»م عاو م م موه مج جه م ومعع يوشم وه مقسه وعقفقمق وعم وميه وو مره م مده ١‏ 


...إل لحا ناك االا..... 1 
فيججبدة كك 1# 
َ- دم ِ ١ثدت‏ ثم |! 
1 
١ !| ١‏ 





ثلاث مغالطات لدعم جمال مبارك ا و ا الاطا 17111910 تمترييج عون ع ل و ا 


-حكاية. نورا والمنيخب الوطني 0000 اي 0 .3 ش 
“'لافاعا عن :طاتج"«رظتر 2 ري اي ا وي 1 
فن إرظاء الرئيس . معد اي" انربيا الود لاقن 18 
حل اده وير الل لغ اكه 00 
الحرباء تهاجم البرادعي .. ومح ع و جتن م وو رد ا بال ل ص د الى 0 
متى نتغلم من الشعب؟! الاك 1 الالإباتانة ا الالاكانا.. لبه 
هل تدفع غرة من التوريث؟! يب 0 
أهميةاأن نكون إِتنان . لان كات ..... لا ...0 الي ...1 
من قتل المصريين في يوم العيد؟ ! الي ب ب ل ا 
اذا لفأكدي يوم لعاله )1 ...٠1ب ٠٠.‏ ...1 
ل ينتطع الإفين أوبانا تحار الآفباط؟! ولص يب 198 مي ع بسي لبي و 
-من يقبض على السفير الإسزائيلي؟ 31..ب .سي ه......... خق ...1 
ظ لماذا نذهنت لاستقبال البرادعي؟ ل ل ا _-_ 0 مس يوس د سد 
_مصر التي املثيقظتٍ ع ا ا 1 
«الطري ا لي لخرات اند اج سس للتطلببييات يبي 2 2 فت 
حادث مؤسف لضابط أمن دولة و ا ا 
ماذا يتوقع المصريون من ن البرادعي ؟: لايك اويا ابعدوينانا 
والاحطابت بعر على 7 كريم نسي ب ري لب 0 
الطتى باوكا لؤثيكل مبار لها هده اليه ؟ ! ليا متي كاتا ...الا متديهان..... تاكن 
لماذا يصرخ سيادة اللواء؟! ا ل ا 1 
"هل يعتبر ترويرالانتخابات من الكبائر ؟ !؛ 1٠‏ .011 
هل 5 بإصلاح الأخلاق أم بإصلاح النظاء؟! 0 ظ 


داحم 2 تا اع د 5 ف تم ا يعم اا لاك | 


هل نحتاج إلى المستبد العادل؟ مر و و ا 
حكاية ممدواح حمزة ال ل ...يا ا يي 7 1 ا 5 
هل الحريات تتجزأ؟ مسجو و ين اننا م نون باو اما 1 

١‏ حكاية للصغار:: والكيار + اناك اتا ...1لا لمن ناتك ن..... الا لا لكات ...ا ا 
من يقتل الفقراء فى مصر؟ ! اساسا سو ري باو ا ا 
جتن يقادر على تحن الحقيقة؟! ا ا ٠٠٠‏ 0 

آ باس يي بد ا م 00 
ولة لفهم أسباب الققسوة ........... م الب ااي م الت 1 
«الشابه الذي هاش إلى الاي سس ب يي 0 
عشاء مفاجع مع شخصية مهمة...... ع رت لوالا ديا ال ل 
فى يام العدالة ‏ لتحت لتخا الللخصتت تت لخدي 
خواط عن مرجة السيل الرتيو 0 ة + +< <ز ز زة زةزةزةز2ز2ز2ز2ز2ز2 2 ز <ز ز ز ز ز ز ‏ 0 
اذهل يقبا الظلرائخ مبظلات الفياة؟ ...0101 ودكاته..... الل ...لزيا مسي كان 
ملاحظات على مشروع جمال مبارك 0 
5 لماذ الا يذهب المصريرن إلى الااتتها ابه 1 تدا ..... 1 ...55 
“تت 3078 لزب" ا 0 
هل أصبح أساتذة الجامعة كلهم منافقين؟! عدي اسمحفيي... يي 
9 عه غريبة في جناح الركيس +٠.‏ اام ميا 
مصير إبراهيع عيسبى 5000 مسا اويا ا اليا ا الك 
لين سب لل لطا 0 ا 


ماذا تعلم المصريون من مذبحة غزة؟ 


سوف يظل مشهد جثث الأطفال المحترقة في غزة ماثلا في ذاكرة المصريين إلى 
الأبد» فقد شكلت هذه المذبحة لحظة تاريخية فارقة» سقطت فيها أوهام» واتضحت 
حقائق قد يكون من المفيد أن نستعرضها: 
أولا: اتضح خلال المذبحة أن المصريين جميعا ما زالوا يشعر ون بانتمائهم العميق 
والمطلق للأمة العربية الإسلامية.. وبالرغم من نزع المكون القومي من مناهج التعليم 
ووسائل الإعلام على مدى ربع قرن» وبالرغم من الحملات المستمرة منذ كامب ديفيد 
لقطع أواصر مصر العربية» فإن الأجيال الجديدة في مصرء قد ورثت انتماءها العربي 
بالكامل.. وكل من رأى مئات الألوف من طلبة الجامعة وهم يتلقون ضربات الأمن ‏ 
المركزي القاسية أثناء تظاهرهم من أجل نصرة غزة.. لا بد أن يتساءل: أين ومتى تعلم 
هؤلاء الأبناء حب فلسطين؟ وقد رأيت بعيني رجالا كبارا يجهشون بالبكاء كالأطفال 
من حسرتهم وشعورهم بالعجز عن إنقاذ الضحايا.. لقد أكدت المذبحة أن مصرء قلبا 
وقالباء عربية إسلامية» وأي رهان على انتماء آخر ليس إلا مضيعة للوقت والجهد. 
انيّا: أظهرت المذبحة أن قدرة إسرائيل المعنوية على ارتكاب أبشع المجازر غير 
مسبوقة في التاريخ الحديث. باستثناء جرائم النازيين التي تستوحي إسرائيل الكثير من 
أساليبهاء فقد وقف قادة إسرائيل يتحدثون بطريقة عادية» ويبتسمون في المحافل الدولية. 
بينما تقوم طائراتهم في نفس اللحظة بإلقاء القنابل العنقودية والفوسفورية على الأطفال 
والنساء في غزة» وهذا مشهد بالغ الدلالة. لم يحس قائد صهيوني واحد بالذنب أو 
الأسف أو الندم؛ بل إن بعضهم بدا مزهوا بالمجزرة.. وهذه الاستهانة بالحياة الإنسانية 
6 





متسقة تماما مع الفكر الصهيوني الذي لا يعتبر الأغيار (غير الإسرائيليين) كائنات إنسانية 
مساوية في الحقوق والواجبات.. بل إن وزيرة خارجية إسرائيل (صديقة الوزير أبو الغيط 
العزيزة الذي انحنى مسرعا ليمسك بيدها لثلا تتعثر قدمها الكريمة على السلم) ليست 
إلا كادرا كبيرا من المخابرات الإسرائيلية» وقد اعترفت للصحافة الغربية بأنها تنككرت 
وعملت خادمة في بيت عالم ذرة عراقي في باريس لفترة طويلة» حتى اكتسبت ثقته. 
وتمكنت من دس السم في طعامه وقتله.. هذه هي إسرائيل الحقيقية.. كل شيء مباح 
من أجل انتصارهاء وهي لا تفهم إلا لغة القوة» وبالتالي فإن توقع سلام مجاني تمنحه 
إسرائيل بغير أن تكون مرغمة عليه ليس إلا تصورا ساذجا أقرب إلى الأوهام. 

الثا: بالرغم من تعاطف كثيرين من أصحاب الضمائر الحية في الغرب مع ضحايا 
المذبحة.. فقد آن الأوان أن ندرك ‏ نحن العرب والمسلمين ‏ أننا سوف نخوض 
دائما معاركنا في هذا العالم وحدنا.. فالدول الغربية كانت وسوف تظل دائما منحازة 
بالكامل لإسرائيل.. وقد صرح الاتحاد الأوربي في بداية المذبحة بأن إسرائيل تخوض 
حربا دفاعية» ثم رفض أن يرسل لجنة لتقصي الحقائق» وقد تحدت إسرائيل كعادتهاء 
قواعد القانون الدولي جميعاء فلم يجرؤ مسئول غربي واحد على انتقادهاء بل وصفها 
ساركوزي بأنها ديمقراطية عظيمة. 

والسؤال: لو أن الأطفال الذين أحرقتهم القنابل في غزة كانوا أوربيين أو أمريكيين.. 
ماذا كان المجتمع الدولي ليفعل حينئذ؟ 

الإجابة معروفة.. لكن هؤلاء الأطفال الضحايا عرب ومسلمون. وبالتالى» فإن 
العقلية الاستعمارية الغربية لا تساوي بين حياتهم وحياة أطفال الغرب.. ولقد اجتمع 
قادة الدول الغربية في شرم الشيخ. فلم يتفوه واحد منهم بكلمة واحدة ضد المجزرة. 
وإنما كان همهم أن يمنعوا تهريب السلاح إلى غزة» أي أنهم جاءوا ليساعدوا إسرائيل 
حتى تحقق بالسياسة ما عجزت عن تحقيقه بالحرب.. إسرائيل ومعظم الدول الغربية 
يشتركون جميعا في نفس النظرة الاستعلائية للعرب والمسلمين.. وأذكر في العام 
الماضى أننى التقيت فى منزل أحد الأصدقاء على العشاء وزير خارجية دولة غربية 
كبرى.. وكان قد شرب قليلاء فأطلقت الخمر لسانه.. فلما سألته: هل تعتقد أن الاتحاد 
الأوربي سوف يقبل يوما أن تكون تركيا عضوا فيه؟ 


١ ٠٠ 


أجابنى فورا: يستحيل أن يقبل الاتحاد الأوربي بلدا إسلاميا بين أعضائه. 

رابعًا: تم تصوير حركة حماس في الإعلام الغربي على أنها الشيطان الأكبر» وأنها 
السبب في هذه المذبحة» لأنها أطلقت الصواريخ على إسرائيل فأعطتها الذريعة.. وهذا 
الكلام السخيف لا يس: يستحق الرد. . فإسرائيل لم تكن يوما بحاجة إلى ذريعة» فهي ترتكب 
جرائمها ثم تبحث عن ذريعة وليس العكسء وهي تشن حرب إبادة ضد الفلسطينيين 
سواء أطلقوا الصواريخ أو لم يطلقوها. . ويجب هنا ألا ننسى حقيقتين.. أولا: أن غزة 
(وفلسطين كلها فى الحقيقة) أرض محتلة بالمعنى العملي والقانوني» وبالتالي من 
حق الفلسطينيين أن يقاوموا الاحتلال بكل الوسائل.. وبالتالي» فإن تهريب الأسليحة 
للمقاومة الفلسطينية لا يشكل جريمة؛ بل هو واجب وطني وقومي وإنساني.. الحقيقة 
الأخرى: أن حركة حماس هي الحكومة العربية الوحيدة المنتخبة شرعياء ومن حقها 
أن تمثل الشعب الفلسطينى.. لكن الدول الغربية بمجرد فوز حماس في الانتخابات 
بدأت ضدها حربا حقيقية من أجل إفقار الفلسطينيين وتجويعهم.. والسبب في ذلك أن 
حركة حماس تمثل معنى المقاومة» وهو بالذات ما لا تريد إسرائيل أن يكون نموذجا 
في العالم العربي.. والحق أن الصمود الأسطوري الذي قام به مقاتلو حماس ضد آلة 
الحرب الإسرائيلية الجبارة» يبعث على الفخر والحزن.. الفخر لأن إسرائيل القوية 
قد هزمت للمرة الثانية بعد هزيمتها من حزب الله.. والحزن لأنه إذا كان بضعة آلاف 
من المقاتلين بأسلحة بسيطة بمقدورهم أن يصمدوا أمام إسرائيل» فماذا يكون الحال 
لو تدخلت الجيوش العربية الكبرى في المعركة؟ وما الذي يمنعها من ذلك؟ 

خامسًا: كشفت المذبحة أن النظام السياسي في مصرء قد أصبحت له أجندة خاصة 
تعبر عن مصالح ورؤى مختلفة عن مصالح المصريين وتطلعاتهم.. فهو لا يرى في 
حماس إلا الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين» وبالتالي» فإن أي انتصار تحققه 
سيدعم الإخوان في مصر.. ومن ناحية أخرىء فقد بنى النظام المصري إستراتيجيته 
منذ كامب ديفيد على أن إسرائيل قوة لا تقهر. وبالتالي فإن الاستجابة لمطالبها عين 
العقل.. وهذه النظرية تربكها بشدة فكرة المقاومة» خصوصا لو حققت انتصارا.. ومن 
ناحية ثالثة» فقد تعلم النظام المصري أن إرضاء إسرائيل يجلب معه رضا الولايات 
المتحدة والدول الغربية جميعا. وكلها أشياء أساسية في نجاح مخطط التوريث الذي 
يعد له على قدم وساق.. 


كل هذه الاعتبارات دفعت بالنظام المصري إلى أن يشترك عمدا في حصار 
الفلسطينيين في غزة.. فقد أغلق معبر رفح الذي كان ممكنا تخفيف الحصار من 
خلاله.. وقد ظل المعبر مغلقا تماما قبل المذبحة» وتم منع عدة قوافل مصرية تحمل 
أغذية من العبور.. أما المذبحة وبعدهاء فلم يكن المعبر مفتوحا بشكل متواصل أبدا.. 
وآخر الشهود على ذلك هو النائب حمدين صباحى الذي ذهب على رأس قافلة أغذية 
فمنعته السلطات المصرية من العبور وشاهد بنفسه عشرات من قوافل الأغذية معلقة 
على المعبر منذ أسبوعين كاملين.. ولعلنا نذكر هنا الجملة التي صرحت بها وزيرة 
خارجية إسرائيل عندما قالت: (إننا نشترك مع كثير من الأنظمة العربية في الأهداف 
والمصالح». 

سادسًا: بقدر ما كان الدور المصري سلبيا ومؤسفا تحركت الآلة الإعلامية الحكومية 
العملاقة لتبث موجات من الأكاذيب في أذهان المصريين.. قالوا أولًا: إن مصر ليس 
من.حقها فتح معبر رفح طبقا لاتفاقية المعابر التي وقعت عليها عام 235٠١4‏ ثم تبين 
أن مصر لم توقع هذه الاتفاقية من الأساسء بل إن الاتفاقية نفسها لم يتم تجديدها 
فسقطت من تلقاء نفسهاء كما قال الدكتور عبد الله الأشعل أستاذ القانون الدولي.. بعد 
ذلك لجأ الإعلام المصري إلى كذبة أخرى فقال: إن فتح المعبر سيؤدي إلى توطين 
الفلسطينيين في سيناء.. وهذا الكلام لا مثيل لسخافته» لأن المطلوب لم يكن إدخال 
الفلسطينيين إلى مصرء وإنما إدخال الغذاء والدواء إلى الفلسطينيين.. ولما انكشفت 
هذه الأكاذيب جميعاء لجأ الإعلام المصري إلى أكثر الأكاذيب وقاحة» فأكد أن المعبر 
مفتوح بالفعل ولم يغلق قط. 

وهذه استهانة غير مسبوقة بعقول المصريين وحقهم في أن يعرفوا ما يحدث في 
بلادهم.. وقد صاحب كل هذه الأكاذيبء الكثير من الخلط والتشويش: فقد اختلط 
مفهوم الرئيس بالوطن» وأصبح من ينتقد سياسة الرئيس مبارك كارها لمصر وحاقدا 
عليهاء كما استعمل رؤساء تحرير الصحف الحكومية؛ التي يملكها ويمولها الشعب 
المصريء كل ما في جعبتهم من شتائم بذيئة ضد كل من تجرأ واعترض على سياسة 
الرئيس مبارك.. بدءا من حسن نصر الله إلى بشار الأسد.. وتم حشد الكتبة المنافقين 
ومن قدمتهم وسائل الإعلام باعتبارهم خبراء لكي يكيلوا الشتائم لكل من عارض 
١5‏ 


اشتراك مصر في حصار غزة.. وقد تُوجت هذه الحرب الإعلامية بمشهد من الكوميديا 
السوداء (وهو مصطلح في المسرح يعني أنك ستضحك ثم تشعر بالحزن) عندما 
اصطحب السيد فتحي سرور نواب الحزب الوطني إلى منزل الرئيس مبارك» وذلك 
ليعبروا لسيادته عن مبايعتهم وتأييدهم الكامل غير المشروط لسياسته الحكيمة أثناء 
المذبحة.. ونحن نتساءل: متى أعلن فتحي سرور عن معارضته للرئيس مبارك حتى 
يعلن الآن عن تأييده له؟ هل تحفظ فتحي سرور مرة واحدة في حياته على أي شيء 
فعله أو قاله الرئيس مبارك؟ الإجابة أن فتحي سرور ونواب الحزب الوطني جميعاء 
يعتبرون كل ما يصدر عن الرئيس مبارك آيات على حكمته وعظمته وزعامته.. فما 
الحاجة الآن إلى إعلان تأيبده في موضوع غزة؟ إلا أن يكون المراد إعلان التأييد على 
التأييد.. وزيادة الخير خيرين كما يقال. 


أخيرًا: ما العمل؟ قرأت منذ أعوام مقالا لباحث إستراتيجي إسرائيلي يحلل فيه 
المشهد السياسي العربي, أكد فيه أن تطبيق ديمقراطية حقيقية في العالم العربي سوف 
يحمل خطرا داهما على مصير إسرائيل ووجودها.. ليس لآن الانتخابات النزيهة سوف 
تدفع بالإسلاميين إلى السلطة» فهو ليس من أنصار هذا الرأي» وهويرى أن الإسلاميين 
فى مصر لن يحصلوا فى الانتخابات على أكثر من ثلث مقاعد البرلمان» لكن المشكلة 
في رأيه أن الحكومات المنتخبة تستند إلى قاعدة شعبية حقيقية والرؤساء المنتخبون 
يستمدون قوتهم من تأييد الشعب وليس من قدرتهم على قمعه؛ وبالتالي لن تستطيع 
إسرائيل أن تفرض عليهم إرادتها كما تفعل بسهولة مع الحكام الاستبداديين (قارن 
بين الموقف العظيم المشرف الذي اتخذه رئيس الوزراء التركي المتتخب ومواقف 
الآخرين المخزية). 

إننا لن نسترد كرامتنا وقدرتنا على التأثير فى الأحداث داخل مصر وخارجهاء إلا 
إذا انتزعنا حقنا في اختيار من يحكمنا.. عندئذ فقط سوف تتوقف إسرائيل عن ذبح 
أطفالنا. 


١١ 


أيها المصأهةه.. مصر 
تتطلع إليكم فلا تخذلوها 


عزيزي القارئ» تخيل أنك قاضء وأن الحكومة قد عهدت إليك بالإشراف على 
انتتخابات مجلس الشعب.. أنت تعلم ‏ مثل المصريين جميعا ‏ أن كل الانتخايات 
في مصر تزورها الحكومة لصالح مرشحيها وأن الاستفتاءات التي يستند إليها رئيس 
الجمهورية ليبقى في السلطة» مزورة من أولها إلى آخرها.. لكنك كقاضء واجبك أن 
تتحقق من نزاهة الانتخابات.. وقبل الانتخابات بقليل جاء إليك مسئول رفيع لينصحك. 
بطريقة مهذبة وودية للغاية» بأن تركز اهتمامك على ما يحدث داخل اللجنة الانتخابية 
وليس ما يحدث خارجها.. لم يطلب هذا المسئول منك ‏ لا سمح الله أن تشترك 
بنفسك في تزوير الانتخابات» كل ما هو مطلوب أن تتحقق من سلامة الإجراءات 
الانتخابية كما تشاء» ولكن داخل اللجنة وليس خارجها.. أنت بخبرتك كقاضء تعلم 
تماماما سوف يحدث: سوف يقف رجال الأمن خارج اللجنة ليمنعوا الناخبين جميعا 
من الدخول ما عدا المؤيدين للحزب الحاكم. 

إنها إذن» مسرحية مشينة وأنت كقاض ستكون مشاركا فيهاء سوف يتولى الأمن 
ضرب الناس واعتقالهم في الخارج بينما تجلس أنت في الداخل لتضفي بوجودك 
مظهرا شرعيا كاذبا على انتخابات تزوّر فيها إرادة الأمة.. فى هذه الحالة» أيها القاضى»؛ 
أنت أمام اختيارين: إما أن تشترك في الجريمة وتكون قد خنت الأمانة وخالفت 
ضميرك وحمّلت نفسك ذنبا عظيما أمام الله.. وإما أن تصر على متابعة الانتتخابات 
داخل اللجنة وخارجها وأن تمنع التزوير أو تفضحه كما يقتضيك شرف القاضي.. 
الاختيار بين الموقفين صعب لأن القاضي في مصر ليس مستقلا عن الحكومة فهي 
١‏ 


تتدخل في شئونه وتملك ثوابه وعقابه بل تدمير مستقبله أيضا إذا أرادت.. فرواتب 
القضاة تصرف من وزارتي المالية والعدلء التابعين لرئيس الدولة الذي يسعده كثيراء 
طبعاء أن يستأثر أتباعه في الحزب الوطني بكل المقاعد في مجلس الشعبء كما أن 
إدارة التفتيش القضائي ‏ وهي الجهة المختصة بمحاسبة القضاة وعقاب المخطئين 
منهم تابعة بالكامل لوزير العدل؛ الذي يعينه رئيس الجمهورية أيضا بنفسه.» أضف 
إلى ذلك أن وزير العدل يستطيع أن يكافئ من يعجبه من القضاة بانتدابهم كمستشارين 
في الوزارات المختلفة» مقابل رواتب تبلغ أضعاف رواتبهم الأصلية.. كل ذلك يجعل 
الاختيار صعبا أمام القاضي المشرف على الانتخابات» أمامه العدل والحق من ناحية 
ومن ناحية أخرى أمامه سيف المعز وذهبه. 

والقاضي إنسان ورب أسرة لديه التزامات» ومطالب الأولاد تلح عليه» ويشكو- 
مثلنا جميعا ‏ من الغلاء وصعوبة المعيشة.. وفي مثل هذه الظروف فإن من يتمسك 
بأداء واجبه من القضاة ليس مجرد إنسان شريف وإنما هو بطل حقيقيء والأبطال في 
التاريخ الإنساني قلة من البشر أوتوا الصلابة والقدرة على الدفاع عن الحق إلى النهاية 
مهما يكن الثمن» ولا يمكن أن نطالب الناس جميعا بالبطولة لآن ذلك مخالف لطبيعة 
البطولة وطبيعة الناس.. ولكن في مصر العظيمة» يحدث أحيانا أن يتجلى معدن شعبها 
الأصيل النادر فتتكسر القواعد الإنسانية ويحدث ما يشبه المعجزات.. فقد اختار قضاة 
مصر أن يدافعوا عن الحقّ مهما يكن الثمن.. وسوف تسجل صفحات التاريخ» بفخر 
وإعزاز» أن قضاة مصر رفضوا أن يشاركوا في مسرحية تزوير الانتخابات» وقد انعقدت 
الجمعية العمومية الشهيرة عام ٠١١4‏ التي حضرها أكثر من خمسة آلاف قاضء دخلوا 
إلى القاعة باعتبارهم قضاة يمثلون القانون وخرجوا منها أبطالا حقيقيين يمثلون إرادة 
الأمة في الحق والعدل والحرية. لم يفكر هؤلاء القضاة في المزايا التي تقول الحكومة 
إنها ستغدقها عليهم لو أغمضوا أعينهم عن التزوير» بل فكروا فقط في معنى الشرف. 
في مسئوليتهم أمام الله والوطن والشعب المصري.. فأعلنوا رفضهم للإشراف على 
الانتخابات ما دامت لم تتوافر ضمانات حقيقية لعدم تزويرهاء وطالبوا بالاستقلال 
الكامل للقضاء عن وزارة العدل ورئيس الدولة. 


١6 


وتحول رموز نادي القضاة بين يوم وليلة إلى رموز للمصريين جميعا. 

ولا أعتقد أن النظام في مصر قد انزعج أو ارتبك من حدث مثل مطالبة القضاة 
باستقلالهم: أولا لأن القاضي يشغل في الوجدان المصري مرتبة جليلة ورفيعة تؤهله 
بسهولة للزعامة» وثانيا لأن القضاة أثبتوا أنهم غير قابلين للشراء ولا للتهديد مما 
يجعل إخضاعهم لأهواء النظام مستحيلاء وثالثا لأن النظام يعلم أن استقلال القضاء 
لو تحقق فإن مصر كلها ستتغير» في ظل قضاء مستقل ستنتهي المحسوبية والوساطة 
والاستثناءات» ولن يفلت فاسد مهما كبر منصبه من المحاكمة» سوف يحاسب الناس 
جميعا بموجب قانون واحد وأمام قاض عادل لا سلطان عليه إلا لضميره. 


إذا استقل القضاء في مصر سيكون بمقدور أصغر وكيل نيابة أن يحقق مع أكبر 
مسئول في الدولة مثل أي مواطن عاديء إذا استقل القضاء سوف يتوقف اعتقال 
الناس وتعذيبهم وإهدار كرامتهم في أقسام الشرطة ومقارٌ أمن الدولة» وسوف ينتزع 
المصريون حقهم الطبيعي في انتخاب من يمثلهم ومن يحكمهم. 

هكذا وجد النظام نفسه في مأزق وهو الذي كان يتصور أن القضاة مثل أناس كثيرين. 
سوف يفضلون مصالحهم الشخصية على الحق والعدل. 

وتم شن حملة شرسة للتنكيل بنادي القضاة وتشويه صورته أمام الرأي العام بكل 
الوسائل» وانطلق كتبة النظام والطبالون والزمارون ليتهموا القضاة الشرفاء بالعمل 
بالسياسة.. وهذا كلام سخيف متهافت لأن استقلال النظام القضائي عن السلطة 
التنفيذية» في العالم كله؛ ليس مطلبا سياسيا وإنما هو الشرط المهني الأول لمهنة 
القاضي. 

فلا قيمة ولا مصداقية للقضاء إذا لم يكن مستقلا. 

إن القاضي المطالِب باستقلال القضاءء أشبه بجَرّاح دخل إلى حجرة العمليات 
لينقذ حياة المرضى فوجد جهاز التعقيم معطلاء فهل إذا طالب هذا الجراح بإصلاح 
جهاز التعقيم يكون مشتغلا بالسياسة؟! أم أنه يطالب بشرط مهني أساسي يستحيل 
العمل في غيابه؟! 
١5‏ 


يوم الجمعة المقبل سوف يتوجه آلاف القضاة للإدلاء بأصواتهم لاختيار مجلس 
الإدارة الجديد لنادي القضاة... وقد حشد النظام كل قوته وأتباعه لإسقاط تيار 
الاستقلال في نادي القضاة الذي يمثله المستشار هشام جنينة وزملاؤه. 

الشائعات تملا الأوساط القضائية عن مزايا كثيرة سوف تنهال على القضاة إذا 
امتنعوا عن انتخاب القضاة الإصلاحيين: سيارات بأحجام وألوان مختلفة وأراض 
زراعية وشقق وقصور وفيلات وشاليهات تطل على البحر الأحمر والبحر الأبيض. 

وهذه العروض من رجال النظام تدل على أنهم لا يفهمون كيف يفكر القضاة في 
مصر. 

فالذين رفضوا أن يتواطتئوا على تزوير الانتخابات ونزلوا بأوسمتهم بالآلاف 
ليعلنوا للعالم أن في مصر قضاءً شريفًا عادلاء لا يمكن أن تضعف إرادتهم أمام سيارة 
بالتقسيط. 


عو 


أضف إلى ذلك أن المصريين جميعا يعلمون أن كل هذه وعود فى الهواء لن تتحقق 
أبداء فالحكومة لم تف بوعودها قط مع أية نقابة مهنية (هل تذكرون وعد الحكومة 

إن انتخابات نادي القضاة يوم الجمعة المقبل» لا تخص نادي القضاة وإنما هي ملك 
لمصر كلهاء لأن ما يحدث فى نادي القضاة سيحدد ما سوف يحدث فى مصر. 


إن ملايين المصريين الذين عقدوا أملهم في التغيير على استقلال القضاء.. الذين 
ساندوا حركة القضاة بكل مشاعرهم وقوتهم, الذين تحملوا ضربات الأمن المركزي 
والاعتقال والتنكيل وهم يهتفون بحياة القضاة» كل هؤلاء ينتظرون من القضاة يوم 
الجمعة المقبل أن يكملوا مسيرة الشرف التي بدءوها عام 50 .٠٠٠١‏ مصر نفسهاء مصر 
المنهوبة المستباحة من الفساد والاستبداد» مصر الممنوعة من اختيار حكامها ومن 
تقرير مصيرهاء مصر المظلومة تترقب العدل, والعدل لن يتحقق إلا بأيديكم. 


أيها القضاة.. مصر تتطلع إليكم فلا تخذلوها. 





هل المصريون فايلون للاستيداد ؟0 


وفاة مواطن واحد ضحية لاعتداء ظالم من الشرطة؛ أدت إلى اندلاع انتفاضة كبرى 
في اليونان.. وفي العالم كله. ما إن تحاول أي حكومة تزوير الانتخابات حتى ينزل 
ملايين المتظاهرين في الشوارع.ء ولا تهدأ ثورتهم حتى يتم إلغاء الانتخابات وتقديم 

بالمقابل» فإن ما يحدث فى مصر يعتبر فريدا من نوعه. 

فالانتخابات تزور بانتظام. والضحايا يتساقطون يوميا من جراء تعذيب الشرطة. 
ونصف المصريين على الأقل يعيشون تحت خط الفقر» بل إن ضحايا الفساد والإهمال 
من شهداء العبّارات الغارقة والقطارات المحترقة» والمبيدات المسرطنة؛ قد فاق عددهم 
شهداء مصر في كل الحروب التي خاضتها. 

هذه المظالم تكفي لاندلاع عشر ثوراتء لكنها في مصر لم تؤد حتى الآن إلى 
كل يوم. إلا أنها مع ذلك تظل أقل بكثير من جحيم معاناة المصريين» مما يدفعنا إلى 
التساؤل: هل المصريون بطبيعتهم قابلون للاستبداد. وأكثر استعدادا للإذعان والخضوع 
من الشعوب الأخرى؟ ! 

الإجابة نجدها في التاريخ.. فقد خاض المصريون نضالا طويلا مريرا ضد الاحتلال 
البريطانى» ودفعوا ثمنا باهظا وقدموا آلاف الشهداء حتى أرغموا بريطانياء أكبر قوة 
استعمارية على وجه الأرض آنذاك؛ على أن ترحل عن مصر.. وهذا واحد من عشرات 
الأمثلة التاريخية» يدل على أن الإذعان للظلم ليس عيبا خلقيا في طبيعة المصريين» 


1١4 


وإنما هو حالة طارئة مستحدثة جعلت المصريين يبدون الآن وكأنهم شعب خاضع 
مذعن, قدرته على تحمل الظلم بلا حدود.. وظاهرة إذعان المصريين ترجع في رأبي 
إلى سببين: 

أولا: بالرغم من الاحتلال البريطاني واستبداد القصرء فإن القمع الذي مورس على 
المصريين قبل ثورة ١5407‏ أقل بكثير من ذلك الذي مارسته عليهم حكوماتهم الوطنية.. 
وقد كان والديء الكاتب الراحل عباس الأسوانيء من الناشطين في حركة مصر الفتاة» 
مما أدى إلى اعتقاله بشكل مننظم خلال الأربعينيات؛ فلم يتعرض للتعذيب مرة واحدة 
أثناء اعتقاله» بل إنه في يناير ١94057‏ قبض عليه بتهمة التحريض على حريق القاهرة 
(وكانت عقوبتها الإعدام آنذاك) فتم احتجازه في سجن الأجانب» حيث تلقى مع بقية 
المتهمين معاملة إنسانية كريمة» وكانت أسرته تبعث له بالغداء يوميا من أفخم مطاعم 
القاهرة» وتمده بالسجائر الأجنبية من النوع الذي يفضله.. ولا يمكن مقارنة ذلك. 
إطلاقاء بالتعذيب البشع الذي تعرض له المعتقلون السياسيون على أيدي حكوماتهم 
الوطنية بدءا مع عهد عبد الناصر وحتى الآن. 

بل إن حادثة دنشواي التي درسناها في المرحلة الابتدائية كدليل دامغ على جرائم 
الاحتلال البريطاني» تعتبر فعلة هينة إذا قورنت بالجرائم التي يرتكبها اليوم ضابط 
واحد من زبانية أمن الدولة في حق أبناء وطنه.. وهنا يتضح أن القمع المروع غير 
المسبوق الذي تعرض له الإنسان المصري منذ الثورة حتى الآن» قد أدى لأسف 
إلى كسر روح المبادرة في نفوس المصريين. لقد استبعدت الدولة البوليسية الإنسان 
المصري تماما من المشاركة الحقيقية في أحداث بلاده.. وقد تربت أجيال متعاقبة 
من المصريين على الانسحاب الكامل من العمل العام» وانتشرت روح اليأس من 
التغيير» واستقر في يقين المصريين أنه لا جدوى من الاعتراض على الحاكم, لأنه 
سوف يفعل ما يريده شتئنا أم أبيناء بل إن قطاعا عريضا من المصريين يعتبر العمل 
بالسياسة دليلا على السذاجة أو الحماقة التي لن تجر على صاحبها إلا المصائب... 
وأنا لا أعتبر عزوف المصريين عن العمل العام دليلا على جبنهم أو تخاذلهم.. ففي 
أي بلد في العالم» عندما يعلم المواطن أن اشتراكه في مظاهرة سيؤدي حتما إلى 
اعتقاله وضربه وتعذيبه» وقد يؤدي إلى هتك عرض زوجته أو ابنته أمام عينيه أو 


١6 


اعتقاله لسنوات.. من الطبيعي عندئذ أن يفكر ألف مرة قبل أن يشارك فى العمل 
السياسى. 


ثانيًا: منذ السبعينيات» انتشر فى مصر التفسير السلفى الوهابى للدين» وساعد على 
ذلك عوامل عديدة: استعمال أنور السادات للدعاية الدينية من أجل تدعيم نظام الحكم. 
وارتفاع أسعار البترول بعد حرب أكتوبر مما منح السعودية قوة تأثير غير مسبوقة. ثم قيام 
الثورة الإيرانية التي اعتبرها النظام السعودي خطرا محدقاء فأنفق مليارات الدولارات 
لنشر الفكر الوهابي الذي يعتبر المعادل الديني» وصمام الأمن لحكم آل سعود.. أضف 
إلى ذلك أن ملايين المصريين قد أرغمهم الفقر على العمل في السعودية والخليج 
لسنوات. عادوا بعدها وقد تشبعوا بالأفكار السلفية.. ومن عيوب الفكر السلفي أنه 
يحجب عن الناس الرؤية الموضوعية للواقع» فمهما تكن المعاناة والمظالم التى يتعرض 
لها المسلم» لن تخرج في المفهوم السلفي عن احتمالين: إما أن تكون عقابا من الله 
على ذنوب ارتكبهاء أو اختبارا من الله لمدى إيمانه وصبره على المكاره. 
مما يجعلهم أكثر استعدادا لقبول الظلم والخضوع للاستبداد. 

ولا يجب أن ننسى هنا الحصانة الكاملة التي يمنحها الفكر السلفي للحاكم.. فالرأي 
الغالب عند السلفيين وجوب الطاعة المطلقة للحاكم ما دام يؤدي شعائر الإسلام. 
حتى وإن ظَلَّم الرعية وقمعهم ونهب أموالهم.. وهذا الفهم أبعد ما يكون عن الإسلام 
الحقيقي, لكنه إرث فكري متخلف انتقل إلينا من فقهاء السلطان الذين استعملوا الدين 
لتدعيم الطغاة في عصور الانحطاط. 

على أن انتشار هذه المفاهيم قد ساعد بالتأكيد على تعطيل إرادة المصريين السياسية» 
ولعل ذلك يفسر لماذا يغضب السلفيون في مصر من مشهدٍ عار في فيلم سينمائي أو 
أغنية مصورة فيعلنون الحرب ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها.. بينما يتفرجونء فى نفس 
الوقت» على تزوير الانتخابات ومحاولات التوريث واعتقال الأبرياء وتعذيبهم. فلا 
يحركون ساكنا وكأن الأمر لا يعنيهم. والسبب في ذلك أن الفصل الخاص بالحقوق 
السياسية محذوف أساسا من كتاب الفكر السلفى. 


* ٠ 


وقد أدى هذا الفهم المغلوط للدين إلى اتساع الفارق بين المظهر والجوهر في 
حياتنا اليومية بشكل غير مسبوق. 

فانتشرت في مصر ظاهرة التدين البديل» حيث تم اختصار الإسلام العظيم في 
العبادات والمظاهر فقط.. وبدلا من الجهاد لتحقيق المبادئّ التي نزل الإسلام من 
أجلها: الحق والعدل والحرية.. اقتصر مفهوم التدين البديل على أداء الصلوات ولبس 
الحجاب والنقاب وتلاوة الأدعية وتحريم الدبلة الذهبية وما شابه ذلك» والحق أنني 
أتأمل يوم الجمعة آلاف المصريين الذين يزحفون إلى المساجد لأداء الصلاة وأتعجب: 
فهؤلاء المتدينون الخاشعون بصدقء يعتبرون أن ترك الصلاة أو شرب الخمر أو تبرج 
النساء ذنوبا عظمى لا يمكن السكوت عليها أبدا.. لكنهم في نفس الوقت يعيشون أذلاء 
تحت حكم استبدادي يزور إرادتهم ويقمعهم ويستهين بحقوقهم الإنسانية والسياسية... 
ومع ذلك لآ يجدون في ذلك الخنوع ما يجرح عقيدتهم الدينية. 

الخلاصة: أن الإنسان المصري ليس مذعنا ذليلا بطبيعته» لكن المجتمع مثل الإنسان 
يصح ويمرض.. والمجتمع المصري الآن مصاب بمرض الإذعان للظلمء نتيجة لقمع 
الدولة البوليسية والقراءة المتخلفة للدين. 

واجبنا الأهم أن نتخلص من ذلك الإذعان المشين.. عندئذ سوف نستعيد قدرتنا 
على صنع ما يحدث في بلادناء عندئذ سوف نواجه الظلم ونسقطه ونتتزع المستقبل 
الذي تستحقه مصر. 


إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. 


5١ 





ملا حظات لا تفسد الفرح 


مع احترامنا الكامل للقضاء وأحكامه. فإن الرأي الغالب في الشارع المصري أن 
الأستاذ أيمن نور قد تعرض إلى مكيدة سياسية أدت به إلى السجن.ء وأن النظام قرر 
التدكيل بأيمن نور لأنه معارض سياسي حقيقي ومؤثر استطاع أن يحقق شعبية كبيرة 
في وقت قصير ولأنه في نفس الوقت وجه مقبول لدى الدوائر السياسية الغربية وكل 
ذلك يجعل منه عقبة كبيرة أمام توريث الحكم من الرئيس مبارك لنجله جمال. 

وقد أعجب المصريون بأيمن نور عندما أثبت صلابته وشجاعته خلال المحنة. 
وبالرغم من الضغوط الهائلة التي تعرض لها في السجن لم يطأطئ رأسه ولم يذعن 
للظلم ولم يتوسل لأحد. بل ظل شامخا مرفوع الرأس إلى النهاية» كما تعاطف 
المصريون كثيرا مع زوجته العظيمة» السيدة جميلة إسماعيل التي وقفت وحدهاء 
بشجاعة مذهلة» ضد نظام سياسي كامل يريد أن يذلها ويشوهها. وقد انتتصرت جميلة 
معنويا على كل الذين أساءوا إليهاء بدءا من أكبر ضابط في الشرطة وحتى أتفه الكتبة في 
صحف الحكومة الذين أمطروها ببذاءات» لم تصبها وإنما ارتدت إليهم في نظر الرأي 
العام.. كل هذه الظروف أكسبت أيمن وجميلة تعاطف المصريين وحبهم واحترامهم.. 
من هنا كان الإفراج عن أيمن نور مفاجأة مفرحة للناس» على أن قرار الإفراج في هذا 
التوقيت وبهذه الطريقة يحمل دلالاات مهمة: 

أولا: يكرر الرئيس مبارك دائما أنه لا يتدخل أبدا في أحكام القضاءء. ويؤكد 
دائما أن القضاء فى مصر مستقل تماماء لكن ما يفعله الرئيس كثيرا ما يدل على 
غير ذلك. 


1 





فقد تم القبض على الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام وأجريت له محاكمة 
قانونية أمام القضاء المدني الطبيعي اعترف خلالها بالتجسس وتجنيد العملاء وتم 
الحكم عليه بالسجن.. لكن الرئيس مبارك استجاب لطلب إسرائيل وتجاهل حكم 
القضاء وقرر الإفراج عن الجاسوس عزام وتسليمه لإسرائيل حيث تم استقباله 
كبطل قومي. 

بعد ذلك حوكم الصحفي الكبير الشجاع إبراهيم عيسى بتهمة غريبة مطاطة هي 
ترديد الشائعات وإثارة البلبلة بسبب أنه كتب مرة أن الرئيس مبارك مريض. وصدر 
الحكم النهائي على إبراهيم عيسى بالسجن لمدة شهرين وفي اللحظة الأخيرة» أصدر 
الرئيس مبارك عفوا رئاسيا عطل الحكم القضائي ومنع الحبس عن إبراهيم عيسى.. 
وهذه المرة أيضاء بعد أن رفض الرئيس مرارا طلبات الإفراج عن أيمن نور بدعوى أنه 
لايتدخل في أحكام القضاء. إذا به يعدل عن رأيه فجأة ويقرر الإفراج عنه.. والخلاصة 
أن الرئيس يتدخل بالفعل في أحكام القضاء وأن مشيئة الرئيس أكبر من أي حكم قضائي 
مهما كانت حصانته. 

والحق أن فكرة العفو الرئاسي ذاتها تنسف القانون من أساسه لأنها ترهن تنفيذ 
الأحكام, التي هي عنوان الحقيقة» بموافقة الرئيس ورضاه. 

في الدول الديمقراطية لا يوجد عفو رئاسي وإنما يتم تنفيذ القانون على الجميع 
بمن فيهم الرئيس نفسه وأولاده. ولكننا في مصر حيث يخضع كل شيء لرغبة الرئيس 
بمافي ذلك القانون وآراء الوزراء» فالمسئولون في الحكومة الذين ظلوا يتهمون أيمن 
نور بالتزوير على مدى أعوام, ما إن أفرّج عنه الرئيس حتى تحولوا إلى النقيض وبعثوا 
إليه ببرقيات التهنئة والورود وعلب الشيكولاتة... وهم ينقلبون من الرأي إلى نقيضه 
دون أدنى إحساس بالخجل أو الذنب» لأنهم تعودوا على ألا يفعلوا ما يعتقدونه وإنما 
ما يريدهم الرئيس أن يفعلوه. 

وهذا مئال على نوع المسئولين الذين ابتليت بهم مصر.. وفي ظل تدخل الرئيس 
المتكرر في أحكام القضاء. يجب أن ندرك أهمية المعركة العظيمة التي يخوضها القضاة 
الإصلاحيون في نادي القضاة من أجل تحقيق الاستقلال الحقيقي للقضاء عن الرئيس 

53 


ووزير العدل» ونفهم أيضا لماذا حشد النظام سيف المعز وذهبه حتى يسقط القضاة 
الإصلاحيين فى الانتخابات الأخيرة. 


لأن استقلال القضاء في مصر سيؤدي إلى تغيير مصر كلها؛ في ظل قضاء مستقل 
لن يكون بمقدور الرئيس أن يزج بأي شخص في السجن عندما يريد ويطلق سراحه 
عندما يريد؛ لأن الرئيس نفسه آنذاك سيكون مجرد مواطن مصري يخضع مثل غيره 
من المصريين للقانون الذي يستوي أمامه الجميع. 

انيًا: التفسير الوحيد للإفراج عن نور الآن هو الاستجابة للضغط الأمريكي.. 
فقد نشرت الواشنطن بوستء وهي الصحيفة الأمريكية الأقرب للبيت الأبيضء أن 
الرئيس أوباما قد ربط استقباله للرئيس مبارك في البيت الأبيض في إبريل القادم 
بشرطين محددين هما: الإفراج الفوري عن أيمن نورء وإسقاط التهم الموجهة 
ضد الدكتور سعد الدين إبراهيم وتأمين عودته إلى مصر» ولأن النظام في مصر 
على استعداد لأن يفعل أي شيء حتى يحتفظ بالرضا الأمريكي فقد تم الإفراج عن 
أيمن نور بسرعة بالغة» وهرول المسئولون في الشرطة لإخراجه من السجن حتى 
دون استيفاء الإجراءات القانونية» واصطحبه أحد الضباط بسرعة في سيارة وألقى 
به أمام منزله» وكأن صاحب القرار في مصر يتعجل اللحظة التي يؤكد فيها للرئيس 
أوباما أن طلبه قد تم تنفيذه كما أراد. 


المًا: ما حدث يدل على أن الرئيس أوباما سوف يكون مختلفا عن جورج بوش في 
م 26 ع 5 14 سي 3 * - 
المصريين الذين قضوا أعواما طويلة في السجونء تحت التعذيب والقهرء دون محاكمة 

هؤلاء البؤساء وأسرهم لا يتحدث عنهم أحد ولا يطلب أحد الإفراج الفوري عنهم 
ولا يعتبر أحد أن التنكيل بهم مخالف للمبادئ الديمقراطية.. وتُذكر أيضا بالإخوان 
المسلمين الذين يقبض عليهم ويعذبون في السجون وتصادر أموالهم وتتشرد أسرهم 
مجدي أحمد حسين الذي قبض عليه وحوكم أمام القضاء العسكريء بكل ما يعني 
:؟ 


هذا من انتهاك لمبادئ القانون وحقوق الإنسان, ثم حكم عليه بالسجن لمدة عامين 
بتهمة الدخول إلى غزة ومناصرة أهلها بعد المذبحة التي تعرضوا لها على أيدي 
الصهاينة.. وكأن أداء الواجب الوطني والأخلاقي نحو إخواننا في العروبة والدين قد 
أصبح جريمة في مصر. 

المطالب الأمريكية للديمقراطية فى مصر إذن انتقائية وعوراء وناقصة.. والإدارة 
الأمريكية الجديدة تبدو وكأنها لا تهتم إلا بمصير شخصين في مصر هما أيمن نور 
وسعد الدين إبراهيم والسبب في ذلك أن عشرات الألوف من المعتقلين الآخرين بما 
في ذلك مجدي أحمد حسينء ينتمون جميعا إلى التيار الإسلامي.. وهؤلاء فيما يبدو 
لا تجد الإدارة الأمريكية غضاضة في اعتقالهم وتعذيبهم وتشريد أولادهم بدليل أنها 
لم تطلب قط الإفراج عنهم كما فعلت مع نور وسعد الدين. 

هذه ملاحظات وجدت من الواجب ذكرها لكنها لا تقلل أبدا من فرحتنا باسترداد 
أيمن نور لحريته ولا تقلل أبدا من حرارة التهنئة له ولأسرته. 

والحق أن الذي يستطيع أيمن نور أن ينجزه في مصر كثير ومهم. 

ونحن في انتظاره. بعد فترة نقاهة يستحقهاء لكي ينضم إلى كتيبة المدافعين عن 
الحق والعدل والحرية. 


حتى تتحقق الديمقراطية في بلادنا ويسترد المصريون جميعا حريتهم. 





زيارة الأستاذ جمال 


في الشهر الماضيء نُشر أن الرئيس مبارك سوف يزور الولايات المتحدة في شهر 
إبريل المقبل.. ثم نشرت الصحف الأمريكية أن على إدارة الرئيس أوباما أن تشترط 
على الرئيس مبارك أمرين حتى تتم الزيارة: أولا الإفراج عن أيمن نور. وثانيا إسقاط 
التهم عن سعد الدين إبراهيم والسماح بعودته إلى مصرء ثم دخل أقباط المهجر على 
الخط فطلبوا تحقيق عدة مطالب للأقباط مقابل إتمام الزيارة المرتقبة.. ثم تردد أن إدارة 
أوباما قد عادت وفرضت شروطا جديدة للزيارة منها إلغاء قانون الطوارئ والإفراج 
عن المعتقلين السياسيين في مصر. 

ومع تزايد الضغوط والشروط أعلن رسميا أن الرئيس مبارك قرر تأجيل زيارته من 
شهر إبريل إلى شهر يونيو.. ثم حدثت مفاجأة غريبة.. فتم الإعلان عن أن الذي سيزور 
أمريكا قريبا ليس الرئيس مبارك وإنما نجله السيد جمال مبارك الذي سوف يصحب 
معه مجموعة من الوجوه البارزة في الحزب والحكومة» وذلك بغرض الالتقاء بأعضاء 
الكونجرس ومن تيسر من المسئولين في البيت الأبيض والتشاور معهم فيما يحدث 
في مصر والشرق الأوسط. 

والحق أن زيارة جمال مبارك إلى الولايات المتحدة بهذا الشكل تطرح أسئلة 
عديدة: 

أولا: ما هي الصفة الدستورية للسيد جمال مبارك» الذي سيتحدث من خلالها 
باسم المصريين مع المسئولين الأمريكيين؟! هل كونه ابنا للرئيس مبارك يعطيه الحق 


535 


في رئاسة وفد يضم وزراء ومسئولين ليتحدث باسم بلاده في المحافل الدولية؟! 
المعروف أن قرابة الرئيس ليست منصباء وهي لا تمنح أي صفة دستورية إطلاقا؛ 
فالسيدة حرم الرئيس وأولاده لا يكتسبون بدرجة قرابتهم أي صفة تؤهلهم لمثل 
الذي سيفعله جمال مبارك في زيارته لأمريكا... نحن نفهم أن يذهب الابن بدلا من 
والده في مناسبة اجتماعية أو في واجب عزاء ولكن ليس في لقاءات مع مسئولين 
دوليين يتوقف عليها مصير ملايين المصريين.. بأي صفة إذن يسافر جمال مبارك 
إلى أمريكا؟! 

الإجابة الحكومية الجاهزة هنا أن جمال مبارك لا يشغل منصبا في الدولة هذا 
صحيح. لكنه أمين لجنة السياسات في الحزب الوطني ومن حقه بصفته الحزبية أن 
يلتقي بمن يشاء. 

وهذه الإجابة تستدعي تناقضا أكبر.. فإذا كان جمال مبارك يسافر بصفته الحزبية 
فقط» فالمفترض أن ما يسري عليه يسري على الآخرين. 

فهل يجوز للدكتور عبد الحليم قنديل ممثلا لحركة كفاية أو للسيد رئيس حزب 
الوفد أو لمرشد الإخوان المسلمين أو غيرهم من المعارضينء أن يسافروا إلى 
أمريكا ويلتقوا بأعضاء الكونجرس ليتشاوروا معهم في الإصلاح الديمقراطي في 


مصر؟! 


طبعا لو حدث ذلك لقامت الدنيا عليهم ولاتهمتهم الحكومة بالعمالة للأمريكيين 
والاستقواء بالأجنبي ولتمت محاكمتهم بتهم الإساءة إلى سمعة مصر والحض على 
كراهية النظام وإثارة البلبلة وتهديد السلم الاجتماعي» وغيرها من التهم المطاطة 
الجوفاء التي تستعملها الحكومة للتذكيل بمن يعارضها. 
السيد جمال مبارك» حتى بصفته الحزبية» يتمتع في هذه الزيارة بوضع استثنائي 
مميز. فهو يتحدث عن مصر وباسمها بدون أن يفوضه أحد في ذلكء ببساطة لأنه ابن 
الرئيس الذي يعد نفسه لكي يرث عنه الحكم. 
1" 





ثانيًا: إذا كانت هذه الزيارة حزبية وليست رسمية.. فلماذا تعمل السفارة المصرية 
في واشنطنء بل ووزارة الخارجية كلهاء ليل نهار من أجل الإعداد لزيارة جمال 
مبارك؟! 


وهل كان السفير المصري في واشنطن أو وزير الخارجية أبو الغيط سوف يفعلان 
نفس الشيء لو طلب منهما رئيس حزب معارض أن يعدا له لقاءات مع المسئولين 
الأمريكيين؟ 

ثم هناك سؤال أهم.. من الذي يدفع نفقات هذه الزيارة؟ هل تدفعها الحكومة 
المصرية من ميزانية الدولة أم يدفعها الحزب الوطني أم يدفعها السيد جمال مبارك 
من ماله الخاص؟ ! ظ 


وما هي الحدود بين مال الحزب الوطني والمال العام الذي يقتطع من دافعي 
الضرائب المصريينت؟ 

في الدول الديمقراطية يوجد قانون اسمه حرية المعلومات يتيح لكل مواطن معرفة 
كل ما تنفقه الحكومة بل حجم الثروات والمدخرات للمسئولين في الدولة وأولادهم 
وأقاربهم. لكننا في مصر لا يجوز لنا أن نعرف شيئا من ذلك... فالسيد جمال مبارك 
يصطحب الوزراء في طائرته ويسافر إلى دول العالم ليتحدث باسمنا بدون أن نفوضه 
أو نطلب إليه» وليس من حقنا أن نعرف من يدفع نفقات هذه الرحلات» بل ليس من 
حقنا أساسا أن نعرف مقدار ثروات المسئولين في الدولة وأولادهم وأنواع الأنشطة 
التي قاموا بها من أجل تكوين ثرواتهم. 

نحن لاانعرف شيئا ولا يجوز لنا أن نعرف شيئا ولايُعتبر المسئولون في الدولة أنفسهم 
ملزمين بأي توضيح أو تفسير للمصريين عن الطريقة التي ينفقون بها أموالهم. 

إن هذه الزيارة تدل للأسف على أن السيد جمال مبارك قد بدأ فعلا في ممارسة 
صلاحيات رئيس الدولة. لأنه عندما زار الولايات المتحدة في عام 27٠٠١5‏ كانت الزيارة 
سرية ولماتم الكشف عنها بالمصادفة قيل آنذاك في تفسيرها إن جمال مبارك كان ذاهبا 


58 


إلى أمريكا لتجديد رخصة قائد طائرته الخاصة. أما هذه المرة فإن السيد جمال مبارك 
لا يتحرج في الإعلان عن زيارته ولقاءاته مع الإدارة الأمريكية ممثلا لمصر. 

ووفقا لما ينشر في الصحافة الأمريكية فإن جمال مبارك فى زيارته؛ السرية والمعلنة 
لا يخرج ما يقوله للمسئولين الأمريكيين عن أمور ثلاثة: 

أولا: يشرح لهم فكره الاقتصادي الليبرالى» ويؤكد أنه سيدخل ببلادناء لأول مرة 
الإدارة الأمريكية على دعم التوريث. 

ثانيًا: يؤكد لهم أنه لو أجريت انتخابات نزيهة فى مصر الآن فإن الإخوان المسلمين 
سوف يفوزون باكتساح وبالتالى سوف تجد أمريكا نسخة أخرى من حركة حماس 

وهذا الكلام يعتقد الأستاذ جمالء فيما يبدو أنه سوف يجعل أمريكا تتوقف عن 

أما الموضوع الثالث: فهو أن الإصلاح السياسي في رأي جمال مبارك يجب أن 
يأتي بعد الإصلاح الاقتصادي. 

ولما كان الإصلاح الاقتصادي يستغرق أعواما طويلة فلا مجال للحديث عن 
الإصلاح السياسي الآن. 

كل هذا يثير الحزن على الحال التى وصلت إليها بلادنا. 

مصر العظيمة» الغنية أكثر من أي بلد آخر بالطاقات والكفاءات والمواهب. يراد لها 
أن تتحول إلى مجرد إرث ينتقل من الأب إلى الابن وكأنها عقار أو مزرعة دواجن. 

والمصريون الذين ناضلوا طويلا وقدموا آلاف الشهداء من أجل الاستقلال 
أمة من الأطفال أو فاقدو الأهلية. 


>39 


إن المعاني التي تحملها زيارة جمال مبارك إلى أمريكا تحمل إساءة بالغة إلى مصر 
والمصريين» ونحن نرفض هذه الزيارة قبل أن تبدأ لأن فيها اعتداء على الحق الأصيل 
للمصريين في أن يختاروا من يحكمهم ومن يتحدث باسمهم. 

وأخيراء فإن كل هذه الخطط والمناورات من أجل توريث الحكم لن تنجح أبدا 
ولسوف تنتصر الديمقراطية في مصر كما انتصرت في كل أنحاء العالم. 


لأن الديمقراطية هى الحق.. والحق لا بد أن ينتصر. 


باريس صد الحجاب 


على مدى ثلاثين عاماء سافرت إلى باريس عشرات المرات وفي كل مرة أكتشف 
فيها جانبا جديدا وجميلا. باريس هي مدينة النور. مدينة الثقافة والفن. مستحيل أن 
تتابع كل الكتب والمسرحيات والحفلات الموسيقية والأفلام التي تصدر في باريس؛ 
لأنها بلا حصر. 
الفرنسيون متميزون عن شعوب العالم أجمع بذلك الاحترام العميق للفن والأدب. 
وقراء الأدب في فرنسا أكبر من قراء الأدب في أي بلد آخر. كما أن الثقافة الفرنسية 
شكلت رافدا أساسيا في ثقافتنا المصرية.. أكتب هذا المقال الآن من حجرتي بفندق 
روليه سان جيرمان وأمامي ميدان الأوديون الشهير أتطلع إليه من خلال النافذة وأتخيل 
أسماء الذين مروا من هنا: توفيق الحكيم وطه حسين ومحمد مندور ويحيى حقي 
وعبدالرزاق السنهوري وعلي بدوي وعبد الرحمن بدوي... وغير هؤلاء. 
مثقفون كثيرون جاءوا ودرسوا في جامعة السوربون وعادوا ليضيئوا سماء الثقافة 
في مصر.. هذه المرة جئت إلى باريس مدعوًا من ناشري الفرنسي (دار أكت سود) 
بمناسبة صدور الترجمة الفرنسية لكتابي «نيران صديقة»» سأقوم بإذن الله بجولة لتقديم 
الكتاب في عدة مدن فرنسية منها باريس ومارسيليا وأرل» وبروكسل في بلجيكا. كما 
تم تنظيم أسبوع ثقافي لتكريم شخصي المتواضع اشترك فيه أساتذة الأدب من جامعة 
السوربون ومعهد اللغات الشرقية ومعهد الدراسات الإسلامية في باريس. 
أقيمت خلاله حلقات بحثية تحت عنوان (أثر عمارة يعقوبيان على الرواية العربية» 
وقامت بالإعداد لهذا الأسبوع الدكتورة كاميليا صبحي مديرة المركز الثقافي في باريس؛ 
5١‏ 


وهي شخصية مصرية مُشْرّفة تبذل مجهودا جبارا من أجل تقديم الثقافة المصرية» وقد 
اكتسبت احترام الفرنسيين والمصريين جميعا.. أول ما لاحظته فى باريس هذه المرة 
تزايد الكراهية للعرب والمسلمين بشكل غير مسبوق. 

يتحرشون بمعنى الكلمة بكل سيدة محجبة وأي شخص يحمل ملامح عربية.. وفي 
مطار شارل ديجول وبقية المطارات الفرنسية» يكمن رجال الشرطة الفرنسيون فى 
كل مكان وما إن يلمحوا نساء محجبات أو رجالا عربا حتى ينقضوا عليهم وكأنهم 
ضبطوهم متلبسين بجرم.. يسحبونهم بفظاظة جانبا دون بقية الناس» ويمطرونهم بأسئلة 
يوم وفي كل مكان؛ في الشارع وفي المترو ومحطات القطار... وقد أكد لي أصدقائي 
الفرنسيون أن الرئيس ساركوزي منذ أن كان وزيرا للداخلية قد أعطى رجال الشرطة 
تفويضا مطلقا لكي يفعلوا بالعرب والمسلمين ما يشاءون. بل إنه أعلن بوضوح أنه 
لا يريد العرب والمسلمين فى فرنسا. وبالتالى فإن هذه المعاملة المهينة لا تستهدف 
تطبيق إجراءات الأمن بقدر ما ترمي إلى التضيبق على العرب والمسلمين وإشعارهم 
بأنهم غير مرغوب فيهم حتى يغادروا فرنسا ولا يعودوا إليها مرة أخرى.. على أن هذا 
الاضطهاد يتسق للأسف مع إحساس منتشر هنا بأن المسلمين لديهم استعداد أكثر من 
غيرهم للعنف والإرهاب. وقد حضرت في الصيف الماضي محاضرة لمستشرق فرنسي 
فوجدته يستعمل مصطلحا إسلاميا بمعنى إرهابى. فقمت أعترض على ذلك وقلت 
إن الكنيسة الكاثؤليكية بعد سقوط الأندلس» قد اخترعت محاكم التفتيش وارتكبت 
مذابح مروعة ضد المسلمين واليهود فهل يعطينا ذلك الحق في أن نستعمل الكاثوليكية 
كمرادف للقتل والإرهاب. أنا طبعا أتحين أي فرصة من أجل إيضاح مبادئ الإسلام 
الحقيقية لكن موجة كراهية الإسلام عالية وعاتية جدا في فرنسا (ولنا أن نتخيل أثر 
الحادث الإرهابي الأخير في الحسين الذي راحت ضحيته سائحة فرنسية شابة وكيف 
يؤكد ذلك فكرتهم عن ارتباط الإسلام بالإرهاب)» وقد أخبرتنى طبيبة مصرية محجبة 
تعمل هنا بأن بعض المرضى الفرنسيين يرفضون بشدة أن تتولى علاجهم لمجرد أنها 
نض 





الثة إنها في مكان عملها تجبرها المديرة على خلع الحجاب قبل أن تمارس العمل.. 

إذا أردتٍ أن نقبلك هنا عليك أن تخلعى هذا الذي على رأسك. 

وأكدت لى سيدة جزائرية أنها تريد أن تتحجب لكنها تعرف أن الحجاب سيؤدي 
إلى فصلها من العمل. وقالت لي صديقة فرنسية: ظ 

بصراحة.. ما إن أرى سيدة محجبة في الشارع حتى أحس بالتوتر والانزعاج 
والخوف. 00 

وفى كل المقابلات الصحفية التى أجريها هنا فإن السوال دائما يتكرر: 

ع ع8 جح 8 م م م 

أنا لست من أنصار الحجاب ولست أيضا من أعدائه.. وأنا أقيم الإنسان بأفكاره 
وأفعاله وليس بما يرتديه.. ولكننى أعتقد أن من حق المرأة أن ترتدي الحجاب إذا 
أرادت لأن ذلك يدخل في صميم حريتها الشخصية ولا يجب أن يؤثر ذلك على نظرتنا 

وبالرغم من اتساق هذه الإجابة مع الثقافة الفرنسية التي دافعت دائما عن الحريات 
فإنني كثيرا ما أرى خحيبة الأمل في عيون الصحفيين الذين يتوقعون مني أن أقول ما 
يعتقدونه: «إن الحجاب علامة على التخلف وعبودية المرأة».. كل هذا يهون أمام 
المآسى التى يعانى منها المصريون هنا فى الحصول على التأشيرة.. فبناء على تعليمات 
السيد ساركوزي أيضاء أصبح الحصول على تأشيرة الدخول إلى فرنسا من أصعب ما 
يمكن. وطالب التأشيرة فى القاهرة يتعرض إلى مضايقات وطلبات متعسفة وعادة ما 
تتأخر التأشيرة شهورا طويلة» حتى بالنسبة للمبعوثين وأساتذة الجامعة والدبلوماسيين.. 
بل إن المبعوثين المصريين في فرنسا لا يستطيعون غالبا الحصول على تأشيرة زيارة 


7 


فرنسا لأطفالهم أو زوجاتهم وهذا الأمر مخالف لقواعد التعليم الجامعي في العالم.. 
وتخيلوا حالة من يدرس للحصول على الدكتوراه لمدة قد تصل إلى أربع أو خمس 
سنوات ويعجز عن ترتيب زيارة لأولاده لمدة أسبوع واحد حتى يراهم. وضع محزن 
وغير إنساني وغير مقبول. وقد نسأل هنا: ما الذي فعلته السفارة المصرية في باريس 
من أجل حماية هؤلاء المواطنين المصريين الذين تضطهدهم السلطات الفرنسية؟! 

والإجابة: لاشيء.. سألت المصريين هنا فأجابوا جميعا بأن السفارة المصرية لا 
تفعل شيئاء بل إن بعضهم وصف السفير الحالي ناصر كامل بأنه السفير الخفي (غير 
المرئي»» لأن المصريين لا يرونه مطلقا. والحق أن هذا التصرف متوقع من سفير يمثل 
نظاما استبداديا غير متتخب.. فالسفير المصري في باريس منصب مهم قد يدفع بصاحبه 
إلى منصب وزير الخارجية في أي لحظة؛ وبالتالي فإن ما يشغل السفير هنا هو إرضاء 
الرؤساء وأصحاب النفوذ في مصر وليس الدفاع عن مصالح المصريين. 

والمصريون هنا يقولون إن السفارة المصرية تعلن حالة الطوارئ وتعمل ليل نهار 
في ثلاث حالات فقط: أولا أثناء زيارة الرئيس مبارك ونجله جمال إلى فرنساء وثانيا 
أثناء زيارة رموز النظام مثل فتحي سرور ومفيد شهاب وبقية الوزراءء وثالثا أثناء زيارة 
عمالقة الفكر مثل أسامة سرايا وممتاز القط وعبد الله كمال وأمثالهم. فهؤلاء يملكون 
تلميع صورة السفير وتزكيته عند أولي الأمر وأصحاب السلطان.. هكذا يضيع حق 
المصريين في فرنسا كما يضيع في مصر ولا حول ولا قوة إلا بالله. 

وبعد.. فهذه صورة مؤلمة لمعاناة العرب والمسلمين في فرنسا.. وجدت من 
الأمانة أن أنقلها بحذافيرها.. ولكن من الإنصاف أيضا أن أؤكد أن هذا هو الجانب 
المظلم من الصورة وهناك جوانب مشرقة ومضيئة في المجتمع الفرنسي سأحكيها 
لكم الأسبوع القادم بإذن الله. 


ل 





فرنسا.. في مفترق الطرق 


كان الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران صديقا حميما للكاتبة الفرنسية الشهيرة فرنسواز 
ساجان. وتعوّد أن يزورها في بيتها أسبوعياء فلما تم انتخابه رئيسا انتقطعت ساجان عن 
الاتصال به. وبعد عدة أسابيع اتصل الرئيس ميتران بها ليستفسر عن سبب انقطاعها 
عنه فأجابته: 

أنت صديقي يا فرنسواء لكنك أصبحت رئيسا للجمهورية» وأنا لا أطيق رؤساء 
الجمهوريات؛ لأنهم مملون ومصطنعون. 

وهنا أكد لها ميتران أنه نفس الصديق القديم» وأن المنصب لا يمكن أن يغيره. 
فاشترطت عليه ساجان أن يأتى إلى بيتها بصفته الشخصية.. وفعلا.. ترك رئيس 
الجمهورية الفرنسية أفراد حراسته بعيدا عن بيت ساجانء وحمل باقة من الزهور وسار 
على قدميه» فوجدها واقفة على الباب تنتظره واستقبلته بود كعهدها القديم. 

هذه القصة تدل على أن الكاتب في الثقافة الفرنسية يشغل مقاما أهم من الوزراء 
والرؤساء (قارن موقف فرنسواز ساجان بموقف بعض الأدباء في مصر الذين يريقون 
ماء الوجه ليحصلوا على رضا الرئيس)» وقد دعيت منذ عامين إلى مهرجان أدبي 
شهير في فرنسا يعقد في بلدة اسمها «موان سارتو) بجوار مدينة «كان» الشهيرة. 
واشتركت في ندوة مع كاتب فرنسي من أصل إفريقي ومعنا السيدة دانيال ميتران 
حرم الرئيس الفرنسي الراحل. كان الجمهور غفيراء وبدأ مدير الندوة في مناقشتي 
أنا والكاتب الفرنسي.. ومرت حوالي نصف ساعة والسيدة دانيال ميتران لا تتكلم. 
وقلت لنفسي هذه زوجة رئيس فرنسا الأسبق جالسة بجانبي» ولا يليق أبدا أن نتركها 


> 





صامتة بهذا الشكل. وهمست لمدير الندوة فطلب منها أن تقول شيئاء وهنا أجابت 
دانيال ميتران قائلة: 

ليس لدي ما أقوله الآن» وأنا في الواقع مستمتعة بما يقوله السيدان الأديبان. وعندما 
يتكلم الأدباء يجب أن ننصت حتى نتعلم ونستفيد. 

وصفق الجمهور طويلا لهذه السيدة العظيمة (وأرجو ألا تقارن هذه الواقعة. بالذات» 
بما يحدث في مصر). 

الثقافة والأدب والفن هي أعمدة المجد الذي صنعته فرنسا على مر التاريخ. ولا 
يوجد بلد في العالم يهتم بالثقافة مثل فرنسا. وإذا نزلت في أي فندق في باريمس سوف 
تجد حجرتك. غالباء على اسم أديب فرنسي» وسوف تترك لك إدارة الفندق بعضا من 
أعمال هذا الأديب لتقرأها مجانا.. وكثيرا ما وقعت نسحًا من أعمالي المترجمة في 
مدارس إعدادية وثانوية في فرنسا. لأن قراءة الأدب جزء أساسي من برنامج التعليم» 
مما يَصنع من التلاميذ قراء مخلصين للأدب طوال حياتهم. وفرنسا هي البلد الوحيد 
الذي يفاجئك فيه الناس العاديون بمعرفتهم المذهلة بالأدب العالمي. وفي الأسبوع 
الماضي أثناء تسجيلي لبرنامج تلفزيوني دخلت في مناقشة ممتعة مع عاملة ماكياج 
عن ديوان الشاعر العظيم بودلير «أحزان باريس». ويكفي أن نعلم أن فرنسا تطبع 10 
ألف كتاب جديد سنويا في مختلف المجالات.. وكنت أذهب أحيانا لتوقيع كتبي في 
قرى صغيرة فيذهلني المستوى الثقافي للفلاحين الفرنسيين البسطاء. 

وفي فرنسا تقليد جميل؛ هو أن تعقد أمسية قراءة للكتب الجديدة.. فيأتي ممثل 
معروف ويقرأ مقاطع من الرواية الجديدة أمام الجمهور في حضور المؤلف,. ويعقب 
ذلك مناقشة بين الجمهور والمؤلف, ثم يصطف الجمهور في صف طويل ليحصل 
على توقيع المؤلف على الكتاب الجديد. وقد عقدت أمسيات قراءة لكتابي «نيران 
صديقة» في باريس وأرل ومرسيليا. بل إن ناشري الفرنسيء قد تفضل بالإعلان عن 
كتابي الجديد في لوحات كبيرة علقت داخل محطات المترو في باريس ومرسيليا 
تحمل صورتي واسم الكتاب (وطبعا أنا أنتهز الفرصة وأتلكأ بجوار هذه اللوحات 
75 


في انتظار أي حسناء فرنسية يهمها أن تقارن بين الصورة والأصل). إلى هذا الحد 
يصل تقدير الفرنسيين للأدباء. 

وأحيانا ما يسيء بعض الأدباء استعمال هذا التقدير.. منذ أيام دعيت لتسجيل حلقة 
من برنامج المكتبة الكبرى» وهو من أهم برامج الثقافة في التلفزيون الفرنسي.. كنا ثلاثة 
روائيين: أنامن مصرء وجون رولان من فرنساء وجيم هاريسون من الولايات المتحدة. 
ولما حانت ساعة التسجيل فوجئنا بالسيد هاريسون يدخل إلى الاستوديو ومعه سيدة 
تركض خلفه؛ وهي تمسك بزجاجة نبيذ وكأس.. وما إن يمد يده نحوها حتى تعاجله 
بجرعة نبيذ. وقد اشترط هاريسون على معد البرنامج ألا يتوقف عن عب النبيذ لحظة 
واحدة أثناء التسجيل. وقد وافق المعد واتفق مع المخرج على أن يضرف الكاميرا بين 
الحين والحين عن وجه هاريسون حتى يتمكن من الشراب. والحق أنني رأيت في هذا 
التصرف قلة ذوق من جيم هاريسون وتدليلا زائدا عن الحد من معد البرنامج. ولو أن 
هاريسون كان ضيفا عاديا ولم يكن أديبا معروفا وطلب أن يسكر أثناء التسجيل لكانوا 
قد ألقوا به إلى الخارج. لكن التقدير الفرنسي العميق للأدب شيء عظيم حقا حتى لو 
أساء البعض استعماله أحيانا. ظ 

وقد أدى هذا الاهتمام بالثقافة إلى ارتفاع الذوق العام للفرنسيين» فباريس هي أكثر 
مدن العالم أناقة بلا شك.. وعلى امتداد النظر لن تجد أبدا منظرا متنافرا أو بذيئا.. 
ويكفي أن نعلم أن معظم الأبنية في وسط باريس هي نسخ طبق الأصل من عمارات 
وسط البلد في القاهرة والإسكندرية» لكن الفرق في وعي الإدارة عندنا وعندهم.. فقاد 
اهتم الفرنسيون بهذه الأبنية القديمة» وقاموا بطلائها وتنظيفها والمحافظة عليهاء حتى 
صارت تحفا معمارية بديعة» بينما أهملت حكومتنا عمارات وسط البلد حتى أصبحت 
مزابل ومرتعا للفئران والحشرات. 

ولكن بالرغم من هذا التراث العظيم؛ فإن فرنسا ليست في أفضل أحوالهاء فالاقتصاد 
في أزمة» والأداء الحكومي مرتبك ومتعثرء ونسبة البطالة في أعلى مستوياتها.. الأحوال 
تتدهورء والفرنسيون يعانون من أزمة حقيقية في علاقتهم بتاريخهم وثقافتهم.. فالنموذج 
الفرنسي يتراجع أمام النجاح الساحق للنموذج الأمريكي. وهناك انبهار فرنسي متزايد 

/ا؟ 





بكل ما يأتي من الولايات المتحدة. الألفاظ الأمريكية دخلت في الحديث الفرنسي. 
ونجوم الموسيقى الأمريكيون يستقبلون هنا بحفاوة بالغة. بل إن نجاح نيك ولا ساركوزي 
في الانتخابات ليس بعيدا عن ذلك. لأنه» على العكس من شيراك وميتران» هو أقل 
الرؤساء تعلقا بالتقاليد الفرنسية وأكثرهم تقليدا للأمريكيين في ملابسه ونمط حياته؛ 
حتى إنه كان يطلب من مصوره الخاص أن يلتقط له صورا بنفس الأوضاع التي ظهر 
بها جون كيندي فى صوره. وكان ساركوزي يتباهى دائما بساعة (ماركة رولكس) كبيرة 
يضعها في معصمه وعندما انتقده كثيرون لارتدائه هذه الساعة البذيئة التي تتناقض مع 
الذوق الفرنسي صرح أحد مساعديه للصحف: 

امن بلغ الخمسين من العمر ولم يشتر ساعة رولكس فلا شك أنه ضيع عمره 
هدرا). 

وكان هذا التصريح فضيحة حقيقية» ودليلا آخر على سوقية ساركوزي ورجاله. 
مما اضطر صاحب التصريح إلى التراجع عنه. 

فرنسا الآن في مفترق الطرق بين ثقافتين: الثقافة الفرنسية العريقة التي تعتبر فرنساء 
بالرغم من مشكلاتها الاقتصادية» وطن النور والحضارة والفن والأدب بينما يعتقد 
بعض الفرنسيين» بالمقابل» أن الثقافة لم تُنقذ فرنسا من أزماتها المتزايدة» وبالتالي يجب 
على الفرنسيين أن يقلدوا الأمريكيين في كل شيء حتى يحققوا الرخاء الذي حققته 
الولايات المتحدة. الصراع محتدم لكنني واثق من انتصار الثقافة الفرنسية على كل 
ما يقابلها من عقبات.. ونظل نحن في مصر بعيدين عن هذا وذاك في انتظار اللحظة 
التي يسلمنا فيها الرئيس مبارك إلى ولده جمال وكأننا مزرعة دجاج.. ولله الأمر من 
قبل ومن بعد. 


78 





مأساة في كلية طب المنيا 


في أواخر السبعينيات كنت طالبا في القصر العيني الذي يضم كلية الطب وكلية 
طب الأسنان» حيث كنت أدرس. وكان النشاط الأدبي والفني بين طلبة قصر العيني 
كبيرا ورائعاء وأذكر أننا كنا نحصل دائما على المراكز الأولى في المسابقات الفنية 
على مستوى الجمهورية.. بل إن معظم أساتذتنا كانوا على دراية كبيرة بالفن والأدب. 
فكان عميد طب الأسنان الدكتور محمد داود التنير خبيرا حقيقيا بالأدب الروسي 
وكنت أستمع إليه بانبهار وهو يشرح لنا حياة الكاتب العملاق فيودور ديستويفسكي 
وأعماله. وكان الدكتور حيدر غالبء أستاذ علم الأدوية يبدأ محاضراته دائما بإذاعة 
قطعة من الموسيقى الكلاسيكية في المدرجء يعطينا نبذة عن مؤلفها وسماتها الفنية 
ثم ينتقل بعد ذلك إلى علم الأدوية. 
ثم تخرجت وبدأت رحلة الكتابة واكتشفت أن العلاقة بين الطب والأدب وثيقة 
وقديمة. السبب في ذلك أن المهنتين موضوعهما واحد: الإنسان.. والطب أكثر مهنة 
أنجبت أدباء: أنطون تشيكوف وإميل زولا وجورج دوهاميل وسومرست موم وغيرهم 
في الأدب العالمي» وفي الأدب العربي إبراهيم ناجي ومحمد حسين كامل ويوسف 
إدريس ومحمد المخزنجي... وغيرهم كثيرون. 
تذكرت كل هذاء بأسفء وأنا أقرأ رسالة تلقيتها من القارئ أحمد عصام من المنيا.. 
أحمد شاب في العشرين تمنى أن يكون أديبا لكن أهله فرضوا عليه كلية الهندسة 
فالتحق بها وظل على حبه للأدب لا ينقطع عن القراءة والكتابة. وقد سمع من أسابيع 
عن مسابقة أدبية تنظمها أسرة طلابية في كلية الطب جامعة المنيا فقرر أن يشترك في 
م 


المسابقة بالرغم من أنه ليس طالبا في الكلية.. كتب أحمد قصة عن شاب فقير يدفعه 
الظلم والفقر إلى التورط في عمل إرهابي.. وعلق قصته على الحائط مع القصص 
المقدمة إلى المسابقة.. لكنه في اليوم التالي فوجئ بأن قصته غير موجودة ولما سأل 
الطلبة أخبروه بأن قائد الحرس الجامعى قد صادر القصة وسأل عن كاتبها. وقالوا له: 
احمد ربنا إنك لست طالبا في الكلية وإلا كان قائد الحرس قد اعتقلك». وفهم الأديب 
الشاب أن موضوع الإرهاب غير مسموح به في هذه المسابقة فعكف على كتابة قصة 
جديدة» رومانسية تحكي قصة حب بين شاب وفتاة... وعندما علق القصة لم يعترض 
عليها ضابط الحرس هذه المرة وإنما اعترض عليها الطلبة أنفسهم.. اعترضواء جميعاء 
أولا لأن بطلة القصة غير محجبة والكاتب يتحدث عنها باحترام» بينما كان عليه أن يشير 
إلى أنها ساقطة أخلاقيا لأنها لا ترتدي الحجاب.. ثم جاء اعتراضهم الأكبر على أن 
الفتاة والشابء في القصة. تربطهما علاقة حب بغير أن يكونا متزوجين شرعا.. وبالتالي 
فإن القصة تحرض على الفسق والفجور.. ودخل أحمد معهم في مناقشة عن اللأدب 
والفن» وأكد لهم أن الأدب يدافع في مجمله عن الأخلاق لكنه يعرض نواحي الحياة 
الجيدة والسيئة معا.. ولو اقتصر الأدب على عرض الجانب الجيد من الحياة تتحول 
إلى موعظة مباشرة تفسد الفن من أساسه.. . ولكن عبثا.. فقد أصر الطلبة على أن كتابة 
قصة عن علاقة حب بدون زواج ليست إلا تحريضا على الزناء لا أكثر ولا أقل.. بل 
إن أحدهم نصح الكاتب قائلا: 

«أنا أحذرك يا أخ أحمد.. اتق الله في القصص التي تكتبها لأنك لو استمررت 
بهذه الطريقة سوف تصبح كافرا مثل نجيب محفوظ عندما كتب أولاد حارتنا ويوسف 
السباعي عندما كتب نائب عزرائيل.. هؤلاء وغيرهم كتاب كفرة وأنا لا أريد لك أن 
تكون مثلهم مأواك جهنم وبئس المصير». 

قرأت رسالة أحمد عصام وحزنت على مدى الانحدار الثقافي الذي وصل إليه 
طلبة الطب.. كيف سيعالج هؤلاء مرضاهم وهم يحملون هذه العقلية المتخلفة؟! إن 
الطبيب الذي لا يتذوق الفن لا يمكن أن يرجى منه خير لمرضاه.. وقد كانت حضارتنا 
العربية الإسلامية تسمي الطبيب بالحكيم؛ لأن الطب يعالج الجسد فقط بينما الحكيم 
يعالج النفس والبدن.. ولا يمكن أن نفهم النفس الإنسانية بغير الأدب والفن.. وإذا 


و 





كان هؤلاء وهم بعدٌ طلبة طب لا يطيقون الحديث عن فتاة غير محجبة حتى ولو كانت 
في قصة متخيلة.. فماذا سيفعلون كأطباء إذا جاءتهم مريضة غير محجبة؟! بل ماذا 
سيفعلون إذا كانت المريضة مسيحية؟! هل سيرفضون علاجها؟! أم أنهم سيوجهون 
لها الإهانات لأنها سافرة وكافرة؟ إن ما حدث في كلية الطب جامعة المنيا يدل على 
الحضيض الذي وصل إليه التعليم في مصر. فهؤلاء الطلبة قبل أن يلتحقوا بالطب قد 
اجتازوا عشرات الاختبارات الدراسية التي لم تفلح أبدا في جعلهم يفهمون معنى الأدب 
ووظيفته. ورسالة القارئ أحمد عصامء بدون قصد. تشير إلى المرضين الرئيسيين في 
مجتمعنا المصري اليوم: الاستبداد والتطرف.. فالجامعة يحكمها ضابط شرطة هو 
قائد الحرس.. وهو أقوى من عميد الكلية نفسه. لأن العمداء يحصلون على مناصبهم 
بترشيح من الأمن. ويستطيع تقرير صغير يكتبه أي ضابط في أمن الدولة أن يطيح بالعميد 
من منصبه.. ولأن قائد الحرس هو الحاكم الفعلي للجامعة فهو يُخضع كل شيء إلى 
هواجسه الأمنية وهو لا يسمح بكتابة قصة تعتبر الإرهاب ظاهرة اجتماعية لها أسباب 
موضوعية.. فيسارع بمصادرة القصة ويكاد يعتقل كاتبها.. ومن الناحية الأخرى فإن 
قطاعا عريضا من الطلبة قد أصابتهم عدوى الأفكار الوهابية المتخلفة.. فهم لا يقدرون 
الفن ولا يفهمونه ولا يرونه شيئا ضروريا من الأساس لأن فائدته ليست مادية ملموسة 
مثل الأكل والشرب والنكاح. بل هم يعتبرون كاتبنا العظيم» مفخرة مصرء نجيب 
محفوظ كافرا وهم في الغالب لم يقرءوا رواياته. ولو أنهم قرءوها لأدركوا كم دافع 

نجيب محفوظ عن مبادئ الدين الحقيقية» كما لم يفعل أحد من شيوخهم. 
وهم يتبنون نظرة ضيقة للدين تختصره في العبادات والشكل دون الجوهر.. كل 
ذلك يدل على أن الاستبداد والتطرف ظاهرتان مرتبطتان.. فالاستبداد الذي يحكم مصر 
بالحديد والنار ويقمع المصريين ويزور إرادتهم ويحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.. 
يجعل منهم تلقائيا فريسة سهلة للتطرف الديني ومن ناحية أخرىء فإن المذهب الوهابي 
يدعم الاستبداد.. فقد أجمع الفقهاء الوهابيون على أنه لا يجوز الخروج على الحاكم 
المسلم حتى وإن سرق مال المسلمين وظلمهم.. حتى وإن فسق الحاكم أو زنى» تظل 
طاعته واجبة ما دام مسلما يقيم الفرائض.. أما إذا أعلن الحاكم خروجه على الإسلام 
(وهذا افتراض خيالي) فإن فقهاء الوهابية لا ينصحون بالخروج عليه إلا إذا تأكد 
١‏ 





المسلمون من نجاح الثورة.. فإن شكوا في نتيجة الثورة عليهم بطاعة الحاكم الكافر 
حتى يبدله الله.. (راجع فتاوى الشيخ ابن باز)ء وهذه الأفكار الشاذة» بالطبع» أبعد ما 
يكون عن صحيح الإسلام الذي نزل من أجل الحق والعدل والحرية.. وإنما هي من 
نتاج فقه السلاطين الذي وضع خصيصا لتدعيم الاستبداد باسم الدين. 

التطرف الديني» إذن» يجعل المصريين أكثر قابلية للاستبداد السياسي. 

من هنا نفهم لماذا يفسح الإعلام الحكومي مساحات يومية كبيرة لمشايخ السلفيين 
لكي ينشروا أفكارهم الرجعية بين المصريين» ونفهم أيضا لماذا يثور السلفيون في 
مصرء بحقء. عندما يتطاول سفيه في الغرب على سيدنا رسول الله كَلةٍ.. ولكنهم 
لا يحركون ساكنا ضد تزوير الانتخابات والتوريث وقوانين الطوارئ؛ ذلك أن باب 
الحقوق السياسية محذوف أساسا من كتاب الفكر الوهابى... فى مصر الآن مع ركتان 
متوازيتان» متساويتان في الأهمية: معركة من أجل تحقيق الديمقراطية ومعركة أأخرى 
تدافع فيها مصر عن ثقافتها وحضارتها ضد الفكر الوهابي المتخلف.. فلا يمكن أن 
تنطلق مصر إلى المستقبل» بينما الإنسان المصري محروم من حقه الأصيل في اختيار 
من يحكمه.. ولا يمكن أن نلحق بالعالم المتقدم ولدينا طلبة جامعيون لا يفهمون 
معنى الفن والأدب. 


الديمقراطية هى الحل. 


5 





الأضراب القادم.. يوم "إبريل ‏ 


في الصيف الماضي كنت أزور السويد ودعيت إلى العشاء مع بعض المثقفين 
والكتاب» وجلسثْ بجواري على المائدة كاتبة سويدية تتحدث العربية بطلاقة» وسألتني 
عن أخبار مصر ثم فوجئت عت بها تسألني: 

ما أخبار حركة 5 إبريل؟ ظ 

وكان طبيعيا أن أسألها ماذا تعرف عن الحركة؟ فحكت لي القصة الآنية: 

بعد إضراب 5 إبريل الذي نجح في مصر كلها عام .7٠ ٠4‏ كلفتني جريدة سويدية 
أن أجري مقابلة مطولة مع واحد من قادة العمال الذين اشتركوا في الإضراب» وذهبت 
إلى أحد المصانع وتعرفت إلى عامل قيادي في الإضراب وطلبت منه أن أقضي في 
بيته يوما كاملا أتعرف فيه على حياته اليومية مع أسرته» وقد وافق فورا واصطحبني 
إلى بيته. 

وماذا وجدت هناك؟ ّْ 
وأولاده الأربعة في شقة ضيقة جداء والمرتب الذي يتقاضاه شهريا لا.يمكن أن يكفي 
شخصا واحدا ليعيش حياة كريمة. 

هذه حالة ملايين المصريين. . لللأسف. 


المدهش أن هذا العامل الفقير وأسرته. بالرغم من ظروفهم الصعبة: استقبلوني 





بحفاوة وكرم بالغ ودعوني إلى الغداء معهم, وأحسست أنهم كانوا فعلا فرحين بوجودي 

ماذا حدث؟ 

في نهاية اليوم ودعت العامل وأسرته وكنت متأ؛ ة من فقرهم» وفكرت أيضا أنني 
استعملت وقتهم بدون مقابل بينما سوف أتقاضى أجرا كبيرا عن المقال الذي سأكتبه 
عنهم.. فأخرجت من محفظتي ورقة بمائة يورو ووضعتها خلسة تحت طفاية السجائر.. 
ثم ودعتهم وانصرفت.. هل تعلم ماذا حدث بعد ذلك؟ 

ماذا حدث؟ 

مشيت في الشارع وبعد دقائق» قبل أن أصل إلى الميدان لأبحث عن تاكسي.. 
وجدت ابنة العامل الصغيرة (اسمها مروة وعمرها عشر سنوات) تركض خلفي حتى 
أدركتني ثم مدت يدها بالمائة يورو وقالت وهى تلهث: «أبويا بيشكرك وبيقولك هو 
مش محتاج الفلوس دي.. لأنه عامل مش شحات». 

ساد الصمت بيئنا ثم قالت وعيناها تلمعان بانفعال: 

لقد علمنى هذا العامل المصري درسا لن أنساه.. لقد فكرت طويلا فيما فعله 
ووصلت إلى قناعة: «عندما يعاني الإنسان من كل هذا الفقر والقمع والظلم.. ويظل 
قادرا على الاحتفاظ بشجاعته وكرامته.. فإنه» حتما» سوف ينتصر». 

تذكرت هذا الحوار وأنا أتابع الاستجابة الواسعة لدعوة الإضراب العام يوم 5 إبريل 
المقبل.. فالنقابات والمهنيون والطلبة وأساتذة الجامعة وكثير من الحركات السياسية 
أعلنوا بوضوح انضمامهم للإضرابء بل إن المصريين في الخارج أعلنوا تضامنهم 
مع الإضراب وسوف ينظمون مظاهرات أمام السفارات المصرية في واشنطن ولندن 
وباريس وعواصم أخرى عديدة. وقد استفادت حركة 5 إبريل من نجاح الإضراب في 
العام الماضي فأعلنوا أن الإضراب هذا العام يحمل مطالب أربعة: 

أولا: رفع الحد الأدنى للأجور إلى مبلغ ٠٠٠١‏ جنيه بما يضمن أن يحيا المواطن 
بكرامة ويشعر بالأمان على مستقبله ومستقبل أبنائه. 
1غ 


ثانيًا: ربط الأجور بالأسعار. 

ثالمًا: اتتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد يضمن الحريات السياسية 
والنقابية ويحدد فترة الرئاسة بمدتين على الأكثر. [ 

رابعا: وقف تصدير الغاز «لإسرائيل». 

وهذه المطالب الوطنية كفيلة لو تحققت_بإنهاء معاناة المصريين جميعا. والحق أن 
نجاح الإضراب في العام الماضي وظهور حركة 6 إبريل كقوة وطنية مؤثرة وهذه الاستجابة 
الواسعة للإضراب يوم 5 إبريل القادم بل وعشرات الاعتصامات والاحتجاجات التي 
تحدث يوميا فى مصر.. كل هذا يحمل دلالتين في غاية الأهمية: 

الأولى: أن تدهور أحوال المعيشة في مصر يشكل حالة غير مسبوقة حتى أصبحت 
الحياة مستحيلة بمعنى الكلمة على ملايين المصريين.. لقد أصبح فشل النظام واضحا 
و عجره كاملا عن إدارة البلاد بطريقة صحيحة . . والمؤسف أن التذمر الاجتماعي الذي 
تبدو مظاهره كل يوم في الشارع المصري لا يستوقف انتباه النظام ولا يدفعه إلى مجرد 
التفكير في تغيير سياساته.. النظام ببساطة لم يعد يعبأ باحتجاج المصريين لأنه مطمئن 
إلى قدرته على قمعهم والتنكيل بهم في أي لحظة.. 
المسرحية إلى بعض القرى التي يتم إخلاؤها من سكانها واختيار بعض الفلاحين 
ليقوموا بأدوارهم المعدة سلفا أمام جمال مبارك. 

فنق رأ كلاما غريبا عن فلاحة طلبت جاموسة من جمال مبارك وكيف أنه شرح لبعض 
الطلاب أهمية الكمبيوتر في حياتهم (هل يحتاج هذا الأمر إلى شرح؟!). على أن 
الطريف أن كتبة الحكومة المنافقين يتفننون في إبراز كيف تأثرت مشاعر السيد جمال 
مبارك للغاية عندما رأى معاناة الفلاحين الفقراء. 

ولا أحد يسأل هنا: ما الذي أوصل هؤلاء الفلاحين إلى هذا الوضع المزري؟ 
أليست هي سياسات الرئيس مبارك الذي حكم مصر منفردا لمدة ربع قرن؟ أنا أقترح 

:6 








على الأخ جمال مبارك أن يحاول إقناع والده بتطبيق إصلاح ديمقراطي حقيقي ليرفع 
البؤس عن ملايين المصريين.. وسوف يكون هذا أجدى بكثير من إهداء الفلاحين 
جاموسة أو قطعة قماش أمام الكاميرات. 

الدلالة الثانية: أن مصر تغيرت فعلا.. فمن كان يصدق أن شبابا في العشرينيات 
من أعمارهم يدعون للإضراب على الفيس بوك فتستجيب لهم مصر من أقصاها إلى 
أقصاها؟ لقد التقيت ببعض هؤلاء الشبان فأعجبت بهم حقا ورأيت فيهم مصر العظيمة 
ووجدتني أتساءل: من أين يستمد هؤلاء الأولاد والبنات شجاعتهم الأسطورية؟! إنهم 
ينزلون إلى الشوارع ليواجهوا الأمن المركزي (جيش الاحتلال المصري) فيضربون 
بقسوة ويسحلون على الأرض ويعتقلون ويعذبون في أمن الدولة ثم يخرجون من كل 
ذلك أكثر إصرارا على تغيير بلادهم؟ كيف ومتى تعلم هؤلاء الأيناء حب مصر؟! لقد 
ولدوا في عصر كامب ديفيد والفساد الشامل والتعليم الفاسد والإعلام التافه» عصر 
احتقار القضايا الوطنية والسخرية من فكرة الكرامة» لكنهم بالرغم من كل ذلك استطاعوا 
أن يحتفظوا بوعيهم الوطني وصلابة أخلاقية تفوق أعمارهم بكثير.. إن شباب 5 إبريل 
أصبحوا الآن يشكلون رمزا لإرادة المصريين جميعا في العدل والحرية. 

إن الإضراب العام الذي سيشترك فيه المصريون يوم ١‏ إبريل المقبل» قد نجح 
قبل أن يبدأ.. فيكفي أن تجتمع إرادة المصريين جميعا على رفض الظلم والمطالبة 
بحقوقهم المشروعة. 

رسالة المصريين صارت واضحة: لا يمكن أن تستمر بلادنا على هذه الحال.. إن 
النظام السياسي المسئول عن محنة مصر والمصريين آن له أن يتغير..آن له أن يفتح الباب 
لإصلاح ديمقراطي حقيقي يعطي الفرصة للكفاءات الحقيقية لكي تتولى المسئولية 
فتصلح ما أفسده الفاشلون والفاسدون. 

إن مطالب حركة 5 إبريل الأربعة تشكل المطالب الوطنية للمصريين جميعا.. ومهما 
استعمل النظام القمع ضد المشاركين في الإضراب.. مهما دفع بعشرات الألوف من 
جنود الأمن المركزي ليضربوا الناس ويسحلوهم.. مهما قبض على الوطنيين ولفق 
لهم القضايا.. مهما فعل النظام» فإن قدرته على القمع ستخذله في يوم قريب.. لأن 


5 


مباحث أمن الدولة مهما توحشت لا يمكن أن تعذب المصريين جميعاء والمعتقلات 
مهما كثر عددها واتسعت لا يمكن أن تسع المصريين جميعا.. 


الإضراب العام يوم 1 إبريل القادم.. يجعاني متفائلا بمستقبل مصر و5 ” قالت 
الكاتبة السويدية: 


اعندما يعني الإنسان من كل هذا الفقر والقمع والظلم. ويظل قادرا على الاحتفائ 


بشجاعته وكرامته. . فإنه» حتماء سوف يتنتصر». 


لو 


حوار مع ضابط أمن دولة 


حدث ذلك مند أعوام. 

كنت مدعوا لحضور فرح أحد أقاربي» وهناك.. جلست بجوار رجل من أهل 
العروسء. عرفني بنفسه قائلا: 

فلان.. ضابط شرطة. 

كان رجلا فى نحو الأربعين. أنيقا للغاية» مهذبا وهادئا. ولاحظت على وجهه علامة 
السجود.. تبادلنا كلمات المجاملة العادية.. وسألته: 

سيادتك تعمل في أي قطاع في الشرطة؟ 

تردد لحظة ثم قال: 

أمن الدولة. 

ساد الصمت بيننا وأشاح بوجهه بعيدا وراح يراقب المدعوين ووجدتني بين فكرتين: 


أن أكمل حديث المجاملة الذي بدأناه أو أن أعبر عن رأبي بصراحة في مباحث أمن 
الدولة. لم أتمالك نعسى وسألته: 


عفوا.. سيادتك متدين كما أرى؟ 
الحمد لله. 
ألا تجد تناقضا بين كونك متدينا وبين عملك في أمن الدولة؟ 


من أين يأتي التناقض؟ 
م 





والأديان جميعا تنهانا عن ذلك. 


قال. وقد بدا منفعلا لأول مرة: 

أولا: كل الذين نضربهم يستحقون الضرب.. ثانيًا: لو قرأت دينك بعناية ستجد أن 
ما نفعله في أمن الدولة مطابق تماما لتعاليم الإسلام. ا 

الإسلام من أكثر الأديان حرصا على الكرامة الإنسانية. ' 

هذا كلام عام.. أنا قرأت الفقه الإسلامي وأعرف أحكامه جيدا. 

لا يوجد في الفقه الإسلامي ما يبيح تعذيب الناس. 


اسمعني للنهاية من فضلك.. الإسلام لاايعرف الديمقراطية والانتخابات. جمهوز 
الفقهاء أوجبوا طاعة الحاكم في كل الأحوال؛ سواء اختاره المسلمون بأنفسهم أو انتزع 
الحكم بالقوة» طاعة الحاكم المسلم واجبة على الرعية حتى لو كان مغتصبا للسلطة أو 
فاسدا أو ظالما.. هل تعلم ما عقوبة الخروج على الحاكم في الإسلام؟ ‏ 0 

لم أرد.. فاستطرد بحماس: ظ ا 

الذي يخرج على الحاكم في الإسلام» يجب أن يطبق عليه حد الحرابة وهو قطع 
اليدين والرجلين.. والذين نقبض عليهم في أمن الدولة خخارجون على الحاكم» يفترض 
شرعا أن نقطع أطرافهم.» لكننا لا نفعل ذلك.. ما نفعله معهم أقل بكثير من عقوبتهم 
الشرعية. ظ ظ 1 ئ ْ 

خضت معه نقاشا طويلاء قلت له: إن الإسلام نزل أساسا دفاعا عن الحق والعدل 
والحرية. وإن رسول الله ود لم يفرض على المسلمين حاكما من بعده وتركهم يختارون 
حاكمهم بحرية» بل إن اجتماع السقيفة الذي اختار فيه المسلمون الخليفة أبا بكر (رضي 
الله عنه)» يعتبر اجتماعا ديمقراطيا بامتياز سبق الديمقراطية الغربية بقرون طويلة.. ثم 
شرحت له أن حد الحرابة لا يجوز تطبيقه | إلا على الجماعات المسلحة التي تخرج 
لتقتل الأبرياء وتسرق أموالهم وتنتهك أعراضهم .. ولا يمكن أن ينطبق ذلك أبدا على 
المعارضين السياسيين في مصر. ظ 


لكنه ظل مصرا على رأيه؛ ثم قال لينهى الحوار: 

هذا هو فهمي للإسلامء أنا مقتنع به ولن أغيره.. وأنا مسئول عنه أمام ربنا سبحانه 
وتعالى. 

بعد انصرافي من الفرح. فكرت في أن هذا الضابط شخص متعلم وذكي.. كيف 
يقتنع بهذا التفسير الخاطئ للإسلام؟! كيف يستخلص من الدين أفكارا منحرفة 
مناقضة لمبادئه؟! كيف يتصور للحظة أن الله يبيح لنا تعذيب الناس وإهدار أدميتهم؟ 
ظلت الأسئلة بلا إجابة» حتى قرأت بعد ذلك بشهور بحثا مهما في علم النفس بعنوان 
«سيكولوجية الجلاد» أثبت فيه الباحث أن ضابط الشرطة الذي يمارس التعذيب ينتمي 
إلى نوعين من الناس: إما أن يكون مريضا نفسياء يسمى بالشخصية السيكوباتية التي 
تتصرف بعدوانية بلا أي ضوابط أخلاقية. أما النوع الثاني فينتمي إليه معظم الضباط 
الذين يمارسون التعذيب: إنهم رجال عاديون» طبيعيون نفسياء وغالبا ما يكونون_ خارج 
العمل مواطنين صالحين ومحبوبين» يتميزون بأخلاق جيدة ومنضبطة.. لكنهم من 
أجل ممارسة التعذيب يحتاجون إلى شرطين أساسيين: الإذعان والتبرير.. الإذعان. 
بمعنى أن يتم التعذيب تنفيذا لأوامر تصدر من قيادتهم» فيقنعون أنفسهم عندئذ بأنهم 
مضطرون إلى طاعة الرؤساء.. أما التبرير» فيحدث عندما يقنع الضابط نفسه بشرعية 
التعذيب أخلاقيا ودينيا.. كأن يصور ضحاياه باعتبارهم عملاء للعدو أو أعداء للوطن 
أو كفارا أو مجرمينء مما يبرر في ذهنه قيامه بتعذيبهم؛ حماية للمجتمع والوطن. ثم 
يخلص الباحث إلى نتيجة مهمة هي أنه بدون عملية التبرير فإن الضابط سوف يعجز 
حتما عن الاستمرار فى تعذيب ضحاياه.. لأنه عندئذ لن يتحمل تأنيب الضمير وسوف 
يعاني من احتقار عميق لنفسه وتصرفاته. 

تذكرت ذلك وأنا أقرأ خبر القبض على طالبتين جامعيتين من شباب 5 إبريل هما 
أمنية طه وسارة محمد رزق.. فقد قبض عليهما الحرس الجامعي في جامعة كفر الشيخ 
وسلمهما إلى أمن الدولة لأنهما كانتا تدعوان زملاءهما إلى الإضراب.. ووجهت لهما 
النيابة تهمة محاولة قلب نظام الحكم وأمرت بحبسهما أسبوعين على ذمة التحقيق.. 
والأسئلة هنا بالطبع كثيرة: كيف تسعى فتاة صغيرة لم تبلغ العشرين» وحدهاء إلى 
قلب نظام حكم الرئيس مبارك لمجرد أنها تتحدث مع زملائها في الجامعة أو تطلعهم 


و م0 


على مقالة كتبتها؟! ثم إن الدعوة إلى اللإضراب في حد ذاتها لا تشكل جريمة في نظر 
القانون لأن الحكومة المصرية وقعت على عشرات المواثيق الدولية التي تبيح حق 
الإضراب وتعتبره حقا أساسيا للمصريين. 

لكن المحزن, حقاء أنني عرفت من زملاء البئتين أنهما تعرضتا إلى ضرب مبرح 
وتعذيب بشع في أمن الدولة» وأن الذي ضربهما ومزق ملابسهما ضابط برتبة كبيرة.. 
عندئذ تذكرت حواري مع ضابط أمن الدولة في الفرح.. كيف يستطيع ضابط شرطة. 
هو غالبا زوج وأب. أن يضرب طالبة مثل بناته بهذه القسوة؟ كيف يستطيع أن يواجه 
ضميره وكيف ينظر بعد ذلك في عيون زوجته وأولاده؟ ألا يحس هذا الضابط الكبير 
بالخجل من نفسه وهو يضرب فتاة ضعيفة لا حول لها ولا قوة» لا تستطيع حتى أن 
تدافع عن نفسها؟ هل يتفق هذا التصرف مع الرجولة والدين والأخلاق؟ وهل يتفق 
مع الشرف العسكري وتقاليد الشرطة؟ 

إن النظام في مصر يتعرض الآن إلى موجات من الاحتجاج الاجتماعي غير المسبوق 
لأن الحياة أصبحت مستحيلة بمعنى الكلمة على ملايين المصريين» فلم يعد أمامهم إلا 
أن يخرجوا إلى الشارع ليعلنواعن مطلبهم البسيط العادل في حياة تليق بالآدميين» ولأن 
النظام صار عاجزا تماما عن أي إصلاح جديء فهو يدفع بجهاز الشرطة إلى مواجهة 
الناس وقمعهم وتعذيبهم؛ متناسيا في ذلك حقيقة بسيطة ومهمة: أن ضابط الشرطة. 
أولا وأخيراء مواطن مصري يجري عليه ما يجري على المصريين؛ وغالبا ما يعاني مما 
يعانون منه جميعا.. إن النظام السياسي الذي لا يعتمد في بقائه إلا على القمع» تفوته 
دائما حقيقة أن جهاز القمع» مهما بلغ جبروته» مكون أساسا من مواطنين مندمجين 
في المجتمعء تتطابق مصالحهم وآراؤهم غالبا مع بقية المواطنين» ومع تزايد القمع 
سيأتي يوم يعجزون فيه عن تبرير ما يرتكبونه من جرائم في حق الناس» وعندئذ يفقد 
النظام قدرته على القمع ويلقى النهاية التي يستحقها.. وأعتقد أننا في مصر نقترب من 
ذلك اليوم. 


0١ 





حرية الابداع وأخواتها 


لا أحب عادة أن أشغل القارئ العزيز بمشكلاتي الشخصية إلا إذا كانت تحمل 
جانبا عامًا يفيد الناس.. من هنا فأنا أحكي هذه الوقائع لأول مرة: 

في عام ٠٠١7‏ صدرت الطبعة الأولى من روايتي «عمارة يعقوبيان»» بعد أن نشرت 
على حلقات في جريدة أخبار الأدب.. وهي رواية تنتمي إلى نوع أدبي يسمى بطولة 
المكان. حيث ينتقي الروائي مكانا حقيقيا معروفا ثم يتخيل الشخصيات والأحداث 
من خياله. والأمثلة على هذا النوع الأدبي كثيرة أشهرها رواية (جسر على نهر درينا» 
للروائي اليوغوسلافي ايفو أندريتشء التي تحكي تاريخا متخيلا لجسر موجود فعلا 
في يوغوسلافيا.. و«رباعية الإسكندرية» للروائي الإنجليزي لورنس داريل التي وصف 
فيها أماكن حقيقية ما زالت موجودة حتى الآن في الإسكندرية» ورواية «ميرامار) حيث 
استعمل أستاذنا العظيم نجيب محفوظ اسم بنسيون حقيقي في الإسكندرية ثم تخيل 
شخصيات وأحداث الرواية. 

بعد صدور رواية «عمارة يعقوبيان» كنت بين الحين والآخر أتردد على العمارة 
التي تحمل نفس الاسم في شارع طلعت حرب فكان سكان العمارة يستقبلونني بكل 
ترحاب ويؤكدون أنهم قرأوا الرواية وأحبوها.. وسارت الأمور بيننا على أفضل حال 
حتى نشرت الصحف. بعد صدور الرواية بأعوام؛ أن «عمارة يعقوبيان» ستتحول إلى 
فيلم سينمائي بميزانية إنتاج ضخمة.. عندئذ حدثت المفاجأة» فقد بدأ بعض السكان 
يرفعون ضدي قضايا يطالبون فيها بتعويضات كبيرة بزعم أنني أسأت إليهم لأنهم 
المقصودون ببعض شخصيات الرواية. 
,6 





وكانت أغرب هذه الدعاوى مرفوعة من شخص لا أعرفه ولم أره في حياتي قط.. 
ادعى فيها أنه المقصود بشخصية الصحفى الشاذ جنسياء علما بأنه لا يتشابه معه 
إطلاقا إلا فى اسمه الأول فقط. وقد طلب منى هذا الشخص مليون جنيه كتعويض. 
ثم غير رأيه فطلب تعويضا بعشرة ملايين جنيه.. والحق أنني لم أنزعج كثيرا من هذه 
القضاياء أولا لأنني أثق دائماء تماماء في عدالة القضاء المصري العظيم.. حصن 
المصريين الأخير ضد الظلم والاستبداد.. وثانيا لأنني فعلا لم أقصد الإساءة إلى 

مازالت هذه القضايا منظورة أمام المحاكم.. باستثناء قضية واحدة صدر فيها الحكم 
الابتدائي.. وقد بذلت مجهودا كبيرا في هذه القضية لكي أوضح لعدالة المحكمة طبيعة 
العمل الأدبي وكيف أن الخيال لا يمكن أن يسيء إلى أشخاص حقيقيين. 

وتطوع للدفاع عني مجموعة من المحامين الكبار هم الأساتذة: فايز اللاوندي 
وعمر حجاج ود. حسام لطفي وجمال الشنواني.. وشهد معي في القضية الدكتور 
سيد البحراوي الناقد وأستاذ الأدب المعروف وشرح لعدالة المحكمة أن الروائي لا 
ينقل الواقع لكنه يستعمله ويضيف إليه من خياله وبالتالي لا يمكن أن نحاكم الروائي 
أمام المحكمة أيضا المترجم الإنجليزي للرواية همفري ديفيز وأكد أمام المحكمة أن 
القانون في العالم المتقدم قد أقلع منذ زمن طويل عن قبول مثل هذه الدعاوى وأنه لا 
يجوز تطبيق قواعد السب والقذف على عمل روائي متخيل. 

لأن القارئ يعلم من البداية أنه يقرأ خيالا مما ينفي ركن القذف والسب في حق 
أي شخص بعينه من الأساس. وتضامن معى فى نفس القضية اتحاد كتاب مصر 
بمبادرة كريمة من رئيسه الأستاذ محمد سلماوي؛ إدراكا منه لخطورة هذه القضايا 
حيث إنها تؤسس لسابقة قانونية تجعل الأدباء عرضة للمحاكمة من أي شخص قد 
تتشابه حياته بالصدفة مع أي شخصية روائية.. مما يشكل قيدا ثقيلا وإرهابا ضد كل 
من يكتب الرواية في مصر. وبالرغم من كل ما قدمناه من شهادات ودراسات ودفوع 
قانونية فوجئت بأن الحكم قد صدر ضدي بالتعويض بمبلغ ١5‏ ألف جنيه للشخص 


0 





الذي زعم أنني أسأت إليه.. أنا هنا بالطبع لا أعترض على هذا الحكم القضائي لكنني 
لما قرأت حيثيات الحكم تعجبت فعلا.. فالحكم قد وصف الرواية بأنها كتاب» وهو 
لم يتطرق كثيرا إلى موضوع الدعوى وإنما عاب على «كتاب عمارة يعقوبيان» دفاعه 
عن نماذج منحرفة في المجتمع واحتواءه على تفاصيل لا يصح أن تخرج على نطاق 
علاقة المرء بزوجته (!)) وقد استأنفنا الحكم بالطبع. 

تذكرت هذه القضايا وأن أقرأ محاكمة روائي آخر هو الأستاذ مجدي الشافعي الذي 
كتب رواية مصورة بعنوان «مترو» فتمت مصادرتها بزعم احتوائها على بعض الألفاظ 
الخارجة.. والحق أن عيون التراث العربي كثيرا ما احتوت على ألفاظ جارحة هنا 
وهناك فلم يقلل ذلك من قيمتها الفنية والإنسانية.. والأمثلة هنا بلا حصر أذكر منها: 
ألف ليلة وليلة» والأغاني للأصفهاني, والإمتاع والمؤانسة للتوحيدي. والعقد الفريد 
لابن عبد ربه... وغيرها.. ثم قرأت مقالا للأستاذ إبراهيم عيسى عرفت منه. لأول مرة. 
أن روايته الجميلة «مقتل الرجل الكبير» مصادّرة وممنوعة من التداول. 


وفي نفس الأسبوع حوكم الشاعر حلمي سالم بسبب قصيدته «شرفة ليلى مراد» 
المنشورة في مجلة إبداع.. وبالرغم من أن هذه القصيدة لم تعجبني من الناحية الفنية 
إلا أنني فوجئت بصدور حكم قضائي بإلغاء ترخيص مجلة إبداع.. عقابا لها على ما 
اعتبرته المحكمة اجتراء على الذات الإلهية» والحق أن المبالغة الفنية بالاجتراء على 
أشهر الأمثلة القصيدة التى غنتها فيروز من الشعر الأندلسى: 

(إذا كان ذنبي أن حبك سيدي فكل ليالي العاشقين ذنوب... أتوب إلى ربي وإني 
لمرة يسامحني ربي إِلِيكِ أتوب». 

فالعاشق هنا يتوب إلى حبيبته بدلا من توبته إلى الله وقد كتبت هذه الأبيات منذ 
قرون طويلة فأحبها الناس وحفظوها ورددوها ولم يدر بذهنهم إطلاقا أن الشاعر 
قد كفر أو أنه يعبد حبيبته دون الله.. لكنهم فهموا ما كتبه في نطاق المبالغة الشعرية 
المقبولة» لا أكثر ولا أقل.. كل هذه الوقائع تدل على أننا أمام ظاهرة مؤسفة في مصرء 
هي مطاردة الأدباء ومصادرة أعمالهم وإنهاكهم بالملاحقات القضائية والتعسف في 


0 





فهم النصوص الأدبية» والتعامل مع الخيال على أنه واقع» واعتبار القصيدة مجرد كلام 
يجوز أن يطبق عليه قانون العقوبات.. ولنا هنا عدة ملاحظات: 

أولا: إن محاكمة الأديب على خياله وإخضاع الأعمال الأدبية إلى تقارير الشرطة 
ومحاضر النيابة علامة على التخلف السياسى والحضاريء والمستقر فى الدول 
الديمقراطية أن محاكمة العمل الأدبي يجب أن تتم بواسطة نقاد الأدب وليس ضباط 
البوليس ووكلاء النيابة. 

ثانيًا: موضوعات هذه القضايا ليست قانونية وإنما هي أدبية وفنية بالأساس ومع 
احترامي الكامل العميق للقضاة في مصر.. فإن برنامج الدراسة في كليات الحقوق لا 
يحتوي على مواد النقد الأدبي والتذوق الفني.. وبالتالي فإن القاضي المؤهل بجدارة 
للفصل فى النزاعات القانونية لا يكون بالضرورة مستعدا للفصل فى قضايا الأدب 
والفن.. إن تحقيق العدالة يقتضي إحالة مثل هذه القضايا إلى خبراء من أساتذة كلية 
الآداب وأكاديمية الفنون للفصل فى موضوعاتها.. تماما كما يحيل القاضى القضايا 
الخاصة بالهندسة أو التأمين أو العلوم المتخصصة إلى لجنة من الخبراء ليستضيء 
بتقاريرهم في الحكم النهائي. 

الثًا: لا يمكن أن ندافع عن حرية الإبداع بمعزل عن الحريات الأخرى.. بعض 
الأدباء في مصر يثورون بشدة إذا صودر ديوان شعر أو منعت رواية من التداول؛ بينما هم 
يرون المصريين جميعا يعتدى على حقوقهم السياسية ويعتقلون ويعذبون وتزور إرادتهم 
في الانتخابات» فلا يحركون ساكنا ولا ينطقون بكلمة. وهذا الموقف المتناقض يفقد 
هؤلاء الأدباء مصداقيتهم لدى الناس.. لا يمكن أن ندعو المصريين للتضامن مع شاعر 
صودر ديوانه ثم نتركهم يواجهون القمع والظلم وحدهم.. واجبنا أن ندافع عن الحرية 
بكل أشكالها.. وعندما يتحرر المصريون من الاستبداد» عندما تتحقق الديمقراطية.. 
عندئذ لن يُمنع كتاب ولن تصادر قصيدة ولن يُعاقب المؤلف على خياله. 


الديمقراطية هى الحل. 


06 








عن حزب الله وقميص عثمان 


في وسط الحملة العدائية الرهيبة التي تشنها الحكومة المصرية ضد حزب الله 
والسيد حسن نصر الله» قد يكون مفيدا أن نتذكر بضع حقائق: 

أولا: يتعرض أهلنا في غزة إلى حملة إبادة جماعية بمعنى الكلمة» ترتكب خلالها 
إسرائيل كل أنواع الجرائم ضد الإنسانية: بدءا من قطع الماء والكهرباء عن المدنيين 
ومنع الأغذية والأدوية عنهم وحتى القصف الوحشي بأنواع من القنابل المحرمة 
دوليا مثل الفسفورية والعنقودية واليورانيوم والنابالم.. وهذه المذبحة المروعة ضد 
الفلسطينيين تتم وسط تواطؤ غربي كامل.. فالحكومات الغربية بدلا من أن تهتم بإنقاذ 
أرواح الفلسطينيين الأبرياء» أرسلت أساطيلها البحرية من أجل منع تهريب السلاح 
إلى غزة.. أي أنهم بدلا من إدانة الجلاد يبذلون جهودهم لمنع الضحية من الدفاع عن 
نفسها. وفي مثل هذه الظروف فإن مساعدة الضحايا الفلسطينيين» بكل الطرق» ليست 
فقط واجبا عربيا إسلاميا وإنما هي ضرورة إنسانية يجب أن يؤديها كل من يحترم قيمة 
الحياة وحقوق الإنسان. 

ثانيًا: تورط النظام المصريء بكل أسف. في مساعدة إسرائيل على حصار الفلسطينيين 
وتجويعهم من أجل إرضاء الحليفين الإسرائيلي والأمريكي.. وقد تم إغلاق معبر رفح 
قبل العدوان على غزة بشهور طويلة.. وكان في إمكان الحكومة المصرية أن تقدم 
المساعدات للفلسطينيين لكنها أحكمت الحصار عليهم حتى تحقق لإسرائيل هدفها 
منه وهو القضاء الكامل على روح المقاومة في غزة.. حتى يستسلم من لم يستسلم 


05 





وينحني من لم ينحن للإرادة الصهيونية الأمريكية.. وهذا الدور المؤسف الذي قام به 
النظام المصري في حصار غزة سيظل يلاحقه كاللعنة إلى الأبد. 

ثالنًا: حزب الله حركة مقاومة جهادية دافعت عن بلادها وعن الأمة كلها بشرف 
وشجاعة وألحقت الهزيمة بإسرائيل مرتين: مرة عندما أجبرتها على الانسحاب من 
جنوب لبنان بلا قيد أو شرطء والمرة الثانية عندما صمدت أمام الآلة الإسرائيلية 
الجبارة وأمطرت إسرائيل بصواريخ وصلت إلى العمق الإسرائيلي وغيرت المعادلة 
التي تعتمد عليها إسرائيل في أنها قوة لا تقهر. وهزيمة إسرائيل على أيدي مجاهدي 
حزب الله حقيقة اعترفت بها إسرائيل قبل سواهاء وشكلت لجان من الكنيست لدراسة 
أسباب هذه الهزيمة. والسيد حسن نصر الله في نظر ملايبن العرب والمسلمينء قائد 
شريف مجاهد يضرب نموذجا عظيما في الصبر والإيمان والشجاعة ولكن.. ليس 
معنى احترامنا العميق للسيد حسن نصر الله أنه لا يخطئ أو أن نسكت عنه إذا أخطأ. . 
ولعله» هو نفسه؛ أول من يُقدر صراحة محبيه في الحق. والحق أنه أخطأ عندما بعث 
بمقاتلين من حزب الله لتهريب السلاح عن طريق مصر.. صحيح أن دعم الفلسطينيين 
بالسلاح واجب علينا جميعا.. لكن الصحيح؛ قبل ذلك» أن مصر دولة ذات سيادة لا 
يمكن أن تُستباح أراضيها لأي غرض مهما كان نبيلا.. لأن الغاية لا تبرر الوسيلة أبداء 
لافي الحرب ولا في السلم.. والقائد العظيم حسن نصر الله الذي ضرب لنا أمثلة 
متكررة في احترام القيم والمبادئ» كنا نتوقع منه أن يضرب لنا مثلا في احترام سيادة 
الدول حتى ولو اختلف مع الأنظمة الحاكمة فيها. 

رابعًا: قامت أجهزة الأمن المصرية بضبط الخلية التابعة لحزب الله في مصر.. 
وهذا واجبها الوطنى الذي يجب أن تقدر عليه دائما.. فكل من يمارس عملا سريا في 
مصر يخترق سيادة الدولة ويهدد أمنهاء وكل من يشكل خلية سرية في بلادنا يجب أن 
يضبط ويحاكم بغض النظر عن أهدافه أو أفكاره.. ما قامت به أجهزة الأمنء إذن» طبيعي 
ومحترم ولكن ما حدث بعد الإعلان عن القضية غريب ومريب.. فالحكومة المصرية 
لم تنتظر نتيجة التحقيقات ولا المحاكمة لكنها جيشت جيوشها من كتبة وإعلاميين 
ليعلنوا جميعا على حزب الله الحرب الكبرى.. وتورط كثير منهم للأسف في إهانة 
حسن نصر الله بشتائم هابطة لا تتردد إلا في الحواري.. وهذه البذاءة لن تسيء إلى 
الرجل لكنها ترتد دائما على رءوس أصحابها. 


باه 


السؤال هنا: لماذا هذه الحملة غير المسبوقة على حزب الله؟! طبعا سيرد كتبة 
النظام بأن أمن مصر خط أحمر من ينتهكه نقطع يده وقدمه... إلى آخر هذا الكلام.. 
ونحن نوافقهم على أن أمن مصر وسيادتها أهم من أي اعتبار آخر.. لكننا أيضا 
تُذكّرهم بأن أجهزة الأمن المصرية قد كشفت خلال أعوام قليلة عدة شبكات تجسس 
إسرائيلية اعترف أعضاؤها بأنهم جاءوا إلى مصر بغرض إطلاع إسرائيل على أسرارنا 
العسكرية والإستراتيجية.. ألم يشكل ذلك التجسس الإسرائيلي تهديدا جسيما لأمن 
مصر القومي؟! فلماذا لم تصاحبه حملة إعلامية مماثلة ضد إسرائيل وقادتها؟! بل 
على العكس.ء فإن سياسة النظام المصري قد اتسمت دائما بالتسامح الكامل مع 
إسرائيل.. نذكر هنا أن الحكومة المصرية قد تقاعست عن متابعة التحقيق في المذابح 
التي ارتكبتها إسرائيل ضد الأسرى المصريين واعترف بها العسكريون الإسرائيليون 
أنفسهم. كما تجاهلت الحكومة المصرية حقوق الشهداء من الجنود والضباط الذين 
قتلتهم إسرائيل على الحدود. ونذكر أيضاء بأسف,. ما حدث مع عزام عزام وهو ضابط 
في الموساد اعترف أمام القضاء المصري بالتجسس على مصر وتجنيد العملاء فيها 
وقد حكم عليه بالسجن لكن الرئيس مبارك أصدر عفوا مفاجئا عنه» فتم إخراجه من 
السجن وإعادته معززا مكرما إلى إسرائيل حيث استقبل كبطل قومي.. ألم تكن كل 
هذه الجرائم الإسرائيلية تنتهك أمن مصر وسيادتها؟! لماذا إذن لم تصاحبها حمللات 
مماثلة ضد إسرائيل؟! 


ما يحدث في الإعلام المصري الآن يدل على أن الكشف عن تنظيم حزب الله 
يستعمل سياسيا لأغراض بعيدة عن موضوع أمن مصر وسيادتها.. فهناك الرغبة في 
الاتتقام من حزب الله لأنه قام بإدانة دور النظام المصري في حصار غزة.. كما أن 
حزب الله. بطبيعته» يشكل نموذجا للمقاومة يحرج دائما معسكر الحكام العرب 
(المعتدلين) الذين يبذلون كل ما يستطيعون من أجل الاحتفاظ بالرضا الإسرائيلي 
الأمريكي كشرط لاستمرارهم في السلطة... هناك أيضا القلق السعودي البالغ من 
إيران التي تقدم نموذجا إسلاميا ثوريا مناضلا يفضح النموذج الإسلامي النفطي الذي 
يتشدد في قشور الدين ويتحالف مع الأعداء ليضمن استمراره في الحكم. وأخيراء 
وربما الأهمء أن العلاقات بين النظام المصري والإدارة الأمريكية ليست على ما يرام. 


م6 





والدلائل على ذلك كثيرة: بدءا من الضغط الأمريكي الذي أدى إلى الإفراج عن أيمن 
نور.. ثم تأجيل زيارة الرئيس مبارك إلى أمريكا وتردد الإدارة الأمريكية الواضح في 
دعم التوريث.. ثم اخختيار تركيا كأول دولة إسلامية يزورها الرئيس أوباما بدلا من 
مصر.. النظام في مصر الآن يعتريه القلق من تغير الرياح في واشنطن.. والاستعمال 
الإعلامي لقضية حزب الله بهذه الطريقة يرسل إشارة مريحة إلى إسرائيل التي أعلنت 
سعادتها وقال أحد وزرائها (الجنرال يوسي بيليد): 

إن مايجري الآن يؤكد بوضوح أن مصر؛ وهي الدولة العربية الأكبر والأهم. تجرم 
دعم الفلسطينيين في غزة مما يساعد إسرائيل على مواجهتهم عسكريا». 

هذا الشطط المصري الرسمي في العداء لحزب الله مقصود لكي تتأكد إسرائيل 
مرة أخرى من أهمية الدور الذي يلعبه النظام المصري فتقوم بالضغط على الإدارة 
الأمريكية لكي تحسن علاقاتها مع النظام في مصر بشرط أن تقبله على علاته فلا تطلب 
منه إصلاحا ديمقراطيا ولا تعترض على توريث الحكم من الأب إلى الابن. 

الخلاصة أن حزب الله ظاهرة نبيلة وعظيمة في تاريخنا العربي والإسلامي» وقد دافع 
دائما عن شرف الأمة وكرامتها.. لكن السيد حسن نصر الله قد أخطأ بانتهاك السيادة 
المصرية.. على أن هذا الخطأ قد تم تضخيمه واستعماله» كقميص عثمان» من أجل 
أغراض تخص النظام المصري وحده ولا تخص مصر ولا المصريين. 

إن عدو مصر الحقيقي ليس حزب الله ولا إيران وإنما إسرائيل وكل من يساعدها 
على ارتكاب جرائمها. 


حك 





جريمة الدكتورة يسمه 


في عام 1147 تم تعبيني في وظيفة طبيب مقيم بقسم جراحة الفم في كلية طب 
الأسنان.. وعيئّت معي في نفس اليوم زميلة طبيبة اسمها بسمة. وقد عملت معها لمدة 
عام كامل فنشأت بيننا صداقة حقيقية ورأيت فيها نموذجا مصريا مشرفا سواء من الناحية 
الأخلاقية أو المهنية العلمية. ثم تركت أنا العمل في الجامعة وسافرت إلى الولايات 
المتحدة للدراسة ولم أر صديقتي بسمة سنوات طويلة حتى قرأت عنها في الصحف 
وعرفت أنها وقعت في مشكلة كبيرة: فهي مولودة لأسرة بهائية» ولما أعلنت عن دينها 
في قسم الجراحة التي تعمل فيه. أعلن عدد من الأساتذة (الجامعيين) ما اعتبروه حربا 
مقدسة ضد الدكتورة بسمة.. فتم إسقاطها عمدا في كل الاختبارات التي دخلتها بالرغم 
من تفوقها الذي يشهد به الجميع. وكانت نيتهم المعلنة أن يتكرر رسوبها حتى يتم 
فصلها من الجامعة» بخلاف الاستهزاء الدائم بدينها والتهكم عليها واتهامها بالكفر 
من الصغير قبل الكبير. وقد خاضت الدكتورة بسمة الحرب بشجاعة فهي مقتنعة بأنها 
لم ترتكب جرما ولم تفعل شيئا تخجل منه وهي تعلن أنها مصرية بهائية» وقد تقدمت 
بمئات الشكاوى إلى جميع المسئولين في الدولة حتى نجحت أخيرا في امتحان 
الدكتوراه بفضل تدخل رئيس الجامعة بنفسه ووقوف بعض الأساتذة المنصفين معها 
مثل الدكتور شريف المفتي والدكتور هاني أمين.. ومع ذلك رفض القسم أن يعينها 
لأنها بهائية واستصدر الأساتذة المتشددون ضدها فتوى من الأزهر بأنها مرتدة وقاموا 
بتوزيعها في الجامعة مما أصابها بالرعب لأنه أصبحت معرضة للقتل في أية لحظة. 
لكن الدكتورة بسمة لم تيأس وظلت تحارب بشجاعة حتى انتزعت حقها وتم تعيينها 
في الجامعة. على أن مشاكلها لم تنته عند ذلك فقد ثار الخلاف الشهير حول قيد 


> 





البهائيين في البطاقة مما أثار ضدهم المتطرفين من جديد.. وظهرت الدكتورة بسمة 
في برنامج الصديق الأستاذ وائل الإبراشي» وظهر معها الأستاذ جمال عبد الرحيم» 
وهو صحفي يعتقد فيما يبدو أن لديه توكيلا إلهيا يعطيه الحق في التفتيش على ضمائر 
الناس وأديانهم» وقد انهال على الدكتورة بسمة بكل أنواع الإهانات لمجرد أن لها دينا 
مختلفا عن دينه وقال لها بالحرف: «أنت مرتدة وتستحقين القتل»). مما يعد تحريضا على 
القتل في جهاز إعلامي يراه ملايين الناس.. وقد أتى التحريض ثمرته في اليوم التالي؛ 
فتم إحراق منازل البهائيين بقرية الشورانية في محافظة سوهاج.ء على أيدي متطرفين 
قاد هذا العدوان ضد الأبرياء الآمنين هو أمين الحزب الوطنى فى القرية الذي قال بعد 
ذلك إنه فخور بما فعل وإنه سيستمر في إحراق منازل البهائيين وضربهم وطردهم حتى 
ولو كانوا أطفالا رضع.. وقد استمرت هذه الحملة الرهيبة فتم رفع دعاوى جديدة من 
بعض المشايخ يطالبون فيها بنزع الجنسية المصرية عن البهائيين. 

كل هذه الأحداث المؤسفة تستحق مناقشة هادئة بعيدا عن الانفعال والأحكام 
المسبقة: 

أولا: البهائية ديانة مستقلة» والبهائيون ليسوا مرتدين عن الإسلام لسبب بسيط 
أنهم لم يكونوا مسلمين في يوم من الأيام.. والديانة البهائية موجودة في مصر منذ عام 
14» وقد اعترفت الدولة المصرية بحقوق المصريين البهائيين من البداية: 

ففي عام ١975‏ وافقت الحكومة المصرية على إنشاء المحفل البهائي وتم تسجيله 
في المحاكم المختلطة» وفي عام ١11٠‏ وافقت الحكومة المصرية على إنشاء المعبد 
لتكون مقابر للبهائيين وفقا لمعتقداتهم الدينية.. وظلت الديانة البهائية تسجّل رسميا 
فى البطاقة حتى ثارت هذه المشكلة الأخيرة. 

وكان هناك من البهائيين شخصيات لامعة ومحترمة في كل المجالات أشهرهم 
رأسه أو إحراق منزله. الدولة إذن لم تفاجأ بوجود بهائيين فى مصر بل على العكس. 


15١ 


البهائيون هم الذين فوجئوا بإلغاء حقوقهم كمواطنين لأنهم يعتنقون دينا مختلفا عن 
دين الأغلبية في مصر. 

ثانيًا: اضطهاد البهائيين والتحريض على قتلهم بهذا الشكل» يطرح السؤال: هل 
مصر دولة حقا أم أنها إمارة تابعة لحركة طالبان؟! إذا كانت دولة فإن المواطن المصري 
يجب أن يتمتع بحقوقه كاملة مهما يكن دينه.. ومن المحزن أن نضطر إلى مناقشة 
المواطنة بعد قرن كامل من إرساء مفهومها في مصر.. فقد قال الزعيم سعد زغلول 
في أول خطبة له بعد عودته من المنفى: «لقد علمتنا الثورة أننا جميعا مصريون: يهودا 
وأقباطا ومسلمين».. هذا المفهوم الراقي للمواطنة الذي أنجزته ثورة ١914‏ يتعرض 
الآن للتشويش بواسطة المتطرفين الذين تأثروا بالأفكار السلفية الوهابية المتخلفة.. قد 
يقول البعض إن تسامحنا يجب أن يقتصر على المسيحية واليهودية فقط لأنها ديانات 
سماوية بخلاف البهائية.. والحق أن تقسيم الأديان إلى سماوية وأرضية مسألة نسبية 
تماما لأن ؛ معظم الأديان يعتقد أصحابها أنها سماوية.. بل إن الآديان الثلاثة الكبرى 
نفسها لا تعترف ببعضها البعض. . فاليهودية لا تعترف بالمسيحية أو الإسلام والمسيحية 
لا تعترف بالإسلام. . ويظل الإسلام العظيم هو أكثر الأديان تسامحا لأنه يعترف بالأديان 
الأخرى جميعا ويحترمها.. وهذا التسامح هو الأساس الذي بنت عليه الحضارة 
الإسلامية مجدها عندما قادت العالم كله نحو النهضة على مدى قرون. 

ثالمًا: إذا كنا نضطهد مواطنين مصريين مثلنا لمجرد أنهم يتبعون ديانة مختلفة فلا 
يحق لنا بعد ذلك أن نلوم الغربيين إذا أمعنوا في اضطهاد المسلمين في الغرب. والحق 
أنه لا مجال للمقارنة بين الحقوق التي يتمتع بها المسلمون في الغرب وبين التضييق 
والتعنت والاضطهاد الذي يتعرض له المصريون البهائيون. 

رابعًا: إن عقوبة القتل للمرتدين عن الإسلام لم تكن قط محل إجماع الفقهاء. وهناك 
آراء فقهية معتبرة ترى أن المرتد لا يعاقب في الدنيا وإنما في الآخرة. وهم يستندون 
في هذا الرأي إلى عدة أدلة: 

أولّا: أن القرآن لم ينص على عقوبة للمرتد بل إنه على العكس قد كفل حرية العقيدة 
للناس جميعا عندما أرسى المبدأ العظيم # لآ إِكْرَاه في أدبن 4.. ولو أراد الله أن يعاقب 


17 





المرتد في الدنيا لنص على عقوبة محددة في كتابه الكريم كما فعل سبحانه وتعالى مع 
جرائم أقل من الكفر مثل الزنى والسرقة. 

انيًا: أن حكم قتل المرتد يستند إلى حديث شريف واحد هو «من بل دينه فاقتلوه»؛ 
وهو حديث آحادي لا يجوز الأخذ به في ترتيب حكم بهذه الخطورة كما أن رسول 
الله يكِةِ قد قال هذا الحديث أثناء إحدى المعارك عندما لاحظ أن بعض المحاربين 
يتسللون من جيش المسلمين لينضموا إلى جيش الأعداء. فالمقصود بتبديل الدين هنا 
هو جريمة الخيانة العظمى وعقوبتها القتل فى القوانين الحديئة جميعا. 

ثالثا: ثبت تاريخيا في عدة حالات أن بعض الناس دخلوا الإسلام ثم ارتدوا عنه 
فلم يأمر الرسول بقتلهم.. إن خطورة حكم قتل المرتد أنه استعمل دائما في التاريخ 
الإسلامي للتخلص من المعارضين السياسيين ومن المفكرين المجتهدين. كما أن قتل 
الناس بسبب عقيدتهم الدينية لا يتفق مع حقوق الإنسان ولا حرية العقيدة التي كفلها 
الإسلام العظيم.. منذ أيام صرح الشيخ القرضاوي بأنه والشيخ الجليل أبو زهرة وعلماء 
آخرون كانوا يؤجلون إعلان بعض آرائهم الفقهية اتقاء لهياج العامة والمتطرفين.. ونحن 
نحتاج فعلا الآن إلى شجاعة الفقهاء المجددين من أجل تخليص الفكر الإسلامي من 
الشوائب التى علقت به فى عصور الاستبداد والانحطاط. 

إن قضية الدكتورة سمة موسى والمواطنين المصريين البهائيين تؤكد من جديد 
ضرورة إقامة الدولة المدنية الديمقراطية في مصر.. عندئذ سوف يتمتع المصريون جميعا 
بحقوق متساوية أمام المجتمع والقانون» بغض النظر عن الدين الذي يؤمنون به. 


17 


لماذا نتخلف عن العالم؟! 


في شارعنا جامع ومطعم للكباب. 


صاحب مطعم الكباب معروف بتدينه البالغ» فهو قد حج إلى بيت الله أكثر من مرة 
وأدى العمرة مراراء وهو يغلق المطعم في أوقات الصلاة فيمتنع تماما عن البيع ثم يؤم 
العاملين عنده في صلاة الجماعة» وهو يشترط التدين في كل من يعمل لديه؛ العاملون 
جميعا منتظمون في الصلاة» على جباههم علامة السجود وهم يبدءون المكالمات 
التليفونية قائلين: السلام عليكم»» ويضعون كلمة (إن شاء الله) في كل جملة ينطقون 
بهاء أما العاملات فهن جميعا محجبات يرتدين الزي الشرعي الفضفاض.. يتولى 
صاحب المطعم أيضا الإنفاق على الجامع من جيبه الخاص وهو يخصص مبلغا كل 
فترة من أجل تجديد الجامع وطلائه وشراء الحصير والمراوح الكهربائية وكل مايلزم 
المصلين.. كل هذا جيد بالطبع ولا اعتراض عليه. 

لكن الغريب أن هذا التدين الشديد لا يمتد أبدا إلى طريقة العمل في المطعم. 
فالأسعار مبالغ فيهاء تصل إلى ضعف الأسعار في المطاعم الأخرى. واللحم يتم 
وزنه قبل الشواء على قطعة سميكة جدا من الورق المقوى تؤدي بالطبع إلى أن يحصل 
الزبون على قطعة لحم أقل من التي دفع ثمنهاء بالإضافة إلى مخالفات أخرى سجلتها 
الأجهزة الرقابية واستطاع الحاج دائما أن يفلت منها بعلاقاته وإكرامياته. 

المفارقة هنا بين حرص صاحب المطعم على أداء فروض الدين واستيفاء مظاهره. 
وتلاعبه فى الوقت نفسه فى الأسعار والأوزان.. وهو بالضبط ما يستحق التأمل.. فهذا 
الحاج ليس منافقا بالمعنى التقليدي» وهو لا يحس بأنه متناقض في تصرفاته: وعدم 


53 


أمانته مع زبائن المطعم لا تخدش أبدا إحساسه بالتقوى.. وهو يكسب. بفضل المغالاة 
في الأسعار والتلاعبء أموالا طائلة من المطعم يقتطع منها جزءا بسيطا يتصدق به 
على الفقراء وينفق منه على الجامع ويعتبر بعد ذلك أنه قد أدى واجبه الديني كاملا 
فينام قرير العين مرتاح الضمير.. والحق أن هذا الفهم للدين سبب رئيسي في تخلفنا 
عن العالم.. فقد استبدل الحاج الكبابجي بمبادئ الدين الحقيقية تدينا شكليا مريحا 
لا يكلفه موقفا جادا ولا تضحية حقيقية.. فالدين الحقيقى يدعو إلى العدل والأمانة. 
لكن إدارة المطعم بالأمانة ستؤدي به إلى خسارة كبيرة في الأرباحء بينما التدين البديل 
لا يكلف شيئا لأنه يقف عند الشكل والعبادات» يبدأ وينتهى عند الحجاب وصلاة 
الجماعة والصيام وأداء الحج والعمرة. ا 

هذا الانفصال التام بين العقيدة والسلوك ظاهرة مَرَضية انتشرت في مصر على نطاق 
واسع. هناك آلاف وربما ملايين المصريين يرون الدين بنفس طريقة صاحب المطعم 
والأمثلة كثيرة» نواب الحزب الوطني الذين يحصلون على مقاعدهم في البرلمان 
بالتزوير والبلطجة» كتبة الصحف الحكومية الذين ينافقون الرئيس مبارك كل يوم. 
الطلبة الذين يمارسون الغش فى الامتحانات العامة» المقاولون الذين يغشون في 
خامات البناء مما يؤدي إلى انهيار العمارات وقتل سكانهاء ضباط الأمن الذين يعذبون 
الناس وينتهكون كرامتهم وأعراضهم. أساتذة الجامعة الذين يقومون بتزوير النتائج 
من أجل منح أولادهم درجات لا يستحقونها حتى يتم تعيينهم كمعيدين بغير حق.. 
كل هؤلاء» أو معظمهم» مسلمون ومسلمات»ء يمارسون التدين البديل فيقصرون الدين 
على المظهر والعبادة دون السلوك والمعاملات. 

والحق أن التدين البديل يلحق أضرارا جسيمة بالفرد والمجتمع.. فهو يمكن الناس 
من ممارسة خداع الذات مما يدفعهم إلى ارتكاب أشياء مشينة بضمير مستريح لأنها لا 
تخالف ضميرهم الديني الزائف.. والتدين البديل يعطل ملكة التفكير والإبداع لدى 
الإنسان لأنه يستند في كل ما يفعله ليس إلى عقله واختياره الحر وإنما إلى النص الذي 
لا اجتهاد في وجوده. والمتابع للأسئلة التي يمطر بها المشاهدون شيوخ الفضائيات 
لا بد أن يندهش من سذاجة الموضوعات: رجل تعود أن يجامع زوجته أمام المرآة 
يتساءل: هذا حلال أم حرام؟ سيدة استدانت وكتبت على نفسها شيكات ضاعت من 
الدائن.. وهي تسأل الشيخ إن كانت ملزمة شرعا برد الدّين بعد ضياع الشيكات التي 


10 


تثبته... والسؤال هنا: هل يحتاج الإنسان حقا إلى فتوى ليعرف أن واجبه أن يؤدي 
ديونه إلى مستحقيهاء وأن يحسن معاملة زوجته وينفق على أبنائه» وأن يعطي إخوته 
البنات حقهن في الميراث؟! هل تحتاج هذه التصرفات الإنسانية البسيطة إلى فتاوى 
من الشيوخ؟! التدين البديل يقضي على كل نشاط عقلي مبدع ويحيل الإنسان إلى آلة 
لتنفيذ التعليمات الدينية فيما يخص الشكل والشعائر. 

مشكلة أخرى تنتج عن التدين البديل أنه كما يفصل السلوك عن العقيدة فهو يفصل 
أيضا الهم الخاص عن الشأن العام.. فالمتدين البديل لا يرى العلاقة بين ما يعحدث 
لأسرته وبين ما يحدث في البلد كله.. فلو أنه يعاني من الفقر مثلا سيعتقد أن السبب في 
فقره هو واحد من اثنين: إما ابتلاء من الله يجب عليه أن يتحمله بلا تذمر أو اعتراض» 
وإما عقاب إلهي هو يستحقه على ذنوب ارتكبها.. لكنه نادرا ما يفكر أن الفقر الذي 
يئن من وطأته ليس إلا نتيجة موضوعية لفشل سياسات الحكم أو فساده.. وهو بهذا 
التفكير يعفي النظام السياسي من أي مسئولية عن أفعاله. 

والمتدينون البدلاء ليس لديهم أقل اهتمام بالشأن العام.. ولو أنك حدثت أحدهم 
عن تزوير الانتخابات أو التوريث أو حقوق الإنسان. فإنه غالبا سيندهش جدا لاهتمامك 
بمثل هذه الموضوعات. التي لا ينشغل بها في رأيه سوى شخص فارغ ليس لديه ما 
يشغلهء أما الإنسان المحترم في رأيه. فيجب أن يقتصر اهتمامه على أكل عيشه. أضف 
إلى ذلك أن التدين البديل يعتمد دائما القراءة السلفية الوهابية للدين التي توجب طاعة 
الحاكم وتحرم الخروج عليه حتى وإن ظلم الناس وسرق أموالهمء من هنا فإن التدين 
البديل» للآسف. يجعل المسلمين أكثر قبولا للظلم وأكثر استعدادا لتحمل الاستبداد. 
ولا أبالغ إذا قلت إنه لولا انتشار هذا التدين الزائف لتمرد المصريون على نظام الحكم 
من سنوات ولتغيرت الحياة في بلادنا إلى الأفضل .. ولأن التدين البديل بطبيعته يدعم 
الاستبداد فإن النظام في مصر يحرص من ثلاثين عاما على نشر هذا النوع من التدين 
بكل الطرق الممكنة. 

وليس من قبيل الصدفة أبدا تلك المساحة الإعلامية الكبيرة الممنوحة لفقهاء 


11 


معينين من الحكومة ليشغلوا الناس بقشور الدين دون جوهره. ولعلنا نفهم الآن لماذا 
يستعمل النظام آلته القمعية الجبارة لسحق الإخوان المسلمين (الذين يسعون إلى 
الحكم) وفي نفس الوقت يعطف على الحركة الصوفية ويسمح لها بتنظيم مؤتمرات 
يحضرها عشرات الآلاف.. لأن الصوفيين يعلنون دائما أن طاعة الحاكم واجبة في كل 
الأحوال وأن ما يصيبنا من مشكلات وأزمات ليست أبدا بسبب الحاكم وإنما بسبب 
سوء نفوسنا وبعدنا عن الدين. 

السؤال: ما العمل؟! الحق أنه يجب أن نفصل تماما بين مبادئ الدين الحقيقية: 
الحق والعدل والمساواة والحرية.. وبين تدين شكلي زائف يختصر الدين في الشكل 
والشعائر.. في مصر الآن معركتان: معركة من أجل الإصلاح الديمقراطي حتى ينتزع 
المصريون حقهم الطبيعي في اختيار من يحكمهم. ومعركة أخرى من أجل تحرير 
الدين من الخزعبلات والجهل والنفاق والأشكال الكاذبة.. المعركتان متوازيتان 
ومتساويتان في الأهمية.. لآننا لن نستحق الديمقراطية أبدا إذا ظللنا نختصر الدين فى 
الجلباب والحجاب, ولأننا بالديمقراطية وحدها سوف نتحرر ونستعيد قدرتنا على 
التفكير فنرى بوضوح الفرق بين الدين الحقيقي والتدين الزائف البديل. 


الديمقراطية هى الحل. 


11/ 


ماذا يريد النوبيون؟ 


وسط هذا الضجيج والغبار» والأكاذيب التي يطالعنا بها الإعلام الحكومي عن 
قضية النوبة» أتمنى أن نعطي لأنفسنا فرصة التفكير في بعض الحقائق: 

أولا: النوبيون مواطنون مصريون يبلغ تعدادهم في أحد التقديرات ما بين ” و 
ملايين نسمة» ولقد عاشوا آلاف السنين على ضفاف النيل وشكلوا واحدة من أهم 
وأعرق الحضارات في العالم. والثقافة النوبية لها خصائص مميزة قد لا نجدها في 
الثقافات الأخرى. فالنوبيون معروفون بالنظافة والأمانة والبساطة والوداعة والبعد 
التام عن العنف. ويكفي أن نعلم أنه في منطقة النوبة القديمة (قبل التهجير) لم تسجل 
جريمة قتل واحدة» ولم تحدث جريمة تهريب آثار واحدة بالرغم من كنوز الآثار التي 
كانت موجودة تحت أيدي النوبيين. بل إن وزارة الداخلية المصرية كانت تكتفى 
بإرسال 71 ضابطا وعسكريا للسيطرة على النوبة القديمة كلها ومساحتها ٠0م‏ 
كيلومترًا مربعًا.. وكان هؤلاء المسئولون عن الأمن لا يجدون ما يفعلونه في النوبة 
لأن معاملات النوبيين تتميز بالرقي الحضاري والانضباط» والمجتمع النوبي يكاد لا 
يعرف الجريمة أساسا. 


تهجيرهم قسرا من قراهم أربع مرات متتالية في أعوام ١9٠05‏ و7١941١‏ و977١‏ 
و951١.‏ 

كانت الهجرات الثلاث الأولى من أجل بناء وتعلية خزان أسوان» وكانت الهجرة 
الأخيرة (وهي الأشد وطأة) من أجل بناء السد العالي. وقد تم طرد النوبيين من قراهم 


1/4 


وإرغامهم على العيش في مساكن ضيقة وبائسة ولا تناسبهم إطلاقاء وقد أعطتهم 
الدولة تعويضات هزيلة جدا.. ويكفي أن نعلم أن الحكومة المصرية عام 7” عوضتهم 
عن النخيل الذي فقدوه بمبلغ ٠١‏ صاغ عن النخلة (كنت أحصل على نفس المبلغ 
في الستينيات كمصروف يومي وأنا تلميذ في ابتدائي). نحن؛ إذن؛ أمام جماعة من 
المصريين دفعوا ثمن تقدم مصر من حياتهم وراحتهم وقوت أولادهم, وكان المفترض 
أن نتذكر تضحياتهم في كل مرة نستعمل فيها الكهرباء أو الماء. لأنه لولا تضحياتهم 
لما أقيم خزان أسوان ولا السد العالي. قد يقال هنا إن النوبيين قد أدوا واجبهم الوطني 
وإنه لاشكر على واجب. هذا صحيح. ولكن ما يسعى إليه النوبيون الآن ليس الشكر 
وإنما العدل.. كل ما يريده النوبيون أن يحصلوا على حقوقهم. لا أكثر ولا أقل. 

ثالثًا: ماذا يريد النوبيون؟ يريدون أن يتم تسكينهم على ضفاف النيل في نفس 
منطقة النوبة القديمة التي أغرقتها المياه. مطلب بسيط وواضح ومشروع ويتفق مع 
كل المعاهدات الدولية للتهجير التي وقعت عليها الحكومة المصرية. وقد أوصت 
بذلك لجنة الإسكان والمرافق التي شكلها مجلس الشعب عام ١19/8‏ إذ سجلت 
بالحرف في أولى توصياتها: 

«تؤكد اللجنة ضرورة أن يكون مكان تهجير أبناء النوبة في موطنهم الأصلي حيث 
أرض الآباء والأجداد حول بحيرة السد العالي»» بل إن هناك وثيقة رسمية في حوزة 
النوبيين تمثل خريطة فيها مشروع متكامل لإعادة القرى النوبية إلى مكانهاء وهذه 
الخريطة وقع عليها محافظ أسوان الأسبق شوقي المتبني ومسئول الحزب الوطني 
في أسوان. 

الدولة إذن كانت مقتنعة وراغبة في إعادة توطين النوبيين في مكان النوبة القديمة. 
ويؤكد النوبيون أن الحكومة المصرية قد حصلت من منظمة اليونسكو على مبلغ مليار 
و١٠‏ مليون دولار من أجل إعادة توطين النوبيين» أي أن الحكومة المصرية قد قبضت 
مسبقا ثمن واجبها نحو مواطنيها النوبيين الذين اضطهدتهم وضيعت حقوقهم.. ماذا 
حدث بعد ذلك؟ حدث أن كبار المسئولين في الدولة اكتشفوا أن المنطقة التي يريد 
النوبيون العودة إليهاء أرض متميزة على ضفاف النيل يسيل لها لعاب رجال الأعمال 

4 


والشركات الأجنبية.. وهنا استكثرت الحكومة على النوبيين البسطاء أن يسكنوا في 
هذه المنطقة فبدأت فى بيعها للمستثمرين والشركات الأجنبية وقامت بتحديد خمس 
مناطق أشبه بجيوب صغيرة بائسة بعيدة عن النوبة الأصلية» حتى يتم حشر النوبيين 
فيها مع أولادهم.. وعندما اعترض النوبيون على هذا الظلم الفاحشء. خرج محافظ 
أسوان الحالي اللواء مصطفى السيد في برنامج مذاع على الهواء يراه ملايين الناس 
واتهم النوبيين المدافعين عن حقوقهم بأنهم مأجورون وعملاء ويقبضون من الخارج. 
إلى آخر هذه الشتائم الخائبة التي تعود النظام المستبد أن يلصقها بكل من يخالفه 
في الرأي.. وهذا المحافظ بالذات» نموذج مجسد لفشل العقلية العسكرية في تفهم 
مطالب المدنيين والتعامل مع الناس باحترام. فهو يتعامل مع النوبيين وكأنهم عساكر 
مجندون في وحدة عسكرية هو قائدها. ولقد قرر هذا اللواء المحافظ» ببساطة؛ إجبار 
النوبيين على قبول الجيوب البائسة التي خصصها لهم؛ وفي نفس الوقت استعمل ثلاثة 
أو أربعة نوبيين من المرتبطين بالنظام من أجل التصفيق والتهليل وأوعز إليهم بإرسال 
قية شكر للرئيس مبارك يؤكدون فيها أنهم في منتهى السعادة لأنهم لن يعودوا إلى 
قراهم الأصلية(!).. كل هذا التزييف لا يمكن أن يحجب الحقيقة. 

إن حق النوبيين واضح كالشمس وقضيتهم عادلة» ولا يجوز للدولة إطلاقا أن 
تحرمهم من أراضيهم وتبيعها للمستثمرين.. فهنا يكون من لا يملك قد أعطى من لا 
يستحقء وقد صرح اللواء محافظ أسوان بأن النوبيين قد أخذوا تعويضات في الستينيات 
مقابل أراضيهم الضائعة: وبالتالي فليس من حقهم العودة إلى أرض النوبة.. وأنا أقترح 
على سيادته» بناء على منطقه المعوجء أن يعيد النوبيون للدولة الملاليم التي قبضوها 
في الستينيات كتعويضات. مقابل أن يستردوا أراضيهم على ضفاف النيل.. طبعا لن 
يقبل سيادته هذا العرض أبداء لانه ومن يقف خلفه» يريدون ‏ بيع أراضي النوبة التي 
ستدر ملايين الدولارات. 


| أخيرًا" هناك بعد استراتيجي في قضية النوبة نق 2 تقتضي الامانة أن نتعرض لهء فالكلام 


انفصالية» وهذا المخطط يجد فى النوبة هدفا مثالياء فمنطقة النوبة ممتدة بين مصر 
والسودانء والنوبيون لديهم ثقافة خاصة ولغة مستقلة» وقد تم إنفاق عشرات الآلاف 


٠‏ //با 


من الدولارات في جامعات غربية من أجل تحويل اللغة النوبية من لغة منطوقة لم 
تكتب قطء إلى لغة مكتوبة لها قواعد.. ونظرية المؤامرة هنا تؤكد أن الاهتمام الغربي 
البالغ بالنوبة يستهدف الدعوة إلى ثقافة نوبية مستقلة وموازية للثقافة العربية» فبعد كتابة 
اللغة النوبية ستتم المطالبة بتدريسها في مدارس النوبة وهكذا يتم دفع النوبيين خطوة 
خطوة نحو الانفصال الثقافي ثم السياسي.. وبالرغم من غرابة هذا التصور إلا أنه في 
رأبي ليس مستبعدا. وما فعله الاستعمار مع البربر في الجزائر والأكراد في العراق. 
يؤكد أن تمزيق الأمة العربية إلى قوميات وملل وأجناس متناحرة. هدف استعماري 
أصيل وقديم.. لكن هذا المخطط. إذا صح. لا يبرر إطلاقا الاستمرار في ظلم النوبيين 
وحرمانهم من حقوقهم.. بل على العكس. إن اضطهاد النوبيين وظلمهم وقمعهم 
بهذا الشكل هو الذي سيؤدي في النهاية إلى إذكاء مشاعر الكراهية والمرارة نحو 
الدولة التي ترفض أن تعترف بأبسط حقوقهم الإنسانية.. إن الطريق الوحيد للقضاء 
على المخطط الاستعماري في النوبة هو إنصاف النوبيين؛ لأن الدول المحترمة يتم 
تحصينها بالعدل وليس بالقمع. إن معركة النوبيين من أجل استرداد حقوقهم المضيعة 
هي معركتنا جميعا.. وواجبنا كمصريين أن نؤازر النوبيين ونساندهم بكل قوة؛ أولا 
حتى نرد لهم الجميل الذي قدموه لمصر.. وثانيا لأن قضية النوبة تدخل بامتياز في 
سياق مع ركتنا الكبرى» معركة مصر من أجل الديمقراطية.. ففى مصر الديمقراطية. 
سوف يختار المصريون بإرادتهم الحرة حكومات تتمتع بالكفاءة والإنصاف وتحترم 
حقوقهم وآدميتهم. 
الديمقراطية هى الحل. 


١ 


حكاية الدكتور زويل 


في الصيف الماضي شاركت في مهرجان سان مالو الأدبي بفرنسا وهناك التقيت 
بروائي شاب من كولومبياء وكان طبيعيا أن أسأله عن الروائي الكولومبي العظيم 
جابرييل جارسيا ماركيز الحاصل على جائزة نوبل في الأدب. فتبين أن بينهما حكاية 
طريفة قصها علي فقال: 

التقيت ماركيز بالصدفة في باريس فرحب بي ودعاني للعشاء لأنني من نفس بلدته. 
كنت في حالة سيئة لأنني كنت أدرس في جامعة السوربون ولا أجد عملا أنفق منه. 
وشكوت إلى ماركيز سوء حالتي المادية ثم ودعته وانصرفت. وبعد يومين تلقيت 
اتصالا من وزارة الخارجية الكولومبية يعرضون عليّ فيه عملا في سفارتنا في باريس. 
هل تعلم ماذا فعل ماركيز من أجلي؟! لقد اتصل برئيس الجمهورية وطلب منه أن يجد 
لي عملا في باريس. 


ِ 


سالته: 

وهل يملك ماركيز أن يتصل هكذا برئيس الدولة كما يشاء؟! 

نظر إلي باستغراب وقال: 

طبعا.. لدينا في كولومبيا رؤساء كثيرون» ولكن عندنا ماركيز واحد. إنه فخرنا 
الوطني. 

وهكذاء في كل دول العالم؛ ما إن يحصل عالم أو أديب على جائزة نوبل حتى 
يتحول إلى رمز وطني كبير. لأنه بحصوله على الجائزة لا يثبت فقط تفوقه ونبوغه وإنما 


75 


يؤكد استحقاق الأمة كلها للتكريم والتقدير.. وقد حصل على جائزة نوبل مصريان 
عظيمان هما الأديب العملاق نجيب محفوظ والعالم النابغة الدكتور أحمد زويل.. 
والذين يعرفون الدكتور زويل شخصيا يدركون مدى حبه وإخلاصه لمصر واستعداده 
الكامل لأن يبذل جهده ليفيد المصريين بعلمه.. ومع ذلك فإن مصر لم تستفد شيئا من 
علم الدكتور زويل.. فما السبب؟! نبدأ الحكاية من أولها: 


١-في‏ عام ١444‏ .. أعلن رسميا عن فوز الدكتور أحمد زويل بجائزة نوبل في العلوم. 
كانت أول مكالمة تهنئة تلقاها من الرئيس مبارك. وبعد أن شكر زويل الرئيس على 
مكالمته أخبره أن في عنقه لبلاده دَيْنا لا ينساه وأن لديه مشروعا كبيرا سينقل مصر 
علميا لتكون من أهم الدول في البحث والتكنولوجيا. 


جاء الدكتور زويل إلى مصر فأنعم عليه الرئيس مبارك بقلادة النيل وهي أرفع وسام 
مصري. ثم التقى زويل بالرئيس عدة مرات وعرض عليه مشروعه الذي يتكون من 
جامعة تكنولوجية كبيرة ومراكز أبحاث على أعلى مستوى.. وكان الدكتور زويل قد 
درس المشروع بدقة, ما أثار إعجاب الرئيس مبارك فأصدر تعليماته بالبدء في المشروع. 
تحمس الدكتور زويل جدا وأحس بسعادة لأن الفرصة قد أتته أخيرا لكي يفعل شيئا 
من أجل بلاده. وصار يوزع وقته بين أمريكا ومصر حتى يعد لمشروعه وكانت تنقلاته 
ونفقاته كلها من جيبه الخاص. 
"- أقنع الدكتور زويل عشرة علماء من الحاصلين على جائزة نوبل بالتدريس مجانا 
(كل عالم لمدة شهر أو شهرين سنويا) في الجامعة الجديدة.. وهذا العدد من 
الحاصلين على جائزة نويل لا يوجد إلا في أكبر جامعات العالم. ثم كون الدكتور 
زويل فريق عمل من /٠١‏ عالما مصريا تفرغوا تماما لكي يضعوا تفاصيل المشروع 
من الناحية العلمية. ومن الناحية الإدارية طلب الدكتور زويل أن يخضع المشروع 
لرئاسة الجمهورية وليس للتعليم العاليى حتى يتفادى التعقيدات الإدارية التي قد 
تؤدي إلى هروب العلماء الكبار المتطوعين.. كل ما طلبه الدكتور زويل من الدولة: 
قطعة أرض وتمويل بسيط . أما الجانب الأكبر من التمويل فقد أعلن أنه سيستغل ثقة 
الناس فيه فيطلب منهم الاكتتاب العام للمشروع الذي سينقل مصر بالفعل إلى العصر 


07 


الحديث. وأكد أنه واثق من استجابة المصريين؛ لأن أكبر المشروعات في مصر قد 
قامت على الاكتتاب العام مثل جامعة القاهرة وبنك مصر.. وقد وافق الرئيس مبارك 
على كل طلبات الدكتور زويلء وبدا المشروع على وشك التنفيذ فعلا. 

فجأة» حدث شيء غامضء ففتر حماس الدولة للدكتور زويل وانقلب إلى النقيض. 
وعاد الدكتور زويل من إحدى رحلاته التي يعد فيها للمشروع فوجد كل الوعود قد 
تبخرت وكل ما تم الاتفاق عليه قد تم التراجع عنه. لماذا انقلب النظام على الدكتور 
زويل؟! يقول كثيرون: إن أجهزة الأمن قدمت تقارير تحذر فيها من شعبية الدكتور 
زويل المتزايدة بين المصريين. فالشباب يرون فيه نموذجا ومثلا أعلى» ومحاضراته 
يتزاحم على حضورها عشرات الألوف من الشباب. وأكدت هذه التقارير أن الدكتور 
زويل لو أتم مشروعه وتخرج من تحت يديه علماء مصريون فسيتحول فعلا إلى 
زعيم وطنيء ما يهدد نظام الحكم. وخصوصا أن الدكتور زويل وجه معروف عالميا 
وليس من السهل اعتقاله أو تلفيق التهم له كما حدث مع آخرين. 

5 جاء عام .5٠55‏ وأثناء المسرحية التي سميت بالانتخابات الرئاسية.. جمع 
آلاف الشبان توقيعات على الإنترنت من أجل ترشيح الدكتور أحمد زويل رئيسا 
للجمهورية. ونشر الخبر في الصفحة الأولى من جريدة الدستور.. وكانت هذه 
الطامة الكبرى» واكتسبت تقارير الأمن مصداقية وانقطع الخيط الأخير في العلاقة 
بين الدكتور زويل ونظام الحكم. وتم إجهاض مشروع زويل العلمي نهائيا. وكان 
الدكتور زويل في زيارة لدولة عربية فسأله المصريون المغتربون عن مشروعه 
العلمي فقال: «لقد عطلته البيروقراطية المصرية»» واعتبرت تقارير الأمن من جديد 
أن الدكتور زويل ينتقد النظام في الخارج.. وهنا تحول الدكتور زويل إلى واحد من 
أعداء النظام» وتم إعطاء التعليمات إلى كتبة الحكومة المنافقين من أجل الإنقاص 
من قدر الدكتور زويل وتشويه صورته وسمعته أمام الرأي العام بأي طريقة. 

سمعت الدول العربية الأخرى بمشروع أحمد زويل ومشكلته مع النظام في مصر. 
فسارعت وعرضت عليه مناصب علمية رفيعة ليشارك في إحداث النهضة العلمية 
في تلك البلاد وهو الآن يشرف على جامعات ومشروعات علمية في أبو ظبي وقطر 


/ا 


ودبي والسعودية ولبنان. أي أنه يساعد كل الدول العربية ما عدا مصرء بلاده التي 
أحبها وأراد أن يشارك في نهضتها لكن النظام رفض. 

5 في وسط الحملات الشرسة من الإعلام الحكومي ضد أحمد زويل.. تم اختياره 
من إدارة أوباما كواحد من أهم العقول في الولايات المتحدة الذين سيستعين بهم 
الرئيس الجديد في رسم خطط المستقبل لأمريكا. ولم تفت هذه المفارقة الدكتور 
زويل فقال في أول تصريح بعد أن اختاره الرئيس أوباما: «أنا وكل علمي وخبرتي 
من أجل مصر)» يريد أن يقول لقد حاولت أن أؤدي واجبي نحو وطني لكنهم لم 
يمكنوني واستبعدوني. 
أخيرا.. فإن حكاية الدكتور زويل تبعث على الحزن وثثير التأمل. فالمشكلة هنا 

ليست في أشخاص وإنما في طبيعة النظام الذي يحكم مصر.. فهذا النظام لم ينتخبه 

أحد وقد استولى على السلطة واحتفظ بها بالقوة وبالتالي فإن لديه هواجس أمنية ضد 
أي شخص يتمتع باحترام الشعب المصري.. والنظام على استعداد لإلغاء أي مشروع 
مهما يكن مفيدا للبلدء واستبعاد أي شخص مهما يكن كفئا ومخلصا لمصر.. إذا أحس 
في أي لحظة أنه قد يشكل منافسا سياسيا محتملا ولو من بعيد.. النظام في مصر يستبعد 
تلقائيا كل أصحاب العقول والآراء المخلصة ويقرب المنافقين والأفاقين» وهؤلاء عادة 

يتمتعون بأية كفاءة ما عدا الطبل والزمر والتغني بعظمة الرئيس مبارك وعبقريته. 

والنتيجة حالة الحضيض التي تدهورت إليها بلادنا في كل المجاللات. 
لا أعرف كيف يشعر المسئولون فى مصر الآن بعد أن استبعدوا عالما كبيرا وطنيا 

مثل الدكتور أحمد زويلء بينما تتسابق دول العالم على الاستفادة من نبوغه!! 


لا يمكن أن تتقدم مصر ما دام هذا النظام المستبد جاثما على أنفاس المصريين. 


الديمقراطية هى الحل. 


ماذا حدث في تور ينو؟! 


تورينو من أكبر المدن الإيطالية وهي تنظم معرضا للكتاب يعتبر من أهم المعارض 
هناك. وفي العام الماضي تم اختيار إسرائيل كضيف شرف في معرض تورينو للكتاب» 
وقد أثار هذا الاختيار جدلا شديدا في إيطاليا وخارجها. فقد أعلنت الدول العربية جميعا 
مقاطعتها للمعرض. وفى داخل إيطاليا ظهرت معارضة واسعة للاحتفاء بإسراتيل. لأنها 
دولة ترتكب بشهادة المنظمات الدولية جرائم ضد الإنسانية في حق الفلسطينيين. طبعا 
لم يكن هذا رأي كل الإيطاليين. 

فهناك اليمين الإيطالي الذي يدعم إسرائيل بلا تحفظ.. والحق أن هذا الانقسام حول 
دعوة إسرائيل يعكس انقساما حادا في المجتمع الإيطالي حول موضوعات كثيرة. 

فقد ورثت إيطاليا تقاليد يسارية عريقة جعلت جانبا كبيرا من الرأي العام يناصر 
القضية الفلسطينية ويتمتع بحس إنساني رفيع يفرض التزاما نحو كل المضطهدين في 
الأرض بغض النظر عن جنسياتهم أو أديانهم.. وعلى الجانب الآخر فإن اليمين الإيطالي 
الذي أتى بشخص رجعي ومشبوه مثل بيرلوسكوني إلى الحكم. يساند إسرائيل بلا 
تحفظ» وبعض هذا اليمين مثل حزب رابطة الشمال يدعو إلى نقاء العنصر الإيطالي 
الأبيض واستبعاد الجنوبيين من أهل سردينيا وصقلية ونابولي لأن عيونهم السوداء 
وبشرتهم السمراء تدل على أنهم قد تلوثوا بالدم العربي.. وهناك حادثتان توضحان 
هذا الانقسام الفكري: فقد ظهر في إيطاليا منذ أعوام مهاجر مصري يعمل بالصحافة 
اسمه مجدي علام. وقد تفرغ هذا الشخص للهجوم على الإسلام باعتباره دينا وحشيا 
يحض على الكراهية والعنف. وتفانى في الدفاع عن إسرائيل باعتبارها واحة الديمقراطية 


5/ا 





وضحية لوحشية العرب والمسلمين.. احتضن اليمين الإيطالي مجدي علام ومهد له 
الطريق حتى وصل في أعوام قليلة إلى منصب نائب رئيس جريدة الكوريرا دي لاسيرا 
وهي واحدة من أهم الجرائد الإيطالية» وفي نفس الوقت منحته إسرائيل جائزة الصحافة 
فسافر إلى تل أبيب وتسلم مبلغا كبيرا؛ قيمة الجائزة» في احتفال ضخم.. ثم توج مجدي 
علام مسيرته باعتناقه الديانة الكاثوليكية على يد البابا فى عيد القيامة الماضى ونقلت 
وسائل الإعلام الإيطالية مراسم تعميده على الهواء. وأصبح أسمه مجدي كريستيانو 
علام.. والعجيب أن كتب مجدي علام التي تهاجم الإسلام تحقق توزيعا كبيرا مما 
يدل على شيوع العداء للعرب والمسلمين.. ولكن على الجانب الآخر فإن الكثير 
من الإيطاليين يحتقرون مجدي علام ويعتبرونه مجرد أفاق» بل إن بعض زملائه في 
الجريدة أكدوا لي أنه لم يكن مسلما قط لكنه قبطى مصري وهو يخفى اسمه الثالث 
الذي يدل على ذلك.. الحادثة الأخرى حدثت في ميلانو منذ أسابيع عندما دخل مهاجر 
إفريقي أسود أحد المحال التجارية ويبدو أنه كان عاطلا عن العمل وجائعا فسرق علبة 
بسكويت ليأكل. وقد اكتشف صاحب المحل السرقة فقبض عليه وهو يصيح: يا زنجي 
الأخيرة بين أيديهم. وقد أثارت هذه الحادثة الإيطاليين بشدة وأحس القطاع اليساري 
من الرأي العام بفداحة ما حدث فأعلن عن حملة كبيرة سوف تجوب أنحاء إيطاليا 
تحت عنوان «العنصرية سلوك همجى). 
جاءت دعوة إسرائيل العام الماضي» إذن. في سياق هذا الانقسام في الرأي العام 
الويطالي.. ونشأت حملة قوية لرفض الاحتفاء بإسرائيل» وتزعم الحملة أستاذ فلسفة 
في جامعة تورينو هو الدكتور جياني فاتيمو.. وهو شخصية مرموقة محترمة ويعتبر من 
أكبر المفكرين الإيطاليين ومن أكبر المناصرين للحق العربي. وقد اشتدت الحملة ضد 
إسرائيل حتى شعرت إدارة معرض تورينو فيما يبدو بالذنب» فقررت هذا العام دعوة 
مصر كضيف شرف في المعرض.. وهنا حدثت المفاجأة.. فقد وقف الدكتور جيانى 
فاتيمو بشدة ضد دعوة مصر.. وناصره الكثيرون من الذين كانوا ضد دعوة إسرائيل 
في العام الماضي. وكان منطقهم يستند إلى ثلاثة أسباب: 
/ا/ 








أولا أن الدعوة ليست موجهة إلى كتاب مصريين مستقلين وإنما إلى الحكومة 
المصرية مما يعتبر دعما سياسيا لنظام استبدادي انفرد فيه شخص واحد بالسلطة لمدة 
ثلاثين عاما ويريد أن يورث الحكم لابنه» وثانيا لأن ممارسات النظام المصري مشينة في 
مجال حقوق الإنسان فالاعتقال والتعذيب وتزوير الانتخابات من الممارسات اليومية 
في مصرء وثالثا لآن النظام المصري قد شارك إسرائيل في حصار الفلسطينيين في غزة 
عندما أغلق معبر رفح ومنع المساعدات الإنسانية عنهم مما يجعله مرتكبا لجرائم ضد 
الإنسانية مثل إسرائيل تماما.. وفيى وسط هذا الجدل حول دعوة مصرء شكلت وزارة 
الثقافة المصرية وفدا كبيرا للمشاركة في معرض تورينو.. وفي الوقت نفسه ظهر كتابي 
#نيران صديقة» باللغة الإيطالية ونظم لي ناشري الإيطالي (فيلترينيللي) جولة لتقديم 
الكتاب في أربع مدن إيطالية هي: تورينوء إيفرياء مون سان مارتانء وميلانو. وهكذا 
ذهبت إلى معرض تورينو ككاتب مصري مستقل عن الوفد الرسمي المصريء. وقد 
كانت إدارة المعرض كريمة معي فخصصت لي أكبر قاعة في المعرض وجاء لمناقشتي 
اثنان من أهم النقاد في إيطاليا هما: فولدج جولدكورن (من جريدة الإكسبريسو) وكاترينا 
سوفيجي (من جريدة الجورنالي).. الحمد لله كانت ندوة موفقة جدا فامتلآت القاعة عن 
آخرها بالحضور وانتهزت الفرصة وتكلمت عن الثقافة المصرية القديمة والحديثة... 
ثم ذهبت لزيارة الجناح المصري في المعرض فلاحظت بسرور أن القاعة كبيرة وأنيقة. 
لكني لم أجد إلا شخصا أو اثنين من الزوار الإيطاليين في الجناح. وسرعان ما فهمت 
السبب وهو أغرب من الخيال» فقد أرسلت وزارة الثقافة معظم الكتب المعروضة في 
تورينو.. باللغة العربية.. صدق أو لا تصدق يا عزيزي القارئ.. تتم دعوة مصر إلى 
أكبر مهرجان للكتاب في إيطالياء فترسل وزارة الثقافة إلى الإيطاليين معظم الكتب 
باللغة العربية. هل نتوقع من الزوار الإيطاليين أن يتعلموا العربية في يومين حتى يقرءوا 
هذه الكتب؟! إنها مهزلة» سيتم التعتيم عليها بالطبع في صحف الحكومة. فق قامت 
وزارة الثقافة» كعادتهاء بدعوة عدد من الصحفيين الحكوميين لمرافقة الوفد إلى توريئو. 
وهؤلاء الصحفيونء يتحولون إلى ما يشبه مندوبي الدعاية للوزارة فيكتبون تغطيات 
دعائية تحمل عناوين مثل: «إقبال منقطع النظير على الكتاب المصري في توريئنو) أو 
(تورينو ترقص على المزمار البلدي».. إلى آخر هذه السخافات.. لقد سمعت أشياء 


8 


متضاربة عما حدث في المعرض؛ فالإيطاليون الذين قابلتهم أعجبوا جميعا بكلمة 
الأستاذ محمد سلماوي بينما وجدوا كلمة الدكتور جابر عصفور طويلة وأكاديمية 
ومملة. لكنني أتحدث فقط عما رأيته بعينيّ.. إن المسئول الذي أرسل الكتب باللغة 
العربية يجب أن يحاسب لأنه فوت على مصر فرصة لكي تقدم إبداعها وتراثها بلخة 
مفهومة للإيطاليين. 

غادرت تورينو لاستأنف تقديم «نيران صديقة» طبقا للبرنامج. فذهبت إلى بلدة 
صغيرة اسمها إيفريا ثم بلدة صغيرة أخرى هي مون سان مارتان.. وفي هاتين البلدتين 
الصغيرتين نظموا لي ندوتين... فأحضروا ممثلا مسرحيا لقراءة أعمالي وموسيقيا 
مغربيا موهوبا اسمه عبد الكبير عزف على الكمان ألحانا لرياض السنباطي لتكون 
بمثابة خلفية للقراءة الأدبية. ولم أستطع أن أمنع نفسي من المقارنة: وزارة الثقافة 
المصرية التي تنفق ملايين الجنيهات من أموال الشعب المصري المنكوب بحكامه. 
تفشل في إرسال الكتب بلغة أجنبية إلى إيطاليا مما يؤدي إلى انصراف زوار المعرض 
عن الجناح المصري. ومكتبة صغيرة في قرية إيطالية متواضعة تنظم أمسية ثقافية 
ناجحة.. ما الفرق بيننا وبينهم؟ إن الإيطاليين والأجانب ليسوا أفضل من المصريين 
بل إننا على المستوى الشخصي كثيرا ما نتساوى معهم في التعليم والذكاء.. لكن 
الفرق في النظام. هناك نظام ديمقراطي يؤدي إلى أن يأخذ كل مسئول عمله بجدية. 
وعندنا نظام استبدادي لا يعبا فيه المسئول بإنجاز عمله وإنما يهتم أولا وأخيرا برضا 
الرئيس عنه. ولأن السيد فاروق حسني يتمتع برضا رئاسي دائم وعميق فهو يعلم أنه 
مهما فعل لا يجرؤ أحد على محاسبته. 


“8 











لماذا يذعن المصريون للظلم؟! 


في الأسبوع الماضيء كنت في زيارة إلى بريطانياء فوجدت الرأي العام هناك مشغولا 
بفضيحة كبرى اهتز لها المجتمع البريطاني.. تتلخص تفاصيلها فيما يلي: 

بريطانيا واحدة من أعرق الديمقراطيات في العالم» يضرب بها المثل في احترام 
القانون والحريات والشفافية والفصل بين السلطات ونزاهة الانتخابات. 

وبالتالي فإن دور البرلمان الإنجليزي (مجلس العموم) في التشريع والرقابة جوهري 
وحاسم..حتى الأربعينيات من القرن الماضي كان أعضاء البرلمان الإنجليزي المتتخبون 
يمارسون مهامهم بدون مقابل. فكانت عضوية البرلمان تعتبر عملا وطنيا تطوعيا لا 

وكان الأعضاء يمارسون مهنهم الأصلية طوال النهار بطريقة عادية ثم يذهبون 
إلى جلسات البرلمان بعد الظهر.. شيئا فشيئا تغير هذا النظام وأصبح أعضاء البرلمان 
متفرغين يتقاضون رواتب ثابتة من الدولة» ولما كانت هذه الرواتب ضئيلة وأسعار 
المعيشة في ازدياد مستمر» فقد تقرر منح أعضاء البرلمان ما يسمى «امتياز النفقات 
الإضافية»» وهو نوع من البدل المالي الإضافي يستطيع من خلاله عضو البرلمان أن 
يستأجر أو يشتري بالتقسيط بيتا في لندن إذا كان يسكن خارجها.. كما يمتد هذا الامتياز 
إلى نفقات تجديد البيت والإعاشة والطعام. 

وقد استمر العمل بهذا الامتياز سنوات حتى انتبه بعض المثقفين الإنجليز إلى 
حقيقة أزعجتهم: إن أعضاء البرلمان الذين يتمتعون بامتياز النفقات الإضافية هم 
أنفسهم الذين يقررون قيمته ويراقبون تنفيذه.. وهذا يؤدي إلى تضارب في المصالح 


ل 








يمنعه النظام الديمقراطي. من هنا طالب المثقفون الإنجليز بإطلاع الرأي العام على 
كشف النفقات الإضافية لأعضاء البرلمان.. 

ورفع بعضهم دعوى أمام المحكمة العليا في بريطانيا التى حكمت يوم 58 مايو عام 
بإلزام مجلس العموم بالإعلان عن كشف المصروفات الإضافية لأعضائه؛ واستند 
الحكم إلى قانون حرية المعلومات الذي يتيح لأي مواطن إنجليزي الاطلاع الفوري 
الكامل على أية معلومات تخص الحكومة والبرلمان ما عدا الأسرار العسكرية. 

لم يكن هناك مغر من تنفيذ حكم المحكمة العلياء لكن المسئولين في البرلمان طلبوا 
مهلة وأعلنوا أنهم سيعلنون النفقات الإضافية في أول يوليو القادم.. على أن الملف 
الذي يعدونه تسرب إلى جريدة الديلي تلجراف فأعلنت أنها سوف تنشره تباعا. 

وقد أدى هذا السبق الصحفي إلى زيادة توزيع الديلي تلجراف بمعدل 6 ألف 
نسخة إضافية يوميا.. ويقال إن الجريدة دفعت أكثر من ١6١‏ ألف جنيه إسترلينى 
مقابل هذه المعلومات. وقد أدت حملة الديلى تلجراف إلى واحدة من أكبر الأزمات 
السياسية في تاريخ بريطانيا. ْ 

فقد تبين أن كثيرين من أعضاء البرلمانء لم يلتزموا حرفيا بالغرض من امتياز النفقات 
الإضافية» لكنهم اعتبروا الغرض من الامتياز زيادة رواتبهم بطريقة غير مباشرة. فاستأجر 
بعضهم شققا لم يكونوا في حاجة إليها وبالغ بعضهم في تكاليف تجديد شقته وقد قدم 
هؤلاء جميعا فواتير حصلوا على قيمتها. 

والمبالغ التي أنفقها أعضاء البرلمان المذنبون» تتراوح بين 0١‏ ألف جنيه في حدها 
الأقصى وكثيرا ما تتضاءل حتى تصل إلى عدة مئات من الجنيهات .... ثار الإنجليز بشدة 
على أعضاء البرلمان واتهموهم بتبديد أموال دافعي الضرائب. ودافع بعض الأعضاء 
عن أنفسهم قائلين: إنهم لم يخالفوا القانون الذي يتيح لهم نفقات إضافية لكنهم ربما 
أساءوا تقدير الامتياز الممنوح لهم. وإساءة التقدير ليست جريمة جنائية لكنها خطأ 
سياسي وارد.. وقد ضاعف هذا الكلام من غضب الإنجليز على أعضاء البرلمان 
وتصاعدت الحملة ضدهم حتى وصفت جريدة التايمز يوم نشر هذه المعلومات بأنه 
أسوأ يوم في تاريخ البرلمان»» ولم يستطع الأعضاء المخالفون الصمود أمام غعضب 


م١‎ 


الرأي العام» فأعلنوا اعتذارهم عن سوء تصرفهم ثم تعهدوا بإرجاع المبالغ التي حصلوا 
عليها إلى خزينة الدولة. 

لكن غضب الإنجليز استمر في التصاعد حتى أعلن المتحدث باسم مجلس 
العموم استقالته من منصبه (وهذه سابقة لم تحدث منذ ثلاثة قرون كاملة)» ثم استقال 
معظم الأعضاء المذنبين واضطر رئيس الوزراء جوردون براون إلى الاعتذار رسميا 
إلى الشعب الإنجليزي عن سوء تصرف بعض ممثليه ووعد بإجراء تحقيقات موسعة 
تشمل أعضاء البرلمان جميعا. 

لكن كل ذلك لم يمتص سخط الرأي العام» فبدأ مواطنون في أماكن كثيرة يتجمعون 
أمام بيوت أعضاء البرلمان ويرددون الهتافات ضدهم.. وقد رأيت في التلفزيون 
الإنجليزي واحدا من الأعضاء المذنبين وقد خرج إلى الجماهير الثائرة ليدافع عن 
نفسه. لكنه لم يستطع أن يكمل جملة واحدة لآن الناس أخذوا يصيحون في وجهه: 
«اخرس.. زبالة.. كف عن الأكاذيب». 

ثم اندفع إليه مواطن إنجليزي وخاطبه قائلا أمام عدسات التلفزيون: 

القد أسأت استعمال أموالنا نحن دافعي الضرائب ولا يبدو عليك أقل إحساس 
بالذنب. ألا تخجل من نفسك؟!). 

وقد اضطر هذا العضو إلى إعلان استقالته من البرلمان في نفس اليوم. 

وجدتني وأنا أتابع غضبة الشعب الإنجليزي أفكر في سؤال لا مفر منه.. إن المبالغ 
التي تسببت في هذه الفضيحة العظمى تعتبر ملاليم إذا قورنت بالملايين التي يتم نهبها 
باستمرار من الشعب المصري. 

لماذا يثور الإنجليز ويخوضون حربا شرسة لحماية المال العام؛ بينما نحن المصريين 
لا نثور ولا نغضب على الفساد الذي أهدر ثروات بلادنا وأوصلنا إلى الحضيض؟ ! 
لماذا لا يتحمل الإنجليز الظلم فيثورون حتى يرتعد وزراؤهم خوفا من غضبهم بينما 
نحن المصريين لا نثور على الظلم والاستبداد؟! 

هل خلق المصريون باستعداد للإذعان والخضوع بينما ولد الإنجليز بنفوس 


5م 





حرة ترفض الظلم؟! غير صحيح لأن الناس يولدون جميعا بإحساس واحد: بالعدل 
والكرامة» وقد ثار المصريون كثيرا من قبل وانتزعوا حقوقهم. بل إنهم خاضوا نضالا 
مريرا حتى أجبروا الجيش البريطاني على الجلاء عن مصر. 

هل يوجد في ثقافتنا العربية الإسلامية ما يجعلنا أكثر تقبلا للاستبداد من الغربيين؟ ! 
هلا أيضا غير صحيح... فالعدل والحرية والمساواة ومسئولية الحاكم أمام الشعب» 
وفصل المال الخاص عن العام.. كل هذه المبادئ قد أرساها الإسلام قبل الديمقراطية 
الحديثة بقرون طويلة. 


قبل نشأة القانون الدستوري بمئات الأعوام وضع أبو بكر (رضي الله عنه) أول 
دستور ديمقراطي عندما قال للناس: «أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيتهما 
المال ما دام يتتحدث في شئون الدولة» فإذا انتقل إلى الحديث عن أحواله الشخصية 
أطفا شمعة الدولة وأشعل شمعة اشتراها من ماله الخاص.. وغير ذلك مئات النماذج 
المصريين في رأبي يرجع إلى أسباب ثلاثة: 
أولا: القمع البشع الذي يمارسه النظام المصري على كل من يتحرك لمعارضته أو 
يعمل على تغييره. فالمواطن الإنجليزي الذي يتظاهر مطالبا بحقوقه. يعلم أنه مشمول 
بحماية القانون ولا يدور بذهنه أبدا أنه سيتم ضريبه وتعليقه كالذبيحة وصعقه بالكهرباء 
كما يحدث عندنا يوميا فى مقار أمن الدولة. 
والسبب الثاني لإذعان المصريين هو خيانة المثقفين.. فمعظم المثقفين الإنجليز 
يفهمون الشرف على أنه الدفاع عن المبادئ وحقوق الناس بينما مثقفون كثيرون في 
مصر يسكتون عن الحق وينافقون النظام من أجل مصالحهم الصغيرة. 
هؤلاء الطبالون والزمارون الذين يطلون علينا يوميا في وسائتل الإعلام ليحدثونا 
عن عظمة الرئيس مبارك وعبقريته» معظمهم من حملة المؤهلات العليا وكثيرون منهم 
ىم 





أساتذة في الجامعة» ولو أنهم دافعوا عن حقوق الشعب كما يفعل نظراؤهم الإنجليز 
لكانت الديمقراطية قد تحققت في مصر منذ زمن طويل. 

السبب الثالث للإذعان هو فهمنا الخاطئ للدين..فقد أصيب جزء من العقل المصري 
بعدوى الأفكار السلفية الرجعية المتخلفة.. وبدلا من التمسك بجوهر الدين الذي 
يدافع عن الحق والعدل والحرية» تم اختصار الإسلام في الشكل والعبادات... بينما 
ينشغل الرأي العام الإنجليزي بتطوير الديمقراطية لتكون أكثر فاعلية لحماية المال 
العام.. ينشغل مصريون كثيرون بقضايا يعتبرونها أهم.. مثل النقاب والتنكيل بالبهائيين 
وحكم زواج المسيار وتحريم شم النسيم والموسيقى ولبس الذهب. 

هذه الأسباب الثلاثة تدفع المصريين إلى الإذعان وتكبل طاقتهم وتشوش وعيهم 
وبالتالي تدفع بمصر كلها إلى المزيد من التأخر. 

الديمقراطية هي الحل. 


4 





لماذا يحب المصريون أوياما؟! 


ذهبت لحضور خطبة الرئيس الأمريكي أوباما في جامعة القاهرة وجاء مكاني 
من الإخوان المسلمين.. بينما جلس أمامى عدد كبير من ممثلى السينما والإعلاميين 
المشهورين.. وقد لاحظت أن ردود الفعل على الخطاب من الفنانين والإخوان 
المسلمين كانت واحدة» فقد صفقوا بنفس القوة في نفس المواضع من الخطاب. وقد 
استوقفنى ذلك الحماس الغامر الذي تلقى به الحاضرون جميعا الرئيس أوباما فقد 
وقفوا وصفقوا طويلا بمجرد ظهوره واشتد تصفيقهم وهم يودعونه. وقضيت الأيام 
التالية أتحدث عن زيارة أوباما مع كل من أقابله.. وخرجت بالملاحظات التالية: 
-١‏ المصريون يحبون أوباما فعلا.. هذه حقيقة لا يجوز إنكارها أو التقليل من شأنها 
أو السخرية منها باعتبارها دليلا على السذاجة كما فعل بعض الكتاب. واجبنا دائما 
أن نحترم مشاعر المصريين ونسعى إلى فهمها والتعلم منها. والحق أن رأي الناس 
العاديين» العفوي الصادقء كثيرا ما يدلنا على حقائق قد لا ينتبه إليها المثقفون... 
حاصل على درجة رفيعة من التعليم» تخرج في أكبر الجامعات الأمريكية (هارفارد 
وكولومبيا).. وهو يتمتع بحضور سياسي قوي مؤثر يجعل الناس يصدقونه ويثقون 
فيه بسهولة. وهو أيضا إفريقي ملون مما يجعله بعيدا عن أي نظرة استعلائية عنصرية 
للعرب» وهو مولود لأب مسلم لا زال يحمل اسمهء انفصل عن والدته التي لم 
تلبث أن تزوجت من مسلم آخر اصطحبها مع ابنها إلى بلده إندونيسيا حيث عاش 
أوباما من سن السادسة وحتى العاشرة من عمره. ومع أن أوباما مسبحي إلا أن هذه 


86م 








الذين يعتنقون ديانة أبيه وأقاريه. 

على أن السبب الأهم لإعجاب المصريين بأوباما هو ما يمثله من قيم. إن تولي رجل 
أسود لمنصب الرئاسة في أمريكاء يعني ببساطة أن المجتمع الديمقراطي يكفل تكافؤ 
الكفاءة هي المعيار الأهم في الترقي. وأن الانتخابات الحرة تدفع بأفضل المواطنين 
كفاءة وأكثرهم موهبة إلى المناصب العلياء وأن المواطنين وحدهم أصحاب الحق في 
اختيار من يحكمهم عن طريق الانتخابات الحرة.. كل هذه المعاني العظيمة يفتقر إليها 
المصريون في حياتهم. فاعتبارات الاجتهاد والتعليم والذكاء والكفاءة» لا تضمن أبدا 
الترقي في الحياة» وفي مصر نادرا ما يطبق العدل بل إن مستواك الاجتماعي يحدد عادة 

يقة تعامل القانون معك. كما أن مناصب الدولة» المحجوبة عن معظم المصريين. 
لا تمنح أبدا إلى الأكثر كفاءة وإنما إلى الأكثر ولاء وقربا من النظام مهما يكن فاشلا أو 
فاسدا. كما أن المصريين محرومون من انتخاب من يحكمهم والرئيس الحالي احتكر 
السلطة ثلاثين عاما بغير أن يخوض انتخابات حقيقية واحدة ويتم الإعداد الآن لكي 
يتم توريث السلطة من الأب إلى نجله. 


؟ - مهما يكن إعجاب المصريين بالرئيس أوباما كبيرا فلا يعني ذلك أبدا أنهم باتوا 
أكثر تسامحا مع الجرائم الأمريكية في العراق أو المذابح التي ترتكبها إسرائيل ضد 
الفلسطينيين.. بل العكس صحيح.. فبقدر ما نقم المصريون على الجرائم الأمريكية 
الإسرائيلية» تعلقت آمالهم بالرئيس أوباما من أجل تحقيق العدل.. وبقدر ما كره 
المصريون غطرسة جورج بوش وعنصريته وكراهيته للإسلام» توسموا في باراك 
أوباما نظرة أكثر احتراما وإنصافا وإنسانية للعرب والمسلمين.. وقد ظهرت تلك 
التوقعات الكبيرة ففى صورة مقاللات عديدة توجه فيها كتاب ومثقفون إلى الرئيس 
أوباما بطلبات محددة. وبالرغم من فرح المصريين بالجزء الأول من خطبة أوباما 
عندما تحدث عن عظمة الإسلام وتسامحه فإن كثيرين قد أصابتهم خيبة الأمل 
عندما تكلم عن الصراع العربي الإسرائيلي فلم يخرج إطلاقا عن الخط التقليدي 
للسياسة الأمريكية. 


له 








والحق أن إعجابنا بنموذج الرئيس أوباما لا يجب أن ينسينا أنه رئيس الولايات 
المتحدة وليس رئيسا لبلد عربي أو إسلامي» وبالتالي فإن ما يعنيه بالأساس تحقيق 
مصالح الأمريكيين لا مصالحنا نحن. كما أن السياسة الخارجية الأمريكية لا يرسمها 
الرئيس وحده ولا يستطيع أن يغيرها وحده كما يحدث في بلادنا المنكوبة بالاستبداد.. 
إن قدرة الرئيس الأمريكي على إحداث تغييرات سياسات جذرية تكون في القضايا 
الداخلية أكبر منها بكثير في السياسة الخارجية. فالإعلام والتعليم في الولايات 
المتحدة لا يوفران للمواطن الأمريكي معرفة كافية بما يحدث في أنحاء العالم مما 
يعفي صانع السياسة الخارجية غالبا من ضغط الرأي العام.. كما أن حدود السياسة 
الخارجية ترسمها بدقة جماعات ضغط ومصالح بالمليارات للشركات الأمريكية 
الكبرى.. أضف إلى ذلك أن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية بالذات خط أحمرء وحقل 
ألغام حقيقي أمام أي مسئول أمريكي حتى ولو كان الرئيس نفسه. الخطأ الواحد هنا 
قد يكلفه مستقبله السياسى كله. من الناحية العملية» فإن تأييد إسرائيل الكامل يعتبر 
أحد الشروط الأساسية لتولي رئاسة الولايات المتحدة.. حتى لو كان الرئيس يعتقد 
غير ذلك فإن عليه أن يحتفظ برأيه لنفسه ولا يتقاعس عن تأييد إسرائيل وإلا دفع ثمنا 
باهظا.. من السذاجة إذن أن نتوقع من باراك أوباما أن يدين إسرائيل أو يسعى جادا 
إلى منعها من ارتكاب الجرائم في حق أهلنا في فلسطين. من الممكن أن يتكلم أوباما 
في هذا الاتجاه لكن إسرائيل في النهاية» سوف تفعل ما تريد. وقد رأينا منذ أيام كيف 
نادى أوياما بوقف المستوطنات فأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو في نفس اليوم 
أن بناء المستوطنات لن يتوقف أبدا. 

وبنفس المقياس فإن ما يستطيع أوباما أن يفعله في مجال دعم الديمقراطية في 
بلادنا قليل جدا أو منعدم. لقد قامت السياسة الخارجية الأمريكية دائما على مساندة 
أسوأ الديكتاتوريات في العالم الثالث.. بل إنها كثيرا ما دبرت عن طريق المخايرات 
المركزية انقلابات دموية ومجازر ضد رؤساء منتخبين (كما حدث في شيلي ضد الرئيس 
المنتتخب سلفادور الليندي عام ..)١91/‏ فالمؤسسة الرأسمالية الأمريكية تفضل بقاء 
الديكتاتورية في العالم الثالث. لآن التعامل مع أنظمة استبدادية فاسدة يسهل العمل 
على الشركات الكبرى التى قد تهدد الحكومات الديمقراطية مصالحها. 


كله 








الرئيس أوباما إذن مهما بلغ إعجابنا به لا يستطيع أن يتخطى حدود السياسة الخارجية 
الأمريكية» ولو بيخطوة واحدة. 

إن الحفاوة التي تلقى بها المصريون الرئيس أوباماء لها جانبان أحدهما إيجابي 
والآخر سلبي.. الإيجابي أن إعجاب المصريين به يعكس أشواقهم للعدل والحرية.. 
لقد رأيت كثيرين من الذين حضروا خطبة أوباما يتساءلون بتهكم لا يخلو من حسرة: 
أليبس من حقنا في مصر أن نحظى برئيس منتخب كفء مثل باراك أوباما؟! لم يفكر أحد 
فيهم بالطبع في جمال مبارك.. إن المقارنة بين أوباما وجمال مبارك تعكس بالضبط 
الفرق بين الديمقراطية والاستبداد.. بين الرئيس المنتخب الكفء.. والوريث البعيد 
عن أي كفاءة أو خبرة سياسية.. إن زيارة أوباما قد وضعت المصريين» من جديدء 
أمام المراق فأدركوا إلى أي مدى أوصل الاستبداد بلادهم إلى الحضيض في كل 
المجالات.. أما الجانب السلبي من حب المصريين لآوباما فلأنهم وقد عجزوا عن 
تغيبر واقعهم البائس قد صاروا يتطلعون إلى بطل أسطوري يأتي من الخارج ليقيم 
العدل ويعطيهم حقوقهم المسلوبة.. إن الاستبداد هو أصل الكوارث في مصر. لكن 
تحقيق الديمقراطية في بلادنا ليس مهمة الرئيس الأمريكي وإنما واجبنا نحن؛ لن 
يساعدنا أحد ما دمنا لا نساعد أنفسنا. ْ 


الديمقراطية هى الحل . 


44 








لماذا لم يذهب فاروق حسني إلى تولوز؟! 


الحكاية كلها بدأت بفكرة.. مثقف وروائي فرنسي اسمه أوليفييه دارفور.. واتته 
فكرة تنظيم مهرجان أدبي في مدينة تولوز. ليست تولوز أكبر مدن فرنسا ولا أشهرها 
وهي معروفة أساسا بصناعة الطائرات» حيث تقع فيها مصانع الإير باص الشهيرة. 
لكنها مليئة بالمكتبات وأهلها محبون للآدب والثقافة. من هنا اختارها أوليفييه دارفور 
لإقامة مهرجان أدبي تتم فيه قراءات طويلة للأعمال الآدبية بواسطة ممثلين محترفين 
على أن يكون ذلك في حضور المؤلفين الذين سيسعدهم بالطبع أن يلتقوا بالجمهور 
بعد القراءة. 

تحمست بلدية تولوز للمهرجان الجديد الذي اختار له دارفور اسم «ماراثون 
الكلمات» وقررت بلدية تولوز أن تمول المهرجان بنسبة خمسين في المائة على أن 
تتولى بقية التمويل شركات خاصة. ونجح المهرجان واشتهر حتى أصبح في خمسة 
أعوام فقط من أهم المهرجانات الأدبية في فرنسا. ومع ازدهار المهرجان لمع اسم 
داليا حسن. وهي شابة مصرية من الإسكندرية تعلمت في فرنسا وبدأت العمل مع 
أوليفييه دارفور كمتطوعة بلا أجر في المهرجان وشيئا فشيئاء بفضل كفاءتها واجتهادهاء 
أصبحت المديرة التنفيذية للمهرجان. 

هذا العام قرر مهرجان «ماراثون الكلمات» أن تكون مصر ضيف الشرف وأن تعقد 
أنشطة المهرجان تحت عنوان «الأدب المصري في القاهرة والإسكندرية» قامت إدارة 
المهرجان بدعوة مجموعة من الأدباء والفنانين المصريين من بينهم: صنع الله إيراهيم 
وجمال الغيطاني (الذي اعتذر لظرف خاص) وإبراهيم عبد المجيد وخالد الخميسي 


4م 








ونبيل ناعوم والمخرجة أسماء البكري وكاتب هذه السطور.. ثم فكرت إدارة المهرجان 
في استضافة شخصية مصرية عالمية فقامت بالاتصال بالفنان الكبير عمر الشريف.. 
تحمس عمر الشريف للفكرة وقرر تأجيل كل ارتباطاته حتى يأتي إلى تولوز ليحتفي 
بالأدب المصري ورفض بشدة أن يتقاضى أي أجر من المهرجان. واختار عملين أدبيين 
مصريين لكي يقر أهما بالفرنسية» رواية «أولاد حارتنا» لأستاذنا العملاق نجيب محفوظ 
وكتابي نيران صديقة» (وقد حظيت لهذا الاختيار بشرف كبير لن أنساه).. ولا أستطيع 
أن أصف فرح آلاف الفرنسيين من رواد المهرجان بالآدب المصري.. وقد اقتربت 
من عمر الشريف في تولوز فوجدت فيه إنسانا كبيرا كما هو فنان كبير.. وتمنيت لو أن 
الممثلين المصريين الشبان جميعا كانوا معي ليروا بأنفسهم إلى أي مدى يحب عمر 
الشريف مصر وكيف يتحدث عنهاء كيف يعكف هذا الفنان الكبير على استذكار العمل 
الأدبي الذي سيلقيه وكأنه تلميذ صغير» كيف يحرص على مواعيده بمنتهى الانضباط. 
كيف يتحدث إلى معجبيه بمحبة واحترام. كيف يتحدث عن نفسه بتواضع بالغ. سئل 
أمامي لماذا لا يكتب مذكراته فقال ببساطة: 


ليس في حياتي شيء استثنائي حتى أكتب مذكراتي. لقد كنت محظوظا لأن أبي 
وأمي اجتهدا في رعايتي ثم جاءتني الفرصة دائما في الوقت المناسب. ليس لي فضل 
كبير فيما حققته من نجاح وإنما الفضل لله. 

وقد استقبل الفرنسيون عمر الشريف استقبالا أسطوريا.. وخصص له المهرجان 
أكبر مسرح في تولوز واستطاع بحضوره الفني الراسخ أن يقرأ «أولاد حارتنا» على مدى 
ساعة ونصف الساعة. وبالرغم من صعوبة النص الحافل بالأفكار والرموز إلا أن الفنان 
الكبير نجح في الاحتفاظ بانتباه ألف ومائتي متفرج اصطفوا في طوابير لحجز التذاكر 
لئلا تفوتهم هذه الفرصة من الاستمتاع بالفن المصري: «عمر الشريف يقرأ لنجيب 
محفوظ) وفي الليلة الثانية امتلاً المسرح عن آخره من جديد وشرفني الفنان الكبير 
بقراءة من كتابي «نيران صديقة» التهبت أكف الناس بعدها بالتصفيق.. وفي الليلتين كان 
عمر الشريف يضطر للخروج أكثر من مرة لتحية الجمهور الذي يواصل التصفيق ليعلن 
حبه وإعجابه بالفنان المصري. وبعد ذلك عرض فيلم جميل عن الأدباء المصريين من 
إعداد باتريك دارفور وإخراج كريم جوري. والحق أنني كنت فخورا جداء فقد ظلت 
0 





مدينة تولوز على مدى أربعة أيام تقرأ الأدب المصري في كل مكان.. في كل المكتبات 
والمسارح والقاعات؛ وفي أي وقت من أوقات النهار كانت هناك قراءة لأديب مصري 
ومناقشة لأعماله. وجدتني أفكر أن هذه مصر الحقيقية» المبدعة المتحضرة. التي لا 
تنقطع عن إنجاب الموهوبين مهما تكن الصعوبات, وقد قال مدير المهرجان في الافتتاح 
إن الأدب المصري يقف اليوم في الصف الأول من آداب العالم. وجاءت وزيرة الثقافة 
الغرنسية بنفسها لتعلن تحيتها وتقديرها للإبداع المصري.. ولعلك يا عزيزي القارئ 
تسأل: لماذا لم يتم تسجيل هذه المناسبة العظيمة وعرضها على المتفرجين في مصر؟ ! 
ولعلك تسأل أيضا كيف يفوت وزير الثقافة فاروق حسنى أن يحضر المهرجان. بينما 
فرنسا كلها تحتفي بالفن المصري؟! إليك الإجابة المدهشة: فقد اتصلت داليا حسن؛ 
المديرة التنفيذية للمهرجان بقناة النيل فقال لها المسئولون إنهم يوافقون على تغطية 
المهرجان بشرط أن يقوم المهرجان بدعوة خمسة من العاملين في القناة» بالإضافة 
إلى مدير القناة الذي يجب أن تتم دعوته إلى تولوز أيضا. 

أخبرتهم داليا بأن ميزانية المهرجان لا تسمح بدعوة هذا الحشدء وأكدت لهم 
أن القنوات الفرنسية تكتفي عادة بإرسال فردين فقط للتصوير والتسجيل.. على أن 
المسئولين في قناة النيل تشبثوا بطلبهم: إما أن يأتي خمسة أفراد مع المدير ليأكلوا 
ويشربوا ويتنزهوا على حساب دافع الضرائب الفرنسيء وإما فليذهب المهرجان والأدب 
المصري إلى الجحيم.. وبالطبع رفض الفرنسيون الخضوع لهذا الشرط الغريب فلم 
تتم تغطية المهرجان بواسطة التلفزيون المصري.. أما موضوع فاروق حسني فهو 
أعجب.. فقد تمت دعوته رسميا إلى افتتاح المهرجانء ولم يتخيل الفرنسيون للحظة 
أن يتخلف وزير ثقافة مصر عن حضور الاحتفال بالأدب المصري خصوصا أن وزيرة 
الثقافة الفرنسية أكدت حضورها. وبعد أيام فوجئت داليا حسن بمسئولة في السفارة 
المصرية في باريسء تتصل بها تليفونيا وتطلب منها إلغاء الدعوة الموجهة إلى الكاتب 
الكبير صنع الله إبراهيم وإلا فإن فاروق حسني لن يحضر المهرجان.. (والسبب في 
ذلك موقف صنع الله إبراهيم الشجاع عندما رفض جائزة الدولة من سنوات). 

واستشاط مدير المهرجان الفرنسي غضبا وقال: نحن هنا في فرنسا بلد الحريات لا 
يمكن أن نخضع لرقابة فاروق حسني أو غيره. وأصر المهرجان على دعوة صنع الله 


4١ 


إبراهيم وكانت النتيجة عدم حضور فاروق حسني مما أثار غضب واستياء كل الفرنسيين 
الذين قابلتهم. أما الأدهى من ذلك فهو أن السيد فاروق حسني كان في زيارة لباريس 
في نفس وقت المهرجان؛ وذلك من أجل الإعداد لمعركته البائسة من أجل الحصول 
على منصب مدير اليونسكو.. ولا أعتقد أن بإمكانه أن ينكر ذلك فهو كان نزيلا في فندق 
ماريوت الشانزليزيه في باريس مع وكيل الوزارة الأسبق ورئيس المتحف المصري 
الكبير محمد غنيم وآخرين من مساعدي الوزير وأتباعه. 

الواقع أن ما حدث في تولوز يثبت من جديد الفرق الشاسع بين مصر العظيمة 
المبدعة والنظام المصري الفاسد الجاثم على أنفاسنا.. فالإبداع المصري العظيم 
محل حفاوة العالم» أما المسئولون المصريون فلا يهتمون إلا بمصالحهم المباشرة 
بدءا من مدير قناة النيل الذي يريد أن يتفسح مع أحبابه على حساب الفرنسيين» إلى 
وزير الثقافة الذي ينفق ببذخ من أموالنا نحن المصريين ليحظى برضا إسرائيل حتى 
تُنعم عليه بمنصب مدير اليونسكو.. المصريون مبدعون حقيقيون يحرزون تفوقا مذهلا 
بمجرد أن تتاح لهم فرصة حقيقية.. والنظام المصري لا يعبأ إلا بمصالحه ويتصرف 
في مصر وكأنها ضيعة خاصة. 


1 








دروس من كرة القدم 


الانتصار الذي حققه المتتخب الوطني المصري على المنتخب الإيطالي الحائز 
كأس العالم في كرة القدم... حدث رياضي تاريخي بلا شك. لكنه بقدر ما يبعث فينا 
الفرحة والفخر يستحق منا التأمل. كنت أشاهد المباراة مثل ملايين المصريين فرأيت 
لاعبينا العظام يعطون أبطال العالم درسا حقيقيا في فنون الكرة ويقدمون نموذجا رائعا 

وجدتني أفكر: إن هؤلاء اللاعبين مصريون نشئوا وعاشوا بيننا وعانوا مثلنا من 
والقمع والتدهور الشامل في كل مجالات الحياة. كيف استطاعوا أن يطوروا مهاراتهم 
حتى وصلوا إلى هذا المستوى الرفيع؟! كيف تمكنوا من تحقيق هذا الإنجاز الرائع 
بدون الاستعانة بخبرة الأجانب؟! 

لماذا يقتصر هذا التفوق العظيم على كرة القدم؟! لماذا لم نتفوق في العلوم أو 
الصناعة أو الزراعة؟! لماذا يحرز منتخبنا الوطني انتصارات عالمية كبرى في كرة 
القدم بينما تتوالى علينا الهزائم في كل المجالات الأخرى؟! 

ما الفرق بين الطريقة التي يدار بها المتتخب الوطني والطريقة التي تدار بها مصر 
كلها؟! وجدت لهذا السؤال أكثر من إجابة: 
١‏ لعبة كرة القدم لها قواعد واضحة ثابتة يتم تطبيقها فورا وعلانية على الجميع» 

اللاعبون جميعا متساوون أمام القانون. الفرص متكافئة بالتساوي أمام الفريقين 


4 





واللعب يتم أمام أنظار الناس ورقابة الحكم وحاملي الرايات.. من هنا يجتهد 

اللاعبون ويبذلون قصارى جهدهم وهم على يقين من أن حقهم لن يضيع أبدا. 

هذا الإيمان بجدوى العملء الحافز للإجادة والتنافس» الإحساس بالمساواة 
والعدالة.. كل هذه مشاعر يفتقدها المصريون في حياتهم اليومية» حيث لا توجد قواعد 
عادلة والفرص غير متكافئة وأشياء كثيرة تحدث في الكواليس بعيدا عن الأنظار» تغير 
دائما من نتيجة المباراة» والناس ليسوا متساوين أبدا أمام القانون» لأن مركزك وثروتك 
وعلاقاتك.. كلها عوامل تؤثر دائما على طريقة تطبيق القانون عليك.. بل إن القانون 

في مصر لا يطبق بصرامة إلا على الذين لا يستطيعون تعطيله بنفوذهم. 

١‏ في كرة القدم الأسباب تؤدي حتما إلى النتائج. فالموهبة والاجتهاد واللياقة البدنية 
العالية وتنفيذ تعليمات المدرب بدقة» تشكل العوامل الأساسية للفوز في المباراة.. 
أما في حياتنا اليومية فإن الأسباب غالبا لا تؤدي إلى النتائج. كثير من المصريين 
يحققون النجاح والثروة لأسباب لا علاقة لها أبدا بتفوقهم واجتهادهم. 
وبالمقابل فإن مصريين كثيرين يقعون في البطالة والفقر والبؤس على الرغم من 

تفوقهم واجتهادهم.. هذا الاعوجاج في ميزان القيم يؤدي إلى فقدان الحافز على 

الإنجاز والمنافسة» فيركن المصريون إلى السلبية ويتملكهم الإحساس بالإحباط 
والظلم ويدفعهم إلى الهروب من الوطن بأي طريقة» بحثا عن نظام عادل يكفل لهم 

فرصة حقيقية في الترقي والحياة الكريمة. 

في كرة القدم يتقاضى اللاعبون أجورا تكفل لهم حياة كريمة وتدفعهم للتركيز في 
الأداء.. وبالتالي يؤدي لاعب الكرة واجبه وهو مطمئن على أسرته وأولاده.. بينما 
معظم الموظفين المصريين يتقاضون أجورا هزيلة لا تفي باحتياجاتهم الأساسية 
ولا يمكن أن نتوقع منهم بعد ذلك أن يعملوا بجدية وتفانٍ.. فالحكومة تتظاهر 
بإعطاء الموظفين رواتب وبالمقابل يتظاهرون هم بالعمل. 

4- في كرة القدم» يسمح للمصريين بالتعبير الكامل عن رأيهم في المدرجات وفي 
الشوارع بل وحتى في وسائل الإعلام.. والمظاهرات التي ينظمها جمهور الكرة 

ك0 


لا تقمعها الشرطة أبدا بل تحميها.. وقد نشأ عن هذه الحرية إحساس بالمشاركة 

الحقيقية» فجماهير الكرة في مصر تثق في قدرتها على التغيير وتضغط بشدة لإصلاح 

كل ما هو خطأ في المتتخب الوطني. 

وهذا الرأي العام القوي يشكل رقيبا حقيقيا على اللاعبين والجهاز الفني.. فاستمرار 
اللاعبين والمدرب صار يتوقف فقط على النتائج التي يحققها المتتخب.. ولو تكرر 
الخطأ من أي لاعب أو هبط مستواه» مهما تكن شهرته؛ فسوف يكون المدرب مرغما 
على استبعاده.. بل إن المدرب نفسه. مهما تحققت تحت قيادته أمجاد وبطولات. 
تكفي عدة هزائم متوالية إلى دفعه لتقديم استقالته.. هذه الرقابة الشعبية على المتتخب 
جعلت البقاء دائما للأصلح. 


مما يدفع اللاعبين إلى بذل قصارى جهدهم من أجل الاحتفاظ بثقة الناس ويؤدي 
في النهاية إلى دراسة الأخطاء وتلافيها وتحسين الأداء باستمرار. كل هذه الظواهر 
الإيجابية هي عكس ما يحدث في الحياة السياسية في مصر. فالناس ليس لديهم أدنى 
إحساس بجدوى المشاركة في شئون بلادهم والحكومة تستبعدهم من حسابها تماما 
وتزور إرادتهم في الانتخابات. 

وكل من يشترك في مظاهرة سياسية يضرب ويسحل في الشارع وغالبا ما يعتقل ويتعرض 
لتعذيب مروع في أمن الدولة.. والوزراء والمسئولون يحصلون على مناصبهم ليس لأنهم 
الأكفأ ولكن لأنهم مرضي عنهم من الرئيس مبارك. ونحن المصريين ليس من حقنا أبدا أن 
نعرف كيف يختار الرئيس مبارك وزراءه ولا لماذا قرر سيادته تعيينهم أو إقالتهم. 

ومادام الرئيس يحبهم فإنهم سوف يستمرون في مناصبهم مهما يكن أداؤهم بائسا 
وفاشلاء وبالتالي فإن رضا الرئيس يهم المسئولين أكثر بكثير من رأي الناس. وفكرة 
الرئيس عنهم أهم بكثير من أي إنجاز حقيقي يقومون به. 

وقد نتجح عن ذلك إلغاء فكرة الرأي العام وتعطيل مبدأ الانتخاب الطبيعي فأصبح 
النظام السياسي يستبعد تلقائيا العقول الكبيرة والكفاءات الحقيقية ويمنح المناصب 
غالبا للفاشلين والفاسدين من الموالين له. 


5 المناصب في كرة القدم يتولاها المسئولون بعقود محددة المدة. ويمكن إلغاء العقد 
في أي لحظة إذا تدهور أداء المسئول أو ثبت فساده أو مخالفته للقانون.. وهذا 
عكس مايحدث في النظام السياسي. 
فالذي يتولى السلطة يظل فيها حتى آخر حياته. ونحن لا نعرف أبدا حجم ثروته 

أو ثروات أولاده وليس بمقدورنا أبدا محاسبته» وبقاء الرئيس في الحكم لا علاقة له 

بحسن أدائه وإنما يتوقف بالأساس على قدرته على قمع معارضيه والتنكيل بهم. 
تخيل يا عزيزي القارئ لو أن مدرب المنتخبه الكابتن حسن شحاتة» تسبب بسوء 

إدارته في إلحاق الهزائم المتوالية بالمتتخب على مدى أعوام طويلة.. وبدلا من أن 

يستقيل ليعطى الفرصة لمن هو أكفأ منه.. تمسك بمنصبه وأعلن أنه سيستمر مدربا 
للمنتخب حتى آخر نفس يتردد في جسده.. ولم يكتف بالمصائب التي تسبب فيها 

وإنما بدأ يعد ابنه ليخلفه في تدريب المنتخب. 
وعندما اعترض بعض المشجعين واللاعبين على استبداده أمر باعتقالهم وضربهم 

واتهمهم بالعمالة لجهات أجنبية وإثارة البلبلة وتهديد السلام الاجتماعي.. هل كان 

لمنتخبنا الوطني في تلك الظروف أن يحقق أي إنجاز من أي نوع؟! 
إن التفوق الساحق الذي نحرزه في كرة القدم. يدل على أن المصريين ليسوا أقل 

من الغربيين أبدا فى الصفات والقدرات الإنسانية. ويؤكد أن التدهور الذي وصلت 

إليه مصر في كل المجالات لا يعود إلى عيب في المصريين أنفسهم وإنما إلى فساد 

النظام السياسي وعجزه وفشله. 
إن المصريين مبدعون بطبيعتهم» لكنهم محرومون من نظام يتيح لهم حسن استغلال 

طاقاتهم ومواهبهم. وهم فور أن يتاح لهم نظام جيد يتميز بالكفاءة والعدالة.. ينجزون 

ويتفوقون بشكل مذهل. 
إذا أردنا أن نحرز في حياتنا نفس ما أحرزناه في كرة القدم.. يجب أن نبدا أولا 

بتغيير النظام الفاسد الجاثم على أنفاسنا. 
الديمقراطية هي الحل. 


15 


ماذا حدث في مسايفة بيروت 9595 


الأستاذ صمويل شمعون مثقف عراقي يعيش في أوربا منذ فترة طويلة. وقد أصدر 
كتابا جميلا عن سنوات معاناته في باريس عندما كان شابا فقيرا عاطلا عن العمل.. 
وهو الآن متزوج من مثقفة إنجليزية» والزوجان يديران في لندن مجلة ثقافية اسمها 
بانيبال؛ تهتم بالأدب العربي المعاصر. وقد قابلت الأستاذ صمويل مرارا في مناسبات 
أدبية مختلفة فوجدته شخصا مهذبا ولطيفا يتمتع بخفة ظل حقيقية. 


ونشأت بيننا صداقة أعتز بها... ومنذ شهور تلقيت رسالة من صمويل شمعون 
يخبرني فيها بأن هناك مسابقة أدبية كبرى سوف ينظمها مهرجان هاي (وهو من أكبر 
المهرجانات الأدبية الإنجليزية)» سوف تختار هذه المسابقة أهم 9" أديبا شابا في 
العالم العربي (على أن تكون سنهم أقل من أربعين عاما». ولأن بيروت هي عاصمة 
الثقافة العربية لهذا العام فإن اسم المسابقة بيروت 9".. وقد ذكر لي صمويل أعضاء 
لجنة التحكيم فوجدتهم شخصيات ثقافية معروفة ومحترمة: عبده وازن وعلوية 
صبح من لبنان وسيف الرحبي من عمان.. وقال لي صمويل إن اللجنة المنظمة 
للمهرجان قد وقع اختيارها علي لكي أكون رئيسا للجنة التحكيم.. ولما أبلغته 
بموافقتي كتبت لي رئيسة المسابقة السيدة كريستينا لافوينتي تشكرني على قبولي 
رئاسة لجنة التحكيم. 

والحق أنني كثيرا ما أعتذر عن عدم المشاركة في مناسبات وأنشطة ثقافية حتى 
أوفر الوقت للكتابة» إلا أنني اعتبرت المشاركة في مسابقة بيروت 9 واجبا ملزما نحو 


4 


الثقافة العربية.. فما أجمل أن نكتشف من خلال المسابقة أدباء شبانا موهوببن ونقدم 
أعمالهم إلى القارئ الغربي عن طريق دور النشر الإنجليزية التي وعدّت بنشر أعمال 
الفائزين.. تحمست لأداء المهمة وبعد أيام بعث لي صمويل شمعون بقائمة تضم أسماء 
حوالي 4١‏ أديبا من مختلف البلدان العربية مع معلومات عنهم» وكتب يقول إن هذه 
قائمة أولية بالمرشحين للمسابقة ستتبعها قوائم أخرى.. ولما استفسرت عن طريقة 
تقدم هؤلاء الأدياء بقة. قالت لي السيدة كريستينا إن مجلة بانيبال التي يديرها 
صمويل وزوجتهء هي التي ترشح أسماء الأدباء للمسابقة. والحق أنني اندهشت من 
هذه الطريقة وكتبت إلى كريستينا أسألها إن كانت بيروت 9 مسابقة مفتوحة للجميع 
أم أنها مقتصرة على اختيارات مجلة بانيبال؟! أجابتني بأنها مسابقة مفتوحة لكنهم عادة 
يأخذون بترشيحات المجلة والنقاد وأكدت لي أنني باعتباري رئيسا للتحكيم أستطيع 


ع ع8 


أن أضيف أي عدد من أسماء الأدباء الشبان الذين أرى تر شيحهم للمسابقة. 

تحفظت بالطبع على هذه الطريقة وكتبت لها خطابا طويلا؛ قلت إن المسابقة المفتوحة 
تعني بالنسبة إلِيّ أن يستطيع أي كاتب التقدم إليها بنفسه.. ثم كيف نقصر حق الترشيح 
على النقاد؟ من هو الناقد أصلا؟ هل هو الصحفي في المجلات الثقافية أم هو أستاذ 
الأدب في الجامعة أم صاحب الكتب النقدية؟! وكيف نأمن تحيز النقاد لأسباب فكرية 
أو سياسية أو شخصية؟! وما ذنب الأديب الشاب الموهوب الذي لا يعرفه النقاد؟! إن 
كثيرا من الأدباء المغمورين مستواهم الأدبي أعلى من المشهورين.. وضربت لها مثلا 
بمسابقة الرواية التي نظمتها مؤسسة أخبار اليوم من سنوات تحت إشراف الأستاذة نوال 
مصطفى وقد شرفت أنا برئاسة التحكيم فيها وقدمت مع لجنة التحكيم عشرة روائيين 
مصريين موهوبين: لم يكونوا معروفين للنقاد أو القراء. 

دخحلت في مناقشة طويلة مع كريستينا فوافقت في النهاية على حق اتاب في ترشيح 
أنفسهم.. وسألتها عندئذ: كيف يتقدم الأدباء الشبان إلى المسابقة وهم لا يعرفون 
بوجودها أساسا؟! وهنا اعتبرت كريستينا أن الإشارة إلى المسابقة في موقع المهرجان 
الإلكتروني والأحاديث عنها في بعض الصحفء إعلانات كافية عن المسابقة.. قلت لها 


48 


إنه فى مصر أكبر بلد عربى لا يعرف أحد بأمر هذه المسابقة ما عدا بعض الصحفيين... 
وبعد أخذ ورد ورسائل متبادلة.. وحيث إنني كنت مسافرا بعد أيام إلى إنجلترا لتقديم 
كتابى «نيران صديقة»» اتفقت معى كريستينا على أن نلتقى فى لندن لنناقش كل تفاصيل 
المسابقة.. وقد هدانى تفكيري إلى أن أصطحب معى فى هذا اللقاء صديقة إنجليزية هى 
جيسيكا أكس التي تعمل لدى ناشري الإنجليزي فورث أستيت.. وعلى مدى ساعتين 
دافعت عن وجهة نظري أمام كريستينا.. كان منطقي واضحا: يجب أن نفتح المسابقة 
أمام الجميع ولكي يحدث ذلك يجب الإعلان عن المسابقة بطريقة فعالة وواسعة. 
يجب أن ننشر إعلانات عن المسابقة في أهم الجرائد العربية في مختلف البلدان.. 
وأكدت لكريستينا أن هذه الإعلانات لن تكلفها أموالا كثيرة. لأن الصفحات الأدبية 
فى الجرائد العربية جميعا سيسعدها بلا شك أن تنشر عن هذه المسابقة المهمة بدون 

أرجو أن تعذريني لأنني ألح على تنفيذ هذه الطلبات.. لقد عرفت في مصرء على 
مدى عشرين عاماء مسابقات أدبية كثيرة نتائجها معدة سلفا ولجانا للنشر أعضاؤها 
ماعانيت منه طويلا. 

تفهمت كريستينا كلامي ووافقت في النهاية على طلباتي جميعا.. وعدتني بإعلانات 
عن المسابقة في كل أو معظم البلاد العربية» تنشر في أول شهر يونيو على أن تكون فترة 
التقدم للمسابقة شهرين كاملين من تاريخ الإعلان.. وبعد اللقاء أدليت بحديث للإذاعة 
البريطانية عن المسابقة وكتبت كلمة صغيرة ليتم إلقاؤها في المؤتمر الصحفي الذي 
سيعقد في بيروت عن المسابقة.. على أنني بالرغم من توصلي لاتفاق مع كريستينا 
انتابنى القلق من جملتين نطقت بهما أثناء المناقشة.. فقد اقترحت كريستينا أن تتلقى 
مجلة بانيبال كل الأعمال المقدمة لتفحصها ثم تقدم ما تراه صالحا منها للجنة التحكيم. 
وقد رفضت هذه الفكرة الغريبة وقلت لها: 


1 


لا يحق لآية جهة أن تقوم بغربلة أعمال المتسابقين قبل تقديمها للجنة التحكيم.. 
ومرة أخرى أة قلقتنى كريستينا عندما قالت: 


في الواقع نحن نحب أن يكون نصف الفائزين في المسابقة من الأدباء المغمورين 
ونصفهم من الأسماء المعروفة. 

وأجبتها فورا: 

لا يحق لنا إطلاقا أن نتوقع أو نرغب في تركيبة معينة للفائزين.. كل ما علينا أن 

بعد الاتفاق مع كريستينا.. عدت إلى مصر ثم سافرت من جديد إلى إيطاليا وفرنسا 
وعدت بعد أسبوعين وحتى يوم 7١‏ يونيو لم تكن السيدة كريستينا قد نفذت حرفا واحدا 
مما اتفقنا عليه في لندن. وعندما كتبت أستوضح الأمر لم تعطني إجابة واضحة.. 
وهنا.. أرسلت إليها استقالة مسببة. أعلن فيها انسحابي من رئاسة تحكيم المسابقة 
لأنها لم تنفذ ما اتفقنا عليه وبالتالي فإني أعتبر المسابقة بهذا الشكل ليست مفتوحة 
ولا عادلة.. حاولت السيدة كريستينا إثنائى عن الاستقالة وقالت إنها ستنشر إعلانا 
أو اثنين في مصر.. لكنني أصررت على موقفي. وهنا ظهر لأول مرة السيد بيتر 
فلورنس وهو الذي أسس مهرجان هاي الأدبي منذ ١١‏ عاما. وقد حاول أيضا إثنائي 
عن الاستقالة وسألني عما أطلبه بالضبط.. فقكررت عليه من جديد ما اتفقت عليه مع 
كريستينا.. الإعلان عن المسابقة بطريقة فعالة واسعة حتى نفتح أبوابها أمام الأدياء 
الشبان جميعا.. ولكنني فوجئت به ينضم إلى كريستينا ويعتبر أن المسابقة كما هي 
الآن أفضل ما يمكن عمله.. وهنا أكدت استقالتي وقلت له مع احترامي الكامل لك 
ولدورك الثقافي» من حقنك أن تنظم المسابقة كما تريد.. ومن حقي أنا أيضا أن أعتبر 
ما يحدث فيها مناقضا لمبدأً العدالة. 

هذا ما حدث في مسابقة بيروت 4" الأدبية.. وكلها وقائع موثقة لأننى احتفظت 


بالمراسلات التي أجريتها مع المسئولين عن المسابقة ولأن اتفاقي مع كريستينا في 
و١١‏ 


لندن جرى في حضور شاهدة هى جيسيكا أكس .. وأنا أكتب هذه الشهادة ليس بغرض 
التجريح أو الشوشرة. لكنني أؤمن أن من حق القارئ في الوطن العربي أن يعلم كل 
شيء عن مسابقة أدبية كبيرة مثل بيروت 9”.. ومن حق هذا القارئ أيضا أن يستخلص 


هل يكره الغربيون الإسلام؟! 


السيد ديني باتين» قسيس أمريكي من طراز خاص.. فهو قد أنشأ عام ١447‏ في 
ولاية أريزوناء جمعية اسمها «الدبلة الفضية».. الهدف الأساسي لهذه الجمعية دعوة 
الشباب الأمريكيين من الجنسين إلى الامتناع عن ممارسة الجنس قبل الزواج وإقناعهم 
بأن الجنس خارج الزواج هو الزنا الذي حرمه السيد المسيح. في كل أسبوع يعقد القس 
باتين احتفاللات تحضرها عشرات الفتيات الأمريكيات» يق رأن معه الكتاب المقدس ثم 
يتعهدن أمام الرب بالاحتفاظ بغشاء البكارة سليما حتى يفضه الزوج الشرعي. 


في نهاية الاحتفال ترتدي كل فتاة في يدها اليسرى دبلة فضية منقوش عليها كلمة 
النقاء» وتظل الدبلة الفضية في يد الفتاة دليلا على عذريتها حتى يخلعها زوجها من 
يدها في ليلة الزفاف. المدهش أن دعوة السيد باتين تلقى رواجا متزايدا في أمريكا حتى 
اقترب عدد أتباعه من ؟ مليون أمريكي. بل إن بعض الفتيات اللاتي فقدن عذريتهن 
قبل انضمامهن إلى جمعية الدبلة الفضية يجرين عمليات ترقيع لغشاء البكارة حتى 
يبدأن من جديد سلوك الفضيلة كما يسميه القس باتين. كما تتلقى الجمعية دعما ماليا 
سنويا من الحكومة الأمريكية. 

وقد شاهدت في التلفزيون الفرنسي برنامجا طويلا عن القس باتين وجمعيته. ظهر 
فيه أتباعه يدافعون عن عذرية الفتاة كمقياس للفضيلة. وظهرت طبيبة نفسية فرنسية 
ناقشت أفكارهم واختلفت معهم باحترام.. ووجدتني أتساءل: إن أفكار القس باتين 
عن عذرية الفتاة كمعيار للفضيلة تتطابق تماما مع الثقافة العربية الإسلامية. لكنهم في 
تلفزيون فرنسا يتعاملون معه بأدب لأنه أمريكي مسيحي أبيض ولو أن نفس الكلاء 
١٠١ >‏ 


صدر عن عربي أو مسلم لانهالت عليه الاتهامات بالتخلف والهمجية واحتقار المرأة.. 
هذه الازدواجية الغربية منتشرة والأمثلة عليها بلا حصر. أجريت الانتخابات مؤخرا 
في إيران وفاز بها أحمدي نجاد ثم ثارت شكوك واتهامات بالتزوير وهنا قامت الدول 
الغربية جميعا ولم تقعد وأصدرت بيانات شديدة اللهجة من أجل نصرة الديمقراطية 
في إيران ويدفعنا ذلك إلى السؤال: إن الانتخابات المصرية تزور بانتظام منذ سنوات 
طويلة والرئيس مبارك يتولى الحكم عن طريق استفتاءات مزورة» فلماذا لم يثر ذلك 
غضب الساسة الغربييك؟! 


الإجابة أن الغرض من هذه الضجة ليس نصرة الديمقراطية ولا يحزنون وإنما إحراج 
النظام الإيراني الذي يعادي إسرائيل ويسعى لتطوير قدراته النووية مما يشكل تهديدا 
للاستعمار الغربي» أما النظام المصريء» فعلى الرغم من كونه استبداديا وفاسداء إلا أنه 
مطيع ومستأنس وسياساته تصب دائما في خدمة إسرائيل وأمريكا؛ ولذلك يغطي الإعلام 
الغربى على أخطائه مهما بلغت بشاعتها.. أثناء المظاهرات الإيرانية الأخيرة انطلقت 
رصاصات مجهولة المصدر فقتلت فتاة إيرانية من المتظاهرين» اسمها ندأ سلطان.. 
وسرعان ما تحول مقتلها إلى الخبر الأول في صحافة العالم وقد تأثر السياسيون 
الغربيون لمقتل ندى أشد التأثر حتى إن الرئيس أوباما قال وهو يغالب دموعه: (إنه 
لأمريمزق القلب حقا».. وبعد أسابيع قليلة» فى مدينة دريسدن الألمانية» كانت السيدة 
المصرية مروة الشربينى.. تحضر محاكمة شخص ألمانى وجه لها سبابا عنصريا لأنها 
محجبة.. وقد حكمت المحكمة الألمانية بتغريمه مبلغ 78٠١‏ يورو عقابا له على 
إهانة مروة. وعند النطق بالحكمء أصيب المتطرف الألماني بهياج شديد وانهال على 
مروة وزوجها طعنا بالسكين فماتت مروة فورا متأثرة بجراحها بينما نقل زوجها إلى 
المستشفى فى حالة حرجة. 

المفترض أن قيمة الحياة الإنسانية تتساوى عند الناس جميعا فالحزن الذي أصاب 
أهل مروة لمقتلها لاايقل عن حزن أهل ندى الإيرانية.. يفترض أن مقتل مروة ومقتل 
ندى جريمتان متساويتان فى البشاعة والتأثير.. لكن مقتل المصرية المحجبة لم يتمزق 
له قلب الرئيس أوباما ولم يظهر أصلا في صدارة الإعلام الغربي بينما تركزت الأضواء 
كلها على مقتل ندى. والسبب أن مقتل ندى يشكل إدانة للنظام الإيراني المعادي للغرب 


١١ 


أما مقتل مروة فيدل على أن الإرهاب ليس قاصرا على العرب والمسلمين.. فها هو 
إرهابي ألماني مسيحي أبيض يقتل إنسانة بريئة لا يعرفها ويشرع في قتل زوجها لمجرد 
أنها مسلمة ومحجبة. وهذا المعنى لاا يحب الإعلام الغربي أن ينقله أبدا.. الخلاصة أن 
الغرب غالبا ما يتبنى» سياسيا وإعلامياء رؤى وسياسات معادية للعرب والمسلمين.. 
هذه حقيقة لا يمكن إنكارها.. ولكن هل يعتبر العرب والمسلمون مجرد ضحايا أبرياء 
للتحيز الغربي؟ الإجابة لا قاطعة.. فلا يمكن أن نستعمل الغرب كمصطلح حصري.. 
الغرب لا يعني شيئا واحدا. إذا كان الغرب منحازا ضدنا سياسيا وإعلاميا فإن ملايين 
الغربيين العاديين لا يحبون الإسلام ولا يكرهونه لأنهم ببساطة لا يعرفون عنه شيئا.. 
والآن.. ماهي الصورة التي يقدمها المسلمون أنفسهم للإسلام؟ 

لو أن مواطنا غربيا قرر أن يعرف حقيقة الإسلام عبر ما يفعله المسلمون وما 
يقولونه.. ماذا سبيجد؟! سوف يطالعه أسامة بن لادن وكأنه خارج من كهوف العصور 
الوسطى ليعلن أن الإسلام يأمره بقتل أكبر عدد من الغربيين الصليبيين» حتى ولو كانوا 
مواطنين أبرياء لم يفعلوا أي شيء يستوجب العقاب. ثم سيقرأ الغربي كيف قررت 
حركة طالبان إغلاق مدارس البنات في المناطق التابعة لها لأن الإسلام يمنع تعليم 
المرأة باعتبارها كائنا ناقص العقل والدين. بعد ذلك سيقراً الغربي تصريحات من 
يسمون أنفسهم فقهاء إسلاميين.. يؤكدون فيها أن المسلم إذا انتقل إلى دين آخر فإن 
الإسلام يأمر باستتابته أو ذبحه من الوريد إلى الوريد. سيؤكد بعض هؤلاء الفقهاء أن 
الإسلام لا يعرف الديمقراطية وأن طاعة الحاكم المسلم واجبة حتى ولو ظلم رعيته 
وسرق أموالهم.. وسوف يرحبون بأن تغطي المرأة وجهها بالنقاب حتى لا يقع من 
يراها في الشهوة الجنسية فيتحرش بها أو يغتصبها. وسيؤكد كثير منهم أن الرسول 
يك قد تزوج من السيدة عائشة وهي طفلة في التاسعة من عمرها.. سوف يقرأ الغربي 
كل ذلك وهو لن يعرف الحقيقة أبدا. لن يعرف أن عمر زوجة الرسول كان ١4‏ عاما 
وليس 4 سنواتء لن يعرف أن الإسلام قد ساوى تماما بين الرجل والمرأة في الحقوق 
والواجبات جميعا. لن يعرف أن من قتل نفسا بريئة في نظر الإسلام فكأنما قتل الناس 
جميعا. لن يعرف أبدا أن النقاب لا علاقة له بالإسلام وإنما هو عادة انتقلت إليناء بأموال 


١: 


الحقيقية هي الحرية والعدل والمساواة. وأنه قد كفل حرية العقيدة فمن شاء فليؤمن 
ومن شاء فليكفر وأن الديمقراطية هي الإسلام نفسه لأنه لا يجوز للحاكم المسلم أن 
يتولى السلطة إلا برضا المسلمين واختيارهم.. بعد كل ذلك هل نلوم هذا الغربي إذا 
اعتبر أن الإسلام دين التخلف والإرهاب؟! 

في العام الماضي حصلت على جائزة برونو كرايسكي الأدبية في النمسا. وقام السيد 
رئيس وزراء النمسا بتسليمى الجائزة.. وكان يفترض أن ألقى كلمة بهذه المناسبة. 
فاخترت أن أتحدث عن حقيقة الإسلام وحكيت للأجانب الحاضرين أن الرسول 
يِه كان رقيق المشاعر لدرجة أنه عندما كان يسجد للصلاة كان حفيداه الحسن 
والحسين كثيرا ما يقفزان للعب على ظهره؛ فيظل هو ساجدا حتى لا يزعج الطفلين 
حتى ينتهيا من اللعب ثم يستأنف الصلاة.. وقلت للحاضرين: هل تتخيلون أن رجلا 
يوقف صلاته حتى لا يزعج الأطفال» يمكن أن يدعو إلى قتل الأبرياء وإرهابهم؟! 
وقد استقبل الحاضرون هذه الحكاية باهتمام وجاء كثيرون ليسألوني كيف يستقون 
معلومات حقيقية عن الإسلام. 

صحيح أن السياسة الغربية تعاملنا باعتبارنا سكان مستعمراتء لا يحق لنا أبدا أن 
نتمتع بحقوق المواطن الغربي» وصحيح أن الإعلام الغربي ينحاز غالبا ضد العرب 
والمسلمين» لكن الصحيح أيضا أن القراءة السلفية الوهابية المتخلفة المنتشرة الآن 
في العالم الإسلامي تساعد فعلا على ترسيخ صورة ظالمة وسيئة للإسلام.. واجبنا 
أن نبدأ بأنفسنا.. يجب أن نخلص الإسلام من كل الخزعبلات والأكاذيب والأفكار 
المتخلفة التي التصقت به وهو منها براء. 


لماذا لم تعندر السيدة ميركل ؟0 


ولد كارل هاجنبك عام 18٠١١‏ في مدينة هامبورج الألمانية» وقد أحب الحيوانات 
منذ الصغر فاقتنى له أبوه مجموعة كبيرة منهاء وعندما كبر كارل هاجنبك قرر أن يعمل 
منظما لعروض الحيوانات» فطاف بمجموعته النادرة من الحيوانات كل حدائق الحيوان 
في الغرب وكسب من ذلك مالا وفيرا. لكنه بعد سنوات من تنظيم عروض الحيوانات 
فكر في تجديد عمله.. فأرسل أتباعه إلى إفريقيا حيث قاموا باصطياد مجموعة من 
الإفريقيين تم وضعهم في أقفاص وعرضهم بجوار الحيوانات.. وهنا نكتشف صفحة 
مجهولة في تاريخ العلاقات بين مصر وألمانيا: ففي عام ١4175‏ أرسل كارل هاجنبك 
أتباعه إلى جنوب مصر فاصطادوا مجموعة من المصريين النوبيين.. أخذهم هاجنبك 
ووضعهم في أقفاص كالحيوانات وبدأ يطوف بهم المدن الأوربية المختلفة.. وقد 
حققت عروض النوبيين نجاحا كبيرا وأسس كارل هاجنبك لنوع جديد من العروض 
يسمى حديقة حيوان الإنسان (200 لالط ع1 ). 

ظلت هذه العروض البشعة مستمرة في أورباء بنجاح باهرء على مدى ستين عاما 
كاملة» منذ ١837٠١‏ وحتى ١970‏ عندما بدأت في الانحسار.. وقد كان لنجاح هذه 
العروض ثلاثة أسباب: أولا احتياج الإنسان الغربي لتأكيد إحساسه بالتفوق وهو 
يرى الشعوب الأخرى معروضة في أقفاص مثل الحيوانات.. ثانيًا أن حركة الاستعمار 
الغربي كانت آنذاك في ذروتها وبالتالي كان المستعمرون في أشد الحاجة إلى تبرير 
أخلاقي لما يقترفونه من قتل وسرقة واغتصاب وغيرها من الجرائم البشعة في حق 
سكان المستعمرات» كان عرض سكان المستعمرات في أقفاص الحيوانات يؤكد أنهم 


٠١5 


ليسوا بشرا تماماء مما يسقط حقهم في العدالة والمعاملة الآدمية.. السبب الثالث أن 
العلماء الأوربيين كانوا آنذاك مفتونين بنظرية العالم الإنجليزي تشارلس داروين عن 
النشوء والارتقاء فكانوا ‏ صدق أو لا تصدق ‏ يدرسون سكان المستعمرات وهم 
في الأقفاص بحثا عن قرائن علمية تؤكد أنهم الحلقة المفقودة بين الإنسان والقردة 
العليا التى تحدث عنها داروين.. قرأت عن هذه العنصرية البشعة التى مارسها ملايين 
الغربيين سنوات طويلة بلا أدنى حرج أو إحساس بالذنب» ووجدتني أتساءل: كيف 
يقبل إنسان» مهما تكن الأسباب والدوافع» أن يصطاد إنسانا مثله ويضعه في قفص 
الفرجة مثل القرود؟! ظل السؤال بلا جواب.. حتى حضرت منذ شهور مهرجان برلين 
الأدبي وتعرفت هناك إلى شابة إفريقية سوداء مولودة في ألمانيا اسمها جرادا كيلومبا.. 
تعمل أستاذة علم نفس في جامعة برلين. 
سألتها: 

هل تجدين مشاكل لأنك سوداء في ألمانيا؟ 

م فضحكت جرادا وقالت: 

لقد وجهت السؤال إلى الشخص الصحيح. 

ثم أهدت إليّ نسخة من كتابها الرائع «ذكريات الغرس.. يوميات العنصرية»» الذي 
حتى إنها عندما أرادت التسجيل للدكتوراه. طلبت منها الجامعة عشرات الأوراق 
والمستندات التي لا تنص عليها اللائحة والتي لا يطلبونها أبدا من الطالب الألماني 
الأبيض.. لكن صديقتى جرادا كانت عنيدة ومجتهدة وحادة الذكاء فأحضرت الأوراق 
جميعا ونجحت في الاختبارات جميعا وفي النهاية قابلتها أستاذة ألمانية وسألتها 
باستخفاف: 

هل أنت واثقة أنك تريدين الحصول على الدكتوراه هنا؟ لماذا لا تحصلين عليها 
هناك (فى إفريقيا)؟! 

.. وقد أجرت جرادا كيلومبا فى كتابها بحثا شمل عدة نساء إفريقيات يعشن فى 


١١ /7ا‎ 


ألمانيا.. وجاءت النتيجة مذهلة» فقد تبين أنهن جميعا تعرضن إلى تمييز عنصري 
وإهانات مستمرة» تحكى إحدى النساء أنها عندما بلغت من العمر ١١‏ عاماء أحست 
بوجع في بطنها فذهبت إلى عيادة طبيب ألماني أبيض في الحي الذي تسكن فيه؛ دفعت 
قيمة الكشف وانتظرت دورها وبعد أن فحصها الطبيب كتب لها الدواء وعندما همت 
بالانصراف استبقاها ثم عرض عليها أن تعمل خادهة في منزله. وتقول الفتاة إنها كانت 
مريضة ودفعت قيمة الكشف بالكامل مثل الآخرين ولكن لمجرد أنها سوداء فقد توقع 
الطبيب منها أن تكون خادمة. 

على أن أهم ما شرحته الدكتورة جرادا كيلومبا في كتابها.. الفرق بين الممارسة 
العنصرية والوعي العنصري.. فالممارسة العنصرية فعل أو تصرف ظالم أو عنيف يتبنى 
النظرة العنصرية.. أما الوعي العنصري فيظل كامنا حتى عند أطيب الناس وأحرصهم 
على فعل الخير.. والوعي العنصري يبدأ دائما بجملة واحدة: «إنهم مختلفون عنا».. 
فهو يفترض أن الشعوب الأخرىء من غير الغربيين البيض» لديهم ثقافة مختلفة وطريقة 
تفكير مختلفة وأحاسيس مختلفة.. مما يعني ضمنا أنهم لا يستحقون نفس حقوق 
الغربيين البيض.. وطبقا لنظرية كيلومباء فإن الذين اشتروا التذاكر لكي يستمتعوا 
بمشاهدة سكان إفريقيا في الأقفاص ليسوا أشراراء لكنهم غربيون عاديون يعانون من 
وعي عنصري يجعلهم يتقبلون فكرة أن الشعوب الأخرى مختلفة وبالتالي أقل منهم.. 
والطبيب الألماني الذي طلب من المريضة أن تعمل خادمة قد يكون شخصا رقيقا 
ووديعا لكن وعيه العنصري جعله يرشح مريضته لمهنة خادمة لأنها سوداء» تختلف 
تماما عن ابنته البيضاء. 

أؤكد هنا أنني لا أتهم الألمان جميعا بالعنصرية.. فالشعب الألماني قدم إنجازات 
رائعة وخالدة للإنسانية. وأنا أعرف ألمانا كثيرين يتميزون بالتسامح والاحترام الكامل 
للناس جميعا.. صحيح أن الجرائم العنصرية تتزايد بطريقة مخيفة في ألمانيا لدرجة 
أنه في عام ٠٠٠57‏ فقط» تم تسجيل عدد ١7‏ ألف انتهاك عنصريّ في المدن الألمانية 
المختلفة» لكن الصحيح أيضا أن هناك أيضا حركة قوية لمناهضة العنصرية تنتشر 
في ألمانيا كلها.. على أنني» مثل المصريين جميعاء انزعجت وغضبت من تصرف 


١٠١م‎ 


الحكومة الألمانية إزاء المجزرة البشعة التي راحت ضحيتها مروة الشربيني والجنين 
الذي كانت تحمله في بطنها.. المجرم الذي قتل مروة الشربيني مجرد إرهابي ألماني. 
والحكومات بالطبع ليست مسئولة سياسيا عن جرائم مواطنيها.. لكن المجزرة تمت 
داخل محكمة ألمانية ومن حقنا أن نسأل: كيف دخل الجاني إلى قاعة المحكمة وهو 
يحمل سكينا في ثيابه؟! ألا يعكس دخوله مسلحا إلى القاعة تقصيرا أمنيا مشينا؟! ثم 
إن القاتل قد مزق جسد مروة بعدد ١/‏ طعنة على مدى 8 دقائق كاملة فلم يتدخل أحد 
لإنقاذهاء ألا يبلغ التقصير الأمني الألماني هنا حد الجريمة؟ جريمة الإهمال الذي 
أدى إلى قتل إنسانة بريئة وجنينها أمام طفلها الصغير وزوجها.. وبعد أن تمزق جسد 
مروة تماما بالطعنات ظهر ضابط ألماني أخيرا فإذا به يطلق الرصاص على زوجها 
بدلا من القاتل.. ألا يفرض الواجب القانوني والسياسي محاكمة هذا الضابط؟! لقد 
ارتكب جريمتين مروعتين: التقاعس عن أداء واجبه في إنقاذ مروة مما أدى إلى مقتلها 
والشروع في قتل زوجها لمجرد أنه يحمل ملامح عربية. 

كل ذلك يجعل الحكومة الألمانية» طبقا للقانون والعرف والمنطق» تتحمل المسئولية 
المباشرة عن المجزرة.. لكن الحكومة الألمانية ظلت صامتة لمدة أسبوع كامل ثم 
قال المتحدث باسمها كلاما عامًا بعيدا عن أي إجراءات محددة لمحاسبة المسئولين 
الأمنيين في المحكمة الذين شاركوا جميعاء بفشلهم وتقصيرهم وعنصريتهم في إتمام 
المذبحة.. وقد نشرت الصحف أن المستشارة الألمانية» أنجيلا ميركل» سوف تلقي 
بيانا رسميا تعتذر فيه لأسرة مروة الشربيني وللمصريين جميعا عن إهمال الحكومة التي 
ترأسها الذي أدى إلى حدوث المجزرة.. لكن السيدة ميركل رفضت أن تفعل ذلك. 
لماذا لم تعتذر السيدة ميركل باسم الحكومة الألمانية؟! لماذا لم تحاكم المسئولين 
عن الأمن في المحكمة؟! أليست مروة الشربيني إنسانة» حتى ولو كانت مصرية 
مسلمة ومحجبة؟! أليس لها أهل وأصدقاء يحبونها كما تحب السيدة ميركل أسرتها 
وأصدقاءها؟! هل يتفق تجاهل السيدة ميركل لمسئوليتها بهذا الشكل مع كونها زعيمة 
منتخبة في بلد ديمقراطي؟ ! 


عندما أرى اللامبالاة التي تتعامل بها السيدة ميركل مع حياة العرب والمسلمين؛ لا 
أستطيع أن أمنع نفسي من تذكر أجدادنا المصريين النوبيين وهم محبوسون في أقفاص 
في حديقة حيوان برلين بينما الألمان يتسلون بالفرجة عليهم.. وتحضرني فورا الفكرة 
البليغة التى عبرت عنها صديقتى جرادا كيلومبا «العنصرية تبدأ دائما بجملة واحدة: 
إنهم مختلفون عنا». 





كيف نتغلب على فتنة النساء؟! 


عزيزي القارئى.. 

تخيل أنك ذات صباح ذهبت إلى مقر عملك فوجدت زملاءك جميعا ملثمين» 
تسمع أصواتهم لكنك لا ترى وجوههم أبدا.. كيف تشعر حينئذ؟! لن تكون مرتاحا 
بالطبع ولو استمر هذا الوضع سيؤدي إلى اضطراب أعصابكء فنحن نحتاج دائما إلى 
رؤية وجوه من نتحدث إليهم. 

الاتصال الإنساني لا يكتمل إلا برؤية الوجه. هكذا طبيعة الإنسان منذ بداية الخليقة.. 
لكن الذين يفرضون على المرأة تغطية وجهها لا يفهمون هذه الحقيقة.. في أعقاب 
ثورة ١919‏ المصرية الكبرى ضد الاحتلال الإنجليزي» قامت الرائدة هدى شعراوي 
بخلع البرقع التركي من على وجهها في احتفال عامء كانت هذه إشارة إلى أن تحرر 
الوطن لا ينفصل عن تحرر المرأة» كانت المرأة المصرية بحق رائدة نساء العالم العربي 
فهي أول من تعلمت وعملت في كل المجالات وأول من قادت سيارة وطائرة وأول 
من دخلت الحكومة والبرلمان. 

ولكن منذ نهاية السبعينيات» وقع المصريون في قبضة الأفكار السلفية وانتشر 
المذهب الوهابي» مدعوما بأموال النفط. سواء عن طريق الفضائيات المملوكة للسلفيين 
أو بواسطة ملايين المصريين الفقراء الذين عملوا سنوات في السعودية وعادوا مشبعين 
بالأفكار السلفية. 

من هناء عاد النقاب للظهور من جديد في مصر مما يستوجب مناقشة موضوعية. 


١١١ 


وهو أمر صعب لأن أنصار النقاب عادة متشددون متعصبون يسارعون باتهام كل من 
يخالفهم بأنه يدعو إلى الإباحية والانحلال.. وهذا منطق ساذج ومغلوط.. فلم يكن 
الاختيار الإنساني قط محصورا بين النقاب والإباحية. لآن بينهما أنواعا عديدة من 
السلوك الأخلاقى المتزن. 

والسؤال هنا: هل يمنع النقاب فتنة النساء ويساعد على الفضيلة؟! الإجابة تستدعى 


عدة حقائق: 


١-الإسلام‏ لم يأمر المرأة بتغطية وجههاء إطلاقاء وإلا.. لماذا أمرنا الله بغض البصر 
إذا كنا لن نرى شيئا من وجه المرأة أصلا؟! في المجتمع الإسلامي الأول كانت 
المرأة تشارك في الحياة العامة تتعلم وتعمل وتتاجر وتقوم بالتمريض أثناء الحروب 
وأحيانا تشترك في القتال. الإسلام احترم المرأة ومنحها حقوقا مساوية للرجل. 
لم يحدث قهر المرأة إلا في عصور انحطاط المسلمين. منذ بضعة أشهرء قام كبار 
علماء الأزهر بتأليف كتاب وزعته وزارة الأوقاف» بعنوان: النقاب عادة وليس 
عبادة.. أثبتوا فيه بالبراهين الشرعية أن النقاب لا علاقة له بالإسلام من قريب أو 
بأحكام الإسلام. 

١‏ بما أن النقاب ليس أمرا إلهيا فمن حقنا إذن أن نتساءل عن فوائده وأضراره.. 
المجتمعات القديمة جميعا فرضت على المرأة ارتداء النقاب لأنها اعتبرتها أصل 
يفترض أن الغواية ستحدث للرجل بمجرد أن يرى وجه امرأة جميلة. وهو بذلك 
ينفي قدرة الإنسان على السيطرة على غرائزه.. ثم إذا كانت المرأة يجب أن تغطي 
وجهها حتى لا تفتن الرجل.. فماذا يفعل الرجل الوسيم؟! ألا يتسبب وجهه الجميل 
فى إغواء النساء؟ ! 


هل نأمر الرجل الوسيم بالنقاب أيضا فيصبح الرجال والنساء جميعا منتقبين.. ثم 
إننا نرى عينى المرأة المنتقبة وهماء إذا كانتا جميلتين» قد يتحولان إلى مصدر قوي 


١١ ؟‎ 


للغواية. فماذا نفعل عندئذ لمنع الفتنة؟! فقيه سعودي شهير؛ الشيخ محمد الهبدان» 
انتبه مشكورا إلى هذه المشكلة فدعا النساء المسلمات إلى ارتداء النقاب بعين واحدة؛ 
حتى لا تتمكن النساء أبدا من إغواء الرجال بنظراتهن.. ولا أعرف كيف يتسنى لهذه 
المرأة المسكينة أن تمارس حياتها من خلال ثقب واحد تتطلع من خلاله إلى الدنيا 
بعين واحدة فقط. 


النقاب يمنع المرأة من المشاركة في الحياة كإنسان مساو للرجل في الحقوق 
والواجبات» كيف تعمل المرأة جرّاحة أو قاضية أو مهندسة أو مذيعة في التلفزيون 
وهي مختبئة خلف النقاب (سواء كان بعين واحدة أو عينين).. معظم الفقهاء 
السعوديين يرفضون بشدة قيادة المرأة للسيارات ويسوقون في ذلك ثلاث حجج: أن 
المرأة إذا قادت السيارة ستخلع نقابها وتفقد حياءهاء وسيكون بمقدورها أن تذهب 
إلى أي مكان تحبه مما يشجعها على التمرد على زوجها وأهلها.. أما الحجة الثالثة 
لمنع قيادة المرأة فهي» كما وردت بالحرف في كتاب الفتاوى الشرعية (ص 5١‏ 5): 
«أن المرأة بطبيعتها أقل من الرجل حزما وأقصر نظرا وأعجز قدرة, فإذا داهمها 
الخطر عجزت عن التصرف». هذا هو رأي أصحاب النقاب الحقيقي الذي يدل 
على احتقارهم للمرأة واستهانتهم بقدراتهاء وهم عاجزون بالطبع عن تفسير التفوق 
الساحق الذي حققته المرأة في التعليم والعمل في كل أنحاء العالم. 

5 أخطر ما في النقاب أنه ينزع الصفة الإنسانية عن المرأة.. عبر التاريخ الإنساني 
كانت هناك دائما طريقتان للنظر إلى المرأة: النظرة المتحضرة تعتبرها إنسانا كامل 
الأهلية والكفاءة» أما النظرة المتخلفة فتختصر المرأة في كونها أنثى؛ وبالتالي 
تنحصر وظائفها الأهم في كونها أداة للمتعة الجنسية ومصنعا لإنجاب الأطفال 
وخادمة في بيت الزوجية. 
والوظائف الثلاث مرتبطة بجسد المرأة وليس عقلها.. من هنا يكتسب جسد المرأة 

عندهم أهمية قصوى. أما عقلهاء تعليمها وعملهاء أو حتى أفكارها أو أحاسيسها.. 

فتأتي في مرتبة ثانوية إن كان لها اعتبار من الأصل. 

١11 


5 يعتقد أصحاب النقاب أن اختلاط الرجال بالنساء يؤدي حتما إلى الفتنة والرذيلة. 
وبالتالي فإن العلاج الوحيد لهذه المشكلة هو الفصل التام بين الجنسين وتغطية 
وجه المرأة. وإذا كان هذا المنطق صحيحا فإن المجتمع السعودي يجب أن يكون 
قد تخلص من الرذيلة تماما وإلى الأبد.. فالفصل بين الجنسين هناك قاطع والنقاب 
مفروض على النساء جميعاء بل إن هناك هيئة كبيرة اسمها الأمر بالمعروف» تعمل 
ليل نهار لمراقبة سلوك المواطنين وعقابهم فورا إذا حادوا عن مكارم الأخلاق قيد 
أنملة. فهل تحققت الفضيلة في السعودية؟! للأسف فإن الدراسات والإحصائيات 
تؤكد العكس.. فقد أثبتت دراسة أجرتها الدكتورة وفاء محمود في جامعة الملك 
سعودء أن ربع الأطفال السعوديين قد تعرضوا إلى تحرشات جنسية بين سن * 
إلى ١١‏ عاماء وقد أكدت نفس النتيجة دراسة أخرى قام بها الدكتور علي الزهراني 
إخصّائي الأمراض النفسية بوزارة الصحة السعودية» أما الدكتور خالد الحليبي 
مدير مركز التنمية الأسرية في الإحساء فقد أكد في دراسته أن 87// من طلاب 
المرحلة الثانوية الذين شملهم البحث يعانون انحرافات جنسية وأنه في عام واحد 
فقط )35٠١1/(‏ هربت 80٠‏ فتاة سعودية من أهلها بسبب اعتداءات أسرية معظمها 


# 


وأن 9/ من الأطفال يتعرضون إلى الإيذاء الجنسي من قبل أولياء أمورهم. 
وأن فتاة من كل أربع فتيات في الخليج تتعرض للتحرش الجنسيء وأن 1/57 من 
الأطفال الذين شملتهم الدراسة تلقوا دعوات إباحية على المحمول.. وقد سببت 
ثورة الاتصالات أزمة اجتماعية كبرى في السعودية فقد بدأ الشبان» المكبوتون 
اجتماعيا وجنسياء يستعملون عدسات المحمول لأغراض غير أخلاقية.. وفي 
عام ٠٠١5‏ انتشر في السعودية تسجيل تم تصويره بالمحمول» يصور أربعة شبان 
سعوديين وهم يحاولون اغتصاب امرأتين منتقبتين في شوارع الرياض.. السؤال: 
كيف يشرع شاب في اغتصاب امرأة وهو لا يرى جسدها أو وجهها؟! الإجابة أنها 
بالنسبة إليه ليست إنساناء إنها جسدء. مجرد أداة جنسية» إذا استطاع أن يستمتع بها 
ويفلت من العقاب فلن يتردد لحظة. 


١١: 


الخلاصة أن حالة المجتمع السعودي من حيث الانحرافات والاعتداءات الجنسية. 
ليست أفضل من حالة المجتمعات الأخرى إن لم تكن أسوأ. 

أخيرا.. إذا كان النقاب لا يحقق الفضيلة فما العمل إذن؟! كيف نتغلب على غواية 
النساء؟! 

الواقع أن الفضيلة لا تتحقق أبدا بالمنع والحجب والقهر وإنما بالتربية والقدوة 
والإرادة.. عندما نعتبر المرأة إنسانا له إرادة أخلاقية وكرامة وشخصية مستقلة» عندما 
نعترف لها بالحقوق التي أقرها الإسلام.. عندما نثق بالمرأة ونحترمها ونعطيها فرصتها 
كاملة في التعليم والعمل.. عندئذ فقط ستتحقق الفضيلة. 


الديمقراطية هى الحل. 


نقناب كامل . . وتدين ناقص 


الأسبوع الماضيء كتبت مقالا عن ظاهرة النقاب التي تنتشر في مصر الآن.. بعد 
أن تحررت منه المرأة المصرية منذ 4١٠‏ عاما. ذكرت أن الإسلام لم يأمر المرأة بتغطية 
وجهها إطلاقا.. واستندت فى ذلك إلى رأي مجموعة من علماء الأزهر الذين وضعوا 
كتابا بعنوان «النقاب عادة وليس عبادة» قامت بتوزيعه وزارة الأوقاف المصرية. وقد أكد 
نفس الرأي فقهاء مصريون كثيرون من أهمهم الإمام محمد عبده ..)١1900-1/859(‏ 
والشيخ محمد الغزالي )١1945-1511/(‏ العالم العظيم الشجاع الذي خاض معركة 
عنيفة ضد الفقه البدوي» كما سماه. الذي يريد عزل المرأة خلف النقاب.. حاولت 
شرح التأثير السلبي للنقاب على المرأة والمجتمع. وضربت مثلا بالمجتمع السعودي 
حيث يفرض النقاب هناك على النساء جميعا بالقوة.. ودللت بالإحصاءات الرسمية 
السعودية أن المجتمع السعوديء من حيث الانحرافات والاعتداءات الجنسية» ليس 
أفضل من المجتمعات الأخرى بل ربما يكون أسوأ.. وبالتالى فإن حبس المرأة خلف 
النقاب لم يمنع الرذيلة. ا 

وبعد نشر المقال فتحت موقع الشروق الإلكتروني.. فوجدت مفاجأة.. فقد 
تدفقت على الموقع عشرات الرسائل من أنصار النقاب. لكنها بكل أسف لم تحمل 
حجة واحدة يمكن مناقشتهاء إنما اجتهدت كلها فى توجيه أكبر قدر من الإهانات 
والشتائم لشخصي.. دون الالتفات إطلاقا إلى رأبي أو آراء الفقهاء الذين استشهدت 
بهم.. وأمام ضراوة الهجوم وبذاءته انبرى للدفاع عني مجموعة كبيرة من القراء» وأنا 
هنا أشكرهم من قلبي وأفخر بثقتهم وتقديرهم. والحق أن هذه الشتائم لم تزعجني 
لأنني كطبيب تعلمت في الجراحة أن عملية فتح الخراج بالمشرط. على ضرورتها 
١ >15‏ 


لشفاء المريضء لا بد أن يصحبها خروج الصديد برائحته الكريهة.. على أننا هنا أمام 
ظاهرة تستحق التأمل فعلا.. فهؤلاء الذين تنافسوا على إهانتي» يفترض أنهم متدينون. 
بل إنهم يعتبرون أنفسهم أكثر التزاما بالدين من سواهم. الأمر الذي يقدم فرصة جيدة 
لدراسة أنماط التفكير التي يتبعونها. وقد لاحظت ما يلي: 

أولا: أنهم يعتقدونء باطمئنان كاملء أن الإسلام طبعة واحدة وقول واحد ورؤية 
واحدة للعالم.. كل ما يخالف رأيهم ليس من الإسلام في شيء. وكل من يخالف 
رأيهم إما جاهل أو منحل أو متآمر على الإسلام لحساب جهات أجنبية.. وبالتالي فهم 
يعتبرون أن واجبهم, ليس مناقشة المختلفين معهم وإنما ردعهم وإهانتهم والتدكيل 
بهم إن أمكن.. لأنهم أعداء أو متآمرون وليسوا أصحاب وجهات نظر مختلفة.. والحق 
أنه ليس هناك ما هو أبعد عن الإسلام الحقيقي من هذه الرؤية الأحادية المتطرفة.. 
فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يشترط لاعتناقه الإيمان بالأديان الأخرى.. وقد أذهل 
المسلمون العالم» على مدى سبعة قرونء بقدرتهم على استيعاب الثقافات الأخرى 
وإعادة إنتاجها في الحضارة الإسلامية العظيمة. 

انيًا: أنهم يتوقعون منك أن توافق على حبسهم للمرأة خلف النقاب, أو على 
الأقل تمتنع عن الاعتراضء أما إذا اعترضت فسوف يتهمونك فورا بالترويج للعري 
والإباحية.. إنهم يعتبرون النقاب المقابل الوحيد للانحلال.. ولنا أن نتخيل كيف ينظر 
هؤلاء إلى السيدة غير المحجبة وكيف يتعاملون معها.. بل وكيف ينظرون إلى الأقباط. 
وأي صورة يقدمونها للإسلام أمام الأجانب إذا كانوا يعيشون في دولة غربية. 

الثا: أنهم يمارسون نوعا من التدين لا يعتمد على تجربة روحية ذاتية بقدر ما يعتمد 
على المقارنة والتميز.. فالطريق إلى الفضيلة الدينية عندهم لا يمر بتدريب النفس على 
الإحسان وكبت الشهوات وإنما يتحقق أكثر بإبراز تفوقهم الديني على الآخرين» وهم 
يكتسبون من اختلافهم قوة نفسية تؤدي بهم إلى الاستعلاء والغطرسة.. فهم وحدهم 
المتدينون الحقيقيونء العارفون بأحكام الدين وحكمته. وأمام الآخرين اختياران: إما 
أن يتبعوا أفكارهم دون مناقشة أو يبوءوا بلعناتهم وشتائمهم. وهم يعيشون في عالم 
متوهم يريحهم من التفكير في مشكلاتهم الحقيقية.. العالم عندهم يتكون من معسكر 


١١17/ 


المسلمين الذين يجب أن يشاركوهم آراءهم بحذافيرها.. ومعسكر أعداء الإسلام من 
العلمانيين والكفار والمنحلين. ولا ثالث بينهما. وهذه الرؤية الثنائية» على سذاجتها 
وتطرفهاء تدفعهم بسهولة إلى الكراهية والعداء بدلا من المحبة والتسامح وتَقَيّل 
الاختلاف.. وهي القيم التي يدعو إليها صحيح الدين. 

رابعًا: لاحظت أن معظم رسائلهم تحفل بأخطاء شنيعة في النحو واللغة.. واستتتجت 
من ذلك أن ثقافتهم الدينية سمعية وليست مقروءة» يستمدونها غالبا من القنوات 
الفضائية» المدعومة بأموال النفط» التى تعمل على نشر الأفكار السلفية الوهابية. 
بالأمسء فتحت إحدى هذه القنوات» فوجدت الداعية الشهير يحكي الواقعة التالية: 

(إن رسول الله عليه الصلاة والسلام دعي إلى بيت أحد الناس فأكل كل ما قدم إليه 
من طعام ما عدا البصلء ولما سأله صاحب الدعوة عن سبب ذلك.. أجاب رسول الله 
َك بأنه لا يأكل البصل النيء حتى لا تنفر الملائكة من رائحة فمه أثناء نقل الوحي». 

هذا هو مستوى المادة الدينية التي تبثها تلك القنوات في عقول البسطاء.. ولا أظنه 
يحتاج إلى تعليق. 

خامسًا: لاحظت أن الدين عندهم عملية إجرائية» لها خطوات محددة. لا تتعدى 
أبدا الشكل والعبادات. وبالتالي فإن هؤلاء المتدينين لا يجدون أي تناقض بين إهانة 
الناس ونقائهم الديني. هذا التدين الناقصء الذي يفصل العقيدة عن السلوك. ينتشر 
في بلادنا كالوباء.. فكم من شسخص نلقاه اليوم فنجده حريصا للغاية على شعائر الدين 
ولكن ما إن نتعامل معه في الأمور المادية حتى نكتشف أن سلوكه يناقض مظهره.. 
لقد أصبحنا فى مصرء للأسف,. أكثر حرصا على مظاهر الدين وأقل تدينا.. وكنا قبل 
انتشار الأفكار الو هابية» أقل اهتماما بمظاهر الدين وأكثر تدينا بالمعنى الحقيقى.. أكثر 
عدلا وأمانة وتسامحا. ٠‏ 

أخيرّاء فإن أخطر ما في هذا التدين الناقص فصله التام للخاص عن العام.. فالذين 
تنادوا واجتمعوا ليمطروا موقع الشروق بالشتائم» متخيلين بذلك أنهم يدافعون عن 
الإسلام.. يعيشون في مصر حيث يعاني ملايين الناس من الفقر والبظالة والجهل 
والمرضء» حيث يموت الناس في طوابير الخبز أو تصارعا على مياه شرب نظيفة.. 


١١8 


لكن التدين الناقص يجعلهم عاجزين عن التحليل الموضوعي لاي ظاهرة.. فالفقر 
في اعتقادهم, إما عقاب أو اختبار من الله. لا يستطيعون أبدا أن يروه كنتيجة طبيعية 
للفساد أو الاستيداد. 


يبقى أن هذا التدين الناقص منزوع السياسة تماما. فقد تعلم هؤلاء من شيوخ الوهابية 
أن طاعة الحاكم المسلم واجبة حتى لو كان ظالما وفاسدا.. مما يجعلهم فعلا قابلين 
للاستبداد. وهم يخرجون في مظاهرات غاضبة احتجاجا على قرار الحكومة الفرنسية 
بمنع الحجاب في مدارسها بينماء في بلادهم ذاتهاء تزور الانتخابات بانتظام ويفضي 
عشرات الآلاف من المعتقلين (معظمهم إسلاميون) زهرة شبابهم في السجون دون 
محاكمة.. ويهان الإنسان المصري ويعذب بوحشية وقد ينتهك عرض زوجته أمام 
عينيه فى مقار الشرطة وأمن الدولة.. على أن كل ذلك لا يثير غضبتهم الدينية أبدا.. 
لأن الدين الذي تعلموه لا يشمل الدفاع عن القيم الإنسانية العامة: الحرية والمساواة 
والعدالة» وإنما يقتصر فقط على الشكل والعبادات.. كما أن مقاومة الظلم والاستبداد 
فى مصر.. مسألة مكلفة يفقد فيها الإنسان حريته وكرامته وربما حياته.. أما الاختباء 
خلف اسم مستعار وسب الناس عبر الإنترنت فهو نضال سهل لا يكلف شيئا. 

لقد أكدت لى هذه التجربة» مرة أخرىء أن هناك معركتين فى مصر: معركة من 
أجل الإصلاح الديمقراطي ومنع توريث بلادنا من الرئيس مبارك إلى ولده وكأننا 
مزرعة دواجن.. ومن أجل انتزاع حق المصريين في الحرية والعدالة.. ومعركة أخرى 
موازية لا تقل أهمية؛ تدافع فيها مصر عن قراءتها المنفتحة المتحضرة للإسلام.. أمام 
غزو الأفكار الوهابية الرجعية المتخلفة الكفيلة بإلغاء تراثنا الحضاري وتحويل بلادنا 
العظيمة إلى واحدة من إمارات طالبان. 


الديمقراطية هي الحل. 


١18 


التقوى أمام الكاميرا 


في الستينيات كان في أسرتي عالم أزهري اسمه الشيخ عبدالسلام سرحان.. مهيب 
الطلعة بقامته الضخمة وزيه الأزهري وصوته الجهوري.. وكنا نحن الأطفال_آنذاك 
نحبه لأنه يملا جيوبه دائمًا بالملبس ليوزعه علينا.. وعندما كان الناس يحتاجون إلى 
رأيه في مسألة فقهية.. كان يستقبلهم بحفاوة في بيته ويشرح لهم أحكام الدين.. لم 
يكن واردًا إطلاقا آنذاك أن يأخذ الشيخ عبدالسلام أجرًا عن هذا الجهد. بل كان جل 
ما يطلبه من الناس الدعاء له ولأسرته. 

تعلمت من الشيخ عبدالسلام رحمه الله أن عالم الدين الحقيقي شخصية عظيمة 
لا تقل احترامًا عن الطبيب أو القاضي.. وثانيًا أن تعريف الناس بأحكام دينهم رسالة 
العلماء الحقيقية.. على أن زمن الشيخ عبدالسلام قد ولى وتغيرت مصر.. وظهر جيل 
من الدعاة الجدد مختلف في كل شيء.. وبسبب طبيعة المصريين المتدينة وازدياد 
لجوئهم إلى الله بعدما ضاقت بهم الدنيا بسبب الفقر والظلم والمهانة» مع وجود ملايين 
الأميين وصعوبة اطلاع المتعلمين على مصادر الدين الأصلية.. أصبح الدعاة الجدد 
مصدر الثقافة الدينية لملايين المصريين.. وهم بالتالي يلعبون دورًا حاسمًا في تشكيل 
الوعي العام.. مما يستوجب أن نقترب من هذه الظاهرة لنفهم طبيعتها. 

أولا: معظم هؤلاء الدعاة» لم يتلقوا دراسة أكاديمية للعلوم الشرعية.. وبالتالي فإن 
نجاحهم لم يكن وليد معرفة عميقة بالدين بقدر ما تحقق بسبب قدرتهم على الإقناع 
وجاذبيتهم الشخصية. من هنا حرصهم على الأناقة والرشاقة واستعمال اللغة اليومية 
المبسطة ليصلوا إلى أكبر قدر من الجمهور. وخلال عشر سنوات فقط تحول الدعاة 


١" 


الجدد إلى عنصر أساسي في السوق التجارية للإعلام بكل ما في هذه العبارة من 
معنى.. فالأجر الذي يطلبه الداعية يتحدد طبقا لكمية الإعلانات التي يحصل عليها 
البرنامج» والتي تزيد بالطبع مع زيادة المشاهدين. أما الدعاة الأكبر أجرا فهم الذين 
تحصل برامجهم على كمية أكبر من الإعلانات» ويكفى أن نعلم أن أجر الداعية منهم 
(بأسعار العام الماضي) يتراوح بين مائة وخمسين ألف جنيه إلى مليون جنيه خلال 
شهر واحد. 

وقد ابتكر بعضهم أساليب جديدة لبيع معلوماتهم الفقهية» مثل الهاتف الإسلامي 
ومصاحبة الأثرياء في الحج والعمرة بأتعاب باهظة.. وقد نشرت مجلة فوربس الأمريكية 
دخول بعض هؤلاء الدعاة فإذا بها ثروات طائلة.. نحن نتمنى للناس جميعاء طبعاء 
أن ينعموا بالثراء.. لكننا يجب أن نذكر أن رسول الله يَكِْةِ قد عاش فقيرا ومات فقيراء 
وأن الصحابة رضي الله عنهم لم يتكسبوا قط من الدعوة الإسلامية بل كانوا ينفقون 
عليها. كما أن دعوة الناس إلى الله في التاريخ الإسلامي لم تكن قط وسيلة لصناعة 
الثروات.. وعندما أتصور أن ملايين المصريبن الفقراء من ساكني العشوائيات والمقابر 
يجتمعون حول التلفزيون ليشاهدوا من يحدثهم في الدين.. ثم ينقضي الشهر فيظل 
هؤلاء البؤساء على حالهم بينما يزيد رصيد الداعية في البنك بمقدار مليون جنيه. لا 
أستطيع أن أستوعب هذا التناقض. 

ثانيًا: يعتمد كثير من الدعاة الجدد على إثارة عواطف المشاهدين الدينية أثناء 
البرنامج.. وتبلغ هذه الإثارة ذروتها عندما يبكي الداعية ويدفع المشاهدين إلى البكاء 
من خشية الله.. وهنا يصدمنا تناقض آخر. فكل من خاض تجربة الظهور في التلفزيون 
يعلم أن التعامل مع الكاميرات المختلفة أثناء التسجيل يحتاج إلى استعداد وخبرة.. 
وإني» مع احترامي الكامل» أتساءل: كيف يستطيع الداعية أن يجمع في الوقت نفسه بين 
مشاعره الدينية الفياضة التي تدفعه إلى البكاء» وانتباهه الحاد باتجاه الكاميرات وحركتها 
التي تستدعي التفاته بسرعة من كاميرا إلى أخرى.. بناء على تعليمات المخرج؟! 

الثًا: الخطاب الذي يقدمه هؤلاء الدعاة يختصر الإسلام في الشكل والعبادات: 
الحجاب والصلاة والصيام والحج والعمرة.. لا اعتراض على ذلك بالطبع.. لكنهم 


١؟١‎ 


لا يتحدثون إطلاقا عن الحرية والعدل والمساواة.. وهي المبادئ الإنسانية التي نزل 
الإسلام أصلا لتحقيقها.. والتصور الذي يقدمونه للعالم» يتبنى مكارم الأخلاق كحل 
وحيد لكل معاناة الإنسان.. والحق أن الدعوة إلى مكارم الأخلاق لا تكفي أبدا لتحقيق 
العدل. إن ملايين المصريين الغارقين في البؤس والمهانة» قبل كل شيء؛ هم ضحايا 
لنظام استبدادي فاسد وظالم.. هذا هو سبب بؤسهم ولا يمكن إنهاء معاناتهم من 
دون تغيير الأوضاع. وقد اشتهرت مقولة أحد الدعاة: «عندما يبلغ عدد المصلين في 
العجر عددهم في صلاة الجمعة فإِن القدس سوف تتحرر».. وها نحن نرى المصلين 
في مصر يتضاعف عددهم باطراد لكن الهزائم والمصائب تتوالى على رءوسنا بلا 
توقف.. لأن الله لن يغير أحوالنا أبدا حتى نعمل نحن على تغييرها ولا نكتفى فقط 
بالصلاة والدعاء. ا 

رابعا: هذه القراءة للدين التي تعفى النظام الحاكم من مسئوليته وتجعل الناس 
يتعايشون مع الظلم بدلا من الثورة عليه.. هي بالضبط ما يفسر مباركة أجهزة الأمن 
للدعاة الجدد.. وفي كتابه المهم «ظاهرة الدعاة الجدد) أثبت الأستاذ وائل لطفي أنهم 
جميعاء من دون استثناء» واحد» يعملون بتنسيق كامل مع أجهزة الأمن.. بمعنى أنهم 
يتفقون مسبقا مع ضباط الأمن على حدود ما يقال وما لا يقال» سواء في التلفزيون 
أو في المساجد.. وكلنا يذكر كيف وقف هؤلاء الدعاة جميعا ضد المظاهرات التي 
اندلعت في مصر تضامنا مع الفلسطينيين والعراقيين.. ودعوا الناسء بدلا من التظاهر 
إلى الصلاة والصيام والدعاء.. هكذا يقضي اتفاقهم مع الأمن.. وأي إخلال به يكلف 
الداعية ثمنا باهظا بدءا من منعه من الخطابة وحتى إخراجه من مصر نهائيا.. كما حدث 
مؤخرا مع داعية شهير. 

خامسًا: اختلف فقهاء الإسلام على جواز أخذ الأجر على الفتوى.. بعضهم حلله 
على أن يكون من بيت المال وبعضهم أباح أن يأخذ رجل الدين ما يكفيه وأسرته لا أكثر 
بينما اشترط الإمام أحمد بن حنبل فيمن يجلس للفتوى أن يكون مستغنيا بماله عن مال 
الناس.. والفكرة هنا أن عالم الدين مثل القاضى يحكم بين الناسء وبالتالي يجب أن 
يتوفر له استقلال القاضي وإذا كان كثير من المصريين» وأنا معهم. يأخذون على كبار 
علماء الأزهر كونهم موظفين مُعينين من قبل الدولة مما يجرح حيادهم ويُوقعهم في 
؟ ١١‏ 


حرج إذا أفتوا بعكس ما تريده الدولة منهمء فعلينا أن نمد الخط على استقامته بالنسبة 
إلى الدعاة الجدد, الذين يتقاضون أموالهم الوفيرة من فضائيات مملوكة لأشخاص 
أو جهات (سعودية في الغالب). 

مما قد يؤثر بالقطع على حيادهم في كل ما يتعلق بمصالح أصحاب هذه الفضائيات.. 
وقد ظهر هذا جليا أثناء حرب إسرائيل الأخيرة على لبنان.. فقد كان معظم العرب 
والمسلمين مؤيدين لحزب الله وفخورين بانتصاره. بيدما ظل موقف الحكومة السعودية 
التقليدي ضد حزب الله وإيران.. الأمر الذي أوقع الدعاة الجدد في حرجء وبينما كانت 
الطائرات الإسرائيلية تستعمل القنابل المحرمة دوليا لتحرق جلود أطفال لبنان» فضل 
معظم الدعاة الجدد أن يلوذوا بالصمتء بينما انتظر أحدهم ثلاثة أسابيع كاملة ثم 
أصدر بيانا فاترا نصح فيه المسلمين. كالعادة» بالصلاة والدعاء ثم وصف الضحايا 
في لبنان بأنهم قتلى وليسوا شهداء.. الأمر الذي يتفق مع وجهة نظر فقهاء السعودية 
في الشيعة. 

إن ظاهرة الدعاة الجدد. بهذا الشكلء» تلعب دورا أساسيا في تأخير التغيير الذي 
نتوق إلى حدوثه في مصر.. وإذا كنا نتساءل: لماذا لا يثور المصريون على مظالم تكفي 
لإحداث الثورة في عدة بلاد؟! فيجب أن ندرك أن حدوث الظلم ليس كافيا لإحداث 
الثورة» ولا حتى الإحساس بالظلم وإنما ما يدفع إلى الثورة هو الوعي بأسباب الظلم.. 
وبالتالي فإن كل ما يؤخر وعي الناس بحقوقهم يتحول إلى أداة في يد الاستبداد. 

الديمقراطية هي الحل. 


١77 


ماذا يحمي الأقباط ؟! 


على مدى سنوات كنت أعمل في العيادة نفسها مع طبيب قبطي وسرعان ما نشأت 
بيننا صداقة.. كان إنسانا طيبا أمينا في عمله وتعامله مع الناس.. لكنه شأن مصريين 
كثيرين» كان منقطعا تماما عن الشأن العام ولا يعرف معظم الأحداث السياسية» كان 
العالم بالنسبة إليه ينحصر في عمله وأسرته.. ثم جاءت انتخابات الرئاسة الأخيرة 
فموجئت به يتغيب عن العمل ولما استفسرت منه؛ قال إنه ذهب يدلي بصوته لصالح 
الرئيس مبارك.. استغربت الأمر وسألته: 

ما الذي دفعك إلى الإدلاء بصوتك وأنت تعلم أن هذه الانتخابات مزورة مثل 
غيرها؟! صمت قليلا ثم أجابني بصراحته المعتادة: 

الحقيقة هم طلبوا منا في الكنيسة نروح ننتخب الرئيس وجهزوا أتوبيسات أخذتنا 
ورجعتنا. 

تذكرت هذه القصة وأنا أطالع تصريحات البابا شنودة الثالث الأخيرة» فقد قام 
سيادته مرتين خلال أسبوع واحدء بإعلان تأييده القاطع لجمال مبارك باعتباره الرئيس 
المقبل لمصر.. وهكذاء أصبح من الواضح أن الكنيسة المصرية تبارك توريث بلادنا 
من الرئيس مبارك إلى ابنه جمال.. وهذه ظاهرة فريدة من نوعها في تاريخ مصر.. 
تستحق أن نناقشها: 

أولا: البابا شنودة الثالث يمثل سلطة روحية وليست سياسية.. فهو الرئيس الروحى 
للأقباط وليس زعيمهم السياسي. 

وبالتالي فإنه مع احترامي الكامل يتجاوز سلطته عندما يتحدث باسم الأقباط 


١7 


سياسيا.. وإذا كنا نناضل من أجل إقامة الدولة المدنية في مصرء حيث يتمتع المواطن 
بحقوقه كاملة بغض النظر عن دينه» فإن ذلك يستلزم فصل الدين عن السياسة. وهو 
عكس ما فعله البابا شنودة تماما. فهو استعمل صفته الدينية ليفرض على الأقباط موقفه 
السياسي.. وهو بذلك يصادر حقهم في التعبير عن آرائهم السياسية التي قد لا تتفق 
بالضرورة مع رأيه. 

انيًا: النظام الحالي في مصر لم ينتخبه أحد ولم يختره المصريون بمحض إرادتهم. 
لكنه يقبض على السلطة عن طريق القمع والاعتقالات وتزوير الانتخابات» وقد أدى 
بسياساته الفاشلة الفاسدة إلى وقوع ملايين المصريين في قبضة البؤس. 

ولاشك عندي أن البابا شنودة» مثل كل المصريين» يعرف هذه الحقائق.. وأنا هنا 
أسأل سيادته: هل يتفق مع تعاليم المسيح أن تقف مع نظام سياسي فاسد وظالم ضد 
إرادة الناس وحقهم في اختيار من يحكمهم؟ هل يتفق مع المسيح أن تتجاهل معاناة 
الملايين من ضحايا هذا النظام سواء الذين قتلهم الإهمال والفساد أو الذين يعيشون 
في ظروف غير آدمية؟! هل يتفق مع المسيح أن توافق على توريث البلد كلها من الأب 
إلى ابنه وكأن المصريين حيوانات أو دواجن؟! سيادة البابا يقول إنه لا يؤيد التوريث 
لكنه يتنبأ بفوز جمال مبارك في الانتخابات.. ونحن نقول للبابا: أنت تعلم جيدا أن 
الانتخابات كلها مزورة. فلماذا أخفيت هذه الحقيقة في كلامك؟ وهل يتفق إخفاء 
الحقائق مع تعاليم المسيح؟ 

ثالثًا: يقال إن البابا شنودة يؤيد التوريث والاستبداد لأنه يخشى على الأقباط من 
الديمقراطية التي من شأنها أن تأتي بالإخوان المسلمين إلى الحكم.. والحقيقة أن 
الإخوان المسلمين قد بولغ عمدا في دورهم وتأثيرهم من قبل النظام؛ بغرض استعمالهم 
كفزاعة ضد كل من يطالب بالديمقراطية.. والحقيقة الأهم.. أن الاستبداد لن يحمي 
أحدا من التطرف الديني.. لأن التطرف الديني هو أحد أعراض الاستبداد.. ونذكر هنا 
أن الإخوان» في ذروة قوتهم» فشلوا في الحصول على مقعد واحد في برلمان ١46٠‏ 
أثناء الانتخابات النزيهة الأخيرة قبل الثورة.. فقد اكتسح الوفد آنذاك وفاز بالأغلبية 
كالعادة.. بل إن فوز الإخوان في أي انتخابات خلال السنوات الأخيرة.. لم يحدث 


١ 


بفضل شعبيتهم؛ وإنما بسبب انصراف الناس عن الانتخابات.. ولو أقبل الناس على 
الاشتراك فى الانتخابات لما فاز الإخوان بالأغلبية أبدا... ولا يمكن أن يشترك الناس 
فى الانتخابات إلا إذا أحسوا بأنها نزيهة وعادلة. فالانتخابات النظيفة» على عكس 
مخاوف الباباء هي التي ستبعد خطر التطرف الديني وليس العكس. 

رابعًا: الأقباط مضطهدون في مصر.. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها.. لكن المسلمين 
أيضا مضطهدون.. كل المظالم التي يشكو منها الأقباط صحيحة: لكنهم لو نظروا حولهم 
فسيكتشفون أن هذه المظالم تقع بالمثل على المسلمين. معظم المصريين محرومون 
من العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والمعاملة الآدمية وحقوق الإنسان. المصريون 
لا يتولون مناصب الدولة إلا إذا كانوا من أتباع النظام الحاكم.. هناك طريقتان لرفع 
الظلم عن الأقباط.. إما أن ينخرطوا كمصريين في حركة وطنية تسعى إلى تحقيق العدل 
للمصريين جميعا.. وإما أن يتعاملوا مع النظام باعتبارهم أقلية تطلب امتيازات طائفية.. 
وهذا الاختيار الأخير خاطئ وبالغ الخطورة.. إن موقف البابا شنودة الأخير» للأسف. 
يرسل إلى النظام رسالة مفادها أن الأقباط يؤيدون الاستبداد والتوريث مقابل تحقيق 
مطالبهم.. وكأن البابا يقول للرئيس مبارك: «أعطنا ‏ نحن الأقباط ‏ الامتيازات التي 
نطلبها.. ثم افعل ببقية المصريين ما تشاء.. فإن أمرهم لا يعنينا». 

خامسًا: هذا الموقف المؤسف من البابا شنودة يناقض تاريخ الكنيسة التي يمثلها. 
إن تاريخ الأقباط الوطني مفخرة حقيقية لكل مصري. فعلى مقعد البابا شنودة جلس 
ذات يوم رجل عظيم هو البابا كيرلس الخامس.. الذي ساند بكل قوته الحركة الوطنية 
ضد الاحتلال الإنجليزي. لقد اشترك هذا البابا الوطني بنفسه في الثورة العرابية وثورة 
48 . وأثناء نفي الزعيم سعد زغلول.. قاطع المصريون جميعا لجنة ملنر التي 
أرسلها الإنجليز للالتفاف حول مطالب الثورة.. ومن أجل إشعال الفتنة الطائفية عين 
الاحتلال الإنجليزي يوسف وهبة باشا القبطي رئيسا للوزراء بدلا من سعد زغلول.. 
فما كان من الكنيسة الوطنية آنذاك إلا أن عقدت اجتماعا وأصدرت بيانا تبرأت فيه من 
موقف يوسف وهبة» وأكدت أنه لا يمثل إلا نفسه. بينما الأقباط مثل المصريين جميعا 
يقفون مع الثورة وزعيمها.. بل إن طالبا قبطياء من أسرة ثرية» هو عريان يوسف سعد 
قام بإلقاء قنبلة على موكب رئيس الوزراء يوسف وهبة.. ليعبر عن احتتجاج الأمة على 
١775‏ 


خمانته.. لقد صدرت مذكرات عريان يوسف مؤخرا عن دار الشروق.. أتمنى أن يجد 
البابا شنودة وقتا لقراءتها حتى يفخر» كما نفخر جميعا بوطنية الأقباط.. لقد ذهل يوسف 
وهبة باشا عندما اكتشف أن الذي اعتدى على موكبه قبطي مثله.. وسأله: 

لماذا فعلت ذلك يا شاطر؟ 

فأجابه عريان بلا تردد: 

لأنك خالفت إجماع الآمة يا باشا. 


تحول عريان يوسف بين يوم وليلة إلى بطل قومي لمصر كلها.. وأثناء القبض عليه 
واحتجازه على ذمة التحقيق كان الضباط والجنود جميعا يلقبونه بالبطل.. بل إن النائب 
العام نفسه بعد أن انتهى من التحقيق مع عريان يوسف بتهمة إلقاء قنبلة على موكب 
رئيس الوزراء.. قام من خلف مكتبه ثم صافحه واحتضنه قائلا: 

ربنا يحميك يا بني.. أنت وطني تحب مصر. 

هذه الروح المصرية التي يجب أن نستعيدها اليوم؛ حتى نحقق لمصر ما نريده لها 
وما تستحقه منا.. أتمنى أن يدرك سيادة البابا شنودة أن حماية الأقباط لا يمكن أن 
تتحقق بتحويلهم إلى طائفة منفصلة عن المصريين» تتواطأً مع النظام الاستبدادي الذي 
يقمع الناس ويظلمهم.. إن هذا التفكير غريب تماما عن تاريخ الأقباط الوطني.. ماذا 
يحمي الأقباط إذن؟ إن حماية الأقباط سوف تتحقق عندما يعتبرون أنفسهم مصريين 
قبل أن يكونوا مسيحيين.. عندما يدركون أن واجبهم بوصفهم مصريين أن يخوضوا 
المعركة من أجل إقامة دولة عادلة تعامل أبناءها جميعا على قدم المساواة» بغض النظر 
عن الدين الذي يؤمنون به.. لن يحمي الأقباط إلا العدل. لا يمكن أن يطالبوا بالعدل 
لأنفسهم دون الآخرين ولا يمكن أن يحصلوا عليه وحدهم على حساب المسلمين.. 
العدل يجب أن يتحقق للجميع.. والعدل لا يتحقق إلا بالديمقراطية. 


١7 1/ 


أربعة أفلام لتسلية الرئيس 


أخيرا في واشنطنء التقى الزعيمان الكبيران الرئيس حسني مبارك والرئيس باراك 
أوباماء كانت المحادثات بينهما ودية ومثمرة» تطرقا خلالها إلى الموضوعات الحيوية 
التي تهم البلدين.. الملف النووي الإيراني والسلام مع إسرائيل والوضع في دارفور 
وقد عبر الرئيسان» بالحماسة نفسهاء عن انزعاجهما البالغ من تدهور حقوق الإنسان 
في إيران وقمع المتظاهرين وتزوير الانتخابات وتعذيب الأبرياء.. إلى آخر هذه الجرائم 
البشعة التي ترتكبها الحكومة الإيرانية ويبذل المجتمع الدولي والحكومة المصرية معه 
جهودا مكثفة لفضحها ومنعها. وفي النهاية اطمأن الرئيس أوباما من صديقه الرئيس 
مبارك على أن الإصلاح الديمقراطي في مصر عملية طويلة ومركبة لكنها مستمرة لن 
تتوقف أبدا بإذن الله.. وكرر أوباما إعجابه بحكمة الرئيس مبارك واعتداله وشجاعته.. 
كل ذلك معروف ومفهوم ومتوقع.. لكنني فكرت في أمر آخر: فالرحلة من واشنطن 
إلى القاهرة تستغرق أكثر من عشر ساعات فكيف يقضيها الرئيس مبارك ؟! 

لا شك أن طائرة سيادته الخاصة مجهزة على أعلى مستوى ولكن مع ذلك» تظل 
الرحلة طويلة» فماذا يفعل الرئيس أثناءها؟ هل يستغلها في اقتناص عدة ساعات من 
النوم ليريح جسده المتعب من عناء العمل؟ هل يقضي الوقت في التحاور مع رؤساء 
تحرير الصحف الحكومية الذين يصطحبهم معه في كل رحلة؟ سوف يتنافسون 
كعادتهم في الإشادة بإنجازات الرئيس وعظمة قراراته وزعامته التاريخية. وأعتقد أن 
تكرار المديح لسيادة الرئيس لا بد أن يصيبه ببعض الملل.. هل يستمتع بالقراءة أثناء 
الرحلة؟ هل أحضر معه ديوان محمود سامي البارودي؛ شاعره المفضل كما أكد من 
قبل؟ لا أعرف بالضبط ماذا يفضل الرئيس أن يفعل؛ ولذلك فأنا أقترح عليه مشاهدة 


١ 4 


بعض الأفلام الجيدة التي أتمنى أن تعجبه.. هي ليست أفلاما روائية طويلة وإنما 

تسجيلية قصيرة» أبطال هذه الأفلام ليسوا ممثلين محترفين ولا حتى هواة» وإنما هم 

مواطنون عاديون. لا شيء يميزهم على الإطلاق. إلا أنهم؛ مثل ملايين المصريين» 

يخوضون صراعا يوميا مريرا ليطعموا أولادهم ويوفروا لهم حياة كريمة.. فيما يلي 

الأفلام المرشحة: 

١‏ الفيلم الأول» نرى شابا مصريا من بورسعيد وهو يتعرض لتعذيب بشع في أحد 
أقسام الشرطة.. يبدو الشاب في اللقطة الأولى وقد تقطع جلد ظهره وبطنه تماما 
من الضرب وقد تم رفعه وتعليقه من يديه في السقف.. أخذ الشاب يطلب الرحمة 
من الضابط ويقول: كفاية كده يا محمد بك.. والنبى كفاية.. أنا هاموت يا محمد 
وفى اللقطة الثانية» يظهر الشاب معصوب العينين» منهارا تماماء وهو يبكى 

وهو يصيح في الشاب: اخرس ثم ينهال عليه بأقذع الشتائم.. لماذا يبدو محمد بك 

غاضبا؟ السبب أن الشاب يصرخ أثناء تعذيبه.. الآمر الذي اعتبره محمد بك تطاو لا 
مؤكدا على مقامه. لآن الأصول في نظره تمنع أي مواطن من الحديث بصوت مرتفع 

أمام ضابط شرطة حتى لو كان يقوم بضربه وتعذيبه. 

"-الفيلم الثاني» بطولة نسائية؛ حيث نرى امرأة مصرية في الثلاثينيات من العمر» غير 
محجبة؛ ترتدي «بنطلون جينز أزرق وتي شيرت غامقا»؛ يظهر الضابط ومعه عصا 
غليظة وينهال على المرأة بالضرب المبرح.. يضربها بكل قوته في كل مكان: على 
قدميها وذراعيها ورأسها.. يرتفع صراخ السيدة حتى ينقطع صوتهاء ثم نراها في 
(هذا الوضع في تعليق المواطنين يستعمل في أقسام الشرطة وأمن الدولة ويسمى 
وضع الدجاجة.. وهو يسبب آلاما رهيبة ويؤدي إلى تمزق العضلات وقد ينتج عنه 


١4 


كسر في العظام أو حتى في العامود الفقري)» لم يكتف الضابط بتعليق المرأة فى 
وضع الدجاجة. وإنما استمر يضربها بعصاه الغليظة حتى صرخت بأعلى صوتها: 
«خلاص يا باشا.. أنا اللى قتلته يا باشا.. أنا اللى قتلته». 

وهنا نفهم أن الضابط يحقق في جريمة قتلء» وأنه بهذه الطريقة الفعالة قد توصل 

إلى الجانى فتحقققت العدالة. 

الفيلم الثالث» نرى فيه رجلا في الأربعينيات من العمرء يرتجف من الخوف أمام 
الضابط الذي يمطره بوابل من الشتائم القبيحة ثم يرفع يده وينزل بها بقوة على 
يده في الهواء قبل أن تصل إلى وجه الرجلء ثم يحرك أصابعه بحركة بذيئة. هنا 
ينفجر الضابط في ضحك متواصل ويدور في الحجرة وقد بدا على وجهه الزهو؛ 
لأنه نجح في أداء هذه الحركة البارعة.. ثم يعود الضابط إلى الجد فيقترب من 
الرجل وقد وضع السيجارة في زاوية فمه» ثم باستعمال يديه الاثنتين يطلق على 
وجه الرجل وابلا من الصفعات. وعندما يرفع الرجل يده بحركة تلقائية ليقى وجهه 
من الضرب. يتوقف الضابط ويشتم أمه ويطلب منه أن يخفض يديه جانبا ثم يعيد 
الضرب من جديد. 

5 -الفيلم الرابع» لا نرى فيه الضابط لآنه يجلس خلف الكاميرا.. لكتنا نرى رجلا عجوزا 
جاوز الستين» نحيفا تبدو عليه علامات الفقر وسوء التغذية. وقد أمسك به مخبر 
مفتول العضلات ونسمع صوت الضابط قائلا للمخبر: اضربه يا عبد الرسول. 
ينفذ عبد الرسول الأمر وينهال بالضرب على العجوز.. لكن الضابط الذي ينم 

صوته عن مزاج رائق وميل إلى الدعابة.. يقول: ضعيف يا عبدالرسول. ضعيف جدا. 

اضربه جامد. 
يضرب عبد الرسول الرجل بعنف أكثر وأكثرء بينما يوجه الضابط الضربات لثلا 

تطيش فيقول بهدوء: اديله على قفاه يا عبد الرسول.. اديله دلوقت على دماغه. 
يجتهد عبد الرسول لإرضاء الضابط فيشتد في الضرب. لكن الضابط يطقطق بشفتيه 

ويقول: أداؤك ضعيف جدا يا عبد الرسول. 


6 


عندئذ يدخل إلى الحجرة مخبر آخر ليساعد عبد الرسول فى أداء مهمته؛ فينهال 
المخبران بالضرب الشديد على العجوز. يريدان أن يثبتا كفاءتهما أمام الضابط.. أما 
العجوز فيستسلم للضربات تماما لدرجة أنه لا يقوى على رفع يده ولا حتى على 
الصراخ, وتبدو نظرته فارغة كأنه فارق الحياة. 

سيادة الرئيس مبارك.. 


هذه الأفلام اخترتها من أفلام كثيرة موجودة على مدونة الوعي المصري لوائل 
عباس ومدونات أخرى عديدة على الإنترنت.. وكلها حقيقية تسجل بالصوت والصورة 
جرائم تعذيب مروعة يتعرض لها مواطنون مصريون يوميا.. في حالات كثيرة تكون 
أسماء الضباط وأماكن عملهم موجودة مع الفيلم.. وفي كل الأحوال فإن وجوه الضباط 
واضحة جدا في الصورة مما يسهل التعرف عليهم.. كل هذه الأفلام تم تصويرها بواسطة 
كاميرات المحمول وتسربت بطريقة ما إلى المدونات.. وقد قام بالتصوير أشخاص 
تصادف وجودهم أثناء المجزرة.. وأحياناء يقوم ضابط الشرطة بتصوير نفسه وهو 
يمارس التعذيب؛ ليعرض الشريط على زملائه أو يستعمله في إذلال الضحية وتخويفه 
في المستقبل. الإنسان يميل عادة إلى تسجيل اللحظات السعيدة في حياته.. أفهم أن 
يقوم المرء بتصوير حفل زفافه أو حفل تخرجه.. أما أن يصور نفسه وهو يمارس تعذيب 
الناس» فهذا سلوك غريب ربما يساعدنا الأطباء النفسيون على فهم دوافعه. 

سيادة الرئيس مبارك.. 

أنا لا أطلب من سيادتك التدخل لإيقاف هذا الإذلال الذي يتعرض له عشرات 
المصريين يوميا في أقسام الشرطة ومقار أمن الدولة. لا أطلب التحقيق في جرائم 
التعذيب التي يتعرض لها الأبرياء على أيدي جلادين يمثلون النظام الذي ترأسه.. لا 
أطالبك بالتدخل؛ لأننى شأن المصريين جميعاء صرت بالخبرة أعرف جيدا حدود ما 
يمكن أن يحدث في مصر.. أردت فقط أن أقترح بعض الأفلام لتسلية سيادتك أثناء 
الرحلة الطويلة. حمدًا لله على السلامة يا سيادة الرئيس. 


الديمقراطية هى الحل. 


١١ 


مصر الجالسة على دكة الاحتياطي 


في الثمانينيات حصلت على درجة الماجستير في طب الأسنئان من جامعة إلينوي 
بالولايات المتحدة.. وكان نظام الجامعة يلم طالب الدراسات العليا بدراسة مجموعة 
من المواد» وبعد ذلك يعد البحث ليحصل على الدرجة العلمية» في أحوال استثنائية 
كانت الجامعة تمنح بعض الطلاب المتفوقين الحق في إعداد البحث ودراسة المواد في 
نفس الوقت.. وفي تاريخ قسم الهيستولوجي (علم الأنسجة)» حيث كنت أدرس استطاع 
طالبان فقط. في مرتين متفرقتين» أن يحصلا على درجة الماجستير خلال عام واحدء كان 
إنجاز هذين الطالبين محل تقدير الأمريكيين جميعا. هذان الطالبان كانا مصريين والمشرف 
عليهما أيضا مصري هو الدكتور عبد المنعم زكي.. ثم عدت إلى مصر وعملت طبيب 
أسنان في أماكن عديدة» من بينها شركة أسمنت طره. حيث اكتشفت بالصدفة أن معمل 
الأسمنت في هذه الشركة قد لعب دورا مهما في تاريخ مصر.. فأثناء الإعداد لحرب ٠/8‏ 
عكف الكيميائيون بالشركة: فخري الدالي ونبيل غبريال وآخرون. على تطوير نوع خاص 
من الأسمنت بالاشتراك مع سلاح المهندسين بالجيش.. وتوصلوا بعد أبحاث مضنية إلى 
تصنيع أسمنت جديد يتمتع بصلابة مضاعفة ومقاومة استثنائية لدرجات الحرارة العالية: 
وقد استعملت الضفادع البشرية المصرية هذا الأسمنت أثناء العبور لسد الفتحات في 
خط بارليف.. فلما فتح الإسرائيليون مواسير النابالم» التي كانت كفيلة بإحالة مياه القناة 
إلى جهنم, أصابهم الذهول من قدرة الأسمنت المصري المعالج على مقاومة النابالم 
الحارق وإيقافه تماما حتى تحت الضغط العالي. 

ثم قرأت بعد ذلك حكاية أخرى. فقد كان خط بارليف أحد أهم الموانع العسكرية 
في التاريخ وكانت التقديرات أنه يحتاج إلى قنبلة نووية لهدمهء لكن مهندسا مصريا 


درن 


نابغا هو اللواء باقي زكي من سلاح المهندسين درس تركيب خط بارليف بعناية فوجده 
ترابي التكوين وتوصل إلى فكرة عظيمة على بساطتهاء فقد اخترع مدفعا مائيا وظل 
يزيد من قوة دفعه للمياه حتى تكونت له قدرة اختراق شديدة.. وأثناء العبور استعمل 
الجنود المصريون مضخات المياه التي اخترعها باقي زكي فامتلاً خط بارليف بالثقوب 
ثم تهاوىء وكأنه قطعة من الجبن. 

الحديث عن نبوغ المصريين يطول.. هل تعلمون عدد العقول المهاجرة المصرية 
في أوربا وأمريكا وأستراليا؟ 4 ألف مصري. أي ما يساوي عدد السكان في بعض 
البلاد العربية.. كل هؤلاء المصريين مؤهلون علميا على أعلى مستوى؛ ومن بينهم ثلاثة 
آلاف عالم متخصص في علوم بالغة الأهمية» مثل الهندسة النووية والجينات والذكاء 
الصناعي, وكلهم يتمنون أي فرصة لخدمة بلادهم.. وفي دول الخليج يتجلى النبوغ 
المصري بأوضح صوره.. فهذه الدول التي يمنحها النفط كل صباح ملايين الدولارات. 
استطاعت أن تنشئ مدنا حديئة مرفهة وشركات اقتصادية عملاقة» لكنها لم تنجح في أن 
تخرج أحمد زويل ولامجدي يعقوب ولانجيب محفوظ ولاعبد الوهاب ولا أم كلثوم 
ولا اسما واحدا يضاهي آلاف النوابغ المصريين.. لأن نبوغ الشعوب لا علاقة له بالثراء» 
لكنه تجربة حضارية يتم توارثها عبر أجيال طويلة.. هذا التراكم الحضاري متوافر في 
مصر أكثر من أي بلد عربي آخر. بل إن الدول العربية النفطية مدينة للمصريين في كل ما 
أنجزته.. فالذي علمهم في المدرسة وفي الجامعة أستاذ مصريء والذين خططوا مدنهم 
وأشرفوا على إنشائها مهندسون مصريونء والذين أنشأوا لهم التلفزيون والإذاعة إعلاميون 
مصريونء والذين وضعوا دساتير هذه الدول وقوانينها فقهاء قانون مصريونء حتى النشيد 
الوطني لهذه البلاد ستجده غالبا من تأليف وتلحين فنانين مصريين. 

النبوغ المصري حقيقة لا يمكن إنكارها والسؤال الذي يتبادر للذهن: إذا كانت 
مصر تملك كل هذا النبوغ الإنساني فلماذا تقهقرت حتى أصبحت في مؤخرة 
الدول؟! ولماذا يعيش معظم المصريين في الحضيضص؟! السبب كلمة واحدة. 


الاستبداد. 
سوف تظل مواهب مصر مهدرة وإمكاناتها مضيعة مادام النظام السياسى استبداديا 
وظالما.. المناصب في مصر تُمنح دائما لأتباع النظام بغض النظر عن كفاءتهم أو 
فل 


علمهم.. أصحاب المناصب في مصر لا يهتمون بالأداء بقدر اهتمامهم بصورتهم عند 
الحاكم لأنه الوحيد الذي يستطيع إقالتهم.. ولآنهم غالبا عاطلون عن المواهب؛ فهم 
يعادون أصحاب الكفاءة لأنهم خطر عليهم وعلى مناصبهم. ماكينة النظام المصري 
تستبعد بانتظام الأكفاء وأصحاب المواهب وتفتح الباب للطبالين والزمارين.. ولعلنا 
البلد الوحيد في العالم الذي يخرج فيه وزير فاشل من مجال الإسكان. فيتولى المسئولية 
في قطاع البترولء الذي لا يعرف عنه شيئا (المجرد أن الرئيس مبارك يحبه). والبلد 
الوحيد الذي يعين فيه شخص رثئيسا للوزراء» وهو لم يحضر اجتماعا سياسيا في حياته.. 
الشعب المصري لم يختبر.. أو هو اختبر في أوقات قليلة جداء مثل حرب الاستنزاف 
وحرب أكتوبر وبناء السد العالي.. في كل مرة اختبر فيها المصريون اجتازوا الاختبار 
بتفوق لكنهم عادوا بعد ذلك إلى دكة الاحتياطي. 

نحن - المصريين - أشبه بمجموعة من لاعبي الكرة الموهوبين» لكن المدرب 
لا يحبنا ولا يحترمنا ولا يريد إعطاءنا الفرصة أبداء وهو يستعمل في الفريق لاعبين 
فاشلين وفاسدين يؤدون دائما إلى هزيمة الفريق.. في قوانين الكرة من حق اللاعب 
إذا جلس على دكة الاحتياطي موسما كاملا أن يفسخ العقد.. مصر كلها جالسة على 
دكة الاحتياطي منذ ثلاثين عاماء تتفرج على هزائمها ومصائبها ولا تستطيع حتى أن 
تعترض.. أليس من حق مصر بل من واجبها أن تفسخ العقد؟! 

خلال زيارتي الأخيرة إلى نيويورك.. رأيت_كالعادةمصريين كثيرين من خريجي 
الجامعات يعملون خدما في المطاعم وعمالا في محطات البنزين. وذات ليلة كنت أتنزه 
في شارع 57 الشهير فوجدت شخصا واقفا أمام عربة يبيع فيها سندوتشات السجق. 
كانت ملامحه مصرية فاقتربت منه وتعرفت إليه. فوجئت بأنه خريج طب عين شمس. 
دعاني إلى كوب شاي بالنعناع فجلست في الشارع بجواره. وجاء زبون فقام ليصنع 
له السندوتشات» وفكرت أنني أرى نموذجا حيا لما يفعله نظام الحكم بالمصريين.. 
هذا الشاب اجتهد بشرف حتى حصل على مجموع الطب وتخرج طبيباء وهو الآن 
يصنع سندوتشات السجق للمارة.. وكأنما أحس هو بأفكاري فجلس بجواري وأشعل 
سيجارة. وقال: 


١١ 


عارف.. ساعات أحس إن حياتي ضاعت.. أخاف أقعد طول عمري أعمل 
سندوتشات في الشارع.. لكن أرجع وأقول أنا هنا بياع سجق لكنني مواطن محترم.. 
إنما في مصر أنا دكتور صحيح بس ما ليش حقوق ولا احترام. 

حكى لي كيف كافح أبوه الموظف في الأوقاف حتى علمهم» هو وأختيه» وكيف 
اكتشف بعد تخرجه نظرية اللاءات الثلاث» كما سماها ساخرا: لاا عمل ولا زواج ولا 
مستقبل. كيف اكتشف أن العمل في الخليج مهين وغير مضمون والتسجيل للدراسات 
العليا يحتاج إلى تكاليف لا يملكها.. حكى لي كيف طلب من البنت الوحيدة. التي 
أحبها أن تنساه لأنه لا يستطيع أن يتزوجها ولا أن يجعلها تنتظره.. ساد الصمت بيننا 
فقال محاولا المرح: 

تحب تسمع محمد منير؟ عندي كل شرايطه. 

أخرج جهاز كاسيت صغيرا من داخل العربة وأضاف صوت مثير الخلفية إلى المشهد 
البائس.. فالبرد يشتد والمدفئة الصغيرة بجوار العربة غير كافية» أحكمنا إغلاق معاطفنا 
ورحنا ننفخ في أيدينا بلا فائدة.. انقطع الزبائن والشارع شبه خالء لكنه مجبر على السهر 
للصباح كما اشترط عليه صاحب العربة.. ظللت معه طويلا نتكلم ونضحك.. ثم استأذنت 
للانصراف فإذا به يحتضنني بقوة. لم يتكلم. لم نكن بحاجة للكلام. كنت أحس به تماما. 
ابتعدت بضع خطوات في اتجاه الميدان» ولم ألتفت خلفي.. لكنه نادى بصوت عال: 

بأقولك إيه... 

التفت فوجدته يبتسم. وقال: 

سلم على مصر عشان وحشتني قوي. 

الديمقراطية هي الحل. 


30 


هل المصريون متدينون فعلا ؟! 


على مدى سنوات» عملت طبيبا للأسنان في هيئة حكومية كبرى تضم آلاف العاملين. 
وفي اليوم الأول بينما كنت أعالج أحد المرضىء انفتح باب العيادة وظهر شخصء قدم 
نفسه باسم الدكتور حسين الصيدلاني» ثم دعاني لأداء صلاة الظهر جماعة» فاعتذرت 
حتى أنتهي من عملي ثم أؤدي الصلاة.. ودخلنا في مناقشة كادت تتحول إلى مشادة؛ 
لأنه أصر على أن أترك المريض لاآلحق بالصلاة؛» وأصررت على استئناف العمل. 

اكتشفت بعد ذلك أن أفكار الدكتور حسين شائعة بين كل العاملين فى الهيئة. كانت 
حالة التدين على أشدها بينهم. العاملات كلهن محجبات» وقبل أذان الظهر بنصف 
ساعة على الأقل ينقطع العاملون جميعا تماما عن العمل؛ ويشرعون في الوضوء وفرش 
الحصير في الطرقات؛ استعدادا لأداء صلاة الجماعة. بالإضافة طبعا إلى اشتراكهم في 
رحلات الحج والعمرة التي تنظمها الهيئة سنويا. 

كل هذا لم أكن لأعترض عليه فما أجمل أن يكون الإنسان متديناء على أنني 
سرعان ما اكتشفت أن كثيرا من العاملين بالرغم من التزامهم الصارم بأداء الفرائض» 
يرتكبون انحرافات جسيمة كثيرة بدءا من إساءة معاملة الناس والكذب والنفاق وظلم 
المرءوسين وحتى الرشوة ونهب المال العام. بل إن الدكتور حسين الصيدلاني الذي 
ألح في دعوتى للصلاة» تبين فيما بعد أنه يتلاعب في الفواتير ويبيع أدوية لحسابه.. 
إن ما حدث فى تلك الهيئة يحدث الآن فى مصر كلها... مظاهر التدين تنتشر في كل 
مكان» لدرجة جعلت معهد جالوب الأمريكى» فى دراسة حديئة له؛ يعتبر المصريين 
أكثر الشعوب تدينا على وجه الأرض.. وفي الوقت نفسه فإن مصر تحتل مركزا متقدما 
في الفساد والرشوة والتحرش الجنسي والغش والنصب والتزوير. 

١75 


لا بد هنا أن نسأل: كيف يمكن أن نكون الأكثر تديئا والأكثر انحرافا فى الوقت 
رسم فيها شخصية رجل دين فاسد يسمى تارتوف» يسعى إلى إشباع شهواته الخسيسة 
وهو يتظاهر بالتقوى.. وقد ثارت الكنيسة الكاثوليكية آنذاك بشدة ضد موليير ومنعت 
المسرحية من العرض خمسة أعوام كاملة.. وبرغم المنع» فقد تحولت تارتوف إلى 
واحدة من كلاسيكيات المسرح» حتى صارت كلمة تارتوف في اللغتين الإنجليزية 
والفرنسية» تستعمل للإشارة إلى رجل الدين المنافق. والسؤال هنا: هل تحول ملايين 
المصريين إلى نماذج من تارتوف؟ 
صادق.. لكن كثيرا منهم يمارسون انحرافات بغير أن يؤلمهم ضميرهم الديني. يجب 
القضاة العظام الذين يخوضون معركة استقلال القضاء دفاعا عن كرامة المصريين 
وحريتهم» والمستشارة نهى الزيني التي فضحت تزوير الحكومة للانتخابات» والمهندس 
ولكن بالمقابل. فإن مئات الشبان الذين يتحر شون بالسيدات في الشوارع صباح 
يوم العيد» قد صاموا وصلوا في رمضان.. ضباط الشرطة الذين يعذبون الأبرياء. 
الأطباء والممرضات الذين يسيئون معاملة المرضى الفقراء فى المستشفيات العامة 
والموظفون الذين يزورون بأيديهم نتائج الانتخابات لصالح الحكومة. والطلبة الذين 
يمارسون الغش الجماعي» معظم هؤلاء متدينون وحريصون على أداء الفرائض.. إن 
المجتمعات تمرض كما يمرض الإنسان. 
ومجتمعنا يعاني الآن من انفصال العقيدة عن السلوك.. انفصال التدين عن الأخلاق.. 
وهذا المرض له أسباب متعددة؛ أولها: النظام الاستبدادى الذي يؤدي بالضرورة إلى 
شيوع الكذب والغش والنفاقء وثانيا: أن قراءة الدين المنتشرة الآن في مصر إجرائية 
أكثر منها سلوكية. بمعنى أنها لا تقدم الدين باعتباره مرادفا للأخلاق وإنما تختصره فى 
١‏ 


مجموعة إجراءات إذا ما أتمها الإنسان صار متدينا. سيقول البعض إن الشكل والعبادات 
أركان مهمة فى الدين تماما مثل الأخلاق.. الحق أن الأديان جميعا قد وجدت أساسا 
للدفاع عن القيم الإنسانية: الحق والعدل والحرية.. وكل ما عدا ذلك أقل أهمية.. 
المحزن أن التراث الإسلامي حافل بما يؤكد أن الأخلاق أهم عناصر الدين. لكننا لا 


نفهم ذلك أو لا نريد أن نفهمه. 

هناك قصة شهيرة عن رسول الله يَكِةِ عندما قابل رجلا ناسكا منقطعا للعبادة ليل 
نهار.. فسأله: 

- من ينفق عليك؟ 

قال الرجل: 

- أخي يعمل وينفق عليّ. 

عندئذ قال عل: 

أخوك أعبد منك. 


المنقطع للعبادة لكنه لا يعمل. إن الفهم القاصر للدين سبب رئيس في تردي الأوضاع 
في مصر. على مدى عشرين عاماء امتلآت شوارع مصر ومساجدها بملايين الملصقات 
تدعو المسلمات إلى الحجاب.. لو أننا تخيلنا أن هذه الملصقّات كانت تدعوء بالإضافة 
إلى الحجابء إلى رفض الظلم الواقع على المصريين من الحاكمء أو الدفاع عن حقوق 
المعتقلين» أو منع تزوير الانتخابات.. لو حدث ذلك لكانت الديمقراطية قد تحققت 
في مصر ولانتزع المصريون حقوقهم من الاستبداد.. إن الفضيلة تتحقق بطريقتين 
لا ثالث لهما: إما من تدين حقيقى مرادف تماما للأخلاق. وإما عن طريق الأخلاق 
وحدها حتى لو لم تستند إلى الدين. منذ أعوام مرضت والدتي رحمها الله بالسرطان.. 
فاستدعينا لعلاجها واحدا من أهم أطباء الأورام في العالم» الدكتور جارسيا جيرالت 
من معهد كوري في باريس .. جاء هذا العالم الكبير إلى مصر عدة مرات لعلاج والدتي 
ثم رفض بشدة أن يتقاضى أي أتعاب ولما الححت عليه قال: 


١78 


إن ضميري المهني لا يسمح بأن أتقاضى أتعابا مقابل علاج والدة طبيب زميلي. 

هذا الرجل لم يكن يعتقد كثيرا في الأديان». لكن تصرفه النبيل الشريف يضعه في 
أعلى درجة من التدين الحقيقي.. وأتساءل: كم واحدًا من كبار أطباتنا المتدينين اليوم 
سيرد على ذهنه أصلا أن يمتنع عن تقاضي أجره من زميل له؟ مثال آخر في عام ٠٠١1‏ 
(بغرض تجميل وجه النظام الليبي أمام العالم) تم تنظيم جائزة أدبية عالمية سنوية. 
بقيمة حوالي مليون جنيه مصريء باسم جائزة القذافي لحقوق الإنسان.. وتم تشكيل 
لجنة من مثقفين عرب كبار لاختيار كل عام كاتب عالمي لمنحه الجائزة.. هذا العام 
قررت اللجنة منح الجائزة للكاتب الإسباني الكبير خوان خويتيسولو البالغ من العمر 
عاما. 

ثم كانت المفاجأة: فقد أرسل خويتيسولو خطابا إلى أعضاء اللجنة يشكرهم فيه 
على اختياره للفوز بالجائزة» لكنه أكد في الوقت نفسه أنه لا يستطيع أخلاقياء أن يتسلم 
جائزة لحقوق الإنسان من نظام القذافي الذي استولى على الحكم في بلاده بانقللاب 
عسكري ونكلء اعتقالا وتعذيباء بالآلاف من معارضيه.. رفض الكاتب خويتيسولو 
جائزة بحوالي مليون جنيه مصري؛ لأنها لا تتفق مع ضميره الأخلاقي.. هل نسأل هنا: 
كم مثقفا أو حتى عالم دين في مصر كان سيرفض الجائزة؟ ومن هو الأقرب إلى ربنا 
سبحانه وتعالى؟! هذا الكاتب الشريف الذي أثق في أن الدين لم يخطر على باله وهو 
يتخذ موقفه الشجاع النبيل» أم عشرات المتدينين المصريين» مسلمين ومسيحيين» 
الذين يتعاملون مع الأنظمة الاستبدادية ويضعون أنفسهم في خدمتها متجاهلين تماما 
الجرائم التي ترتكبها تلك الأنظمة في حق شعوبها. إن التدين الحقيقي يجب أن يتطابق 
مع الأخلاق.. وإلا.. فإن الأخلاق بلا تدين أفضل بكثير من التدين بلا أخلاق. 


١10 


ماذا أضاف الوهابيون إلى مصر؟١‏ 


اختار عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) مصر لكي تحظى بشرف صناعة كسوة 
الكعبة الشريفة» وكانت تصنع من قماش مصري فريد من نوعه ينتج في الفيوم يسمى 
القباطى.. ومنذ عهد شجرة الدر إلى عهد جمال عبد الناصرء على مدى سبعة قرون 
كاملة »)١1477-1760(‏ كانت كسوة الكعبة الشريفة المصنوعة في مصر تخرج إلى 
الحجاز كل عام في موكب عظيم يسمى المحمل المصريء» يحمل الكسوة الجديدة 
والحجاج المصريين وتحرسه فرقة مسلحة من الجيش المصري بقيادة ضابط كبير 
يسمى أمير الحج.. وتصاحب المحمل دائما فرقة موسيقية عسكرية تعزف مارش 
المحمل مع نشيد شهير مطلعه: ايا محملنا روح وتعالى بالسلامة».. وبالإضافة إلى 
المحمل افتتحت مصر في الحجاز التكية المصرية حيث كان الفقراء والمحتاجون من 
أهل الحجاز يأكلون ويشربون ويتم علاجهم وصرف أدويتهم مجانا على نفقة أشقائهم 
المصريين.. والغرض من ذكر هذا التاريخ ليس المفاخرة لأن هذا واجب مصر الذي 
أدته دائما نحو البلاد العربية.. لكنها خلفية لازمة لقراءة ما كتبه الأديب المصري الكبير 
يحيى حقي في كتابه «كناسة الدكان».. فقد تم تعيينه موظفا في قنصلية مصر في جدة عام 
48 وكانت له تجربة طريفة وعميقة الدلالة هناك.. كتب عنها بالحرف: «ينبغي أن 
أخبرك أولا أن الحكم الوهابي الجديد آنذاك كان يحرم الموسيقى تحريما صارما.. لا 
يسمح لفونوغراف أو أسطوانة بدخول البلاد» حتى «مزيكة الفم» التي يلهو بها الأطفال 
تصادر في الجمرك. فما بالك بآلات الطبل والزمر». 

وفي ظل هذا التشدد يحكي لنا يحيى حقي واقعة تاريخية عجيبة.. فقد جاء المحمل 
المصري إلى الحجاز كعادته كل عام بالكسوة والحجيج والحرس والموسيقى.. فإذا 
بفرقة من المسلحين الوهابيين يهجمون على المحمل ويخطفون آلات الموسيقى من 


١ 


أيدي العازفين ويحطمونها على الأرض.. ولولا أن ضبطً الجنود المصريون أعصابهم 
لكانوا قد أطلقوا النار ولحدثت مذبحة.. إلا أن هذا الاعتداء قد سبب توترا بالغا بين 
مصر ومملكة نجد والحجاز (المملكة السعودية فيما بعد) فامتنعت مصر لمدة عامين 
متتاليين عن إرسال المحمل ثم استأنفت إرساله حتى رفضت السعودية استقباله عام 
. وفي وسط هذا الجو الصارم المتزمت يحكي لنا يحيى حقي كيف كان شباب 
الحجاز يتحايلون بأي طريقة لتهريب الأسطوانات الموسيقية» وكيف حضر بنفسه 
حفلة موسيقية سرية.. اجتمع فيها عدد كبير من الحجازيين وانحشروا في غرفة ضيقة 
ووضعوا الفونوغراف تحت الكنبة ليستمعوا إلى رائعة عبد الوهاب «يا جارة الوادي».. 
ولأن الأسطوانة أصابها شرخ أثناء تهريبها فقد كان صوت عبد الوهاب يتقطع لكن 
ذلك لم يمنع الحجازيين من الطرب الشديد.. والسؤال هنا: لقد كان يحيى حقي من 
أكبر العارفين بالإسلام ومن أشد المدافعين عنه.. فلماذا اعتبر ما رآه في الحجاز مجرد 

تجربة طريفة ولم يناقش تحريم الوهابيين للموسيقى؟ ! 
الإجابة أن يحيى حقي ابن لعصر التنوير المصري العظيم الذي بدأه محمد علي 
ورسم ملامحه الدينية الإمام المصلح محمد عبده ..)١9505-١859(‏ الذي قدم قراءة 
مصرية للإسلام» متسامحة ومتطورة جعلت من الدين حافزا للمصريين وليس عبئا عليهم 
فانطلق المبدعون المصريون ووصلوا إلى الذروة في الموسيقى والمسرح والسينما 
والأدب والفنون جميعا. والفرق هنا بين الفنان الكبير يحيى حقي والوهابيين الذين 
حطموا مزامير الأطفال باعتبارها بدعة محرمة.. هو بالضبط الفرق بين القراءة المصرية 
للإسلام والأفكار الوهابية.. إن تزمت الفكر الوهابي حقيقة لا أظنها تحتاج إلى تأكيد.. 
يكفي أن نعود إلى الفتاوى الوهابية التي تؤكد تحريم قيادة المرأة للسيارة وتحريم إهداء 
الورود إلى المرضى وتحريم التصفيق وتحريم جلوس المرأة على الإنترنت من دون 
محرم وغيرها.. بل إن إحدى الفتاوى الشهيرة للمرحوم الشيخ ابن باز (عام )١9175‏ 
كانت تؤكد أن كوكب الأرض ليس مستديرا كما يزعم علماء الغرب وإنما هو منبسط 
ومسطح.. المحزن أنه بدلا من أن تنشر مصر قراءتها الصحيحة المنفتحة للإسلام في 
السعودية ودول الخليج فتساعد على تطوير الفكر هناك.. فقد حدث العكس تماما.. 
انتشر الفكر الوهابي في مصره مدعوما بأموال النفط» ليصيب المصريين بردة حضارية 
١١‏ 


حقيقية.. هذا الكلام ليس انتقاصا من المملكة السعودية التي نتمنى لها كل الخير ولا 
تطوير بلادها.. لكنه ببساطة ما حدث: فبعد ثلاثين عاما من انتشار الفكر الوهابى فى 
مصرء من حقنا أن نسأل: ماذا أضاف إلينا؟ 

الواقع أنه لم يضف شيئاء بل تسبب للأسف في تدهور الثقافة المصرية. فبعد أن 
أفتى الإمام محمد عبده بأن الموسيقى حلال ما لم تؤد إلى معصية؛ الآمر الذي أدى 
إلى ازدهار المن المصري.. انتشر الفكر الوهابي في مصر ليؤكد تحريم الموسيقى 
والفنون.. وبعد أن أفتى الإمام محمد عبده بن الإسلام لا يحرم صناعة التماثيل وإنما 
يحرم عبادة الأصنام, فانطلق الفن التشكيلي المصري وأنشئت كلية الفنون الجميلة عام 
: بل إن آلاف المصريين اكتتبوا من حر مالهم ليدفعوا تكلفة تمثال نهضة مصر 
الذي أبدعه النحات العظيم محمود مختار.. وكشف الستار عن التمثال في احتفال كبير 
عام ١97/8‏ ولم يدر بأذهان المحتفلين قط أنهم يرتكبون حراما.. انتشر الفكر الوهابي 
لينادي بتحريم التماثيل حتى اكتشفنا في العام الماضي أن قسم النحت في كلية الفنون 
الجميلة بالقاهرة قد التحق به طالب واحد فقط.. ولم تقف أضرار الفكر الوهابي عند 
عرقلة الفن وتأخر الفكر. بل تعدت ذلك إلى إحداث الفتنة الطائفية.. فبعد أن أسست 
ثورة ١1919‏ لمفهوم المواطنة الذي يتساوى بموجبه المصريون تماما بغض النظر عن 
أديانهم» جاء الفكر الوهابي ليعتبر الأقباط كفارا أو في أحسن الأحوال أهل ذمة لا 
يصلحون لتولى المناصب العليا فى الدولة مثل قيادة الجيش ورئاسة الدولة.. بل إن 
الفكر الوهابى» فى رأيى» قد ساعد على اختصار الدين فى الشكل والعبادات وفصل 
العقيدة عن السلوك.. ملايين المصريين ذهبوا للعمل في السعودية فماذا وجدوا؟! 

أول ما يكتشفه المصري هناك أن الدين ليس اختيارا شخصيا كما هو فى مصرء وإنما 
هو واجب تفرضه السلطات بالقوة.. ثم سرعان ما يكتشف المصري بعد ذلك أن التشدد 
في فرض الدين لا يرتبط بالضرورة بتحقيق العدل.. فالسلطات التي تتشدد في إجبار 
المصري على الصلاة ولا تتهاون أبدا إن انتكشف شعر زوجته قليلا في الشارع» كثيرا 
من دون وجه حق.. كما عاد بنا الفكر الوهابى إلى الوراء فيما يخص المرأة» فبعد أن 
١5‏ 


تحررت المرأة المصرية من قيود الحريم واكتسبت حقها في التعليم والعمل.. جاء 
الفكر الوهابي لينادي بعزلها عن المجتمع خلف النقاب باعتبارها مصدرا للغواية وأداة 
للمتعة ومصنعا لإنجاب أطفال وخادمة لزوجها وهو يفترض أصلا أن المرأة ضعيفة 
السيطرة على إرادتها وشهواتها (كما تؤكد فتاوى وهابية كثيرة).. أما أسوأ ما فعله 
الفكر الوهابي فهو إعداد المصريين دينيا لتقبل الظلم والاستبداد.. فالحاكم المسلم 
عند الوهابيين طاعته واجبة» حتى لو ظلم الناس يظل الخروج عليه محرما ما دام ينطق 
بالشهادتين ويؤدي الفرائض.. وحتى لو أعلن الحاكم كفره على الملا (وهذا افتراض 
خيالي) فإن الخروج عليه عند الوهابيين مرتبط بالقدرة على تغييره.. وإلا فإن طاعته 
تظل واجبة حتى يغيره الله(!) وهكذا ينزع الفكر الوهابي عن الناس حقوقهم السياسية 
تماما فيجعلهم قابلين للاستبداد وأكثر استعدادا لقبول الظلم. 

الخلاصة أن مصر تمتلك كل إمكانات الدولة الكبرى.. لكن هذه الإمكانات مقيدة 
ومعطلة بسببين: الاستبداد السياسي الذي أدى بنا إلى الحضيض فى كل المجالات.. 
وانتشار الفكر السلفي الوهابي الذي يصب في النهاية في مصلحة الحكام المستبدين.. 
لن يبدأ المستقبل في مصر إلا إذا استعدنا قراءتنا المصرية المنفتحة للإسلام وعملنا 
جميعا على إنهاء الاستيداد الذي أذل المصريين ونهبهم وأنهكهم. 


الديمقراطية هى الحل. 


١ 7 


أحزان الآئنسة لورئس 


الآنسة لورنس فرنسية» إخصّائية علاج طبيعي» سنحت لها فرصة عمل في مصر 
ففرحت جدا لأنها مثل معظم الفرنسيين تعشق الحضارة المصرية وتحلم برؤية النيل 
والأهرامات والمعابد الفرعونية. التقيت بالآنسة لورنس في القاهرة في مناسبات 
متفرقة.. منذ أيام قابلتها ففوجئت بها تقول: 

- لقد قررت أن أغادر مصر إلى الآبد. 

لماذا؟! 

- لأنني لم أعد أحتمل أن أكون امرأة معروضة. 

ماذا تعنين؟ ! 

- في كل مرة أخرج فيها إلى الشارع. أعاني بمعنى الكلمة. لا أشعر أنني إنسان لديه 
عقل وأحاسيس.. أشعر بأنني جسد لا أكثر.. بأنني امرأة معروضة للجميع. كل رجل 
أقابله يتطلع إلى جسدي بوقاحة ويعريني بنظراته.. أصبحت آتفادى الأماكن المزدحمة 
لأنني أعرف أن الزحام معناه التحرش.. معناه أن تمتد يد رجل ما إلى صدري أو ساقي 
أو أي مكان في جسدي. 

- هل يحدث ذلك دائما؟ 


-بدون استثناء واحد.. الذي لا يستطيع أن يلمسني في الزحام, يتكلم معي بإنجليزية 
يمشون على الرصيف المقابل.. يصيحون بألفاظ جنسية أو يُصفرون ويُلوحون.. أول 
١5‏ 





مرة ركبت فيها المترو كانت تجربة مريعة.. عشرة رجال أخذوا يتطلعون بشهوة إلى 
جسدي فى نفس الوقت.. بعد ذلك أصبحت أركب عرية النساء. 

-هل ترتدين ثيابا عارية؟ 

إطلاقا.. أنت رأيتنى أكثر من مرة فماذا كنت أرتدي؟ أنا أحترم ثقافة الآخرين 
وأعلم أن مصر بلد محافظ. حتى أثناء الصيف عندما أرتدي فائلة بدون أكمام أضع 
على كتفي دائما شالا حريريا ليغطي ذراعي. 

ألا يحدث لك مثل هذا التحرش في فرنسا؟ 

- نادرًا جدا.. بعد عام ونصف العام في القاهرة ما زلت لا أصدق ما يحدث.. 
يخيل إلىّ أحيانا أن كل الرجال المصريين قد أصيبوا بلوثة جنسية.. أصبحت أخاف 
من الخروج في الشارع.. إذا لم يكن لديّ عمل أظل في البيت أياما بأكملها. 

- وماذا ستفعلين الآن؟ 

-أنا سعيدة لأننى حصلت على فرصة عمل في اليونان.. أنتظر موعد سفري بفارغ 
الصبر.. على الأقل في اليونان لن يسعى أحد إلى تحسس جسدي أو يرمقني بنظرة 
شهوة أو يدعوني إلى الفراش بمجرد أن يراني.. سأحس هناك بأنني إنسانة ولست 
امرأة معروضة للجنس. 

انتهى حواري مع الآنسة لورنس وأحسست بحزن.. كيف يحدث ذلك في مصر التي 
اشتهر أهلها دائما بالتهذيب وحسن التعامل واحترام الأجانب؟! عدت إلى الدراسات 
التي أجريت حول التحرش الجنسي في مصر فوجدت نتائج مفزعة.. في العام الماضي. 
كشفت دراسة للمركز المصري لحقوق الإنسان عن أن 9/8/ من الأجنبيات و7// من 
موجة كاسحة من التدين الشكلى.. كل هذه اللحى والجلابيب والميكروفونات الزاعقة 
والقنوات السلفية الوهابية والدروس ومظاهر التدين.. لم تمنع التحرش الجنسي.. 

الإجابة التقليدية أن المرأة هي | لمسئولة عن التحرش بها.. لآنها ترتدي ثيابا تكشف 
جسدها فتدفع الرجال للتحرش بها.. وهذا منطق شاذ ومتهافت. 


أولا: لأنه يلوم الضحية بدلا من الجاني. 


ثانيًا: لأنه يقدم الرجال وكأنهم مجموعة من البهائم السائبة لا يمكنهم أبدا التحكم 

في غرائزهم.. ما أن يلمحوا جزءا عاريا من جسد المرأة حتى ينقضوا عليها. 
الثا: لأن معظم النساء في مصر الآن محجبات لكن ذلك لم يحمهن من التحرش 

كما أكدت الدراسة التي أشرت إليها. 
رابعًا: لأن المرأة المصرية حتى نهاية السبعينيات كانت ترتدي ثيابا عصرية كثيرا 

ما تكشف عن ذراعيها أو ساقيهاء وبالرغم من ذلك فإن نسبة التحرش الجنسي آنذاك 

كانت أقل بكثير منها الآن. 
خامسًا: لأنه في فرنسا مثلا حيث تكشف السيدات غالبا أجسادهن.. تصل نسبة 

التحرش الجنسي (طبقا لجريدة النيويورك تايمز) إلى ١‏ 7./» ومعنى ذلك أن النساء يعانين 

من التحرش في مصر المتدينة أربعة أو خمسة أضعاف النساء في فرنسا العلمانية. 
بل إن المجتمعات التي تفصل تماما بين الرجال والنساء (مثل السعودية وأفغانستان) 

تسجل أعلى معدلات في التحرش الجنسي على مستوى العالم. الظاهرة إذن أعقد 

بكثير من نوع الملابس التي ترتديها المرأة. إن التحرش الجنسيء في رأبي» ينتشر 

بضراوة في مصر للأسباب التالية: 

-١‏ البطالة: ملايين الشباب الذين فشلوا في العثور على عمل بعد إكمال تعليمهم 
يتملكهم الإحباط واليأس ويكفرون بفكرة العدالة.. إذ إن الأسباب في مصر لا 
تؤدي إلى النتائج.. الاجتهاد لا يؤدي بالضرورة إلى النجاح. والتفوق الدراسي 
لايؤدي بالضرورة إلى العثور على وظيفة محترمة» والالتزام بالأخلاق لايؤدي 
بالضرورة إلى الترقي الاجتماعي.. بل على العكس فإن الانحراف الأخلاقي كثيرا 
ما يؤدي إلى تكوين الثروة.. كل ذلك لا بد أن يدفع الشباب إلى العنف.. وهنا 
يؤكد علماء النفس أن الجرائم الجنسية لا ترتكب دائما بغرض إشباع الشهوة.. 
فالتحرش الجنسي كثيرا ما يرتكبه الرجال كوسيلة للانتقام من المجتمع أو 
للتنفئيس عن الغضب والإحباط. 


١5 


؟- صعوبة الزواج في مصر: ملايين المصريين عاجزون عن تدبير تكاليف الزواج. 
وحيث إن التقاليد وأوامر الدين (الإسلامى والمسيحى) حرم العللاقات خارج 
الزواج.. فإن معظم الشباب في مصر يعانون من كبت جنسي لا بد أن يدفعهم في 
لحظة ما إلى التحرش بالنساء. 

انتشار الأفلام الإباحية وسهولة الحصول عليها سبب ثورة الاتصالاات وانتشار 
الإنترنت.. والحق أن ضرر المواد الإباحية لا يقف فقط عند إثارة غرائز الشباب 
المكبوت أساساء لكنه يتعدى ذلك إلى تسهيل فكرة الاعتداء الجنسي ونزع الطابع 

5-| لسبب الأخير أن نظرتنا إلى المرأة في مصر قد تغيرت.. فمنذ مطلع القرن الماضي 
خاضت المرأة المصرية نضالا طويلا حتى تحررت من وضع الحريم وتساوت مع 
المصري تحت تأثير القراءة الوهابية المنغلقة للإسلام.. وهذه القراءة بالرغم من 
تشددها في تغطية جسد المرأة فإنها تختصر المرأة في كونها أداة متعة ومصدر غواية 
وماكينة إنتاج أطفال وخادمة بيت.. وكل ما عدا ذلك أقل أهمية. 


بل إن بعض شيوخ الوهابيين أثناء دفاعهم عن الزي الإسلامي» يشبهون المرأة بقطعة 
حلوى يجب أن تكون ملفوفة جيدا حتى لا يقف عليها الذباب.. وبالرغم من حسن 
النية لدى القائلين بذلك فإن تشبيه المرأة بقطعة حلوى ينزع عنها الطابع الإنساني.. 
فقطعة الحلوى بلا أحاسيس ولا عقل ولا إرادة وفائدتها الوحيدة أن نتأكلها لنستمتع 
بطعمها.. وبالتالي فإن من يتوق إلى الحلوى ولا يملك شراءهاء إذا سنحت له فرصة 
لكي يأكل قطعة حلوى مملوكة لسواه ويفلت من العقاب لن يتردد أبدا.. وهذا بالضبط 
ما يفعله الرجل الذي يتحرش بالنساء في الشارع. 

لن يتوقف التحرش بالنساء إلا عندما نستعيد قراءتنا المصرية المنفتحة الصحيحة 
للإسلام, التي تعتبر المرأة إنسانا كامل القدرة والأهلية وليست مجرد جسد أو قطعة 


١ 7/ 


في الحياة والعمل والزواج. 
الديمقراطية هى الحل. 


١4 








من الخاسر في معركة اليونسكو؟! 


على مدى عشر سنوات» تعودت كل خميس أن أعقد مع أصدقائي ندوة أدبية مفتوحة 
يحضرها هواة الثقافة من مختلف الأعمار والاتجاهات. هذا الأسبوع ذهبت إلى الندوة 
فوجدت الحاضرين نحو ثلاثين شخصا فاستأذنتهم وطرحت عليهم السؤال الآتي: ما 
شعورك عندما سمعت أن فاروق حسني قد خسر في انتخابات اليونسكو؟ 

أدهشتني النتيجة: شخص واحد قال إن فاروق حسني مظلوم لأنه يستحق المنصب 
عن جدارة.. شخصان قالا إنهما أحسا بالأسف من أجل مصر التى خسرت منصبا دوليا 
رفيعا.. أما الباقون فقد أكدوا جميعا أنهم تقبلوا خسارة فاروق حسني بارتياح.. وفي 
نفس اليوم طالعت مداخلات المصريين على مواقع الإنترنت» فوجدت معظمهم قد 
أبدوا ارتياحهم لأن فاروق حسني قد خسر الانتخابات والمنصب.. بدا لي ذلك غريبا 
فالمصريون لديهم انتماء قوي لبلادهم ويفتخرون بأي نجاح مصري عالمي. 

مازلت أتذكر الفرحة الغامرة التي عمت مصر من أقصاها إلى أقصاها عندما أعلن 
رسميا عن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الأدب. أما الدكتور أحمد زويل» 
الحاصل على جائزة نوبل في العلوم» فقد صحبته ورأيت بنفسي مدى الحفاوة التي 
كان يتلقاها من المصريين في كل مكان يذهب إليه.. لماذا يفخر المصريون إذن بأحمد 
زويل ونجيب محفوظ. وفي نفس الوقت يحس كثيرون منهم بالارتياح عندما يخسر 
فاروق حسني انتخابات اليونسكو؟! ثم.. هل تعرض فاروق حسني لمؤامرة صهيونية 
دولية من أجل إسقاطه؟ وهل حدثت خيانة ما أدت إلى خسارته في الجولة الحاسمة؟! 
سألخص الإجابة في النقاط التالية: 


١8 


-١‏ لم يكن فاروق حسني قط وزيرا منتخبا من المصريين.. بل إنه لما تولى الوزارة كان 
مجهو لا تماما فنيا وسياسياء وقد ظل في منصبه 7١‏ عاما ليس بفضل تقدير المصريين 
لإنجازاته وإنما بسبب دعم الرئيس مبارك له.. وإذا تذكرنا أن الرئيس مبارك نفسه 
يحكم مصر منذ ثلاثين عاما بدون أن يخوض انتخابات حقيقية واحدة.. فالنتيجة أن 
يشعر المصريون بأن فاروق حسني جزء من النظام المفروض عليهم, الذي تسبب 
بفساده وفشله واستبداده في البؤس الذي يعيش فيه ملايين المصريين, أما في حالة 
أحمد زويل ونجيب محفوظ ومجدي يعقوب وغيرهم من النوابغ على المستوى 
الدولي فالمصريون يحبونهم لأنهم مستقلون اجتهدوا حتى حققوا إنجازاتهم بعيدا 
عن النظام وأحيانا رغما عنه. 

؟-جاء ترشيح فاروق حسني لمنصب مدير اليونسكو مصحوبا بدعاية إعلامية جبارة 
وكأنه سيخوض معركة حربية يتحدد فيها مصير الوطن.. وذلك لسيبين: أولا أن 
الرئيس مبارك هو الذي رشحه للمنصب. وكانت الرغبة السامية للرئيس سببا في 
حشد كتبة الحكومة ومسئوليها لتأييد فاروق حسني والتهليل له.. وهؤلاء تتلخص 
مهمتهم في الطبل والزمر لكل ما يريده الرئيس أو يقوله أو حتى يفكر فيه السبب 
الثاني أن فاروق حسني قد نجح (كما قال بنفسه ذات مرة) في إدخال كثير من 
المثقفين المصريين إلى حظيرة النظام» بمعنى أنه ربط هؤلاء المثقفين بمصالح 
مباشرة مع وزارة الثقافة.. بدءا من المثقفين الشبان الذين يتعاقد معهم الوزير بعقود 
مؤقتة» إلى منح التفرغ والمشروعات الشكلية واللجان الوهمية التي يتم الإغداق 
على أعضائها لضمان ولائهم.. وحتى المثقفين المعروفين الذين يمنحهم الوزير 
مبالغ طائلة باعتبارهم مستشارين.. وقد نتج عن ذلك أن تشكلت للوزير فاروق 
حسني مجموعة من الميليشيات المسلحة في الوسط الثقافي المصري.. وهم 
مستعدون دائما للقتال دفاعا عنه ظالما أو مظلوما. وهؤلاء بطبيعة الحال تفانوا في 
إظهار حماستهم لترشيح الوزير بغض النظر عن مدى صلاحيته للمنصب. 

 '"'‏ يعتبر فاروق حسني نموذجا حقيقيا للمسئول في نظام استبدادي» فكل ما يهمه 
إرضاء الرئيس حتى يبقى في الوزارة وهو مستعد لتحقيق ذلك بأي طريقة وأي ثمن. 
ولديه قدرة مدهشة على الدفاع عن الفكرة ونقيضها بنفس الحماس.. والأمثلة هنا 


١6 


بلا حصرء فهو قد دافع عن حرية التعبير في أزمة رواية وليمة لأعشاب البحر. ولم 
يلسث بعد ذلك أن صادر بنفسه ثلاث روايات طبعتها وزارة الثقافة وأعفى المسئول 
عن نشرها من عمله ثم أطلق تصريحات تهاجم الحجاب والمحجبات وسرعان ما 
تراجع عنها أمام مجلس الشعب.. وعندما قابل الوزير نوابا من الإخوان المسلمين 
قال لهم تصريحه الشهير الذي تعهد فيه بحرق الكتب الإسرائيلية.. ثم عاد بعد ذلك 
واعتذر عن التصريح في مقال نشره في جريدة لوموند.. بل إنه أراد أن يدلل على 
تسامحه مع إسرائيل فدعا الموسيقار الإسرائيلي دانيال بارنبويم إلى الأوبرا المصرية 
مخالفا بذلك قواعد منع التطبيع مع إسرائيل التي كان يفخر في الماضي بأنه يطبقها 
بصرامة.. وهكذا لن يعرف أحد أبدا ما رأي فاروق حسني أو مبدؤه الحقيقي؟ لآنه 
لا يفعل ما يعتقده وإنما ما يساعده على تحقيق أهدافه. 


-يقدم السيد فاروق حسني الآن نفسه للرأي العام المصري باعتباره ضحية لمؤامرة 
صهيونية عنصرية غربية» استهدفت منع العرب والمسلمين من رئاسة اليونسكو.. 
وهذا الكلام غير صحيح.. فقد سبق لرجل إفريقي أسود مسلم» من السنغال» هو 
أحمد مختار أمبو, أن فاز في انتخابات اليونسكو لفترتين متتاليتين وظل مديرا 
لليونسكو لمدة ١7‏ عاما متصلة ».)١4817/-191/5(‏ كما أن الحديث عن عداء إسرائيل 
والدول الغربية لفاروق حسني غير صحيح أيضا.. فبعد اعتذار فاروق حسني في 
جريدة لوموند» أعلنت الخارجية الإسرائيلية رسميا قبول اعتذاره. 
ثم أكد بنيامين نتنياهو للرئيس مبارك أن إسرائيل لن تقف ضد ترشيح فاروق 
حسنىء بل أعلنت فرنسا رسميا أنها ستصوت لصالحه في كل الجولاتء أما الموقف 
الأمريكى المعارض فقد كان مستقيما وواضحا.. إذ أخبرت الإدارة الأمريكية الحكومة 
المصرية من البداية أنها على استعداد لتأييد أي مرشح مصري غير فاروق حسني.. 
أين المؤامرة إذن؟! 
الصحفيون التابعون لفاروق حسني يعتبرون الترتيبات التي حدثت في كواليس 
اليونسكو لصالح المرشحة البلغارية مؤامرة غادرة وهم ينسون أن فاروق حسني قد 
عقد نفس الترتيبات مع الذين صوتوا لصالحه. وأن هذه طبيعة الانتخابات الحرة في 
أي مكان. 


١١ 


4 لقد فازت المرشحة البلغارية إيرينا بوكوفا برئاسة اليونسكوء لأنها ببساطة تصلح 
للمنصب أكثر من فاروق حسني.. فهي أصغر سنا وما زال لديها الكثير لتقدمه. 
كما أنها متعلمة جيدا فقد تخرجت في جامعتي ميريلاند وهارفارد في أمريكاء 
ولديها خبرة في المناصب الدولية لا تتوافر للسيد حسنيء والأهم من كل ذلك أن 
لها آراء محددة في كل شيء لا تحيد عنها ولا تنقلب عليهاء كما أنها مدافعة عن 
الديمقراطية والحرية وليست وزيرة في نظام استبدادي احترف تزوير الاتتخابات 
وقمع المعارضين. 
أخيرا.. إن من خسر الانتخابات في اليونسكو هما فاروق حسني والنظام المصري. 

أما الشعب المصري فلم يخسر شيئا لأنه لم يختر فاروق حسني ولم يتتخب الرئيس 

مبارك الذي رشحه وسانده.. لقد كان فاروق حسني مرشح النظام ولم يكن مرشح 
مصر.. وفي مصر المئات من أصحاب الكفاءات الذين يصلحون لمنصب مدير 
اليونسكو أكثر من فاروق حسنيء لكن الرئيس مبارك لم يرشحهم لأنه أراد منح هذا 
المنصب بالذات للسيد فاروق حسنيء ولأن إرادة الرئيس فوق كل اعتبار فقد تم إهدار 
ملايين الدولارات من أموال المصريين الفقراء من أجل الدعاية لفاروق حسني في 
معركة خاسرة.. لكننا رأينا أيضا كيف أن إرادة الرئيس مبارك واجبة النفاذ داخل مصر 
فقط وليس خارجها.. لأنه في المؤسسات الديمقراطية» مثل اليونسكوء غالبا ما يفوز 
بالمناصب الذين يصلحون لها. 


الديمقراطية هى الحل. 


ماذا يريد المستشار الخضيري؟! 


هذه واقعة كبرى.. 
القاضي محمود الخضيري الذي يبلغ من العمر سبعين عاماء بعد أن قضى على منصة 
القضاء ”5 عاماء أعلن منذ أيام استقالته من منصبه احتجاجا على محاولات الحكومة 
التأثير على القضاة حتى يحكموا لصالحها؛ واحتجاجا على تزوير الانتخابات الذي 
تمارسه وزارة الداخلية بتعليمات من الرئيس مبارك.. استقالة المستشار الخضيري 
كانت أشبه بقنبلة أصابت كبار المسئولين في مصر بالذهول وسرعان ما انتبهوا ليبدأوا 
حملة شرسة لتجريح شخص المستشار الخضيري والتشويش عليه وتشويه صورته 
أمام الرأي العام. وهنا لا بد أن نتذكر بضع حقائق: 
أولا: إن محاولات الحكومة المستمرة لاستمالة القضاة والتأثير فيهم بالترغيب 
والترهيب». عن طريق إخضاع التفتيش القضائي لوزير العدل وانتداب القضاة للعمل 
مستشارين في الوزارات بمبالغ طائلة وتعيين القضاة وزراء ومحافظين واختيار قضاة 
معينين للنظر في قضايا معينة» بالإضافة إلى تزوير الانتخابات والاستعانة بالبلطجية 
الذين يعتدون بالضرب المبرح على كل من يعترض على التزوير (بما في ذلك بعض 
القضاة الذين تم ضربهم في الانتخابات الأخيرة)» وتحويل المواطنين المدنيين إلى 
المحاكمات العسكرية؛ واعتقال عشرات الآلاف من المواطنين لسنوات طويلة بالرغم 
من أحكام البراءة وقرارات الإفراج الصادرة لهم. 
كل هذه جرائم يمارسها النظام المصري منذ فترة طويلة وقد أشار إليها شيخ القضاة 
المستشار يحيى الرفاعي في رسالته التي وجهها إلى الرأي العام من سنوات» بل إن 
١07‏ 


حركة استقلال القضاء قد قامت أساسا لإيقاف هذه الجرائم وحماية استقلال القضاء 
ومنع تزوير الانتخابات.. لم يأت المستشار الخضيري إذن بشيء من عنده ولم يخترع 
شيئاء بل أكد الرجل أن اتهاماته للنظام بالتدخل في القضاء وتزوير الانتخابات» كلها 
موثقة بالأدلة.. لماذا لا يحقق المسئولون معه إذن بدلا من محاولة تجريحه والشوشرة 
على موقفه؟! 
الفارغ وإثارة الغبار حول الخضيري ويتجاهلون تماما القضية التي يدافع عنها. 

ثانيًا: يتهم النظام المصري ١‏ لمستشار ١‏ 2 لخضيري وزملاءه من القضاة المطالبين 
باستقلال القضاء بأنهم يمارسون العمل السياسي المحظور على القضاة» وهذا اتهام 
باطل.. أولا لأن القاضى مواطن من حقه أن يدلى برأيه فى القضايا العامة.. والإدلاء 
بالرأي لا يعنى إطلاقا الاشتغال بالسياسة.. وثانيا: لأن مطالبة القضاة باستقلال السلطة 
القضائية واجب مهني وليس عملا سياسيا.. إن القاضي الذي يطالب بالاستقلال يشبه 
الطبيب الجراح الذي ذهب لإجراء عملياته في المستشفى فوجد أجهزة التعقيم لا 
تعمل. ألا يكون من واجبه عندئذ أن يطالب بتوفير التعقيم السليم؟ ولو رفض هذا 
الجراح إجراء العمليات من دون تعقيم حرصا على حياة المرضى. أيكون بذلك 
مشتغلا بالسياسة؟! لا معنى للقضاء إذا لم يكن مستقلا عن إرادة الحاكم والواجب 
على القاضى إذا كان جديرا بمهنته النبيلة» أن يرفض العمل عند حدوث أي تدخل فى 
أحكامه أو أي اعتداء على حياده واستقلاله. 

المًا: يتهم بعض كتبة الحكومة المستشار الخضيري بأنه يبحث عن فرقعة إعلامية 
لأنه أعلن استقالته قبل إحالته إلى المعاش بشهورء وهذا الاتهام» فضلا عن بذاءته. 
غير صحيح.. فقد أراد المستشار الخضيري أن يؤدي واجبه في التنديد بالاعتداء على 
استقلال القضاءء ومن البدهى أن يكون كلامه أكثر تأثيرا وهو فى الخدمة. ولو كان 


١ 


التقاعد. إن استقالة الخضيري بهذه الطريقة جاءت مؤثرة ومقنعة وأعطته مصداقية 
كبيرة عند الرأي العام. 

رابعًا: تكرر وسائل الإعلام الحكومي أن الخضيري قد أساء إلى زملاته القضاة. ولا 
أعرف فعلا أين هذه الإساءة.. إن كشف الأخطاء بغرض علاجها لا يمكن أن يشكل 
إساءة» وإنما تنجم الإساءة عن حدوث الأخطاء والسكوت عنها.. إن استقلال القضاء 
ليس وصفا أدبيا يخضع للمزاج والأحاسيسء وإنما هو مصطلح قانوني له شروط 
محددة معروفة» ومعظمها غير متحقق في بلادنا.. طبقا للمعايير الدولية» فإن القضاء 
المصري غير مستقل. ولا يعني ذلك أبدا أن قضاة مصر جميعا متواطئون أو فاسدون. 
بل على العكس.. إن النضال الذي يخوضه آلاف القضاة من أجل تحقيق الاستقلال 
القضائي. يؤكد أن الغالبية العظمى من القضاة في مصر يدافعون عن الحق ويقدمون 
واجبهم المهني والأخلاقي على مصالحهم الشخصية.. بل إن استقالة الخضيري في 
حد ذاتها وسام على صدر القضاءء ودليل على شرف القاضي المصري ونبله وشجاعته 
وتجرده من الأهواء. 

خامسًا: الغريب أن وسائل الإعلام الغربية» التي تهتم عادة بكل ما يحدث في مصر.. 
قد تجاهلت تماما استقالة المستشار الخضيريء فلم تشر إليها بكلمة واحدة.. وهذا دليل 
آخر على انحياز الإعلام الغربي وخضوعه للأجندة السياسية الصهيونية الأمريكية.. 
ولو كان الخضيري قاضيا إيرانيا قدم استقالته احتجاجا على سياسات الرئيس أحمدي 
نجاد. لتصدرت صورته الصحف العالمية جميعاء ولتم فورا تنظيم المظاهرات وتكوين 
الجمعيات لتأييده ومساندته في العواصم الغربية.. والسبب هنا أن النظام الإيراني قد 
صار العدو الأول لإسرائيل والغرب؛ وبالتالي فإن الإعلام الغربي يفتش عن سلبياته 
لتضخيمها بغرض تشويه صورته؛ وعلى العكس من ذلك. فإن النظام المصري صديق 
عزيز لإسرائيل ومنفذ مخلص للتعليمات الأمريكية. ولذلك تميل وسائل الإعلام 
الغربية غالبا إلى تجاهل الجرائم التي يرتكبها في حق المصريين. 

يبقى سؤال مهم: لماذا يقاوم النظام بكل شراسة مطالب القضاة في الاستقلال؟ 
لماذا لا يستجيب لمطالبهم ويرفع يديه عن التدخل في أعمال القضاء؟ الإجابة أن 


١ 





استقلال القضاء سيؤدي إلى نتائج لا يقدر النظام على تحملهاء عندما يستقل القضاء 
سيصبح المصريون جميعا متساوين أمام القانورن» وسوف يحاسب بشدة كل من نهب 
أموال المصريين وقمعهم وتسبب في إفقارهم.. في ظل قضاء مستقل؟؛ ستتم مساءلة 
كبار المسئولين عن مصادر ثرواتهم» ولن يتمكن النظام من تزوير الانتخابات لصالح 
الرئيس مبارك وولده. وسوف يتكون مجلس شعب حقيقي يمثل مصالح المصريين 
فعلا ويحاسب الحكومة بجدية» ستنتهي حالة الطوارئ وسيتم الإفراج عن عشرات 
الآلاف من المعتقلين الأبرياء» ولن يحتجز شخص واحد من دون موجب قانوني 
ولن يجرؤ ضابط شرطة ولا مسئول في أمن الدولة على تعذيب المواطنين وهتك 
أعراضهم كما يحدث الآن. إذا تحقق استقلال القضاء؛ فإن مصر سوف تتحرر من 
الظلم والاستبداد وتبدأ النهضة. 

إن ما فعله المستشار محمود الخضيري قد حفر اسمه إلى الأبد في ذاكرة مصر 
ووجدانها.. مصريون كثيرون يخافون من مواجهة أصغر ضابط شرطة؛ ويفكرون مليا 
قبل أن يختصموا مديرهم في العمل.. ها هو شيخ جليل في السبعين بدلا من أن يخلد 
إلى الراحة ويستمتع بتقاعد مريح. يعلن الحرب على الفساد والاستبداد ويقف وحيدا 
في مواجهة نظام قمعي جبار يستطيع أن يؤذيه أو ينكل به في لحظة.. هذه أعلى درجات 
الجهاد.. كلمة حق عند سلطان جائر. 


الديمقراطية هي الحل. 


١05 


هل أصيب المصريون بمرض استوكهولم؟! 


هذه الحكاية حدثت في السويد. في يوم 77 أغسطس عام 219417/7, هاجم بعض 
المسلحين أكبر بنك في مدينة استوكهولم واحتجزوا بعض الموظفين كرهائن. 
وعلى مدى أيام حاول رجال الشرطة السويديون التفاوض مع الخاطفين من أجل 
إطلاق سراح الرهائن. ولما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود. نفذت الشرطة 
هجوما مفاجئا ونجحت في تحرير الرهائن.. وهنا حدثت المفاجأة: فبدلا من مساعدة 
الشرطة في مهمتهاء راح بعض المخطوفين يقاومون محاولة تحريرهم., بل إنهم 
أبدوا تعاطفهم مع الخاطفين وظلوا يدافعون عنهم وذهبوا ليشهدوا لصالحهم بعد 
ذلك أمام القضاء. 

هذا التصرف الغريب من الرهائن تجاه خاطفيهم» استوقف عالم النفس السويدي 
«نيلز بيجيرو» فأجرى دراسة مطولة خرج منها بنظرية جديدة اشتهرت في علم النفس 
باسم 59800536 تسامطعلء5]0».. أو «مرض استوكهو لم».. وكلمة (5(0000236).. 
تعني في الطب مجموعة أعراض مرضية تتلازم دائما وتصيب المريض. 

في نفس الوقتء تؤكد هذه النظرية أن بعض الناس عندما يتعرضون للخطف أو 
القمع والاعتداء الجسدي أو حتى الاغتصاب بدلا من أن يدافعوا عن كرامتهم وحريتهم. 
فإنهم مع تكرار الاعتداء يتعاطفون مع المعتدي ويذعنون له تماما ويسعون إلى إرضائه.. 
وقد أثار مرض استوكهولم اهتمام علماء النفس فتوالت الدراسات حوله واكتشفوا 
أنه يصيب 777/ من ضحايا الخطف والاعتداءات الجسدية بأنواعها المختلفة» وقد 
توصل العلماء إلى تفسير مقنع لمرض استوكهولم.. هو أن الإنسان عندما يتعرض 


١ /اه‎ 


للقمع والإذلال» عندما يحس بأنه فاقد الإرادة لا يملك من أمره شيئا وأن الجلاد الذي 

يقمعه أو يضربه أو يغتصبه؛ يستطيع أن يفعل به ما يشاء. يكون عندئذ أمام اختيارين: إما 

أن يظل واعيا بعجزه ومهانته وينتظر الفرصة حتى يثور على الجلاد ويتحرر من القمع. 

وإما أن يهرب من إحساسه المؤلم بالعجز وذلك بأن يتوحد نفسيا مع الجلاد ويتعاطف 

معه.. وكما يصيب مرض استوكهولم الأفراد فإنه قد يصيب الجماعات والشعوب.. 

فالشعب الذي يعاني من الاستبداد والقمع لفترة طويلة قد يُصاب بعض أفراده بمرض 

استوكهو لم فيتوحدون نفسيا مع من يقمعهم ويذلهم» ويعتبرون الاستبداد شيئا إيجابيا 
وضروريا لحكم البلاد. السؤال هنا: هل أصيب المصريون بمرض استوكهولي؟! لا 

توجد إجابة قاطعة» لكن بعض الأفكار قد تساعدنا على الفهم: 

١‏ -الأوضاع في مصر وصلت الآن إلى الحضيض: ظلم وفساد وفقر وبطالة ومرض 
وقمع.. نصف المصريين يعيشون تحت خط الفقر» 4 ملايين مصري يعيشون 
في العشوائيات بلا ماء نظيف ولا صرف صحيء متكدسين في حجرات ضيقة 
وأحياء قذرة تعافها الحيوانات. لأول مرة في تاريخ مصر تختلط مياه الشرب بمياء 
المجاري ويتم ري مئات الآلاف من الأفدنة بمياه الصرف الصحي. هذه الأوضاع 
المأساوية تكفي لاندلاع الثورة في عدة بلاد.. لكنها في مصر. حتى الآن, لم تؤد 
بالمصريين إلى التمرد ورفض الظلم.. بل إن مصر العظيمة يتم الآن توريثها من 
الرئيس مبارك إلى نجله جمال ببساطة وكأنها مزرعة دواجن, ولا يبدو على معظم 
المصريين الاهتمام بمن سوف يحكم بلادهم وكأنهم ينتظرون نتيجة مباراة في 
كرة القدم بين فريقين أجنبيين. هذه اللامبالاة التي تصل أحيانا إلى حد التبلد.. ألا 
تُعتبر عرضا مرضيا؟ ! 

١‏ -كل من يقرأ تاريخ مصر قبل ثورة ١955‏ سيكتشف مدى الحيوية السياسية العارمة 
التي كان المصريون يتمتعون بها آنذاك.. كان هناك رأي عام مؤثر وإرادة وطنية قوية» 
وكانت المظاهرات والاحتجاجات تؤدي إلى استقالة وزراء وسقوط حكومات. 
على مدى أجيال قدمت مصر آلاف الشهداء من أجل الاستقلال والديمقراطية.. 
كل ذلك تلاشى بعد الثورة.. لقد حققت ثورة ١407‏ إنجازات كبرى بلا شك مثل 
مجانية التعليم وتكافؤ الفرص والتصنيع ورعاية الفقراء.. وكان عبد الناصر زعيما 


١8 


عظيماء نادرا فى إخلاصه ونزاهته ووطنيته.. ولكن ثورة 07. أيضاء قد أنشأت آلة 
قمع جبارة سحقت كل من يحمل فكرا سياسيا مختلفاء ثم توفي عبد الناصر عام 
فانتهت الثورة» لكن آلة القمع ظلت تعمل بضراوة وتسحق كل من يراه النظام 
خصما سياسيا أو بديلا له ولو محتملا في الحكم.. حتى انسحب المصريون تماما 
من المشاركة السياسية خوفا من العواقب وإيثارا للسلامة.. ألا يعد هذا الانسحاب 
الكامل من العمل العام عرضا مرضيا؟ ! 

كثير من المصريين غاضبون وناقمون على الأوضاع في بلادهم. لكن هذا الغضب 
غالبا ما ينصرف إلى اتجاه خاطئ» فبدلا من أن يقاوم المصريون نظام الاستبداد 
الذي تسبب في إفقارهم وتعاستهم.. يوجهون طاقة الغضب إلى بعضهم البعض؛ 
ارتفعت جرائم العنف والبلطجة والتحرش والاغتصاب إلى درجة غير مسبوقة.. 
وتفشت الروح العدوانية والكراهية والمعاملة الفظة» في بلد طالما اشتهر أهله 
بالذوق وحسن التعامل... بل إن ما يحدث في طوابير الخبز له دلالة: فالذين 
يضطرون إلى الوقوف يوميا لساعات طويلة أمام المخابز ليحصلوا على خبز 
لأولادهم, بدلا من أن يثوروا على النظام الذي تسبب في هذا البؤس. ينخرطون 
فيما بينهم في مشاجرات رهيبة تؤدي عادة إلى إصابات وقتلى. ألا يعد الغضب 
في اتجاه خاطئ سلوكا مرضيا؟ 

؛ - شكّل الإسلام دائما المرجعية القوية لكفاح المصريين» مسلمين وأقباطاء من 
أجل العدل والحرية لكن القراءة الموجودة الآن في مصر مختلفة. فقد انتشرت 
الأفكار الوهابية في بلادناء مدعومة بأموال النفط من جهة ومباركة النظام الحاكم 
من جهة أخرى.. إن الدولة البوليسية التي تقمع بشدة حركة الإخوان المسلمين 
وتنكل بأعضاتها بلا ذنب ولا هوادة.. تفتح ذراعيها للوهابيين وتغض الطرف عن 
تجاوزاتهم وتتيح لهم نشر أفكارهم عن طريق القنوات الفضائية وفي المساجد.. 
والسبب في ذلك أن فكر الإخوان» على الرغم من أخطائه. يعكس وعيا سياسيا 
حقيقيا ويمكن المسلمين من معرفة حقوقهم المهدرة وبالتالي يدفعهم حتما إلى 
الثورة.. أما القراءة السلفية الوهابية للدين.. فهي تنزع عن الناس وعيهم السياسي 
تماما وتدربهم على الإذعان للظلم.. طبقا للفكر الوهابي لا يجوز الخروج على 


١9 


الحاكم المسلم أبداء حتى ولو ظلم المسلمين وسرق مالهم» تظل طاعته واجبة.. 

أقصى ما يمكن فعله مع الحاكم الفاسد هو إسداء النصح.. وإذا لم يتتصح الحاكم 

فإن الفكر الوهابي يدعونا إلى أن نتركه وشأنه ونلزم الطاعة حتى يغيره الله. 

وبقدر تسامح الوهابيين مع الاستبداد فإنهم يتشددون للغاية في كل ما هو غير 
سياسي وكثيرا ما يقدمون المظهر على الجوهر مما أدى إلى اختصار الإسلام في المظهر 
والعبادات» بمعزل عن المبادئ الإنسانية التي نزل الإسلام أصلا للدفاع عنها: العدل 
والمساواة والحرية.. لقد صار السؤال الأهم في مصر الآن: ماذا ترتدي المرأة؟ ماذا 
تغطى وماذا تكشف من جسدها (الذي يحظى بأهمية كبرى فى الفكر الوهابى)؟ وليس 
السؤال أبدا: ماذا نفعل نحن المصريين حتى ننقذ بلادنا من المحنة التي تمر بها؟ 

إن اهتمام وسائل الإعلام بمعارك الحجاب والنقاب كثيرا ما يفوق اهتمامها بتزوير 
الانتتخابات وحركة استقلال القضاء والاعتقالات والتعذيب.. عندما يشرب المصريون 
من مياه المجاري ولا يجدون الخبز لأولادهم ثم يتشاجرون بعد ذلك بشدة حول لبس 
النقاب أو خلعه ويدعو بعضهم النساء إلى ارتداء النقاب بعين واحدة فقط.. ألا يعكس 
هذا تشوشا في التفكير وخللا في ترتيب الأولويات؟ 

إن المجتمع المصري في رأبي يمر بحالة مرضية وليس في ذلك عيب أو عار 
فالجماعات البشرية تمرض وتصح مثل الأفراد. أول خطوة في علاج المرض التشخيص 
الصحيح.. عندما يتخلص المصريون من اللامبالاة ويستردون وعيهم السياسي وقراءتهم 
الصحيحة للدين.. عندئذ فقط. سينتزعون حقهم في العدل والحرية وستنال مصر 
المكانة الكبرى التى تستحقها. 


الديمقراطية هى الحل. 


لماذا ينشغل المتطرفون بجسد المرأة؟! 


تسيطر حركة الشباب الصومالية على أجزاء كبيرة من جنوب ووسط الصومال. 
ولأن المسئولين في هذه الحركة يعتنقون الفكر الوهابي فقد قاموا بفرضه بالقوة على 
الصوماليين» فأصدروا قرارات مشددة بمنع الأفلام والمسرحيات والرقص في الأفراح 
ومباريات كرة القدم وكل أنواع الموسيقى حتى النغمات التي تنبعث من التليفون 
المحمول. منذ أيام قام هؤلاء المتطرفون بتصرف غريب: فقد ألقوا القبضض على امرأة 
صومالية وجلدوها علنا.. لأنها كانت ترتدي مشدات للصدر (سوتيان).. وقد أعلنوا 
بوضوح أن ارتداء هذه المشدات ضد الدين لأنه يعتبر نوعا من الغش والتضليل! 

ولنا هنا أن نسأل: ما علاقة الدين بارتداء مشدات الصدر؟! ولماذا يعتبرونه غشا 
وتضليلا؟! ثم كيف تمكنوا من ضبط المرأة التي ترتدي مشدات الصدر مع أن 
الصوماليات جميعا أجسادهن مغطاة بالكامل؟! هل قاموا بتعيين ضابطة متخصصة 
للكشف على صدور النساء العابرات في الشارع؟! لقد صرحت امرأة صومالية اسمها 
حليمة لوكالة رويتر قائلة: 

«لقد أجبرنا «هؤلاء المتطرفون» على التحجب على طريقتهم والآن يجبروننا على 
هز صدورنا.. في البداية منعوا الشكل السابق من الحجاب وجاءوا بأقمشة خشنة 
تغطي صدور النساء والآن يقولون إن الصدور يجب أن تكون مشدودة بشكل طبيعي 
أو مسطحة...(!)2. 

الحق أن هذا الاهتمام البالغ بتغطية جسد المرأة لا يقتصر فقط على متطرفي 
الصومال.. ففي السودان يفتش رجال الشرطة بمنتهى اليقظة على ملابس النساء 

1١5١ 


ويقومون بالقبض على أي امرأة ترتدي البنطلون.. ثم يجبرونها على الاعتذار العلني 

عن فعلتها وبعد ذلك يجلدونها علنا لتكون عبرة لسواها من النساء.. منذ أسابيع أصرت 

الصحفية السودانية لبنى الحسينى على ارتداء البنطلون ورفضت الاعتذار العلنى 
ورفضت عقوبة الجلد فأحيلت إلى محاكمة حقيقية» واكتملت المهزلة بأن استدعى 
القاضي ثلاثة شهود وسألهم إن كانوا قد لمحوا ظل الملابس الداخلية للمتهمة وهي 

ترتدي البنطلون.. وعندما تردد أحد الشهود في الإجابة سأله القاضي بصراحة: 
-هل رأيت كرش لبنى وهي ترتدي البنطلون؟ 
فأجاب الشاهد الموقر قائلا: 
إلى حد ما. 
وقد أكدت لبنى أنها ارتدت بنطلونا محتشما وأن البنطلون الفاضح الذي يتهمونها 

بارتدائه» لا يصلح لها إطلاقا لأنها ممتلئة وتحتاج إلى تخسيس نحو ٠١‏ كيلوجراما 

حتى تتمكن من ارتدائه.. على أن القاضي قضى بإدانتها وحكم عليها بغرامة 5٠١‏ جنيه 
أو الحبس لمدة شهر.. وفي مصر أيضاء يستمر انشغال المتطرفين البالغ بجسد المرأة 
وحرصهم على تغطيتها تماما.. فهم لا يدعون النساء فقط إلى ارتداء النقاب وإنما إلى 
لبس قفازات سميكة في أيديهن» وهذه كفيلة في رأيهم بمنع الشهوة بين الرجل والمرأة 

إذا تصافحا.. نحن فعلا أمام ظاهرة تستحق التأمل : 
لماذا ينشغل المتطرفون بجسم المرأة إلى هذا الحد؟! بعض الأفكار ربما تساعدنا 

على الإجابة: ؤ 

١‏ يختصر الفكر المتطرف المرأة فى كونها جسدا وأداة للمتعة الشرعية أو الغواية 
ومصنعا لإنجاب الأطفال.. وهو بذلك ينزع عنها الطابع الإنساني.. إن اتهام المرأة 
الصومالية بالغش والتضليل لأنها ارتدت مشدات للصدر.. هو ذاته الاتهام بالغعش 
التجاري الذي يوجهه القانون للتاجر الذي يخفي عيوب سلعته أو يضفي عليها مزايا 
زائفة ليبيعها بسعر أعلى. 
الفكرة هنا أن المرأة التي تبرز صدرها باستعمال المشدات تقدم صورة زائفة 

للسلعة (جسدها) مما يعتبر غشا وتضليلا للمشتري (الرجل) الذي قد يشتريها 


١ 


(يتزوجها) إعجابا بصدرها البارز ثم يكتشف بعد فوات الأوان أن هذا البروز جراء 
استعمال المشدات وليس طبيعيا.. من الإنصاف هنا أن نذكر أن التعامل مع جسد 
المرأة باعتباره سلعة» لا يقتصر فقط على فكر المتطرفين لكنه كثيرا ما يحدث في 
المجتمعات الغربية أيضا.. إن استعمال جسد المرأة العاري لتسويق المنتتجات 
التجارية في الغرب ليس إلا تطبيقا آخر لفكرة أن المرأة سلعة.. وكل من يزور 
المنطقة الحمراء في أمستردام بهولندا سيشاهد بنفسه كيف يتم حشد العاهرات 
البائسات عرايا تماما وراء واجهات زجاجية حيث يقوم المارة بتفقد محاسنهن 
قبل الاتفاق على السعر.. أليس هذا سوقا عصرية للرقيق تباع فيه أجساد النساء 
لكل من يدفع؟! 
؟ - يُعتبر المتطرفون المرأة أصل الغواية والمسئول الأول عن الخطيئةء وهذه النظرة 
التى شاعت فى المجتمعات البدائية جميعاء ظالمة وغير إنسانية.. فالخطيئة يقترفها 
الرجل والمرأة معا ومسئوليتهما عنها مشتركة ومتساوية.. وإذا كانت المرأة الجميلة 
تثير الرجال وتغويهم فإن الرجل الوسيم أيضا قد يثير النساء ويغويهن. لكن الفكر 
المتطرف منحاز بطبيعته للرجل ومعاد للمرأة فهو يعتبرها وحدها المسئولة الأولى 
عن الآثام جميعا. 
"'- يعتبر التشدد في تغطية جسد المرأة نوعا سهلا ومريحا من النضال الديني. ونحن 
نرى في مصرء عشرات الشيوخ الوهابيين» الذين يدعون بحماس بالغ إلى تغطية 
جسم المرأة لكنهم لا يتفوهون بكلمة واحدة ضد الاستبداد أو الفساد أو التزوير 
أو التعذيب.. لأنهم يعلمون جيدا أن معارضتهم الجدية للنظام المستبد (التي هي 
في الحقيقة واجبهم الآول) ستؤدي حتما إلى اعتقالهم وتعذيبهم وتدمير حياتهم.. 
وبالتاليى فإن تشددهم فيما يخص جسد المرأة يمكنهم من ممارسة الدعوة الدينية 
دونما تكاليف حقيقية. وعلى مدى التاريخ الإنساني» كان التشدد ضد المرأة غالبا 
وسيلة لإخفاء الجرائم السياسية أو حتى الجنائية» فالصومال بلد بائس واقع بالكامل 
في برائن المجاعة والفوضى لكن المسئولين هناك مشغولون عن ذلك بالتفتيش 
عن مشدات الصدر.. والنظام السوداني متورط في جرائم قتل وتعذيب واغتصاب 
آلاف الأبرياء في دارفور لكن ذلك لم يمنعه من عقد محاكمة صارمة للسيدة التي 


١77 


أصرت على ارتداء البنطلون.. إن المرأة» أكثر من الرجل» هي التي تدفع دائما ثمن 
الاستبداد والفساد والنفاقى الديني. 
؛ - يفترض الفكر المتطرف أن البشر مجموعة من البهائم السائبة العاجزة تماما عن 
التحكم في غرائزها.. فيكفي أن يرى الرجل جزءا عاريا من جسد المرأة حتى ينقض 
عليها ليواقعها.. وهذا الافتراض غير صحيح.. فالإنسان» على عكس الحيوان. 
بمقدوره دائما أن يتحكم في غرائزه بواسطة العقل والأخلاق.. والرجل العادي. 
إذا كان سوياء لا يمكن أن تثير غريزته أمه أو أخته أو ابنته أو حتى زوجة صديقه.. 
لأن إحساسه بالشرف والأخلاق يسمو به على الشهوة ويقضي على تأثيرها. 
الفضيلة» إذن» لن تتحقق أبدا بالمنع والقمع ومطاردة النساء في الشوارع وإنما 
تتحقق فقطء بالتربية الجيدة وبث الأخلاق وتهذيب الشخصية.. إن المجتمعات التي 
تفصل بالقوة بين الرجال والنساء (مثل أفغانستان والسعودية).. طبقا للإحصائيات 
الرسمية.. لا تقل فيها الجرائم الجنسية عن المجتمعات الأخرى وربما تزيد. 


نحن نوافق على احتشام المرأة وندعو إليه ولكننا ندعو قبل ذلك إلى النظرة الإنسانية 
للمرأة التي تحترم قدراتها وإرادتها وتفكيرها.. المحزن حقا أن التطرف الوهابي الذي 
ينتشر بأموال النفط في أنحاء العالم ويعطي صورة سيئة كريهة للمسلمين هو أبعد ما 
يكون عن تعاليم الإسلام الحقيقي.. إن القارئ المنصف لتاريخ الإسلام لا بد أن ينبهر 
بالمكانة الرفيعة التي منحها للمرأة.. فمنذ عهد الرسول يَِِ وحتى سقوط الأندلس.. 
كانت المرأة المسلمة تختلط بالرجال وتتعلم وتعمل وتتاجر وتقاتل وتمتلك ذمة مالية 
منفصلة عن أبيها وزوجها وتملك الحق في اختيار الزوج الذي تحبه وحق التطليق 
إذا أرادت.. كل هذه الحقوق منحتها الحضارة الغربية للمرأة بعد الإسلام بقرون 
طويلة. 

وأخيرا فإن التطرف الديني هو الوجه الآخر للاستبداد السياسي.. لا يمكن أن 
نتخلص من التطرف قبل أن ننهي الاستبداد. 

الديمقراطية هي الحل. 


معركة المآذن في سويسرا 


بمناسبة صدور كتابى «نيران صديقة» باللغة الألمانية» دعتنى دار النشر السويسرية 
«لينوس» إلى عقد عدة ندوات حول الكتاب فى سويسرا وألمانيا.. ما إن وصلت إلى 
زيورخ حتى وجدت الرأي العام السويسري مشغولا بقضية مثيرة ومهمة.. يسمونها 
يقوده زعيم متطرف اسمه كريستوف بلوشير.. هذا الحزب قد دأب منذ سنوات على 
اقتراح قوانين معادية للأجانب والمهاجرين.. وقد قاد السيد بلوشير أكثر من حملة في 
السابق من أجل التضييق على المهاجرين إلى سويسرا وخصوصا العرب والمسلمين.. 
الحملة الجديدة التي تبناها بلوشير تطالب بمنع إقامة المآذن الإسلامية في سويسرا. 

يبلغ عدد السكان في سويسرا نحو " ملايين نسمة يشكل المسلمون منهم نحو ٠٠١‏ 
ألف مواطن.. الجالية المسلمة في سويسرا مسالمة وهادثة ولم يحدث منها أي حوادث 
عنف إطلاقا.. لكن السيد بلوشير جمع أكثر من مائة ألف توقيع» على عريضة تطالب 
الحكومة بمنع إقامة المآذن في سويسراء وهذا المنع يشمل المآذن دون المساجد. 
فيظل من حق المسلمين أن يتخذوا ما شاءوا من المساجد ولكن بدون مآذن. 

والسبب في ذلك أن الإسلام في رأي بلوشيره دين يدعو إلى القتل والعنف واضطهاد 
المرأة.. وأن المتذنة شعار حربى وليست رمزا دينيا. 


وقد استند بلوشير إلى استعارة بلاغية لرئيس الوزراء التركي رجب أردوغان؛ في 
إحدى خطبه. قال فيها: 


«المآذن حرابنا والقباب خوذاتنا والجوامع ثكناتنا والمؤمنون جيشنا».. واستند 
بلوشير أيضا للأسف إلى دعاوى شيوخ التطرفء التي يبرزها الإعلام الغربيء التي 
تدعو إلى تغطية وجه المرأة بالكامل وعزلها في البيت. كما أعلن بلوشير أن كثيرا من 
الدول الإسلامية تحرم المسيحيين فيها من إقامة شعائرهم الدينية وبالتالي فإن على 
سويسرا أن تعامل المسلمين فيها بنفس الطريقة. 

وقد اختار كريستوف بلوشير لحملته ملصقة بشعة تمثل علم سويسراء تقف عليه 
امرأة منتقبة مغطاة بالكامل بينما يخترق العلم عدد كبير من المآذن التي بدت وكأنها 
قنابل أو صواريخ حربية.. وقد رفضت بعض المدن السويسرية السماح بتوزيع هذه 
الملصقة لأنها تحث على العنصرية وكراهية المسلمين بينما سمحت بها بعض المدن 
الأخرى من باب حرية التعبير. 

إلى هنا والأمر مألوف ويتكرر كثيرا في الغرب: سياسي غربي عنصري يحض على 
كراهية الإسلام والمسلمين ويسعى إلى التضييق عليهم واضطهادهم.. لكن الجديد 
في هذه الحملة هو رد فعل السويسريين عليها. فقد قام المثقفون المستقلون وأحزاب 
اليسار والوسط والخضر والهيئات الدينية المسيحية واليهودية والإسلامية جميعاء 
بحملة كبيرة مضادة دافعوا فيها عن حق المسلمين فى إقامة المآذن. 

واعتبروا دعوة بلوشير انتهاكا واضحا لحق المسلمين السويسريين في العبادة 
وحرية العقيدة.. وقال توماس ويبف. كبير الأساقفة فى سويسرا: (إننا نقف بقوة من 
أجل تمكين المسلمين من ممارسة العبادة» بحرية وكرامة» وإذا كانت المآذن مطلوبة 
يبرر اضطهاد سويسرا لمواطنيها المسلمين لأننا لا يجب أبدا أن نرد على الظلم بظلم 

أما السيدة إيفلين شلامف وزيرة العدل السويسرية» وهى عضوة سابقة فى الحزب 
الذي يتزعمه بلوشير.. فقد أدانت بشدة حملة منع المآذن وأكدت أنها منافية للدستور 
السويسري الذي يكفل حرية العقيدة والعبادة لجميع المواطنين يدود استثناء. 


١15 


واستجابة لهذه الحملة الكبيرة لمناصرة حقوق المسلمين. فقد رفض البرلمان 
السويسري إصدار قانون بمنع المآذن الإسلامية ورفض ذلك أيضا مجلس الشيوخ 
السويسريء ووقفت المنظمات الدولية جميعا (بما فيها الأمم المتحدة والعفو 
الدولية) ضد منع المآذن الإسلامية في سويسرا.. بل إن الحكومة السويسرية» تأكيدا 
وقع عليها مائة ألف مواطن.. سوف يتم استفتاء رسمي يوم 4 ١‏ نوفمبر المقبل» يصوت 
فيه المواطئنون جميعا حول منع المآذن في سويسرا. 

وقد أثبتت استطلاعات الرأي حتى الآن. أن 07/ من السويسريين يؤيدون حق 
المسلمين في إقامة مآذنهم مقابل 5 7/ يرفضون المآذن. بينما لم يقرر /١7‏ من 
المواطنين رأيهم النهائي بعد.. المعركة على أشدها في سويسرا حول المآذن الإسلامية 

أولا: توضح لنا هذه الأحداث حقيقة أن الغربيين ليسوا جميعا أعداء الإسلام كما 
يردد بعض شيوخ التطرف عندناء بل إن قطاعا كبيرا منهم. بالرغم من الصورة السيئة 
الخاطئة للإسلام في الإعلام الغربيء ما زالوا يدافعون عن حقوق المسلمين في الغرب 
في نطاق دفاعهم عن حقوق الإنسان بشكل عام. 

وقد قالت لى السيدة إنجيلا شادرء وهى من أبرز نقاد الأدب فى سويسرا: 

«أنا مسيحية بروتستانتية» عندما كنت طفلة تلقيت تعليمى الدينى فى كنيسة. وعلى 
الجانب الآخر من الشارع كان يوجد جامع صغير وبسيط وجميلء» وكان يبدو لي عندئذ 
وكأنه الجنة. اليوم ما زلت أرى الجامع بنفس الجمال الذي رأيته وأنا صعيرة» وهو 
يمثل وجود جالية مسلمة في بلادي. وأنا أحس بألم عندما أفكر كيف تتأذى مشاعر 
المسلمين فى سويسرا جراء هذه الحملة». 

ثانيًا: إن الفكر العنصري الغربى الكاره للعرب والمسلمين» ليس جديدا لكن الجديد 
أنه يكتسب المزيد من المويدين وذلك بسبب خوف الغربيين من الصورة الدموية 
المتخلفة التي يتطوع بعض المسلمين بتقديمها عن دينهم» فالذين وقعوا العريضة من 


1١11 


أجل منع المآذن» ليسوا بالضرورة عنصريين كارهين للإسلام» لكنهم خائفون من دين 
لا يعرفونه يرتبط دائما في أذهانهم بالقتل والدماء واضطهاد المرأة.. ولنا أن نتخيل 
رد فعل المواطن الغربي عندما يشاهد في التلفزيون السيد أسامة بن لادن وهو يطالب 
بذبح أكبر عدد من النصارى والكفارء أو رد فعل المرأة الغربية عندما تستمع إلى أحد 
شيوخ التطرف وهو يؤكد أن المرأة المسلمة يجب أن ترتدي نقابا بعين واحدة. 

ثالثًا: المعركة الدائرة في سويسرا الآن مهمة للغاية ونتيجتها ستتجاوز بكثير إقامة 
المآذن. لو فاز حزب بلوشير في الاستفتاء يوم ١9‏ نوفمبر فإن الإسلام يصبح» من 
الناحية الرسمية القانونية» ديانة تحرض على العنف والكراهية والقتلء الأمر الذي 
سيكون له آثار سلبية على الجالية المسلمة في البلاد الغربية جميعا. فلماذا لا نشتراء 
في هذه المعركة؟! 

لا أقصد هنا طبعا حكامنا المستبدين فهؤلاء لا خير فيهم ولا أملء ولكن أين الهيئات 
الإسلامية المستقلة ولماذا لا يسافر علماء الإسلام المستنيرون إلى سويسرا قبل إجراء 
الاستفتاء يوم 74 نوفمبر لكي يبينوا للناس هناك أن المآذن لا علاقة لها بالقتل والدماء؟! 
أليس هذا هو الجهاد الحقيقي؟! أن نشرح حقيقة الدين لمن يجهلونه. 

إن السجال الدائر الآن في المجتمع السويسري فرصة ذهبية لكي نقدم للغربيين 
حقيقة الإسلام الذي أقام حضارة عظيمة على مدى سبعة قرون علمت العالم كله قيم 
التسامح والعدل والحرية. 

أتمنى فعلا أن تأخذ جريدة «الشروق» المبادرة وتوفد إلى سويسرا مجموعة من كبار 
العلماء وأساتذة الحضارة الإسلامية» أنا واثق من أن الإعلام السويسري سيهتم بهم 
ويمنحهم فرصة مخاطبة الرأي العام.. لأن السويسريين جميعاء حتى الذين يؤيدود 
حق المسلمين في إقامة المآذن. لديهم أفكار مشوشة وأسئلة كثيرة عن الإسلام يبحثون 
عن إجابات لها. 

أخيرا.. لا أستطيع أن أمنع نفسي من المقارنة بين ما يحدث في سويسرا وما يحدث 
في مصر المنكوبة بالاستبداد: في سويسرا لا يستطيع أحد أن ينفرد بقرار حتى لو تعلق 


١7 


الأمر بإقامة المآذن.. الحاكم ينتخبه الناس بإرادتهم الحرة والسلطة كلها للشعب 
والحكومة في خدمة المواطنين. 

أما عندنا فإن زعيمنا الملهم ينفرد وحده بالقرارات جميعا بدءا من الاشتراك في 
الحروب والسياسات الاقتصادية والدولية وحتى قرارات ذبح الخنازير والطيور.. 
النتيجة أن سويسرا الديمقراطية تتقدم وتزدهر بينما تدهورت مصر حتى وصلت إلى 
الحضيض. 

الديمقراطية هي الحل. 


١8 


الحملة المصرية صد التوريك 


هذه لحظات يعرفها المشتغلون بالمسرح. 

ما إن ينتهي المشهد ويتم إظلام المسرح حتى ينطلق العمال بأقصى سرعة ليزيلوا 
ديكورات المشهد المنصرم. ثم يضعوا بدلا منها ديكورات المشهد المقيل.. هذا 
العمل يسمى تغيير مناظر» ويحتاج إلى تدريب ومهارة» ويستلزم قبل ذلك معرفة دقيقة 
بمتطلبات المشهد الجديد. 

تابعت مثل المصريين جميعا مؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي الأخير فأدهشتني 
قدرة كبار المسئولين الفائقة على التلفيق والأكاذيب. ا ْ 

إنهم يتحدثون عن إنجازات لا توجد إلا في تقاريرهم وخيالهم. بينما ملايين 
المصريين يعيشون في بؤس كامل.. لكني أيضا أحسست بأن مصر تمر الآن بلحظة تغيير 
مناظرء كان يفترض أن تتم بسرعة» لكنها طالت وتعثرت والأسباب في ذلك كثيرة: 

أولًّا: الرئيس مبارك يحكم مصر منذ ثلاثين عاما وهو الآن قد جاوز الثمانين» ومع 
احترامنا الكامل لهء إلا أنه بحكم السن وقانون الحياة لا يمكن أن يستمر في منصبه إلى 
الأبد.. منذ أيام خرج الأستاذ عماد أديب فجأة على الرأي العام ليدلي بتصريح فريد 
من نوعه: أكد فيه أنه يتمنى لو يستريح الرئيس من منصبه» وطالب بخروج الرؤساء 
من السلطة بطريقة آمنة» بمعنى عدم محاسبتهم سياسيا أو قانونيا عن أفعال قاموا بها 
أثناء توليهم للسلطة. 

ولا يمكننا تصور أن إعلاميا مخضرما ومقربا من الرئاسة مثل عماد أديب» بمقدوره 
أن يغامر بكلام دقيق وخطير مثل الذي قاله بغير أن يسمح له أو يتم تكليفه بذلك. هذه 


١0 


الإشارات تزيد من تشوش المشهد السياسي في بلادنا.. فنحن لا نعرف هل يتنحى 
الرئيس أم يستمر في منصبه؟ وكثيرا ما يبدو الأمر وكآن هناك إرادتين في قمة السلطة؛ 
واحدة مع استمرار الرئيسء والأخرى مع تنحيه. 

انيًا: على مدى سنواتء بذل النظام المصري جهدا مضنيا من أجل إعداد السيد 
جمال مبارك لكي يرث حكم مصر عن والده. لم يقتصر هذا الجهد على الداخل» وإنما 
امتد أيضا إلى الخارج فصار الهدف الأهم في سياسة مصر الخارجية» بكل أسف. 
يتلخص في كسب تأييد الدول الغربية للسيد جمال مبارك. هذا الرضا الغربي يتم دفع 
ثمنه من مصالح المصريين وأموالهم وكرامتهم. لقد أدرك النظام المصري أن مفتاح 
قلب الغرب في يد إسرائيل. 

إذارضيت إسرائيل فإن الدول الغربية ترضى جميعا فورا. من أجل التوريث؛ انطلق 
النظام المصري يسابق نفسه من أجل تقديم الخدمات لإسرائيل: ومنذ عام ٠٠١0‏ حتى 
اليوم» حصلت إسرائيل من مصر على ما لم تحصل عليه منذ اتفاقية كامب ديفيد: عودة 
السفير المصري واتفاقيات الغاز والبترول والأسمنت» وأهم من كل ذلك محاولة 
إقناع الفلسطينيين أو إرغامهم على تحقيق كل ما تطلبه إسرائيل. حتى وصل الأمر 
إلى إغلاق معبر رفح للمشاركة في حصار الفلسطينيين وتأديب حركة حماس؛ حتى 
تذعن لإرادة إسرائيل. 

ومقابل هذه الخدمات, استطاع النظام المصري أن يحصل على تأييد دولي ضمني 
للتوريث. ولعلنا نذكر مؤتمر شرم الشيخ الذي أقيم بعد مجزرة غزة.. كيف احتفى 
الرؤساء الغربيون بالرئيس مبارك وشكروه رسميا على ما سموه «جهوده من أجل 
السلام».. ونذكر كيف أن الرئيس أوباما الذي انتخبه الشعب الأمريكي ليدافع عن 
حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم كله. هو نفسه. الذي يكيل المديح للرئيس 
مبارك باعتباره قائدا حكيما يخطو نحو الديمقراطية.. هذه الازدواجية في المعايير 
ميزت دائما مواقف الحكومات الغربية. 

فأي اتهام بتزوير الانتخابات في إيران (عدوة إسرائيل الأولى) يقابل فورا بحملة 
غربية إعلامية ورسمية مكثفة متشددة دفاعا عن الديمقراطية.. بينما تزوير الانتخابات 


١/١ 


وقانون الطوارئ والاعتقال والتعذيب وتعديل الدستور بغرض التوريث وإلغاء الإشراف 
القضائي على الانتخابات في مصر.. كل ذلك لا يثير انزعاج الغربيين إطلاقا؛ لآن النظام 

ثالثًا: بقدر ما نجحت حملة التوريث على المستوى الدولىء فإنها حققت داخل 
مصر فشلا ذريعا؛ ذلك أن المصريين لم يتقبلوا قط فكرة أن تتحول مصر إلى جمهورية 
ملكية يرث فيه الابن عرش أبيه.. أضف إلى ذلك أن جمال مبارك نفسه. مع احترامنا 
الكامل لشخصه. قد يكون خبيرا ناجحا في البنوك وإدارة الأعمال. إلا أنه لا يتمتع 
بأي موهبة أو خخبرة سياسية من أي نوع. 

لقد تم تنظيم عشرات اللقاءات والندوات ألقى خلالها جمال مبارك بخطب هلل 
لها المنافقون من أعضاء الحزب الوطني وكتبة الحكومة بالإضافة إلى زيارات عديدة 
قام بها السيد جمال للقرى والأحياء الشعبية.. يتم خلالها اختيار بعض الأهالي 
البؤساء بمعرفة الأمن؛ لكي يتم تصويرهم وهم يصفقون ويهللون لجمال مبارك.. 
كل هذه الحملات لم تقنع المصريين بفكرة التوريث» بل على العكس أثارت رفضهم 
واستنكارهم وأحيانا تندرهم. 

رابعًا: لقد وصلت الأوضاع في مصر إلى الحضيض بمعنى الكلمة؛ الفقر والمرض 
والظلم والفساد والبطالة وانعدام الرعاية الصحية وتدهور التعليم. هل كان أحد 
يتخيل أن يشرب المصريون من مياه المجاري؟! إن شهداء النظام المصري من 
ضحايا العبّارات الغارقة والقطارات المحترقة والعمارات المنهارة» يفوق عددهم 
والإضرابات بشكل لم تعرفه مصر منذ قيام ثورة يوليو عام »١1657‏ يقول كتبة النظام 
إن هذه الاحتجاجات لا تعكس رغبة حقيقية في إصلاح جذري بقدر ما تستهدف 
مطالب مهنية ضيقة. 

ويفوت هؤلاء أن معظم الثورات في التاريخ قد اندلعت من حركات احتجاج لم 
تهدف أساسا إلى الثورة؛ ذلك أن الثورة ليست شعارا ولا هدفا مسبقاء وإنما هي حالة 


١و7‎ 


هذه الحالة» المصريون جميعا يدركون أن الوضع القديم لم يعد صالحا ولا مقبولا 
وأن التغيير قادم لا محالة. 


إن واجبنا الوطني يفرض علينا أن نسعى إلى تغيير ديمقراطي سلمي وإلا فإن مصر 
تتهددها فوضى عارمة لا يريدها أحد؛ لأنها لو حدثت فسوف تحرق كل شيء؛ ولعل 
هذا الإحساس بالخطر هو الذي دفع الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل إلى الإعلان 
عن مشروعه الانتقالي للتحول الديمقراطي. 

ومهما اختلفنا على تفاصيل مشروع الأستاذ هيكلء فإنه يظل نقطة بداية جيدة 
وموضوعية لإصلاح ديمقراطي حقيقي.. بالإضافة إلى ذلك» فقد بدأ المصريون في 
ترديد أسماء شخصيات كبيرة وعظيمة يتمنون لو أنها فازت برئاسة الجمهورية. مثل 
الدكتور محمد البرادعي والوزير عمرو موسى والدكتور أحمد زويل.. وكلهم أصلح 
بكثير من جمال مبارك لتولي رئاسة الجمهورية. 

أخيرا.. منذ أيام» قامت في مصر الحملة المصرية ضد التوريث.. وما إن أعلن عنها 
حتى انضمت إليها فورا عشرات الشخصيات العامة والجمعيات والأحزاب.. لقد 
حضرت الاجتماع التأسيسي لهذه الحملة فأحسست بالتفاؤل من حماسة الموجودين 
وإخلاصهم. 

وقد تم اختيار الدكتور حسن نافعة كمنسق عام للحملة» وهو شخصية محترمة 
أضاف وجودها مصداقية كبيرة إلى كل ما نفعله. إن الأعضاء في هذه الحملة يحملون 
توجهات سياسية مختلفة» بدءا من الإخوان المسلمين والاشتراكيين والناصريين مثل 
عبد الحليم قنديل وحتى الليبراليين مثل أيمن نور وأسامة الغزالي حرب. 

بالرغم من اختلافاتنا السياسية والفكرية» فإننا اجتمعنا على أداء واجبنا الوطني.. 
أهدافنا واضحة ومشروعة: أن نمنع توريث مصر العظيمة من الأب إلى ابنه كأنها 
قطعة أرض أو مزرعة دواجن.. أن نعيد إلى المصريين حقهم الطبيعي في اختيار من 
يحكمهم. أن نحقق العدل والحرية للمصريين.. إن مصر لديها إمكانات دولة كبرى. 
لكنها جميعا معطلة بسبب الاستبداد.. لو تحققت الديمقراطية فإن مصر ستنهض 
بأيدي أبنائها في سنوات قليلة. 

١/7 


عريري القارئ.. أنا أدعوك إلى الانضمام إلى الحملة المصرية ضد التوريث.. إن 
كنت ترفض الظلم والاستبداد وتتطلع إلى حياة كريمة تستحقها أنت وأولادك.. تعال 
وانضم إلينا.. بإذن الله فسوف نصنع نحن مستقبل مصرء ولن ننتظر حتى يصنعوه 
هم على هواهم ووفقا لمصالحهم. آن الأوان لكي نفارق مقاعد المتفرجين ونصنع 
بايدينا المشهد القادم. 

الديمقراطية هى الحل. 


١ى7ى‎ 





ثلاث مغالطات لدعم جمال مبارك 


في الأسبوع الماضي كتبت عن تأسيس الحملة المصرية ضد التوريثء التي تستهدف 
منع توريث بلادنا من الرئيس مبارك إلى ابنه جمال؛ لأن مصر ليست عزبة ولا مزرعة 
دواجن مملوكة لأي شخص مهما يكن منصبه. 

اشترك في تأسيس هذه الحملة مثقفون وطنيون وأحزاب وهيئات من مختلف 
الاتجاهات السياسية والفكرية» قرروا جميعا أن يبذلوا كل جهدهم حتى ينتزع المصريون 
حقهم الطبيعي في انتتخاب الرئيس القادم للجمهورية عن طريق انتخابات محترمة.. 
وما إن ظهر المقال حتى انهمرت على عشرات الخطابات من القراء» من داخل مصر 
وخارجهاء كلهم يعلنون تأييدهم للحملة ضد التوريث» ويسألون عن كيفية الاشتراك 
فيها.. وأنا أشكر القراء الأعزاء وأقدر حماستهم النبيلة» وأطمئنهم أنه خلال أيام قليلة. 
سوف يصدر البيان التأسيسي للحملة وسيتم الإعلان عن كيفية الانضمام إليها.. نحن 
نتوقع النجاح الكامل لهذه الحملة بإذن الله» لكننا أيضا ندرك أن الطريق ليس سهلا.. 
فقد قام النظام المصري بتشكيل تنظيم خاص من أجل التوريث» يضم صحفيين 
وسياسيين وإعلاميين وأساتذة قانون.. مهمتهم الوحيدة إعداد الشعب المصري لتقبل 
فكرة التوريث.. هؤلاء الداعون إلى التوريث لا يحترمهم أحد لأنهم منافقون» خانوا 
أمانتهم المهنية والوطنية وفضلوا تحقيق مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن.. 
المروجون لجمال مبارك لا يملكون إلا مغالطات ثلانّاء يعيدون فيها ويزيدونء تتلخص 
فيما يلي: 


١ 7/6 


أولا: يقولون إن السيد جمال مبارك شاب مهذب متعلم جيدا ولا يوجد له بديل 
بوصفه مرشحًا للركاسة في الوقت الحالي.. كما أنه سيكون أول رئيس مدني لمصر 
بعد الثورة» وهذه خطوة نحو الديمقراطية. لماذا لا نوافق عليه إذن بشرط أن يتعهد 
بأن يحكم لفترتين رتاسيتين فقط؟! 

ونحن نقول معهم إن جمال مبارك شخص مهذب فعلا وقد نال قسطا جيدا 
من التعليم كما أنه يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة.. لكننا لا نفهم ما علاقة ذلك 
برئاسة الجمهورية» هل يكفي أن يكون الإنسان مهذبا ومتعلما ليصبح رئيس 
الجمهورية؟! 

في مصر مئات الآلاف من الأشخاص المهذبين الحاصلين على شهادات عليا 
الذين يجيدون الإنجليزية والفرنسية» فهل يصلحون جميعا للرئاسة؟! أما كون جمال 
مبارك البديل الوحيد المتاح فهذا غير صحيح.. مصر لديها من الكفاءات والعقول 
ما يكفي عشر دول مجتمعة.. مع تسارع إيقاع التوريث؛ بدأ المصريون يفكرون في 
شخصيات كبيرة تصلح للرئاسة: أحمد زويل ومحمد البرادعي وعمرو موسى وهشام 
البسطويسي وزكريا عبدالعزيز وغيرهم كثيرون. كل هؤلاء أفضل بكثير من جمال مبارك 
لتولي الرئاسة: أما القول بأن جمال مبارك سيكون رئيسا مدنيا لمصرء فيحمل مغالطة 
أخرى.. لآن الذي يحدد طبيعة النظام ليس مهنة الرئيس» وإنما طريقة توليه للحكم.. 
هناك أنظمة عسكرية استبدادية تضع في منصب الرئاسة شخصا مدنياء كما حدث في 
سوريا مع بشار الأسد.. وبالمقابل هناك أنظمة ديمقراطية ترك فيها العسكريون الخدمة 
ثم رشحوا أنفسهم في انتخايات حرة وفازوا بمناصب الوزارة والرئاسة» مثل كولن 
باول في الولايات المتحدة» وشارل ديجول في فرنسا.. إذا استولى جمال مبارك على 
رتاسة مصرء فإن ذلك لن ينهي الحكم العسكري القائم» وإنما سيضيف إلينا مصيبة 
جديدة: سوف يقترن الاستبداد بالتوريث. ما الذي سيمنع جمال مبارك بعد ذلك من أن 
يمنح رئاسة مصر لابنه أو ابن أخيه؟! الذين يقولون إن جمال مبارك سيكتفي بفترتين 
رئاسيتين إنما يخدعون الرأي العام ولا يحترمون عقول الناس.. ما الذي سيلزم جمال 


١/5 


مبارك بترك السلطة طائعا؟! لقد تعهد الرئيس حسني مبارك في بداية توليه الحكم. 
بأن يكتفي بفترتين رئاسيتين ثم تراجع عن هذا التعهد وظل في السلطة لمدة ثلاثين 
عاما متصلة. 

انيًا: يقولون إن المصريين لا تشغلهم قضية الديمقراطية» كما أنهم غير مؤهلين 
لممارسة الديمقراطية بسبب وجود الأمية. ويؤكدون أنه إذا حدثت انتخابات حرة فإن 
الإخوان المسلمين سيفوزون بالأغلبية ويتولون الحكم. 

والحق أن مصر الآن تجتاحها الإضرابات والاحتجاجات بشكل لم يحدث منذ 
قيام الثورة عام ١9407‏ .. هذا التذمر الاجتماعي الشامل ينبئ بتغيير قادم لا محالة» كما 
أنه ليس بعيدا أبدا عن الديمقراطية.. إن حركات الاحتجاج المتواصلة تعبر عن مطالبة 
المصريين بالعدالة التي لا يمكن أن تتحقق إلا بالإصلاح الديمقراطي.. أما القول بأن 
المصريين غير مؤهلين للديمقراطية» فهوء بالإضافة إلى وقاحته» يكشف عن جهل 
معيب بتاريخ مصر.. فقد بدأت التجربة الديمقراطية في مصر قبل دول أوربية عديدة» 
حدث ذلك في عام ١1877‏ عندما أنشأ الخديو إسماعيل أول مجلس لشورى النواب 
كان في البداية استشاريا وسرعان ما ناضل أعضاؤه حتى انتزعوا صلاحيات حقيقية.. 
ومنذ عام ١847‏ وحتى عام 14657» ناضل المصريون وقدموا آلاف الشهداء من أجل 
هدفين: الاستقلال والدستور.. أي أن تحرير مصر من الاحتلال البريطاني ارتبط دائما 
في وجدان المصريين بإقامة الديمقراطية.. إن الديمقراطية معناها المساواة والعدل 
والحرية.. وكل هذه حقوق إنسانية أساسية لا يمكن أن يستحقها شعب دون آخر. أما 
التذرع بوجود الأمية لمنع الديمقراطية فمردود عليه بأن نسبة الأمية في الهند لم تمنع 
قيام ديمقراطية عظيمة صنعت دولة كبرى في سنوات قليلة. ونسبة الأمية قبل الثورة 
لم تمنع حزب الوفد من الفوز الساحق في أي انتخابات نزيهة.. وقد كان الفلاحون 
المصريون الأميون يصوتون دائما لصالح الوفد ضد ملاك الأراضي من أعضاء حزب 
الأحرار الدستوريين.. إن الإنسان لا يحتاج إلى دكتوراه في القانون ليعرف أن الحكم 
في بلاده ظالم وفاسد, بل إن إحساس بسطاء الناس كثيرا ما يكون أقرب إلى الحقيقة 


١ لا/ا‎ 


من نظريات المثقفين ومناقشاتهم المطولة. على كل حال. ففي مصر أكثر من أربعين 
مليون متعلم وهذا عدد كاف جدا لإنجاح التجربة الديمقراطية. أما الإخوان المسلمون 
الدول الغربية حتى توافق على الاستبداد والتوريث.. الإخوان المسلمون» بحساب 
العدد والتأثير» لايمكن أن يفوزوا بالأغلبية فى أي انتخابات نزيهة يقبل الناخبون 
عليها.. وحتى لو افترضنا فوزهم.. أليس هذا اختيار المصريين الحر ويجب علينا أن 
أليسوا في النهاية مواطنين مصريين من حقهم أن يفوزوا في الانتخابات ويشاركوا 
في الحكم ما داموا| يحتر مولن قواعدل الديمقراطية؟ إن الإصلاح الديمقراطى» وحلهة». 
هو الكفيل بالقضاء على التطرف الديني.. أما في دولة الاستبداد. حتى لو تم قمع 

أخيرا يتساءلون: لماذا كل هذا الهجوم على جمال مبارك؟ أليس مواطنا مصريا 
من حقه أن يتقدم بالترشيح لرئاسة الجمهورية؟ والإجابة: من حق جمال مبارك أن 
بحيث يسمح بتنافس شريف على الرئاسة» عندما تتم انتخابات نزيهة تحت إشراف 
قضائى كامل ومستقل ورقابة دولية محايدة» من دون تدخل من الشرطة ولا بلطجة 
ولا تزوير.. عندئذ فقط يكون من حق جمال مبارك أن يترشح للرئاسة.. أما ترشيحه 
فى ظل آلة القمع والتزوير القائمة الآن. فسوف يكرر المسرحية البائسة السخيفة 
نفسها.. سيرشح جمال مبارك نفسه عن الحزب الوطني وتقوم السلطة بتحريك بعض 
الكومبارس من الأحزاب الوهمية المصنوعة فى أمن الدولة ثم يتم تزوير الانتخابات.. 
إن فوز جمال مبارك بهذه الطريقة سيكون اغتصابا لرئاسة الجمهورية بطريقة غير 
شرعية أو قانونية. 


١ 4 


إن مصر الآن في مفترق الطرقء. بكل معنى الكلمة» ولسوف ينتزع المصريون بإذن 
بإرادتهم الحرة المستقلة» الشخص الذي يصلح لرئاسة مصر. 


الديمقراطية هى الحل. 


١١ 


حكاية نورا والمنتخب الوطني 


أردت أن أكتب هذا الأسبوع عن سيدة مصرية اسمها نورا هاشم محمد» لكن 
النصر العظيم الذي حققه منتخبنا الوطني على منتتخب الجزائر في كرة القدم لا يمكن 
تجاهله.. من هنا قررت أن أكتب عن الموضوعين معا: 

لا يوجد ما يميز نورا هاشم محمد لأنها مثل ملايين المصريات: سمراء ومتوسطة 
الجمال وفقيرة.. وقد تزوجت من عامل بسيط اسمه هاني زكريا مصطفى وأنجبت منه 
ولدين وخاضت معه كفاحا يوميا ضاريا من أجل لقمة العيش وتربية الولدين.. وذات 
يوم أحست نورا فجأة بإعياء شديد. 


كانت مباراة منتخبنا الوطني مع منتخب الجزائرء معركة مصيرية ظهر خلالها 
معدن المصريين الأصيل فتناسوا خلافتهم ووقفوا جميعا صفا واحدا خلف منتخبهم 
الوطني. ولما كان الإعلام الجزائري قد تورط في السخرية من منتخبنا القومي بطريقة 
بذيئة فقد قام الإعلاميون المصريون بالرد على ذلك بوابل من الإهانات الموجعة 
للجزائريين. 

وعندما صرحت المطربة الجزائرية وردة بأنها ستشجع فريق الجزائر أحس مصريون 
كثيرون بالغضب وتساءلوا: كيف تجرؤ وردة على تشجيع الفريق الجزائري وهي التي 
تعيش في مصر وتنهل من خيرها منذ عقود؟! وطالب بعض المدونين على الونترنت 
بمنع دخول وردة إلى مصر عقابا لها على تقاعسها عن تشجيع منتخبنا الوطني. 

في البداية أرجعت السيدة نورا إحساسها بالإعياء إلى قلة النوم وكثرة عملها في 
البيت» وقد أخفت الأمر عن زوجها هاني حتى لا تزيد من متاعبه. لكن تعبها زاد حتى 


ما 


رقدت في الفراش.. عندئذٍ أصر هاني على اصطحابها إلى عيادة خاصة ودفع الكشف 
للطبيب الذي فحصها ونصح بنقلها فورا إلى المستشفى. 

حرص سيادة الرئيس مبارك على حضور تدريب المتتخب الوطني وقضى وقتا مع 
اللاعبين ليشد أزرهم قبل المباراة. 

والحق أن رعاية الرئيس مبارك للرياضيين معروفة» ولعلنا نذكر عندما مات ألف 
وأربعمائة مصري غرقا في حادثة العبارة الشهيرة.. فإن حزن الرئيس مبارك آنذاك على 
الضحايا لم يمنعه من حضور تدريب المنتخب الذي كان يستعد لمعركة مصيرية أخرى 
في نهائي كأس إفريقيا. 

عندما وصل هاني زكريا وزوجته نورا إلى مستشفى صدر إمبابة» كانت الساعة الثانية 
صباحا.. كشف الطبيب على نورا بسرعة وقال إن حالتها عادية ولا تحتاج إلى مستشفى 
ثم انصرفء حاول هاني أن يلحق به ليتناقش معه لكنه لم يسمح له بمقابلته. 

رجع هاني إلى موظف الاستقبال ورجاه أن يساعده حتى يتمكن من علاج زوجته.. 
عندئلٍ قال له موظف الاستقبال بوضوح: 

إذا أردت أن تعالج زوجتك. ادفع الآن مبلغ ٠‏ جليه. 


أثناء مباراتنا مع الجزائر» وبالرغم من الخشونة المتعمدة من الجزائريين فقد مارس 
لاعبونا أقصى درجات ضبط النفس. كما ظهر تدين المصريين العميق واضحا أثناء 
المباراة وقبلها.. فارتفئعت دعوات ملايين المصريين إلى الله لكي يسجل الفريق 
المصري هدفين على الأقل. 

وظهر المطرب إيهاب توفيق في التلفزيون وطلب من المشاهدين جميعا 
الدعاء للمنتخب» مؤكدا أن في مصر رجالا صالحين كثيرين وهؤلاء قطعا دعاؤهم 
مستجاب. 


أصيب هاني بالذهول عندما استمع إلى المبلغ المطلوب منه. وسأل موظف الاستقبال 


بصوت خافت إن كان مستشفى صدر إمبابة ما زال يتبع الحكومة المصرية؟! 
١/8١‏ 


أخبره الموظف. بفتوره أنه ما زال يتبع الحكومة لكنه يجب أن يدفع ألفي جنيه.. 
قال هاني إنه فقير ولا يملك هذا المبلغ.. لم يرد الموظف عليه وانصرف إلى قراءة 
أوراق أمامه.. بدأ هاني في التوسل للموظف حتى يسمح بعلاج زوجته. 

صباح يوم المباراة» صرح الناقد الرياضي المعروف ياسر أيوب في التلفزيون. بأنه في 
حالة فوز المتتخب على الجزائر والتأهل للمونديال. فإن كل لاعب في المنتخب سوف 
يحصل على مكافأة مالية قدرها ” ملايين جنيه مصري من الدولة واتحاد الكرة.. ولما 
بدا على وجه المذيعة بعض الاستغراب من ضخامة المبلغ.. قال ناقد رياضي آخر: 

اللاعبون في المنتتخب يستحقون أكثر من ذلكء لأنهم يبذلون مجهودا خرافيا من 
أجل إدخال الفرحة على قلوب المصريين. 

لما يئس هاني من إقناع موظف الاستقبال في مستشفى صدر إمبابة» أخذ زوجته 
التي بدأت تترنح من الإعياء والحمى وذهب بها إلى مستشفى صدر العمرانية» حيث 
كشف عليها الطبيب هناك وقال إنه يشتبه في أنها مريضة بأنفلونزا الخنازير» وأخبره بأنه 
لا يستطيع علاجها في المستشفى لأنها غير مجهزة لمثل حالتها. ونصحه باصطحاب 
زوجته إلى مستشفى أم المصريين حيث توجد التجهيزات الطبية اللازمة. 

لا يقتصر حب الرياضة على الرئيس مبارك لكنه يمتد أيضا إلى ولديه جمال وعلاء. 
وقد حرص الاثنان على الذهاب إلى الاستاد لتشجيع المتتخب وذهب معهما معظم 
الوزراء وكبار المسئولين بمن فيهم وزير الصحة الذي جلس بجوار السيد جمال مبارك 
مباشرة.. وقد رأينا فرحة كل هؤلاء الغامرة عندما أحرز عمرو زكي الهدف الأول في 
مرمى الجزائر. 

شكر هاني الطبيب وأخذ زوجته نورا وهرع إلى مستشفى أم المصريين» حيث 
توسل إلى المسئولين هناك حتى ينقذوا زوجته التي بدأت تبصق دماء لكن الطبيب 
في أم المصريين طمأنه تماما وقال إن حالة زوجته عادية ولا تحتاج إلى الحجز في 
المستشفى.. ونصحه بالعودة بها إلى مستشفى صدر العمرانية لآنها الجهة المتخصصة 
في حالتها. 


١85 


بعد الهدف الأول, وبالرغم من الجهد الكبير والروح القتالية» لم يستطع لاعبونا 
أن يسجلوا في مرمى الجزائر لمدة 4١‏ دقيقة كاملة.. وقد بان الغضب على وجوه كبار 
المسئولين الجالسين في المقصورة.. حتى إن السيد علاء مبارك لم يتمالك نفسه وأشاح 
بيده اعتراضا على إضاعة منتخبنا عدة فرص لأهداف موّكدلة. 


عاد هاني من جديد. وهو يكاد يحمل زوجته نوراء إلى مستشفى صدر العمرانية» 
ولأول مرة يرتفع صوته غاضبا في وجه الطبيب: 

لماذا أرسلتني إلى مستشفى أم المصريين إذا كان علاج زوجتي هنا؟! 

أكد له الطبيب أن تشخيصه صحيح وأنهم في مستشفى أم المصريين يتهربون من 
علاج المرضى.. وطلب منه شهادة رسمية من مستشفى أم المصريين بأن حالة نورا 
عادية وليست خطيرة.. عندئذٍ اعتذر هاني للطبيب عن حدته في الكلام وأخذ زوجته 
من جديد إلى أم المصريين وطالبهم بإعطائه شهادة بحالة زوجته الصحية. 

والحق أنهم هذه المرة عاملوه بلطف. وأكدوا له أنهم سيعملون التحاليل اللازمة 
لزوجته نورا لكن عليه أن يعود بها في الثامنة صباحاء لأن مسئولة التحاليل غير موجودة 
(تبين بعد ذلك أنها كانت موجودة لكنها أرهقت من العمل فطلبت من زملائها صرف 
المريضة نورا بأي طريقة). 

كادت المباراة تنتهي وفي الوقت بدل الضائع» تمكن عماد متعب من إحراز الهدف 
الثاني في مرمى الجزائرء ورقصت مصر كلها طربا.. بل إن الدكتور حاتم الجبلي وزير 
الصحة. نسي وقار منصبه والكاميرات المسلطة عليه وقفز من مكانه واحتضن جمال 
مبارك ليهنئه بالنصر العظيم. 

عاد هاني بزوجته نورا إلى مستشفى صدر العمرانية ليودعها حتى الصباح ثم يأخذها 
بعد ذلك لعمل التحاليل في أم المصريين» وكانت حالة نورا قد ساءت لدرجة أنهم 
وضعوها على جهاز التنفس الصناعي ولم تلبث أن لفظت أنفاسها الأخيرة قبل أن 
تتمكن من إجراء التحاليل اللازمة لتشخيص حالتها.. ماتت نورا هاشم محمد وهي 
لم تتجاوز الخامسة والعشرين» وتركت زوجها هاني وولدين صغيرين. 

0 


ولعلنا البلد الوحيد الذي يموت فيه الناس بهذه الطريقة.. على أن مأساة نورا هاشم 
محمد لا يجوز أن تعكر صفو فرحتنا بالنصر على الجزائر. 

لقد استجاب الله لدعائنا وجعلنا نحرز هدفين نظيفين..وهكذا أذقنا الجزائريين 
من كأس الهزيمة وسوف نسحقهم بإذن الله في مباراتنا المقبلة. 

مبروك لمصر الوصول إلى المونديال.. ورحم الله السيدة نورا هاشم محمد. 

الديمقراطية هى الحل. 


18: 


في يوم 4 ١‏ نوفمبر عام ١9725‏ كانت مصر كلها تغلي بالاحتجاجات ضد الاحتلال 
البريطاني» وخرجت مظاهرة حاشدة من جامعة القاهرة تضم آلاف الطلاب الذين راحوا 
يهتفون من أجل الاستقلال والديمقراطية. 

وحمل الطلاب زميلا لهم من كلية الزراعة اسمه محمد عبد المجيد مرسي وهو 
يرفع بيده علم مصر وسرعان ما أطلق الجنود الإنجليز عليه الرصاص فاستشهد 
وكاد علم مصر يسقط على الأرض فسارع بحمله طالب آخر هو محمد عبد الحكم 
الجراحي من كلية الآداب.. وهدد الضابط الإنجليزي عبد الحكم بالقتل لو أنه تقدم 
خطوة واحدة. 

لكن عبد الحكم ظل يتقدم وهو يحمل العلم فأطلق الضابط عليه الرصاص 
وأصابه في صدره وتم نقله إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه الأخيرة.. وخرجت 
مصر كلها تودع ابنها الشهيد الذي فضل الموت على رؤية علم مصر وهو يسقط 
على الأرض. 

وفي أول يوم من حرب أكتوبر عام ١917‏ استشهد عشرات الجنود المصريين 
حتى تمكن الجندي المصري «محمد أفندي» من رفع العلم على سيناء لأول مرة منذ 
احتلالها. 

ليس العلم إذن مجرد قطعة قماش وإنما هو رمز للوطن والشرف والكرامة.. فكرت 
في ذلك وأنا أرى علم بلادي تدهسه أقدام البلطجية الجزائريين في السودانء ويتلذذ 


ل 


بعضهم بإلقائه تحت السيارات والمرور عليه وتمزيقه وحرقه. إن الاعتداءات البشعة 
التي تعرض لها المصريون في الخرطوم قد كشمت عن عدة حقائق: 

أولا: من المألوف في مباريات الكرة أن تندلع أحداث شغب بين المشجعين» لكن 
ما حدث في الخرطوم تجاوز شغب الملاعب بكثير.. لقد حملت طائرات السلاح 
الجوي الجزائري إلى الخرطوم آلاف البلطجية الجزائريين المسلحين الذين أسندت 
إليهم مهمة محددة: الاعتداء على المصريين وإهانتهم.. 

وشهادات الضحايا جميعا تدل على أن الغرض من الاعتداء كان إذلال المصريين.. 
فما معنى أن يخلع الجزائريون ملابسهم الداخلية أمام النساء المصريات ثم يكشفون 
عوراتهم ويرددون نفس الجملة «نحن نتكح مصر»؟! ما معنى أن يجبروا الرجال 
المصريين على الانبطاح على الأرض حتى بعد الاعتداء عليهم بالسكاكين والسيوف؟! 
ما معنى أن يحملوا لافتات كتبت عليها مصر أم الدعارة؟! هل لهذه السفالة أية علاقة 
بكرة القدم؟ إن هؤلاء الأوباش لا يمكن أن يمثلوا الشعب الجزائري العظيم الذي 
حارب معنا في حرب أكتوبر واختلطت دماء شهدائنا بدماء شهدائه. 

لماذا الاصرار على إذلال المصريين بهذا الشكل وقد فاز الفريق الجزائري بالمباراة؟ ! 
أنا أفهم أن يحدث هذا الإذلال من جيش احتلال أجنبي.. لكن المحزن حقا أن يتم 
يد عربية. 

هل يقبل أي جزائري أن تتعرض أخته أو أمه إلى الترويع وهتك العرض بهذه 
الطريقة؟ إن منظر الضحايا المصريين وهم يبكون أمام شاشات التلفزيون من فرط 
القهر والمهانة لا يمكن أن ينمحى من الذاكرة المصرية قبل أن نحاسب كل من تسبب 
في هذا الاعتداء الإجرامي. ا 

ثانيًا: مصر هي البلد العربي الأكبر وهي المصدر الأكبر للمواهب البشرية في العالم 
العربي» لقد كان للمصريين شرف المساهمة في صنع النهضة في بلاد عربية كثيرة: 
الجامعات أنشأها الأساتذة المصريون.. والصحف أنشأها الصحفيون المصريون.. 
معاهد الفنون والسينما والمسرح أنشأها الفنانون المصريون.. المدن والبيوت أنشأها 
المهندسون المصريون.. والمستشفيات أقامها الأطباء المصريون.. حتى القوانين 
والدساتير هناك غالبا ما وضعها أساتذة قانون مصريون. 


كما 


بل إن النشيد الوطني الجزائري ذاته قام بتلحينه الموسيقار المصري محمد فوزي.. 
هذا التميز المصري جعل العلاقة بين المصريين والشعوب العربية مركبة: فيها الحب 
والإعجاب غالبا وتحمل أحيانا بعض الحساسية والتوتر.. في فترة المد القومي 
الناصري. ساندت مصر الثورة الجزائرية وأمدتها بالمال والسلاح ودافعت عنها في 
المحافل الدولية وأرسلت جيشها لمساندة الثورة اليمنية بل وخاضت مصر الحرب 
دفاعا عن فلسطين وسوريا. 

كانت مشاعر العرب نحو مصر آنذاك حبا خالصا.. ولكن ما إن توقفت مصر عن 
أداء مهمتها القومية وعقدت معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل» حتى ظهرت على 
السطح كل المشاعر السيئة ضد مصر.. ولا يتسع المجال لسرد عشرات الأمثلة على 
محاولات بعض العرب المستمرة لإهانة المصريين والتقليل من دورهم وشأنهم, بدءا 
من عبودية نظام الكفيل وإساءة معاملة المصريين ونهب حقوقهم في الخليجء مرورا 
بشركات إنتاج كبرى كثيرا ما تقام خصيصا من أجل استبعاد الفن المصري وتهميشه. 
وصولا إلى مسابقات ومهرجانات ثقافية تقام سنويا بملايين الدولارات» فقط من أجل 
إثبات أن مصر لم تعد تملك الريادة في الثقافة والفن. 

كل هذه بالطبع محاولات بائسة وخائبة وبلا تأثير» أولا لأن مكانة مصر لا يمكن أن 
ينقص منها هذا الصغار» وثانيا لأن الشعب العربي المصري لا يمكن أن يتنكر لعروبته 
أو ينفصل عن أشقائه العرب مهما تكن الظروف. 

ثالثا: إن تعاون النظام المصري مع إسرائيل وإمداده لها بالغاز والأسمنت ومشاركته 
في حصار الفلسطينيين عن طريق إغلاق معبر رفح» كل هذه سياسات خاطتة مشينة 
يرفضها المصريون أنفسهم قبل سواهم ويتظاهرون كل يوم تضامنا مع إخوانهم في 
العراق وفلسطين ولبنان. 

بل إن كثيرا من المصريين دفعوا ثمنا باهظا لمواقفهم القومية كان آخرهم الصحفي 
المعروف مجدي أحمد حسين الذي سافر إلى غزة تضامنا مع الفلسطينيين المحاصرين 
هناك فألقت السلطات المصرية القبض عليه وقدمته إلى محكمة عسكرية حكمت عليه 
بالسجن لمدة عامين. 

١ لام‎ 


إن موقف النظام المصري من إسرائيل لا يمثل إطلاقا موقف الشعب المصري ولا 
يجوز أبدا أن يستعمل كذريعة من أجل الاعتداء على المصريين وإهانتهم. 

رابعًا: لقد كان الاعتداء على المصريين في الخرطوم نوعا من إرهاب الدولة تورط 
فيه النظام الجزائري وساعده في ذلك تقصير النظام المصري وفساده وعجزه عن حماية 
المصريين. لقد مر أسبوع كامل على ارتكاب الجريمة بغير أن يتخذ النظام المصري 
منها موقفا جادا حاسما. 


إن الذين يتوقعون من الرئيس مبارك أن يعيد للمصريين كرامتهم المهدرة» أخشى أن 
ينتظروا طويلا.. ماذا فعل الرئيس مبارك لمئات المصريين المعتقلين في السعودية؟! 
ماذا فعل للطبيبين المصريين اللذَّيّْن كم عليهما هناك بالجلد؟! ماذا فعل للمصريين 
الذين تم تعذيبهم في الكويت؟! ماذا فعل الرئيس مبارك للجنود المصريين الذين 
قتلتهم إسرائيل على الحدود وماذا فعل للأسرى المصريين الذين اعترفت إسرائيل 
بإبادتهم أثناء الحرب؟! الإجابة دائما: لا شيء.. المصريون حقوقهم مضيعة داخل 
الوطن وخارجه. 

لماذا تركت السلطات المصرية اللاعب الجزائري الأخضر بلومي يهرب بعد 
أن ارتكب جريمة بشعة في القاهرة وفقأ عين الطبيب المصري بلا ذنب؟! وهل كان 
يسمح للسيد بلومي بالهرب لو أنه ارتكب جريمته في دولة ديمقراطية محترمة؟! وهل 
كان مسلسل الاعتداءات الجزائرية على المصريين ليستمر لو أن بلومي قبض عليه في 
مصر وقدم إلى المحاكمة؟! إن حقوق المواطنين لا تتحقق إلا في النظام الديمقراطي. 
أما الأنظمة المستبدة فإن همها الوحيد الحفاظ على السلطة بأية وسيلة وأي ثمن.. إن 
الحاكم الذي يغتصب السلطة ويقمع مواطنيه ويزور إرادتهم في الانتخابات لا يمكن 
أن يقنع أحدا عندما يتحدث عن كرامة المواطنين. 

إن جريمة إهانة المصريين وإذلالهم بهذا الشكل البشع لن تمر بدون مساءلة أو 
عقاب وإذا كان النظام المصري عاجزا عن محاسبة هؤلاء المجرمين فإن واجبنا جميعاء 
كمصريين» أن نضغط بكل السبل المتاحة على النظام الجزائري حتى يقدم اعتذارا رسميا 
للشعب المصري ويقبض على المعتدين الجزائريين ويقدمهم للعدالة. 


١84 


لا يجوز أبدا أن نقابل الإساءة بمثلها ولا يجب أن نخلط بين الشعب الجزائري 
العظيم والنظام الجزائري الاستبدادي المسئول عن هذه الجريمة.. ولكن آن الأوان أن 
يفهم الجميع أنه» منذ الآن لن يكون الاعتداء على المصريين سهلا ولا مجانيا أبدا. 

إن إصرارنا على عقاب من اعتدوا على كرامتنا لا يتعارض أبدا مع انتمائنا القومي؛ 
فالحسابات الجيدة كما يقول المثل الفرنسي تصنع دائما أصدقاء جيدين.. والعلاقات 
الأخوية بين الشعبين الجزائري والمصري لا يمكن أن تتحقق إلا باحترام حقوق 
المصريين والجزائريين جميعا. 

الديمقراطية هي الحل. 


١84 


فنْ إرضاء الرئيس 


لم أكن لأصدق هذه الواقعة لولا أن شاهدتها بنفسي على شريط تسجيل لقناة 
المحور: 

أثناء مؤتمر الحزب الوطني الأخير.. وصلت السيدة سوزان مبارك إلى القاعة. 
يحيط بها أفراد الحراسة» وهرع الوزراء والمسئولون لتحيتها ثم اقتربت منها عائشة 
عبد الهادي وزيرة القوى العاملة وأحذت تلاحقهاء كانت الوزيرة عائشة تتحدث في 
موضوع بدا أنه لا يحظى باهتمام السيدة سوزان لكنها ظلت تنصت للوزيرة وعلى 
وجهها ابتسامة مهذبة. 

ثم فجأة» أمام الحاضرين وعدسات المصورين وكاميرات التلفزيون» انحنت 
الوزيرة عائشة عبد الهادي على يد السيدة سوزان مبارك وأخذت تقبلها. بدا المشهد 
غريبا للغاية. 

إن تقبيل الرجل ليد المرأة عادة فرنسية غير منتشرة في مصر.. المصريون قد يقبلون 
يد الأم أو الأب تعبيرا عن الاحترام العميق» وفيما عدا ذلك» فإن تقبيل الأيدي يعتبر 
في بلادنا أمرا منافيا للكرامة وعزة النفس. 

في عام »١145 ٠‏ كان حزب الوفد قد أنهكه وجوده خارج السلطة لعدة أعوام؛ وعندما 
تولى الوفد تشكيل الحكومة الجديدة التقى زعيم الوفد مصطفى النحاس بالملك فاروق 
وانحنى ليقبل يده» وكان ذلك تصرفا شائنا ظل يلاحق مصطفى النحاس حتى وفاته. 
ما الذي يدفع وزيرة في الدولة إلى الانحناء وتقبيل الأيدي؟ 

الحق أن عائشة عبد الهادي لم تحلم يوما بتولي الوزارة لسبب بسيط أنها لم تكمل 


ل 


تعليمها الأساسىء أي أنها فشلت فى الحصول على الشهادة الإعدادية ونجحت فى 
أن تكون وزيرة.. في بلد يضم عشرات الآلاف من حملة الدكتوراه. 

إن الوزيرة عائشة تدرك أن توليها للوزارة لا يعود إلى كفاءتها أو قدرتها على العمل. 
وإنما يرجع فقط إلى رضا الرئيس وأسرته عنهاء ومن أجل الاحتفاظ بالرضا الرئاسي 
فإنها على أتم استعداد لأن تفعل أي شيء بما في ذلك تقبيل أيدي الرئيس وقرينته 
وولديه.. السؤال: هل يمكن أن نتوقع من الوزيرة عائشة أن تدافع عن كرامة المصريين 
وحقوقهم كما يقتضي منصبها بوصفها وزيرة للقوى العاملة؟ الإجابة بالنفي القاطع. 
وهم ينتتظرون من حكومة بلادهم أن تدافع عن حقوقهم. لكن السيدة عائشة؛ التي تُقبل 
الأيدي. لا تفعل لهم شيئا. 

بل على العكسء فقد أعلنت عائشة عبد الهادي منذ عامين أنها تعاقدت مع السلطات 
السعودية من أجل توريد آلاف الخادمات المصريات ليعملن فى بيوت السعوديين.. 
وقد أصابت هذه الصفقة الشاذة المصريين بالصدمة. 

أولًا: لأن في مصر مئات الآلاف من حملة المؤهلات العليا الذين هم أولى بالتعاقد 
على العمل في الخليج. ثانيًا: لآن إرسال المصريات للعمل خادمات يتنافى مع أبسط 
قواعد الكرامة الوطنئية ويعرضهن للمهانة والإذلال والاعتداءات الجنسية. 

ثالمًا: لأن مصريات كثيرات من هؤلاء يحملن مؤهلات متوسطة وعالية لكنهن 
اضطررن تحت ضغط الفقر والبطالة إلى الموافقة على العمل خادمات. رابعًا: لأن 
مع السيدات في رحلات الحج والعمرة. فعلت العكس هذه المرة» وطلبت أن تذهب 
الخادمات المصريات إلى السعودية وحدهن من دون مرافق. وقد دافعت الوزيرة 
عائشة عن صفقة الخادمات التى عقدتها وقالت: إن الخدمة فى البيوت لا تعيب أحداء 


وأذكر أن مثقفا مصريا هو الدكتور إيمان يحيى قرر آنذاك أن يرد على الوزيرة بطريقة 
عملية ومبتكرة.. فقام بنشر الإعلان التالي في الصفحة الأولى من جريدة الكرامة: 
«مطلوب خادمة سعودية مقيمة لأسرة مصرية ميسورة.. مرتب مجز). 

ثم ترك رقم تليفونه للاتصال.. وعلى مدى أسابيع؛ انهالت عليه اللعنات والشتائم 
من عشرات السعوديين الذين اعتبروا الإعلان مهينا لبلادهم.. وقد اضطرت عائشة إلى 
التراجع عن إرسال الخادمات إلى السعودية تحت ضغط الرأي العام.. لكنها عادت 
وأعلنت فى الشهر الماضى أنها عقدت اتفاقا جديدا لإرسال الخادمات المصريات 
إلى الكويت هذه المرة. . 

ولا أفهم ما سر إصرار بعض المسئولين في الخليج على استقدام الخادمات من 
مصر بدلا من الأطباء والمهندسين والمهنيين المصريين الأكفاء الذين يعود إليهم 
الفضل في النهضة التي يشهدها الخليج الآن؟ 

هل يحقق استعمال المصريين خدمًا لذة معينة لدى بعض الخليجيين؟ ولا أفهم 
أيضا سر ولع هذه الوزيرة الغريبة بتوريد الخادمات لبلاد الخليج! لكني أفهم أن فاقد 
الشيء لا يعطيه» وأن من تسمح لنفسها بتقبيل أيدي الناس على الملا لا يمكن أن 
تدافع عن كرامة أحد. 

إن واقعة تقبيل الوزيرة عائشة ليد السيدة سوزان مبارك تعكس علاقة الوزراء وكبار 
المسئولين بالرئيس مبارك وأسرته.. في التسجيل نفسه الذي شاهدته لقناة المحور 
يظهر الدكتور علي الدين هلال» مسئول الإعلام في الحزب الوطني وأستاذ العلوم 
السياسية وقد وقع في ورطة طريفة. 

فقد شاء حظه أن يجد نفسه واقفا في طريق السيدة سوزان مبارك» فارتبك بشدة 
ولم يدر ماذا يفعل: فهو يخشى أن يفسر إعطاء ظهره للسيدة الأولى وكأنه استهانة 
بمكانتها فتكون العاقبة وخيمة» كما أنه لا يستطيع أن يغامر بالتوجه إليها والحديث 
معها ما دامت لم تطلب منه ذلك.. ولو أنه قرر الابتعاد فجأة عن مسار السيدة سوزان 
فقد يبدو ذلك أيضا تصرفا لا يليق. 

ماذا يفعل إذن؟ بدا المسئول الكبير مضطربا ومشتت الذهن, وظل يتأرجح في مكانه 
١0‏ 


حتى جاء إليه ضابط حراسة وأزاحه بعيدا حتى تتقدم السيدة سوزان مبارك في طريقها؛ 
هذا الخضوع التام للرئيس وأسرته سمة مشتركة للوزراء جميعا في مصر. 

ولعلنا نذكر في العام الماضي كيف قام جمال مبارك بتوبيخ وزير التعليم العالي 
هاني هلال على الملأ في احتفال للجامعة الأمريكية ومنعه من الجلوس بجواره على 
المنصة, ثم أشار إليه بيده أن ينصرف فورا. لم يغضب الوزير هاني هلال آنذاك لتوبيخه 
علناء وإنما أصابه الجزع فقط لأن جمال مبارك غاضب عليه. 

في الدول الديمقراطية» يصل الوزير إلى منصبه بواسطة انتتخابات نزيهة» وهو يدين 
بالفضل للناخبين» ويبذل كل جهده لكي يحتفظ بثقتهم وأصواتهم. 

وإذا اختلف الوزير هناك مع رئيس الدولة» فإنه يقدم استقالته فورا لأنه يعلم أنه 
سيعود إلى منصبه إن فاز في الانتخابات المقبلة.. أما في النظام الاستبدادي فإن رأي 
الناس لا يهم الوزير إطلاقا؛ لأنه يتولى الوزارة ليس بسبب كفاءته أو عمله؛ وإنما 
بفضل ولائه للرئيس. 

وبالتالي فإن مستقبله السياسي كله معلق بكلمة واحدة من سيادة الرئيس. لن تجد 
في مصر أبدا وزيرا يناقش الرئيس مبارك فيما يقوله أو يختلف معه أو حتى يتحفظ 
على كلمة واحدة قالها. كلهم يمجدون الرئيس ويشيدون بعبقريته وإنجازاته العظيمة 
التي لا نراها ‏ نحن المصريين ‏ ولا نشعر بهاء (لأنها ببساطة غير موجودة).. رأيت 
من سنوات مسئولا اقتصاديا بارزا في الدولة يؤكد على شاشة التلفزيون أن الرئيس 
مبارك بالرغم من كونه لم يدرس الاقتصاد إلا أن سيادته يتميز ب١الإلهام‏ الاقتصادي) 
الذي يجعله يتوصل إلى أفكار اقتصادية جبارة ومبهرة تستعصي على أساتذة الاقتصاد 
أنفسهه(!) 

إن طريقة تولي المناصب في مصر تستبعد تلقائيا أصحاب الكفاءات والشخصيات 
القيادية والذين يتمتعون بعزة النفس ويحر صون على كرامتهم.. بينما تمنح المناصب 
عادة للفاشلين والأتباع والمنافقين والمتعاونين مع أجهزة الأمن.. وقد أدى ذلك إلى 
تدهور الأحوال في مصر حتى وصلت إلى الحضيض في معظم المجالات. 

١0 


إن اللحظة التي انحنت فيها عائشة عبد الهادي لتقبل يد السيدة سوزان مبارك» تحمل 
في معناها التفسير الكامل لضياع حقوق المصريين داخل الوطن وخارجه. عندما يتم 
إصلاح ديمقراطي حقيقي» سوف تأتي الانتخابات بمسئولين أكفاء ومحترمين لا يُقبلون 
الأيدي ولا ينافقون الرئيس وأسرته؛ عندئذ فقط سوف تنهض مصر. 


١0 








قبل أن نلعن سويسرا 


في يوم 71 من أكتوبر الماضي», كنت في زيارة إلى سويسرا وكتبت في هذا المكان 
أول مقال عن معركة المآذن.. قلت: إن خطورة هذه المعركة تتجاوز منع المآذن؛ لأنها 
ستؤدي إلى إصدار قانون يرتبط فيه الإسلام بالإرهاب رسميا. 


وثانيا: لأنها ستفتح الباب للمزيد من المعارك القانونية التي سوف تشنها الأحزاب 
اليمينية العنصرية في الغرب للتضييق على المسلمين هناك. ودعوت في مقالي إلى 
تشكيل وفد من أساتذة الحضارة الإسلامية ورجال الدين المستنيرين» يسافرون إلى 
سويسرا ليشرحوا للرأي العام هناك أن المئذنة شكل معماري إسلامي وليست شعارا 
حربيا كما يزعم حزب الشعب السويسري اليميني الذي أشعل هذه المعركة. 


وقد استجابت جريدة «الشروق» إلى دعوتي واتصلت بكبار المسئولين في مصر 
ويبدو أنهم لم يتحمسوا للفكرة» أو أنهم تحمسوا ولم يفعلوا شيئاء باستثناء فضيلة مفتي 
الجمهورية الذي تصادف أن كان مستشاره الإعلامي مدعوا في مؤتمر هناك وعاد بعد 
أن انتهى التصويت على منع المآذن. والحق أن تقاعس المسئولين المصريين عن أداء 
واجباتهم قد أصبح ظاهرة متكررة ومحزنة. 

ولقد رأينا في أحداث مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر التي أقيمت في السودان. 
كيف عجزت السلطات المصرية عن حماية مواطنيها من الاعتداءات الهمجية التي 
ارتكبتها عصابات جزائرية إجرامية أرسلتها حكومة الجزائر في طائرات حربية» ثم 
عجزت بعد ذلك عن محاسبة الذين اعتدوا على كرامة المصريين. 


منذ أيام. ظهرت نتيجة الاستفتاء في غير صالحنا وأصبحت المآذن في سويسرا 
ممنوعة بقوة القانون.. أحس المصريون بالغضب وتساءلوا: كيف تزعم سويسرا أنها 
دولة ديمقراطية وفي الوقت نفسه تمنع المسلمين» دون سواهم من أصحاب الديانات 
الأخرىء من إقامة مآذنهى؟! 

ما الضرر في إقامة المآذن, ولماذا لا يريد السويسريون أن يروها في بلدهم؟ وهل 
يمكن أن يتخذ الإجراء نفسه مثلا ضد المعابد اليهودية في سويسرا؟! إن عضب 
المصريبن طبيعي ومفهوم وأسئلتهم مشروعة.. ولكن» قبل أن نلعن سويسراء يجب 
أن نتذكر بعض الحقائق: 

أولا: إن منع المآذن في سويسرا لا يعني أبدا أن السويسريين جميعا يقفون ضد 
الإسلام؛ إن ما يقرب من نصف الناخبين السويسريين» والمسئولين في الحكومة 
السويسرية وممثلي الديانتين المسيحية واليهودية بكل طوائفهم؛ كل هؤلاء قد دافعوا 
بحرارة حتى اللحظة الأخيرة عن حق المسلمين في إقامة مآذنهم. 

بل إن نتيجة الاستفتاء قد أدت إلى اندلاع المظاهرات في مدن سويسرية عديدة 
دفاعا عن حق المسلمين في ممارسة شعائرهم, وقد تلقيت خطابات عديدة من أصدقاء 
مثقفين سويسريين يبدون فيها أسفهم العميق لمنع المآذن» من بينهم الناقدة الأدبية 
المرموقة إنجيلا شادر التي كتبت بالحرف: (إنني أحس بالصدمة والعار من أجل 
بلادي»)» ووصمت منع المآذن بأنه ا"قرار أحمق وضيق الأفق وجبان». 

ثانيًا: بالرغم من أن الاستفتاء قانوني وملزم طبقا للدستور السويسريء فإن قرار 
منع المآذن مخالف لمبادئ حقوق الإنسان» ومن الممكن متابعة القضية في المحافل 
الدولية بغرض إلغاء القرار.. هذه هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع المشكلة, أما 
دعوات المقاطعة واتهام سويسرا بالعداء للإسلام.. فهو سلوك يعكس رؤية غير منصفة 
للشعب السويسري» وسوف يؤدي إلى عداوة متبادلة لن يستفيد منها إلا المتطرفون 
العنصريون هناك. 

ثالنًا: حزب الشعب السويسريء الذي فجر هذه الأزمة واحد من أحزاب يمينية 
غربية كثيرة ترفع كلها دعاوى عنصرية معادية للأجانب والمهاجرين. وقد استغل 
١845‏ 





حزب الشعب خوف السويسريين من الإسلام وجهلهم بتعاليمه السمحة. وبدأ بهذا 
الاستفتاء خطوة سوف تتبعها خطوات أخرى؛ فقد صرح المسئولون في حزب الشعب 
بأنهم يعدون لاستفتاءات جديدة ضد ارتداء الحجاب في أماكن العمل والدراسة؛ وضد 
ختان الإناث» وضد إقامة مقابر منفصلة للمسلمين. 
وقد سارع الرئيس الفرنسي ساركوزي بتأييد منع المآذن. وأكد أنه يتفهم حاجة 
المجتمع الغربي للمحافظة على طابعه الثقافي» وسرعان ما تعالت أصوات في هولندا 
وألمانيا تنادي بتنظيم استفتاءات مماثلة للتضييق على المسلمين.. المعركة, إذن لم 
وفعالة ومحترمة. 
رابعًا: من خلال معرفتي الطويلة بالمجتمع الغربي» أعتقد أننا بوصفنا مسلمين - 
لم يكن موجوداء أو على الأقل لم يكن ظاهراء قبل هجمات ١‏ من سبتمبر.. لقد 
تطوع بعض المجرمين الإرهابيين مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري بتشويه صورة 
الإسلام في أذهان ملايين الغربيين. ويكفي أن نعلم أن لفظ «جهاد» صار يستعمل الآن 
في اللغات الغربية بمعنى عمليات القتل المسلحة وأن مصطلح «الإسلامية» صار 
أضف إلى ذلك أن معظم المساجد في الغرب يتم الإنفاق عليها من أموال مشايخ 
النفط الوهابيين» وهؤلاء يقدمون قراءة سلفية متشددة للدين ساعدت كثيرا على تشويهه 
في الذهن الغربي. يكفي أن نعلم أن أداء البنات المسلمات لدروس التربية الرياضية 
فى المدارسء مشكلة كبيرة فى سويسرا؛ حيث يصر كثير من أولياء الأمور المسلمين 
هناك على منع بناتهم الصغيرات من دروس التربية الرياضية والسباحة لأنها حرام (بناء 
الأمر الذي يدفع إدارات المدارس إلى الدفاع عن حق البنات في ممارسة الرياضة 
ويرسخ في الوقت نفسه صورة الإسلام بوصفه ديتا رجعيًا لايرى في المرأة إلا جسدا 
يثير الغواية ويستعمل للمتعة.. ولنا أن نتخيل رد فعل الغربيين عندما يسمعون أن الإسلام 
١ 1/‏ 


يفرض ختان المرأة (الذي هو جريمة بشعة لا علاقة للإسلام بها) أو يشاهدون امرأة 
ترتدي النقاب» سواء كان هذا النقاب بعينين أو عين واحدة (كما يدعو إلى ذلك بعض 

إن الأفكار الوهابية» المدعومة بأموال النفط» تقدم أسوأ صورة للإسلام في الذهن 
الغربي.. إن الذين صوتوا ضد إقامة الماذن في سويسرا ليسوا جميعا عنصريين» لكنهم 
ببساطة خائفون من دين ارتبط لديهم بالعنف والقتل والتخلف واضطهاد المرأة.. واجبنا 
أن نقدم للغرب الصورة الحقيقية الصحيحة للإسلام؛ الذي أقام حضارة عظيمة على 
أداء هذا الواجب. فلا يحق لنا بعد ذلك أن نلوم الآخرين. 

خامسًا: لا شك أن منع المآذن في سويسرا يشكل مخالفة صارخة لحرية العقيدة.. 
من حق المصريين والعرب والمسلمين أن يعترضوا على هذا المنع» وأن يحاولوا 
تعطيل القرار بجميع السبل القانونية.. على أن الحكومة المصرية لا يحق لها أخلاقيا 
الاعتراض على منع المآذن في سويسرا لأنها عجزت عن إتاحة حرية العقيدة للمصريين 
أنفسهم. 

السلطات المصرية تقبض بانتظام على الشيعة والقرآنيين وتحاكمهم بتهمة ازدراء 
الأديان وتلقى بهم فى السجون. بل إن دار الإفتاء الى تطالب الآن بحرية العقيدة فى 
سويسراء قد أصدرت فتوى رسمية بتكفير البهائيين مما يهدر دمهم ويعرضهم للقتل 
في أي لحظة.. وهؤلاء البهائيون مواطنون مصريون يخوضون صراعا مريرا من أجل 
الاعتراف بدينهم في الأوراق الرسمية. 

أما الأقباط فهم يعانون الأمرين من أجل بناء كنائس جديدة أو حتى ترميم الكنائس 
القديمة. بل إن قانون دور العبادة الموحد الذي يساوي بين المسجد والكنيسة من 
الناحية القانونية» مدفون منذ أعوام طويلة في أدراج الحكومة المصرية التي ترفض 
حتى مناقشته.. إن حرية العقيدة معناها أن نكفل الاحترام وحرية العبادة للناس جميعا 
مهما تكن معتقداتهم وأديانهم. 


لل 


وهذا بالضبط عكس ما تفعله الحكومة المصرية» التي لا يجوز لها أن تطالب بحرية 
العقيدة في سويسرا بينما هي تعطلها في مصر. 

إن النظام المصري الذي يقبض على السلطة بواسطة القمع والتزوير لا يمكن أن 
يكفل حرية العقيدة لمواطنيه؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه» ولأن حرية العقيدة لن تتحقق 
بمعزل عن الحريات العامة والحقوق السياسية. 


١ 


الحرباء نهاجم البرادعي 


بدأت الحكاية بطريقة عادية: 


كلب في الشارع هاجم أحد المارة فعضه وجرح إصبعه.. صرخ الرجل من شدة 
الألم فتجمهر الناس حوله وتصادف مرور رجل الشرطة الذي حقق في الواقعة وقرر 
أن يقبض على صاحب الكلب ويقدمه إلى المحاكمة بتهمة إطلاق كلبه بدون كمامة 
وتعريض حياة المواطنين إلى الخطرء سأل الشرطي عن صاحب الكلب فأجابه أحد 
الواقفين: 

إنه كلب مملوك للجنرال (حاكم المدينة). 


هنا.. بدا الارتباك على الشرطي وسرعان ما تغير موقفه من النقيض إلى النقيض» 
بدلا من القبض على صاحب الكلب توجه الشرطي إلى المجني عليه؛ المصابء وراح 
يوبخه بصوت عال قائلا: 

اسمع.. إن كلب صاحب السعادة الجنرال» مخلوق رقيق في غاية الذوق والأدب.. 
أنت الذي استفززته» أنت الذي نفخت دخان سيجارتك في وجهه الكريم مما اضطر 
الكلب المسكين إلى عض إصبعك دفاعا عن نفسه.. سوف أقبض عليك بتهمة استفزاز 
الكلب. 

هذا ملخص قصة رائعة للكاتب الروسى الكبير أنطون تشيكوف )١9١5-١85٠(‏ 
كتبها بعنوان «الحرباء».. والمعنى وراء القصة أن بعض الناس من أجل مصالحهم 
الضيقة الصغيرة» يتلونون كالحرباء فيغيرون مواقفهم بلا خجل من النقيض إلى 
النقيض. 


وو ”* 


تذكرت هذه القصة وأنا أتابع الحملة الضارية التي يشنها كتبة النظام هذه الأيام على 
الدكتور محمد البرادعي» فقد ظل هذا الرجل لسنوات محل الحفاوة الرسمية حتى إن 
الدولة المصرية أنعمت عليه بقلادة النيل وهي أرفع وسام في مصر.. وكان كتبة النظام 
آنذاك يتنافسون في ذكر مزاياه وإنجازاته (وكلها حقيقية)» ولكن ما إن ارتفعت أصوات 
المصريين تطالب البرادعي بالترشح لرئاسة الجمهورية حتى انقلب كتبة النظام؛ مثل 
الشرطى فى قصة تشيكوف. من النقيض إلى النقيض.. فأمطروا الدكتور البرادعى 
باللعنات وحاولوا أن يقللوا من شأنه وأن يلصقوا به كل ما يسيء إليه.. ويغض النظر 
عن سقوطهم المهني والأخلاقي» فإن ذعر كتبة النظام المصري من محمد البرادعي 
يرجع إلى الأسباب التالية: 

أولا: من الصعب أن يجد المصريون الآن مرشحا لرئاسة مصر أفضل من الدكتور 
محمد البرادعي.. فهو حاصل على درجة رفيعة من التعليم (دكتوراه في القانون الدولي 
من جامعة نيويورك) ولديه من الخبرة الدولية والسياسية ما لم يكن متوفرا عند الرئيس 
مبارك نفسه عندما تولى الحكم. وهو يتمتع بعلاقات دولية واسعة واحترام في العالم 
كله.. وهو حاصل على جوائز دولية عديدة كبرى بالإضافة إلى جائزة نوبل للسلام.. 
الأهم من ذلك كله أن البرادعي لم يعتمد في نجاحه الكبير على وساطة أو قرابة» وإنما 
أثبت نفسه باجتهاده ونبوغه وإخلاصه في العمل. الأمر الذي يجعله قدوة حقيقية 
لملايين الشبان في مصر. 

ثانيًا: أثبت البرادعى فى مواقفه جميعاء أنه يقول ما يعتقده ويفعل ما يقوله.. وقد 
وقف وحده ضد الضغوط الأمريكية الهائلة وأصدر تقريرا عام :7٠٠7‏ أكد فيه أمام 
مجلس الأمن أن الوكالة الدولية للطاقة النووية التي يرأسها لم تجد في العراق أثرا 
لأسلحة الدمار الشامل مما نزع غطاء الشرعية عن العدوان الأمريكي على العراق» وقد 
أثار فضيحة أخرى للولايات المتحدة عندما تساءل عن مصير /ا/ا” طنا من المتفجرات 
اختفت من العراق بعد الاحتلال الأمريكي. ثم اتخذ بعد ذلك نفس الموقف الأمين 
الشجاع ضد الحرب على إيران.. كل ذلك جعل الإدارة الأمريكية تعارض بشدة إعادة 
ترشيحه لمنصبه عام .35٠٠5‏ أما إسرائيل فهي تتهمه علانية بموالاة الدول العربية 
والإسلامية. 


الثا: بعد أن وصل البرادعي إلى قمة إنجازه المهني, كان بمقدوره أن يخلد إلى 
تقاعد مريح ويعيش معززا مكرما في مصر أو خارجها.. كان بمقدوره أن يجامل الرئيس 
مبارك ببضع كلمات كما يفعل كثيرون سواه.. عندئذ كان النظام سيحبه ويقربه وقد 
بمنحه منصبا رفيعا في الدولة.. لكن البرادعى أثبت أن حبه لبلاده وإخلاصه لمبادثئه 
أكبر من أية حسابات ومن أية مصالح.. وقد سمعت من شهود عيان كيف التقى البرادعي 
مسئولين كبارا في النظام المصري فلم يتردد في إخبارهم برأيه في أدائهم البائس واستيائه 
البالغ من الحضيض الذي انحدرت إليه الأوضاع في بلادنا. وقد أدى هذا الموقف 
إلى استبعاده بعد ذلك من لقاء كبار المسئولين.. هذه الأمانة الأخلاقية تضع اسم 
البرادعي قبل رجال كثيرين في مصرء لا يجرأون أبدا على معارضة الرئيس مبارك أو 
أحد من أسرته (حتى فيما يخص كرة القدم). إن ابتعاد البرادعي عن أي منصب رسمي 
في مصر لمدة عشرين عاماء يضيف الكثير إلى رصيده؛ فهو لم يشترك في الفساد ولم 
تتلوث يداه بالمال الحرام ولم يشارك في تضليل المصريين وتزوير إرادتهم وقمعهم. 
ولم ينافق ولم يسكت عن الحق.. وهو بالرغم من حياته خارج مصر لم ينفصل عنها 
يوماء وهو يتابع ما يحدث للمصريين ويحس بمعاناتهم ومشاكلهم ويكفي أن نعلم أن 
نصيب البرادعي من جائزة نوبل وهو مبلغ كبير يزيد على خمسة ملايين جنيه مصري.. 
قد تبرع به بالكامل لصالح رعاية الأيتام في مصر. 

رابعًا: شيء ما في شخصية الدكتور محمد البرادعي يجعله مقبولا عند المصريين.. 
مزيج من التواضع والهدوء والتفكير المنطقي والثقة بالنفس والاعتزاز بالكرامة.. إن 
البرادعي يحقق في أذهان المصريين صورة الأب التي كانت سببا في حبهم لزعمائهم 
الكبار: سعد زغلول ومصطفى النحاس وجمال عبدالناصر. 

خامسًا: ظهور البرادعي في المشهد السياسي قد دق المسمار الأخير في مشروع 
توريث الحكم من الرئيس مبارك إلى ولده جمال.. فقد اعتمد مشروع التوريث على 
فكرتين تم الترويج لهما بلا توقف على مدى أعوام.. الفكرة الأولى أنه لا بديل لجمال 
مبارك كرئيس لمصر.. وها هو البرادعي يثبت وجود بدائل أفضل بكثير» بل إن المقارنة 
بين جمال مبارك ومحمد البرادعي من حيث الخبرة والكفاءة لا تجوز أساسا. والفكرة 
الثانية التي دأب النظام على تقديمها للدول الغربية.. أن هناك في مصر اختيارين لا 


5 


ثالث لهما: إما نظام مبارك أو الإخوان المسلمين.. وقد أثبت البرادعى أيضا تهافت 
هذه الفكرة.. فها هو رجل يحظى بحب وتقدير المصريين وهو أبعد ما يكون عن النظام 
وأبعد ما يكون أيضا عن الإخوان المسلمين. 

سادسًا: لن يكون محمد البرادعي ضحية سهلة لمؤامرات النظام المصري المعتادة.. 
لْن ب 1 يستطيء النظام أن يلفق للبرادعى 5 قضية تزوير أو فذ 1 فضيحة نسائية» ولن د 5 يستطيع أن 
يلقى به فى السجن بتهمة تشويه سمعة مصر وإثارة البلبلة.. كل هذه الأساليب المنحطة 
استعملها النظام المصري كثيرا من قبل للتخلص من معارضيه. لكنها لا تنفع مع 
أخير ا.. كما بشخص الطسس الماهر أخطر الأمراض بكلمات قليلة.. استطا 
خير يسسحص الطبير هر مراص , 7 4 


الدكتور البرادعي أن يضع يده على مواطن الخلل في النظام الاستبدادي الجاثم على 
أنفاسنا.. إن الشروط التى طالب بها البرادعى من أجل انتخابات رئاسية نزيهة ومحترمة 
هى بالضبط الخطوات التى يجب أن تقطعها بلادنا من أجل ديمقراطية سليمة.. لقد 
أكد البرادعي أنه لا يقبل أن يكون «كومبارس» في مسرحية انتخابات مزورة وأعلن أنه 
سيشترك مع المصريين في نضالهم من أجل العدل والحرية. إن ظهور البرادعي فرصة 
كبرى للوطنيين المصريين جميعا يجب ألا تضيع. يجب أن ننضم إلى الدكتور محمد 
البرادعى فى دفاعه عن حقوق المصريين المهدرة.. سوف يصل الدكتور البرادعي إلى 
مصر يوم 5 من يناير المقبل بإذن الله.. واجبنا جميعا أن نستقبل هذا الرجل العظيم 
بما يستحق من الحفاوة والتقدير.. نريد أن نثبت له أن رسالته النبيلة قد وصلتنا وأننا 
نحبه ونحترمه وسوف نبذل قصارى جهدنا معه حتى تنهض مصر وتصل إلى المكانة 


الديمقراطية هى الحل. 


وين 


منى نتعلم من الشذعحب؟١‏ 


هذه واقعة شهدتها بنفسي من سنوات: 

كنت أمر بجوار سينما راديو في وسط البلد وتوقفت لشراء الجرائد من البائعة 
الموجودة هناك.. وجدت الجرائد والكتب مفروشة في مكانها على الرصيف لكن 
البائعة لم تكن موجودة. ظننت أنها ذهبت لقضاء أمر ما وسوف تعود فوقفت أنتظرهاء 
وسرعان ما انتبهت إلى لافتة موضوعة على الجرائد مكتوبة بحروف كبيرة متعرجة. 
تقول فيها البائعة إن الشرطة قد قبضت عليها ظلما بإيعاز من صاحب معرض الأحذية 
المجاور لها وإنها تنفق من بيع الصحف على أولادها اليتامى ثم تطلب من الزبائن أن 
يختاروا ما يريدون من الصحف ويضعوا ثمنها في صندوق من الورق المقوى صنعت 
فيه فتحة من أعلى ووضعته فوق الجرائد.. أخذت الجريدة ووضعت ثمنها في فتحة 
الصندوق ثم خطر لي أن أرى ما سوف يفعله بقية الزبائن. ابتعدت عن المكان وأخحذت 
أراقب ما يحدث لمدة نصف ساعة كاملة.. توافد على المكان عدة زبائن» تصرفوا جميعا 
بنفس الطريقة.. قرأ كل واحد فيهم اللافتة واستغرب وتردد قليلا ثم أخذ ما يريد من 
جرائد ووضع الثمن في فتحة الصندوق. شخص واحد تصرف بطريقة مختلفة: بعد 
أن أخذ الجريدة قام بفتح الصندوق وسحب منه بعض المال ثم وضع ورقة مالية كبيرة 
فيه وأغلقه.. أي أنه فك الورقة المالية من الصندوق!! 

فكرت بعد ذلك فيما حدث.. هؤلاء مصريون عاديون وجدوا أنفسهم فجأة بلا 
رقيب» كان بإمكان أي واحد فيهم أن يأخذ ما يريده من جرائد ومجلات مجانا أو 
يستولي على النقود من الصندوق لكنهم جميعا تصرفوا بأمانة وحرصوا على إعطاء 
١‏ 


البائعة الغائبة حقها كاملا.. فكرت أيضا أن هؤلاء المارة» بالرغم من تصرفهم الشريف 
مع البائعة» قد يتصرفون بطريقة مختلفة في مواقف أخرى.. فلو أنهم استطاعوا مثلا 
أن يتهربوا من دفع الضرائب لما ترددوا لحظة. ما الذي يجعل نفس الشخص يتصرف 
بأمانة مع بائعة متجولة ثم يتحايل للتهرب من دفع الضرائب؟! 

السبب أنهم في الحالة الأولى وجدوا أنفسهم إزاء قضية حقيقية عادلة: سيدة مكافحة 
تربي أيتاما قبضت عليها الشرطة ظلما.. أما ضرائب الدولة فهي بالنسبة إليهم قضية كاذبة. 
لأنهم يدركون مدى فساد الحكومة ويعلمون أن الفقير في مصر هو الذي يدفع الضرائب 
كاملة» أما الأغنياء والكبراء فعادة ما يستعينون بمكاتب محاسبة كبيرة تعفيهم من الضرائب 


هؤلاء المارة البسطاء يشكلون نموذجا للكتلة الكبرى من الشعب المصري.. إن أعضاء 
الحزب الوطني الحاكم والمنتمين إلى الإخوان المسلمين والناشطين السياسيين وأعضاء 
الأحزاب السياسية جميعاء كل هؤلاء لايزيد عددهم في أفضل تقدير على خمسة ملايين 
مصري.. معنى ذلك أن هناك خمسة وسبعين مليون مصري يشكلون الأغلبية الصامتة 
في مصر وهم منسحبون تماما من الحياة السياسية. 

وهذا الانسحاب يعود في رأبي إلى ثلاثة أسباب: أولا أن المصريين لا يثقون 
إطلاقا في كل ما يفعله النظام أو يقوله بل إنهم يستدلون من البيانات الرسمية على 
عكس ما تؤكده.. فإذا أعلنت وزارة الصحة مثلا عن خلو مصر من مرض ما تأكد لهم 
أن المرض موجود. وإذا نفت الحكومة نيتها في رفع الأسعار تأكد لهم أنها سترفعها.. 
هذا التراث من انعدام الثقة بين المصريين والحكومة يجعلهم دائما يفضلون عدم 
التعامل معها لأنهم لا يتوقعون منها إلا الكذب والشر.. السبب الثاني أن المصريين 
لا يرون في صفوف المعارضة شخصية مقنعة لها مصداقية وهم يعتبرون أن معظم 
أحزاب المعارضة لا تقل فسادا ولا نفاقا عن الحكومة.. والسبب الثالث لانسحاب 
المصريين أنهم يخوضون نضالا يوميا مريراء يستنفد طاقتهم؛ من أجل توفير الطعام 
ونفقات التعليم لأولادهم. 


على أن انسحاب معظم المصريين من العمل العام لا يعني إطلاقا أنهم سلبيون 
أو جبناء أو غير مهتمين بما يحدث في بلادهم.. بالعكس فإن لديهم طريقتهم في 
تقدير الأحداث والتفاعل معها.. هؤلاء الصامتون هم الذين تظاهروا بالآلاف في 
محافظات مصر جميعا وتحملوا الضرب والاعتقال والتعذيب» احتجاجا على العدوان 
الأمريكي على العراق وتعاطفا مع ضحايا مذبحة غزة» وهؤلاء الصامتون هم الذين 
نظموا مئات الإضرابات وخرجوا ليقطعوا الطرق السريعة احتتجاجا على الظروف غير 
الآدمية التي يعيشون فيها.. إن الإنسان المصري البسيط كثيرا ما يملك فطرة سياسية 
سليمة تمكنه من التقدير الصحيح أفضل من بعض الأكاديميين والمثقفين.. ففي عام 
مات جمال عبد الناصر بعد ما لحقت به هزيمة مهينة أدت إلى احتلال مصر. . 
واشتبك المثقفون يوم ذاك في نقاش طويلء ما زال مستمرا حتى اليوم» عن إيجابيات 
عبد الناصر وسلبياته.. أما المصريون العاديون فقد خرجوا بالملايين يودعون جثمان 
الزعيم في مشهد أسطوري لم تعرفه مصر من قبل إلا مع الزعيم سعد زغلول.. لقد 
غفر المصريون لعبد الناصر هزيمته وعيوب نظامه لأنهم أدركوا بحسهم السليم كم كان 
مخلصا وشريفا ونبيلا.. وبعد ذلك بسنوات عندما وقع أنور السادات اتفاقية الصلح 
مع إسرائيل» لم يستطع المصريون معارضة الاتفاقية لكنهم أبطلوا مفعولها بطريقتهم 
فقاطعوا الإسرائيليين تماما ولم يسامحوا أي مصري تعامل معهم.. إن الأغلبية الصامتة 
في مصر ليست في غيبوبة وليست منعزلة عن الحياة لكن لها طريقتها الخاصة في تقدير 
الأحداث والتفاعل معها. 

خلال الأحداث المؤسفة التى جرت مؤخرا بين مصر والجزائر بسبب مباراة كرة 
القدم.. وبغض النظر عن الحرب الإعلامية المنحطة المتبادلة بين البلدين» أحس 
المصريون بأن ما حدث في «أم درمان» أكبر بكثير من شغب الملاعبء لقد تورط 
النظام الجزائري في جريمة منظمة استعملت فيها طائرات حربية لجلب البلطجية 
الذين اعتدوا على كرامة وأعراض المصريين.. أحس المصريون بالغضب لكن بعض 
الكتاب والمثقفين» كعادتهم. لم يفهموا إحساس المصريين بالإهانة وتعالوا عليهم 
واتهموهم بالغوغائية. في الأسبوع الماضي أصدرت المناضلة الجزائرية الشهيرة 
جميلة بو حريد بيانا أعلنت فيه أنها تعاني من ضائقة مالية وتحتاج إلى نفقات لعلاجها 


6 


من أمراض الشيخوخة.. وتم فتح باب التبرع من أجل جميلة بو حريد فبلغت تبرعات 
المصريين كما نشرت جريدة اليوم السابع ١‏ ألف جنيه في يومين اثنين.. وهكذا يثبت 
المصريون مرة أخرى حسهم الحضاري الرفيع.. فهم يطلبون اعتذارا رسميا من النظام 
الجزائري على الجرائم التي ارتكبها في حق المصريين لكنهم في نفس الوقت يفهمون 
جيدا الفرق بين النظام الجزائري والشعب الجزائريء ويفهمون أيضا الفرق بين بلطجية 
الجزائر وأبطالها وشهدائها.. وبالرغم من إحساسهم بالإهانة مما فعله بلطجية الجزائر 
فإنهم يعتبرون أن من واجبهم المساهمة بقدر المستطاع في علاج مناضلة عظيمة طالما 
أحبوها واعتبروها نموذجا للشرف والشجاعة. 


ليس المقصود بالطبع أن المصريين شعب بلا عيوب. بل إن النظام الفاسد الظالم 
الجاثم على أنفاس المصريين قد أصابهم بعيوب سلوكية عديدة من واجبنا أن 
ننتقدها ونعالجها لكن ليس من حقنا أبدا أن نتعالى على المصريين أو نسخر منهم 
أو نهينهم. 

إن قيمة المثقف الحقيقية تتحدد وفقا لعلاقته بالناس. هكذا يعلمنا التاريخ.. إن 
المثقف الذي ينفصل عن الشعب ويحتقره. يفقد قيمته وتأثيره فوراء مهما تكن درجة 
موهبته أو ثقافته. 

آخر الدروس التى نتعلمها من الشعب المصري رد فعله على محاولات التوريث.. 
على مدى سنوات تم إنفاق ملايين الجنيهات وعقدت عشرات الندوات وكتبت مئات 
المقالات من أجل تقديم الأستاذ جمال مبارك كرئيس مصر القادم.. لكن المصريين 
لم يقتنعوا بذلك قط وما إن ظهر الدكتور محمد البرادعي كمرشح محتمل للرئاسة 
وأحس المصريون بكفاءته وإخلاصه حتى اندفعوا يؤيدونه بحماس.. إن مصر مؤهلة 
الآن للتغيير أكثر من أي وقت مضى.. لكن التغيير لن يتم إلا إذا تعلمنا كيف نفهم 
الشعب المصري ونحترمه ونحبه.. عندئذ فقط سوف تنهض مصر. 


هل تدفع غزة ثمن التوريث؟! 


بعد أن نشرت الخبر جريدة «هاآرتس» الإسرائيلية وأكدته الإدارة الأمريكية» اعترفت 
الحكومة المصرية ‏ أخيرا بأنها تبني جدارا فولاذيا تحت الأرض على طول الحدود 
مع غزة من أجل إغلاق الأنفاق التي يستعملها الفلسطينيون لتهريب الطعام والأدوية.. 
في ظل حصار خانق قامت به إسرائيل منذ أكثر من عامين واشتركت فيه مصر بإغلاق 
معبر رفح أمام الفلسطينيين.. ولنا هنا بعض الملاحظات: 

أولا: الهدف من حصار غزة ‏ كما أعلنت إسرائيل ‏ هو القضاء على المقاومة 
الفلسطينية وتجويع أهل غزة حتى يركعوا أمام إسرائيل ويقبلوا بشروطها للتسوية النهائية 
التي سوف تضيع حقوق الفلسطينيين إلى الأبد.. لكن الصمود الأسطوري للفلسطينيين 
دفع إسرائيل إلى ارتكاب مذبحة وحشية» استعملت فيها الأسلحة المحرمة دوليا وراح 
ضحيتها أكثر من ألف وأربعمائة إنسان نصفهم على الأقل من النساء والأطفال.. 
وبرغم المذبحة والحصار لم يستسلم الفلسطينيون وظلوا يقاومون بشجاعة مما دفع 
إسرائيل إلى التفكير في طريقة لخنقهم نهاتيا.. والثابت أن الجدار الفولاذي تحت 
الأرض فكرة إسرائيلية أساسا ترددت الحكومة المصرية في تنفيذها ثم وافقت مؤخرا 
وشرعت في إقامة الجدار الذي تم تصنيعه بتمويل وإشراف الأمريكيين.. والغرض 
من هذا الجدار هو قتل الفلسطينيين بمعنى الكلمة» لأنه يقضي على آخر فرصة لهم 
في الحصول على الطعام. 

انيًا: إن إغلاق الحكومة المصرية لمعبر رفح ومنع قوافل الإغاثة العربية والدولية 
من دخول غزة ثم إقامة الجدار الفولاذي لتجويع الفلسطينيين.. كل هذه جرائم مشينة 


54 


من المحزن حقا أن يرتكبها النظام المصري ضد إخوتنا في العروبة والإنسانية. إن 
التضامن العربي والواجب المصري نحو المسلمين والمسيحيين في فلسطين» كل 
هذه اعتبارات لم تعد تعني شيئا للمسئولين المصريين وهم يسخرون منها على الملا. 
لكن النظام المصري. في خضم حماسه لإرضاء إسرائيل» لم يلتفت إلى أنه يشوه 
صورته أمام العالم أجمع.. إن مذبحة غزة الأخيرة قضت على ما تبقى من سمعة 
إسرائيل أمام العالم. لقد تزايدت أصوات الإدانة لإسرائيل في الدول الغربية بطريقة 
غير مسبوقة. في شهر أكتوبر الماضي ذهب رئيس الوزراء الإسراتيلي السابق إيهود 
أولمرت لإلقاء كلمة في جامعة شيكاجوء فوجد نفسه محاصرا بهتافات عدائية من 
الطلبة الذين أخذوا يصيحون في وجهه: ليا سفاح غزة.. يا قاتل الأطفال»» ولقد 
صدرت عدة أوامر قضائية غربية بملاحقة قادة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب 
في غزة ولبنان. حدث ذلك في بلجيكا والنرويج وإسبانيا وأخيرا في بريطانيا حيث 
كادت الشرطة البريطانية أن تقبض على تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية 
السابقة لولا هروبها في اللحظة الأخيرة. صحيح أن معظم هذه الملاحقات القانونية 
تم إلغاؤها بفعل الضغوط الصهيونية الجبارة على الحكومات الغربية.. لكنها تدل 
بوضوح على حالة عالمية من إدانة إسرائيل لم تكن موجودة قط من قبل.. إن النظام 
المصري ببنائه لهذا الجدار لا يغامر فقط بشعبيته المصرية والعربية (التي هي في 
الحضيض) لكنه يلطخ سمعته الدولية تماما. 

الثًا: كل الحجج التي يسوقها النظام لتبرير بناء الجدار لا يمكن أن تقنع طفلا 
صغيرا.. يقولون إن مصر حرة في إقامة الجدار ما دام داخل حدودها ويتجاهلون أن 
حرية أية دولة وفقا للعرف والمنطق والقانون الدولي ليست مطلقة لكنها مقيدة بحقوق 
الآخرين.. فلا يمكن أن تتسبب مصر في تجويع مليون ونصف مليون إنسان يعيشون 
بجوارها ثم تزعم أنها حرة فيما تفعله. يقولون إن الأنفاق تستعمل في تهريب أسلحة 
إرهابية إلى مصر. ونحن نقول إن الأسلحة قد يتم تهريبها عن طريق ليبيا أو السودان 
فهل تعتزم الحكومة المصرية إقامة جدران فولاذية على طول حدودها مع دول الجوار 
جميعا؟! وإذا كانت وزارة الداخلية المصرية» بأجهزتها الأمنية العملاقة» عاجزة عن 
حماية الحدود فماذا تفعل بمبلغ 8 مليارات جنيه مصري تنفقها سنويا كميزانية من 
أموال الشعب المصري؟! 


إن النظام يرفع الآن شعار «الأمن القومي المصري خط أحمر».. ونحن نؤمن بهذا 
الشعار ولا نختلف عليه لكن الآمن القومى» فى رأيناء يبدأ بتحديد من عدو مصر.. هل 
هي إسرائيل أم أهل غزة؟! وإذا كانت إسرائيل عدوتنا وهذه هي الحقيقة ألا يكون من 
مصلحة مصر القومية دعم المقاومة الفلسطينية؟! ألم يفكر أحد لماذا اضطر الفلسطينيون 
إلى حفر الأنفاق تحت الأرضص؟! لقد كانت الوسيلة الوحيدة لإبقائهم على قيد الحياة.. 
هل كان الفلسطينيون يحفرون الأنفاق لو كانت مصر تفتح معبر رفح وتسمح بدخول 
الطعام والأدوية إليهم؟! وعندما تنشئ مصر هذا الجدار لتقتل الفلسطينيين جوعا هل 
نلومهم إذا منعوا إقامته بالقوة أو سعوا لتدميره؟! ألا يعد ذلك دفاعا شرعيا عن النفس؟ ! 
يتحدث المسئولون كثيرا عن الضابط المصري الشهيد الذي قتله رصاص أطلق من غزة: 
ونحن نأسف بشدة من أجل هذا الشهيد لكننا نذكر أنه لا يوجد دليل واحد على أنه قتل 
برصاص حركة حماسء ونذكر أيضا أن إسرائيل قتلت باعترافها العديد من الضباط 
والجنود المصريين على الحدود.. فلماذا لم تغضب حكومتنا من أجل الأمن القومي 
آنذاك؟! وأين كان هذا الأمن القومى عندما اعترف الإسرائيليون بقتل مئات الأسرى 
المصريين ودفنهم في مقابر جماعية أثناء الحرب ولم يتخذ المسئولون في مصر إجراء 
واحدا ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين؟! يقول المسئولون في مصر إنهم يغلقون معبر 
رفح خوفا من هجرة جماعية فلسطينية إلى مصر.. وهذه حجة سخيفة وساذجة فالذي 
بأموالهم ما يحتاجونه من التجار المصريين ثم عادوا من حيث أتوا.. ثم ماذا نتوقع من 
الفلسطينيين بعد ما أغلقنا بالجدار الفولاذي آخر فرصة للحياة أمامهم؟! هل يلومهم 
أحد إذا اندفعوا بالألوف واجتاحوا معبر رفح بالقوة هربا من الموت جوعا؟! إن هذا 
الجدار» بالإضافة إلى كونه فعلا مشينا ووصمة عار على جبين الحكومة المصرية لن 
تزول أبداء يشكل خطرا حقيقيا على الأمن القومي المصري. 

أخيرا.. ما الذي يدفع النظام المصري إلى كل هذا الخضوع للسياسة 
الإسرائيلية؟! 

هناك سببان لذلك.. أولا أن النظام يعتبر أي انتصار لحركة حماس دعما للاخوان 
المسلمين مما يهدد الحكم في مصر.. وهذا خطأ كبير لآن انتصار المقاومة أكبر تدعيم 


51 


لمصر وليس خطرا عليها أبدا.. كما أن الإخوان المسلمين؛» بحكم حجمهم وتأثيرهم. لا 
يشكلون تهديدا حقيقيا للنظام المصري الذي يشيع ذلك دائما من أجل تبرير الاستبداد. 
أما السبب الثاني فهو أن النظام المصري قد تعلم أن تنفيذ رغبات إسرائيل هو الطريق 
المضمون إلى الرضا الأمريكى.. لقد حصلت إسرائيل من مصر فى سنوات قليلة على 
واتفاقيات لبيع الغاز والأسمنت وحصار الفلسطينيين وأخيرا هذا الجدار المشين.. 
من هنا نفهم الرضا الأمريكي على نظام مبارك.. منذ أيام صرحت السفيرة الأمريكية 
في القاهرة مارجريت سكوبي قائلة: «أعتقد أن الديمقراطية في مصر على ما يرام». 
هذا التصريح الغريب يوضح لنا إلى أي مدى يسيطر اللوبي الصهيوني على السياسة 
الأمريكية.. ستظل أمريكا راضية عن نظام الاستبداد في مصر ما دامت إسرائيل راضية 
عنه.. هل يمكن بعد ذلك للسيدة سكوبي أن تتساءل لماذا يكره المصريون السياسة 
الأمريكية ويتهمونها بالنفاق وازدواجية المعايير؟! 


أخيرا.. إن جريمة بناء الجدار لتجويع الفلسطينيين ليست بمعزل عن قضية الإصلاح 
الديمقراطي في مصر؛ فقد وافق النظام على بناء الجدار لأنه يحتاج إلى الدعم الأمريكي 
لمشروع توريث الحكم من الرئيس مبارك إلى ولده جمال.. وهنا نرى نموذجا خطيرا 
لعواقب الحكم الاستبدادي.. إن مصلحة النظام في مصر صارت بالفعل مناقضة 
لمصلحة الشعب المصري.. لو كان نظام مبارك ديمقراطيا لما جرؤ أبدا على الاشتراك 
في حصار الفلسطينيين وتجويعهم. إن الأنظمة الديمقراطية» وحدهاء هي التي تتوحد 
مصالحها مع مصلحة الشعب والوطن. 


أهمية أن تكون إنسانًا 


عزيزي القارئ.. 

تخيل أنك مواطن غربي من السويد أو فرنسا أو الولايات المتحدة.. هل تفضل 
أن تقضي إجازة عيد الميلاد ورأس السنة في بلدك أم تحب أن تقضيها نائما على 
الأسفلت في شوارع القاهرة؟ الاختيار الأول طبيعى لأن كل إنسان يحب أن يقضي 
الأعياد منعما مكرما وسط أهله. أما الاختيار الثاني فهو ما فعله ١5٠٠‏ ناشط أجنبي 
من محبي السلام ينتمون إلى 5 دولة حول العالم» جاءوا إلى مصر ليعلنوا تضامنهم 
الكامل مع الفلسطينيين المحاصرين في غزة» وقد حملوا إليهم كل ما أمكنهم من الأغذية 
والأدوية.. وافقت السلطات المصرية في البداية على استقبال هؤلاء الناشطين؛ لكنهم 
لما وصلوا إلى القاهرة قررت فجأة منعهم من دخول غزة» ولما اعتصموا واحتجوا 
حاولت الحكومة أن تصرفهم وقدمت لهم رحلات سياحية مجانية» لكنهم رفضوا 
وأصروا على إيصال الطعام والدواء إلى الفلسطينيين.. عندئذ قامت الشرطة المصرية 
بالاعتداء عليهم وسحلهم على الأرض وضربهم بوحشية.. هذه الوقائع المؤسفة 
تحمل أكثر من معنى: 

أولا: هؤلاء الناشمطون الأجانب مثقفون وكتاب وفنانون ومهنيون. أي أنهم يتمتعون 
بحياة كريمة في بلادهم وبعضهم بلغ مرحلة الشيخوخة. التي يحتاج فيها إلى الراحة.. 
لكنهم جميعا يتمتعون بضمير إنساني يقظ جعلهم يرفضون أن يقفوا متفرجين على 
تجويع مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة» بعد حصار إسرائيلي خانق استمر لأكثر 
من عامين ومجزرة استعملت فيها إسرائيل الأسلحة الممنوعة دوليا مما أدى إلى مقتل 
517 


ألف وأربعمائة شخص معظمهم من المدنيين. إن هؤلاء الشرفاءء الذين جاءوا من 
بلادهم ليدافعوا عن حقوق أهلنا في فلسطين» مجرد عينة من محبي السلام والعدالة 
في الغرب.. هؤلاء الذين يتظاهرون ضد العنصرية وتوحش الرأسمالية وسياسات 
العولمة وتدمير البيئة بواسطة الشركات الصناعية العملاقة.. الذين خرجوا في مظاهرات 
بالملايين لإدانة العدوان الأمريكي على العراق» وهم وإن كانوا لم ينجحوا حتى الآن 
في التأثير على صناع القرار في حكوماتهم إلا أنهم يتبنون حركة واسعة تزداد قوة 
وشعبية يوما بعد يوم. 

ثانيًا: الدرس الذي يقدمه هؤلاء الناشطون الأجانب أن واجبنا الأول الدفاع عن 
المضطهدين في أي مكان. وأن انتماءنا للإنسانية يجب أن يسبق أي انتماء آخر. 
السؤال هنا: هل يعتبر أي واحد منا نفسه في المقام الآول مسلما أو قبطيا أو عربيا أم 
أنه يعتبر نفسه إنسانا قبل أي شيء؟ الإجابة الصحيحة ليس فيها تناقض. لأن الديانات 
جميعا جاءت لتدافع عن القيم الإنسانية الكبرى: العدل والحق والحرية.. لكننا في 
اللحظة التي نعتبر فيها أنفسنا أفضل من سوانا في الدين أو العنصر سرعان ما ننحدر 
إلى الكراهية والتعصب.. في نفس الأسبوع الذي وصل فيه هؤلاء الأجانب حاملين 
المساعدات إلى أطفال غزة صدرت دعاوى متطرفة مؤسفة في مصر تحذر المسلمين 
المصريبن من مشاركة إخوانهم الأقباط في الاحتفال بعيد الميلاد المجيد.. هنا تتمثل 
أمامنا رؤيتان متناقضتان للعالم.. واحدة متسامحة تدافع عن حقوق البشر جميعا بلا 
تمييز والأخرى متطرفة تكره المختلفين عنها وتحتقرهم ولا تعترف بحقوقهم.. إن 
معظم هؤلاء الناشطين الأجانب يتتمون إلى الديانة المسيحية وبعضهم يهود. لكنهم 
معادون بشدة لسياسة إسرائيل الإجرامية. وقد جاءت معهم سيدة على كرسي متحرك 
عمرها 5 عاما اسمها هيدي أبستين» وهي إحدى الناجيات من المحرقة التي أقامها 
النازيون لليهود» وبالرغم من شيخوختها وصحتها المتدهورة.. أصرت هذه السيدة 
على أن تحمل بنفسها الطعام والهدايا لأطفال غزة» لعل في هذا التضامن الإنساني 
الراقي ما يجعلنا نتريث قبل أن ننساق إلى الأفكار المتطرفة» التي ترى في المسيحيين 
واليهود. جميعا بلا استثناء أعداء للإسلام والمسلمين. 


ثالعًا: الاعتداء الهمجى العنيف الذي تعرض له هؤلاء الناشطون على أيدي أفراد 
الشرطة المصرية» تم تصويره بعشرات الكاميرات وهو يبث الآن عبر الإنترنت في كل 
متظاهرة أجنبية من شعرها ويسحلها على الأرض ثم يوسعها ضربا وركلا بيديه وقلميه.. 
إسرائيل حتى تضغط على الإدارة الأمريكية لتقبل بتوريث الحكم من الرئيس مبارك 
إلى ابنه جمال.. ما زالت وسائل الإعلام المصري مستمرة في ترديد الأكاذيب من 
أجل تبرير جريمة الجدار الفولاذيء الذي يقضي على آخر فرصة للفلسطينيين في 
الحصول على الطعام والدواء. 

كل يوم يخرج علينا منافقون من أعضاء الحزب الحاكم ليؤكدوا أن الجدار الفولاذي 
ضروريء وأن الأنفاق بين مصر وغزة تستعمل في تهريب المخدرات وفتيات الليل 
الروسيات (!) هذا الكلام الخائب لم يعد يقنع أحدا.. إن سمعة النظام المصريء العربية 
والدولية» لم تكن في أي وقت أسوأ مما هي عليه الآن.. إن عبارة «تواطؤ الحكومة 
المصرية مع إسرائيل في حصار غزة» تتردد الآن بقوة في وسائل الإعلام العالمية: 
على أن الاعتداء على الناشطين الأجانب يكشف أيضا أن الحكومات الغربية واقعة 
بالكامل في قبضة التأثير الصهيونيء فهؤلاء الأجانب الذين تم سحلهم وضربهم في 
القاهرة» لو تعرضوا لأقل اعتداء فى ظروف عادية» لكانت سفاراتهم قد بعثت إليهم 
فورا بمندوبين ومحامين وبذلت كل جهدها للحصول على حقوقهم. لكنهم هذه المرة 
يمارسون نشاطا علنيا معاديا لإسرائيل» وبالتالي لآذت سفاراتهم في القاهرة بالصمت.. 
بل إن الحكومات الغربية» التي تثير ضجة كبرى عندما يقمع المتظاهرون في الصين 
أو إيران (أو فى أي دولة تتبنى سياسات معادية للغرب).. لم تنطق بكلمة وهي تشاهد 
مواطنيها يسحلون في شوارع القاهرة.. والسبب أنهم يتظاهرون ضد إسرائيل» التي لا 

أخيرا.. يبقى سؤال محرج: إذا كان هو لاء الأجانب قد قطعوا آلاف الأميال وتركوا 
حياتهم المريحة ليفكوا الحصار عن أطفال غزة.. فماذا فعلنا نحن المصريين؟! ألسنا 
أولى من الأجانب بنصرة أهلنا في غزة؟ 
5١‏ 


صحيح أن المصريين جميعا متعاطفون تماما مع إخوانهم في غزة» لكن رد فعل 
الشارع المصري يظل أقل بكثير من الواجب.. لماذا لم يخرج ملايين المصريين إلى 
الشوارع ليضغطوا على النظام من أجل فك الحصار عن غزة؟ الأسباب عديدة وأولها 
القمع.. في البلاد الديمقراطية من حق الإنسان أن يتظاهر تعبيرا عن رأيه المظاهرات 
هناك تخرج في حماية الشرطة.. أما في مصرء المنكوبة بالاستبداد» فإن كل من 
يتظاهر يتعرض إلى الاعتقال والضرب والتعذيب فى مباحث أمن الدولة.. أضف إلى 
ذلك أن كثيرا من قادة الرأي العام في مصر إما متواطئون مع الحكومة أو خائفون من 
إغضابها. 

وهكذا بينما كان الناشطون الأجانب يتلقون ضربات الأمن المركزي وهم يهتفون 
«الحرية لغزة».. لزمت أحزاب المعارضة المصرية الصمت البليغء بينما اكتفى الإخوان 
المسلمون بإدانة الجدار في مجلس الشعب ولم ينظموا مظاهرة واحدة في الشارع.. 
ويبدو أن تنظيم المظاهرات عند الإخوان المسلمين» مسألة صعبة للغاية تخضع 
لحسابات معقدة لم يعد بمقدور أحد أن يفهمها.. وقد فوجئ المصريون بفتاوى شرعية 
رسمية تؤكد أن إقامة الجدار الفولاذي لخنق الفلسطينيين حلال شرعا.. هكذا أكد 
أعضاء مجمع البحوث الإسلامية وشيخ الأزهر ومفتي الجمهورية ووزير الأوقاف.. 
أما مشايخ السلفيين فقد أبدوا تعاطفهم الكامل مع أهل غزة لكنهم في نفس الوقت 
نهوا أتباعهم بشدة عن التظاهر.. وهم يؤكدون أن المظاهرات غير مفيدة إطلاقا لأنها 
لن تغير شيئاء كما أنها قد تضم نساء سافرات غير محجبات (!) هذا المنطق المتخاذل» 
الذي يخلط الأولويات يفسر سبب تسامح النظام المصري الدائم مع مشايخ السلفيين» 
الذين يتشددون دائما في العبادات والمظاهرء أما في السياسة فهم يعرفون الخطوط 
الحمراء جيدا ولا يتجاوزونها أبدا. 

إن المصريين» مثل الفلسطينيين» محاصرون تماما بجدار فولاذي من الاستبداد 
والظلم والقمع يخنقهم ويحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.. الجدار واحد والهم 
واحد والخلاص أيضا بإذن الله واحد. 


الديمقراطية هى الحل. 


51 


من فقتل المصريين في يوم العيد؟! 


في عام ١971‏ تشكلت لجنة لوضع أول دستور مصري.. إلا أن الوفد (حزب 
الأغلبية آنذاك) أعلن مقاطعته لهذه اللجنة لأنها تشكلت بالتعيين وليس بالانتخاب 
الحر. وبالرغم من ذلك فقد ضمت اللجنة مجموعة من أفضل العقول المصرية وشهدت 
سجالا سياسيا وفكريا رفيعا حول البنود المقترحة للدستور المصري.. وقد ارتفعت 
أصوات تنادي بالتمثيل النسبي للأقباط» بمعنى أن يكون للأقباط دائما نسبة معينة من 
المقاعد في المجالس النيابية والمحلية. تحول الاقتراح بسرعة إلى قضية رأي عام 
كبرى.. المؤيدون للتمثيل النسبي كانوا يريدون إنصاف الأقباط وتفويت الفرصة على 
التدخل البريطاني في مصر بحجة حماية الأقلياتء أما المعارضون فكانوا يرفضون 
اعتبار الأقباط أقلية دينية بل يعتبرونهم مواطنين مصريين يجب أن يتم تقييمهم بمعيار 
الكفاءة وحدها.. المدهش أن معظم من عارضوا التمثيل النسبي كانوا أقباطا.. فبالإضافة 
إلى الدكتور طه حسين المسلم عارض الاقتراح المفكر سلامة موسى والأستاذ عزيز 
ميرهم» الذي جمع توقيع خمسة آلاف قبطي من المعارضين والقمص بطرس عبد الملك 
رئيس المجلس الملي العام ورئيس الكنيسة المرقسية الكبرى وأقباط آخرون كثيرون. 
وهكذا سقط الاقتراح ليسجل الأقباط واحدة من أعظم الوقائع في تاريخنا الحديث 
عندما رفضوا التمتع بامتيازات طائفية تحت أي مسمى. 

تذكرت هذه الواقعة وأنا أقرأ عن مذبحة نجع حمادي البشعة» التي راح 
ضحيتها ستة أقباط تم قتلهم بالرصاص أثناء خروجهم من الكنيسة يوم العيد.. 
السؤال: لماذا رفض الأقباط منذ 46 عاما أن يتمتعوا بأي امتياز طائفيء ولماذا 


515 


يذبحون اليوم في ليلة عيد الميلاد على أبواب الكنائس؟! هذه في رأييى بعض 

أولا: يؤكد لنا تاريخ مصر أن الفتنة الطائفية تنتشر دائما في أوقات الإحباط القومي. 
في بداية القرن العشرين انتابت المصريين حالة من اليأس بسبب الاحتلال البريطاني 
سرعان ما تحولت إلى فتنة طائفية قبيحة (لعبت فيها الأصابع البريطانية كالعادة), 
ووصلت إلى ذروتها منذ ١9٠١4‏ وحتى .».١91١١‏ ولكن ما إن جاءت ثورة ١919‏ 
حتى انصهر فيها الجميغ» بل إن بعض الاقباط مثل القمص سر جيوس كانوا من دعاة 
الفتنة فتحولوا مع الثورة إلى أكبر المدافعين عن الوحدة الوطنية. في مصر الآن الكثير 
من الإحباط والكبت والفقر والظلم. كل هذه العوامل تؤدي بالمصريين إلى التناحر 
الطائفي.. تماما كما تؤدي بهم إلى العنف والجريمة والتحرش الجنسي. 

ثانيًا: في عام ١977‏ عندما رفض الأقباط الامتيازات الطائفية وبالرغم من الاحتلال 
البريطانى» كانت مصر تناضل لتؤسس دولة مدنية ديمقراطية يتساوى فيها المواطنون 
جميعا أمام القانون.. كانت هناك قراءة مصرية متسامحة للإسلام أسس لها الإمام 
المصلح محمد عبده (21505-1/854). الذي استطاع أن يخلص العقل المصري من 
الخزعبلات والتعصب. فشهدت مصر نهضة حقيقية في كل المجالات مثل تعليم 
المرأة والمسرح والسينما والأدب» ولكن منذ نهاية السبعينيات» بدأت مصر تعرف 
فهما آخر للإسلام؛ الفكر السلفي الوهابي المتشدد الذي اصطلح الفقهاء المصريون 
على تسميته بفقه البداوة.. وقد ساعد على انتشار الفكر الوهابى عدة عوامل» أهمها 
ارتفاع سعر النفط بعد حرب أكتوبر مما أعطى للجماعات السلفية قدرات مالية غير 
مسبوقة استعملتها في نشر أفكارها في مصر والعالم» كما هاجر ملايين المصريين 
للعمل في دول الخليج وعادوا بعد سنوات مشبعين بالأفكار الوهابية» وقد انتشر هذا 
الفكر برعاية مؤكدة من أجهزة الأمن السياسي في مصرء التي تعاملت دائما مع مشايخ 
السلفيين بتسامح كامل بعكس القمع الشديدء الذي تمارسه ضد الإخوان المسلمين.. 
والسبب في ذلك أن السلفية الوهابية» تساعد على ترسيخ حكم الاستبداد لأنها تدعو 


المشكلة أن الأفكار الوهابية تحمل رؤية معادية للحضارة بمعنى الكلمة» ففي ظلها 
يكون الفن حراما والموسيقى والغناء حراما والسينما والمسرح حراما والأدب كذلك.. 
الفكر الوهابي يفرض على المرأة العزلة خلف النقاب أو البرقع التركي» الذي تحررت 
منه المرأة المصرية منذ مائة عام.. وهو يعلن بوضوح أن الديمقراطية حرام لأنها تعني 
حكم الشعبء بينما الوهابيون يريدون تطبيق حكم الله (وفقا لإرادتهم بالطبع). 

الأخطر في الفكر السلفي الوهابي أنه ينسف فكرة المواطنة من أساسها.. فالأقباط 
في نظرهم ليسوا مواطنين وإنما أهل ذمة» أقلية مهزومة مستسلمة في بلاد فتحها 
المسلمون. كما أنهم كفار مشركون قريبون من كراهية الإسلام والتآمر عليه» لا يجوز 
الاحتفال بأعيادهم ولا مساعدتهم في بناء الكنائس لأنها ليست دور عبادة وإنما أماكن 
للشرك بالله. ولا يجوز للنصارى في نظر الوهابيين أن يتولوا الحكم أو قيادة الجيوش 
مما يعني انعدام الثقة في ولائهم للوطن.. وكل من يتابع صورة الأقباط في عشرات 
القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت السلفية لا بد أن يحس بحزن. فهذه المنابر التي 
يتابعها ملايين المصريين يوميا تعلن بوضوح كراهيتها للأقباط واحتقارها لهم وكثيرا 
ما تدعو إلى مقاطعتهم وعدم التعامل معهم. 

الأمئلة بلا حصر لكني سأورد هنا ما قرأته في الموقع السلفي الشهير «حراس 
العقيدة»» الذي خصص موضوعا كاملا بعنوان: الماذا المسلم أفضل من القبطي؟ !2 
فكتب مايلى: «أن تكونى فتاة مسلمة قدوتك زوجات الرسول وَةٍ اللائي فرض عليهن 
الحجاب أفضل من أن تكونى مسيحية قدوتك الزواني».. «أن تكون رجلا مسلما 
مجاهدا تدافع عن العرض والدين أفضل من أن تكون مسيحيا سارقا مغتصبا قاتلا 
للأطفال». «أن تكون مسلما قدوتك محمد يَكلهِ وصحابته الكرام أفضل من أن تكون 
مسيحيا قدوتك بولس الكذاب وأنبياء زناة». 

مع انتشار كل هذا العداء للأقباط ألا يصير الاعتداء عليهم طبيعيا بل ومحتوما؟! 


ثالمًا: اتتقلت عدوى التطرف من المسلمين إلى الأقباط فنشأت أجيال منهم منعزلة 
عن المجتمع وتورط بعض الأقباط في خطاب التعصب والكراهية ذاته» وليس هناك 
أشهر من القس زكريا بطرس الذي تفرغ للطعن في الإسلام وإهانة المسلمين (والذي 
لا أشك فى قدرة الكنيسة على إسكاته فورا لو أرادت). لقد أسبغت الكنيسة حمايتها 


5148 


الكاملة على الأقباط» لكنها زادت من عزلتهم وتحولت من سلطة روحية إلى حزب 
سياسي يتفاوض باسم الشعب القبطي (تأمل دلالة التعبير).. وخوفا من صعود الإخوان 
المسلمين أعلنت الكنيسة على لسان كبار مسئوليهاء قبولها التام لفكرة توريث الحكم 
من الرئيس مبارك إلى ابنه جمال.. هذا الموقف. فضلا عن كونه يتناقض مع التاريخ 
الوطني العظيم للكنيسة. فإنه يلحق بالأقباط أشد الضرر لأنه يقدمهم وكأنهم عملاء 
للنظام المصري ضد بقية المصريين.. كما أن بعض أقباط المهجرء فيما يبدو لم يتعلموا 
شيئا من دروس التاريخ فقرروا الارتماء بكل قوتهم في أحضان الدول الأجنبية التي 
لم ترد الخير لمصر قطء والتى رفعت دائما شعار حماية الأقليات كذريعة لأطماعها 
الاستعمارية.. أقباط المهجر لهم مطالب عادلة في معظمها لكنها للأسف طائفية تماماء 
بمعنى أنها تريد حل مشكلات الأقباط بمعزل عن مشكلات الوطن.. إن أقباط المهجر 
يفعلون اليوم عكس ما فعله أجدادهم العظام الذين رفضوا التمثيل النسبي عام ١977‏ . 
إنهم لا يطالبون بالعدل والحرية للمصريين جميعاء وإنما يلحون في تحقيق امتيازات 
طائفية لهم فقط. وكأنهم يقولون للنظام المصري: «أعطنا نحن الأقباط الامتيازات 
التي نطلبها ثم افعل ببقية المصريين ما تشاء فإن الأمر لا يعنينا». 

إن مذبحة نجع حمادي البشعة لا يجوز أن نراها إلا بطريقة واحدة: «أن مواطنين 
مصريين قد قتلوا يوم العيد وهم خا رجون من الصلاة».. إن الأبرياء الذين سقطوا قتلى 
وهم يتبادلون تهاني العيد.. مصريون مثلي ومثلكء عاشوا معنا وحاربوا معنا ودافعوا 
عن الوطن بدمائهم.. إنهم مصريون, يتكلمون ويفكرون ويحلمون مثلنا تماما.. إنهم 
نحن.. والذي قتلهم ليس من أطلق الرصاص عليهم.. وإنما قتلهم نظام فاسد مستبد 
جثم على صدور المصريين ونهب أموالهم وقمعهم ودفعهم إلى اليأس والتطرف 
والعنف. 


الديمقراطية هى الحل. 


518 


لماذا نتأخر ويتقدم العالم؟! 


منذ شهورء تم تعيين العالم الكبير الدكتور أحمد زويل في وظيفة مستشار علمي 
للرئيس الأمريكى باراك أوباما. وعندما ذهب الدكتور زويل للقاء الرئيس أوباما أعطاه 
المستئولون في البيت الأبيض تصريح دخول مسجلا فيه اسمه ووظيفته لكنه لاحظ 
أنهم كتبوا في أسفل التصريح كلمة «مؤقت».. اندهش الدكتور زويل من ذلك وذهب 
إلى مسئول كبير فى البيت الأبيض وسأله: 

فابتسم المسئول الأمريكي وقال: 

- دكتور زويل.أنت تعمل مستشارا للرئيس أوباما.. أليس كذلك؟ 

نعم . 

الرئيس أوباما نفسه مؤقت. 

حكى لي الدكتور زويل هذه الواقعة فوجدتها تحمل معاني كثيرة: إن الرئيس 
الأمريكيء مثل أي رئيس في بلد ديمقراطي» يشغل منصبه لأربع سنوات قد تمتد إلى 
ثمانى سنوات لو أعيد انتخابه. بعد ذلك لا يمكن أن يبقى فى منصبه يوما واحدا. وقد 
حصل الرئيس على منصبه لأن الشعب اختاره بإرادته الحرة وهو يخضع لرقابة صارمة 
في كل ما يتعلق به وأسرته.. ولأن الرئيس مدين للشعب بمنصبه وخاضع لرقابته» 
فهو يبذل كل جهده لكي يفي بوعوده التي اختاره الناخبون على أساسها.. الأمر الذي 
سيدفعه بالضرورة إلى الاستعانة بأفضل كفاءات فى البلد لكى يستفيد منها فى خدمة 


5 


الناس.. هكذا يحدث في الدول الديمقراطية» أما عندنا في مصر.. فإن الرئيس يظل 
قابضا على السلطة حتى يوافيه الأجل المحتوم, الأمر الذي يؤدي حتما إلى تداعيات 
خطيرة لا يمكن تفاديها بغض النظر عن شخصية الرئيس أو نواياه الطيبة: 

أولا: الرئيس في مصر لا يتولى السلطة بفضل اختيار الناخبين وإنما بفضل قوة 
أجهزة الأمن وقدرتها على قمع المعارضينء وبالتالي فهو لا يقيم وزنا كبيرا للرأي 
العام لأنه يعلم أن بقاءه في السلطة ليس رهينا بمحبة الناس وإنما بقدرة الأمن على 
حمايته من أي تمرد أو انقلاب.. أجهزة الأمن في مصر هي صاحبة القول الفصل في 
كل مجال وكل شيء بدءا من تعيين العمدة في أصغر قرية وتعيين عمداء الكليات 
ورؤساء الجامعات» وحتى السماح بإنشاء الأحزاب السياسية ومنح التراخيص للصحف 
والقنوات الفضائية وصولا إلى تعيين الوزراء واستبعادهم. كم من شخص كفء تم 
ترشيحه للوزارة ثم اعترضت عليه أجهزة الأمن فتم استبعاده فوراء وكم من شخص 
عاطل عن الكفاءة تم تصعيده إلى المناصب العليا بفضل دعم أجهزة الأمن. مصر 
تنفرد بين بلاد العالم بوضع شاذ: 

إذ تنفق الدولة على وزارة الداخلية ما يقرب من تسعة مليارات جنيه» وهذا المبلغ 
يساوي ضعف ميزانية وزارة الصحة (أقل من خمسة مليارات جنيه).. أي أن النظام 
المصري ينفق على إخضاع المصريين واعتقالهم وقمعهم ضعف ما ينفقه على علاجهم 
من الأمراض. 

ثانيًا: لا توجد وسيلة مشروعة لمنافسة الرئيس على منصبه. كما أن بقاء الرئيس في 
السلطة هو الهدف الأهم من أي هدف آخر. من هنا يضيق النظام بظهور أي شخصية عامة 
تتمتع بثقة الناس ويسعى إلى التخلص منها فورا.. وقد أدى ذلك دائما إلى حرمان مصر 
من كفاءات كبرى تم استبعادها بسبب تمتعها بصفات قد تؤهلها_ولو في الخيال لتولي 
منصب الرئاسة؛ وما حدث مع الدكتور أحمد زويل نفسه خير مثال على ذلك: فهذا العالم 
الكبير بعد أن حصل على جائزة نوبل في الكيمياء» عاد إلى مصر ليقدم مشروعا لجامعة 
تكنولوجية كانت كفيلة بنقل بلادنا إلى عصر العلم.. لكن بعض الأقاويل والتقارير الأمنية 
حذرت من شعبيته الطاغية وسط الشباب الذين صرح كثير منهم بأنهم يتمنون أن يروا 

51١ 


أحمد زويل رئيسا لمصر.. هنا كانت الطامة الكبرى. فأغلق النظام كل الطرق في وجه 
الدكتور زويل وتم التضييق عليه وصرف النظر عن مشروع الجامعة التي أراد بها أن يفيد 
بلاده. بعد ذلك بشهور قليلة» سارع الرئيس الأمريكي بتعيينه مستشارا علميا له ليستفيد من 
علمه الغزير في تطوير الولايات المتحدة.. هذا نموذج واحد من الاف النوابغ المصريين 
الذين يمنعنا الاستبداد من الاستفادة بقدراتهم. 

ثالمًا: الرئيس فى مصر يت يتمتء سلطات مطلقة فلا توجد جهة واحدة تس تستطيء أن 
تحاسبه.. نحن لا نعرف أبدا ما مقدار ثروة الرئيس مبارك وأسرته؟ كم تبلغ ميزانية 
رئاسة الجمهورية وما هي بنود الإنفاق فيها؟ وهل يجوز أن تنفق الدولة ملايين 
الجنيهات من المال العام على استراحات الرئيس وقصوره. بينما يعيش ملايين 
المصريين في عشوائيات بائسة وهم محرومون من الاحتياجات الإنسانية الأساسية؟ 
إن تحصين الرئيس الكامل ضد المحاسبة يمتد أيضا إلى كبار المستولين» فالأجهزة 
الرقابية في مصر تلاحق صغار الموظفين وتحاسبهم على أقل هفوة وكثيرا ما تؤدي 
بهم إلى العزل والسجن, لكنها أمام كبار المسئولين تضعف سلصطتها فتكتفي بتقديم 
مخالفاتهم إلى الرئيس والأمر له وحده. إذا شاء حاسبهم وإذا شاء غض الطرف عن 
عليهم.. إن محاربة الفساد , يقة انتقائية» فضلا عن كونها بلا معنى أو تأثير» تشكل 
فى حد ذاتها نوعا من الفساد. 

رابعًا: الرئيس فى مصر وحده هو الذي يملك تعيين الوزراء وعزلهم.. وهو لا يعتبر 
نفسه مسئولا عن تفسير قراراته أمام المصريين الذين لا يعرفون أبدا لماذا تم تعيين 
الوزراء ولماذا أقيلوا.. كما أن الكفاءة ليست العامل الأول فى اختيار الوزراء وإنما 
الأهم هو الولاء للرئيس.. وقد رأينا كيف تم تعيين أحمد زكي بدر وزيرا للتعليم بالرغم 
من أنه لم يسجل أي إنجازء وليست لديه أية خبرة في تطوير التعليم.. لكن الإنجاز 
الفريد الذي قام به عندما كان رئيسا لجامعة عين شمس يتلخص في أنه لأول مرة 
على الطلاب المتظاهرين. 


57 


هذا التصرف المشين الذي كان كفيلا بإبعاد رئيس الجامعة ومحاكمته فورا فى أي بلد 
ديمقراطي.. كان هو ذاته الدافع فيما يبدو لتعيين أحمد زكي بدر وزيرا للتعليم. أضف 
إلى ذلك أن اختيار الوزراء واستبدالهم يتم غالبا بطريقة غير موضوعية لا يفهمها أحد. 
فرئيس الوزراءء أكبر منصب سياسي بعد الرئيس» يشغله شخص لم يمارس السياسة 
في حياته قطء ووزير التضامن الاجتماعي كان مسئولا أساسا عن هيئة البريد» ووزير 
الإعلام كان في الأساس متخصصا في بيع الموسوعات العلمية» ووزير الإسكان السابق 
محمد إبراهيم سليمان صدر قرار جمهوري بتوليه لرئاسة شركة بترول.. وهكذا يبدو 
الأمر وكأن الرئيس يحب بعض المسئولين ويثق في ولاتهم وبالتالي فهو يوزع عليهم 
المناصب الكبرى بدون التوقف كثيرا أمام صلاحيتهم أو خبراتهم.. إن النظام يستبعد 
كفاءات كبرى لأنه يشك في ولائها أو يخاف من شعبيتهاء بينما يمنح المناصب إلى 
أتباع النظام حتى وإن كانوا بلا كفاءة. ولأن معظم أعضاء مجلس الشعب ينتمون 
إلى الحزب الحاكم وقد حصلوا على مقاعدهم عن طريق تزوير الانتخايات» فإنهم 
ينفذون تعليمات الحكومة بدلا من أن يمارسوا دورهم في محاسبتها.. إن الوزير في 
مصر لا يعتبر نفسه مسئولا أمام الشعب وهو يعلم جيدا أن بقاءه في منصبه ليس رهينا 
بإنجازه وإنما برضا الرئيس عنه.. من هنا نفهم لماذا يتسابق الوزراء في مديح الرئيس 
والإشادة بحكمته والتغني بقراراته التاريخية الرائعة.. حتى أن وزيرة القوى العاملة 
عائشة عبد الهادي لم تجد أدنى حرج في أن تنحني» على الملا وأمام وسائل الإعلام. 
وتُقبل يد السيدة سوزان مبارك.. 

لهذه الأسباب جميعا نتخلف كل يوم بينما يتقدم العالم حولنا.. إن مصر غنية 
بملايين المتعلمين وآلاف الكفاءات النادرة المخلصة التى لو منئحت فرصة. قادرة 
تماما على إحداث نهضة كبرى في سنوات قليلة» لكن الاستبداد هو السبب الأصيل 
لتخلف مصر والمصريين. 


هل يستطيع الرئيس أوباما حماية الأقباط ؟! 


تزور القاهرة هذا الأسبوع, لجنة الحريات الدينية التابعة للكونجرس الأمريكي. 
تتكون هذه اللجنة من تسعة أعضاءء كلهم من الشخصيات البارزة في مجال الدفاع 
عن الحريات. يختار الرئيس الأمريكي ثلاثة أعضاءء وتقوم قيادات في الكونجرس 
باختيار عضوين من الحزب الحاكم. وأربعة أعضاء من خارجه. 

مهمة هذه اللجنة مراقبة حرية الدين والفكر والاعتقاد المنصوص عليها في الإعلان 
العالمي لحقوق الإنسان» وهي لا تصدر عقوبات ضد الدول التي تنتهك الحريات 
العامة» لكنها تصدر توصيات يفترض أنها تؤخذ في الاعتبار عند رسم السياسة 
الخارجية الأمريكية. 

طبقا لما نشرته الصحف. فإن زيارة لجنة الحريات إلى القاهرة كانت محددة سلفاء 
لكنها تكتسب الآن أهمية خاصة. في أعقاب مذبحة نجع حمادي البشعة؛ التي راح 
ضحيتها ستة أقباط أبرياء (وجندي مسلم)» تم اغتيالهم بطريقة عشوائية أثناء خروجهم 
من الكنيسة ليلة عيد الميلاد.. والحق أن زيارة اللجنة إلى القاهرة في هذا التوقيت» 
تثير أكثر من موضوع: 

أولا: أن التحقيق أو البحث في موضوع ماء بواسطة لجنة برلمانية من دولة أخرى. 
يعتبر انتهاكا صريحا لسيادة الدولة التي يُجرى فيها التحقيق. 

إن مصر من الناحية الرسمية على الأقل» ليست ولاية ولا مستعمرة أمريكية. 
وبالتالي لا يجوز للجنة تابعة للكونجرس أن تمنح نفسها صلاحيات البحث والتحقيق 
في مصر.. ونحن نتساءل: ماذا لو تشكلت لجنة من مجلس الشعب المصري من 
570 


أجل التحقيق في الجرائم التي يرتكبها الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان 
وجوانتانامو؟! 

هل تقبل الإدارة الأمريكية استقبال اللجنة المصرية وتسمح لها بالبحث والتحقيق؟! 
الإجابة للأسف معروفة.. المحزن أن النظام المصري يرفع شعار السيادة الوطنية بشكل 
انتقائي ومغرضء فعندما يطالب المصريون بمراقبين دوليين مستقلين للانتخابات 
المصرية» حتى لا يتم تزويرها كالعادة» ترفض الحكومة ذلك بشدة» بحجة السيادة 
الوطنية. 


ا 


وعندما تشترك الحكومة المصرية مع إسرائيل» في حصار مليون ونصف مليون 
إنسان في غزة» ويسعى المحاصّرون إلى دخول مصر هربا من الموت لكي يشتروا 
احتياجاتهم الإنسانية» تمنعهم السلطات المصرية» بحجة السيادة الوطنية» وتأمر 
بإطلاق الرصاص عليهم» ويصيح السيد أبو الغيط وزير الخارجية: «الفلسطيني الذي 
سيعبر الحدود سأكسر قدمه»., أما أعضاء لجنة الحريات الأمريكيون الذين يجوبون 
مصر الآن كما يريدون, من أقصاها إلى أقصاهاء ويجرون الأبحاث في شئون مصر.. 
هؤلاء لا يستطيع أبو الغيط أو سواه أن يعترض على وجودهم بكلمة واحدة. 

ثانيًا: الأهداف المعلنة لهذه اللجنة رائعة ونبيلة ولكن» كما يحدث دائما في 
السياسة الخارجية الأمريكية» فإن المسافة شاسعة بين الشعار والتطبيق.. نذكر هنا 
أن رئيسة اللجنة السيدة فيليس جاير» من أكبر وأشهر مناصري إسرائيل في الولايات 
المتحدة» ولها تاريخ طويل في الدفاع عن الصهيونية» لدرجة أنها اتهمت المنظمات 
الدولية (بما فيها الأمم المتحدة) باتباع سياسات ظالمة ومجحفة ضد إسرائيل.. ولا 
أفهم فعلا كيف توفق السيدة فيليس جاير بين دفاعها عن حقوق الإنسان ودفاعها عن 
السياسة الإسرائيلية!! 

وما رأي سيادتها في حرق الأطفال باستعمال القنابل الفسفورية والعنقودية وقنابل 
النابالم؟! وهذه الجرائم ترتكبها إسرائيل باستمرار منذ مذبحة بحر البقر في مصرء 
مرورا بمذبحة قانا وحتى مذبحة غزة الأخيرة.. هل ترى السيدة فيليس أن شيّ جلود 


6 *؟” 


الأطفال العرب بالقنابل الممنوعة دوليا يتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان التي تدافع 
عنها في لجنتها؟! 

ثالثا: إذا كانت اللجنة مهتمة باضطهاد الأقباط في مصر.. فنحن نسأل أعضاء اللجنة: 
هل تهتمون بالأقباط دفاعا عن خقوق الإنسان أم بسبب أن الأقباط مسيحيون؟! إذا 
كان الدافع حقوق الإنسان» فنحن نذكركم بأن عشرات الألوف من الشباب الإسلاميين 
في مصر يعيشون في غياهب المعتقلات من سنوات طويلة بدون محاكمة أو تهمة. 
وكثير منهم صدرت لهم أحكام إفراج عديدة لم ولن تنفذها الحكومة المصرية أبدا.. 
لماذا لا تدافع اللجنة عن حق هؤلاء المعتقلين في العدل والحرية؟! أليسوا متساوين 
مع الأقباط في حقوق الإنسان؟! 

وما رأي اللجنة في جرائم الاغعتصاب وقتل المدنيين والتعذيب المنسوبة إلى أفراد 
الجيش الأمريكي في العراق؟! هل اتسع وقتكم للتحقيق في هذه الجرائم؟! أنا أنصح 
لجنة الحريات بالسفر فورا من القاهرة إلى نيجيرياء حيث تفيد التقارير حدوث مذابح 
طائفية راح ضحيتها عشرات الأبرياء (معظمهم مسلمون).. وسوف أورد هنا تقرير 
منظمة دولية محايدة محترمة هي «هيومان رايتس ووتش» التي قالت بالحرف: 

«في يوم ١94‏ يناير» هاجم مسلحون قرية كورو كاراما النيجيرية» وأكثرية سكانها 
من المسلمين» وبعد أن حاصروا القرية بدءوا بملاحقة وقتل السكان المسلمين الذين 
التجأ بعضهم في منازل وفي مسجد القرية» لكن المسلحين راحوا يطاردونهم., فقتلوا 
الكثيرين» حتى إنهم أحرقوا البعض وهم أحياء».. ما رأي اللجنة الموقرة في هذه 
المذبحة؟! هل تتوافق مع حقوق الإنسان؟! 

رابعًا: هل يمكن الدفاع عن حقوق الإنسان بشكل جزئي؟! هل يمكن الدفاع . 
عن حقوق الأقباط فقط في بلد يحكمه نظام استبدادي باستعمال قانون الطوارئ» 
وتزوير الانتخابات» والقمع والمعتقلات؟! الإجابة بديهية.. إن حقوق الإنسان لا 
تتجزأ أبداء لكن السياسة الخارجية الأمريكية ‏ كعادتها ‏ تتميز بالتناقض والنفاق.. 
فالإدارة الأمريكية» من أجل حماية مصالحها ومصلحة إسرائيل» تقدم الدعم 
الكامل لأسوأ الحكام المستبدين في العالم العربي» وتغمض عينيها عن الجرائم 
55 


التي يرتكبونها في حق شعوبهم, لكنها في نفس الوقتء تبعث بلجان للتحقيق في 
اضطهاد الأقباط. 
مصر كلهاء ومن حق الأقباط أن يغضبوا ويطالبوا بكل ما يمنع تكرار المذبحة» لكن 
عليهم أن يتذكروا أمرين: 

أولا: أن النظام المصري الذي فرّط في حماية الأقباط» هو ذاته النظام الذي تدعمه 
الكنيسة المصرية بكل قوتهاء حتى إن البابا شنودة وكبار قادة الكنيسة» قد أعلنوا 
بوضوح أكثر من مرة» ترحيبهم بتوريث مصر من الرئيس مبارك إلى ابنه جمال (كأن 
مصر صارت مزرعة دواجن). 

الأمر الثانى: أن تظاهر الأقباط داخل مصر وخارجها احتجاجا على المذبحة» 
أمر طبيعي ومشروع.ء أما الاستغاثة بالدول الغربية ومطالبتها بالتدخل في مصرء فهو 
سلوك مرفوضء يدفع بالغضب القبطي بعيدا عن حدوده المشروعة.. إنني لا أصدق 
أن وطنيا مصريا واحداء مسلما كان أو قبطياء يسمح له ضميره بأن يدعو القوى الأجنبية 
للنظام الحاكم. 

إن المصريين جميعا مضطهدون. ملايين الفقراء فى مصر محرومون من الحرية 
إلى ظلم مزدوج. مرة باعتبارهم مصريين» ومرة باعتبارهم أقباطا. لكن مطالب الأقباط 
المشروعة لا يمكن أن تتحقق خارج مطالب الوطن.. لا يمكن أن نطالب بالعدالة 
للأقباط وحدهم دون بقية المصريين.. إن بعض الأقباط الذين يحتمون بالقوى الغربية 
يرتكبون خطيئة وطنية»؛ ستؤدي إلى تشويه صورة الأقباط جميعاء وإظهارهم كأنهم 
عملاء للقوى الغربية. 

ومهما استغاث بعض الأقباط بالرئيس أوباما أو سواه من قادة الغرب» فإنهم لن 
ينالوا حقوقهم أبدا بفضل التدخل الأجنبي» لأن ما يحكم السياسة الغربية المصالح 
دون المبادئ» وتاريخ الدول الغربية حافل بالأمثلة على النذالة السياسية الكاملة» ولعلنا 


5 





نذكر شاه إيران» الذي قضى حياته كلها خادما لمصالح الولايات المتحدة؛ لكنها تخلت 
عنه تماما في يوم واحدء وتركته وحيدا يواجه مصيره أمام طوفان الثورة الإيرانية. 

إن مطالب الأقباط يجب أن تكون وطنية لا طائفية.. إن مكان الأقباط الصحيح 
ليس أبدا في أروقة وزارات الخارجية الغربية.. مكانهم الصحيح هناء في مصرء 
مع إخوانهم المصريين الذين يناضلون من أجل العدل والحرية.. عندما يزول نظام 
الاستبداد» وينتزع المصريون جميعا حقهم الطبيعي في اختيار حكامهم بحرية.. عندما 
ينتهي قانون الطوارئ. وتزوير الانتخابات والقمع والتعذيب.. عندئذ فقط. سيحصل 
المصريون جميعا ‏ المسلمون والأقباط على حقوقهم المهدرة. 

الديمقراطية هي الحل. 


من يقبض على السغير الاسرائيلي؟! 


حدث ذلك في الساعات الأولى من صباح يوم ١‏ من نوفمبر عام 5 .٠٠١‏ 

كان العسكري المجند عامر أبو بكر عامر واقفا في نوبة حراسته الليلية في مدينة 
رفح المصرية. ومعه زميلان مجندان هما علي صبحي النجار ومحمد عبد الفتاح.. كان 
البرد شديدا والوقت يمر ببطء.. في أي موضوع كان المجندون الثلاثة يتتحدثون؟! هل 
كانوا متعبين وجائعين يتوقون إلى نهاية نوبة الحراسة ليتناولوا طعاما ساخنا ويخلدوا 
إلى نوم عميق؟! لقد كانوا في بداية العشرينيات من أعمارهم, فهل كانوا يحلمون بنهاية 
فترة التجنيد ليبدءوا حياتهم فيلتحقون بعمل ويتزوجون ويكونون أسرهم ؟! هل كان 
أحدهم يحكي بحماس لزميليه عن خطيبته التي يحبها ؟! كل ذلك لا نعرفه لكن الذي 
نعرفه أنهم في حوالي الساعة الثالثة صباحا لمحوا دبابة إسرائيلية من نوع «ميركافا» 
قادمة نحوهمء ظلت الدبابة الإسرائيلية تقترب حتى أصبحت على بعد عشرين مترا 
من الجنود المصريين ثم أطلقت فجأة دانة مدفع أتبعتها بنيران كثيفة مزقت جسد علي 
صبحي النجار وجسد محمد عبد الفتاح فماتا على الفورء أما عامر أبو بكر فقد أصيب 
بجراح بالغة أدت بعد ذلك إلى وفاته في المستشفى. 

وهكذا استشهد ثلاثة شبان مصريون يؤدون الخدمة العسكرية» لم يرتكبوا جرما 
ولا مخالفة ولم يؤذوا أحدا ولم يضايقوا الإسرائيليين في أي شيء. لكن الجيش 
الإسرائيلي قتلهم بدم بارد وبطريقة وحشية جعلت من الصعوبة التعرف على ملامح 
وجوههم أثناء دفنهم.. ماذا فعلت الحكومة المصرية عندما علمت بالمذبحة؟ قدمت 


اخ 


احتجاجا شديدا لإسرائيل واعتبرت مقتلهم تصرفا غير مسئول (لاحظ رقة التعبير).. 
وسارع أرييل شارون. رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بالاتصال بالرئيس مبارك وأبلغه 
اعتذاره عن الحادث. 

كم تبدو كلمة الاعتذار هنا شاذة وضئيلة. الإنسان يعتذر عادة إذا وصل متأخرا 
عن الموعد أو دهس قدم جاره بدون قصد في زحام المتروء أما أن يقتل ثلاثة من 
البشر الأبرياء بهذه الطريقة البشعة» فإن الاكتفاء بالاعتذار يعد في حد ذاته إهانة 
ويعكس استهانة بالغة بكرامة الضحايا وقيمة الحياة الإنسانية.. لقد وعدت السلطات 
. الإسرائيلية بإجراء تحقيق عاجل في الجريمة» وبعد مرور ستة أعوام كاملة لم تعلن 
إسرائيل نتيجة التحقيق ولعلها لم تقم بإجرائه أساسا.. وللأسف فقد نست الحكومة 
المصرية الشهداء الثلاثة تماما وحدثت بعد ذلك عشرات اللقاءات بين المسئولين 
المصريين والإسرائيليين فلم يسأل مسئول مصري واحد عن نتيجة التحقيق مع قتلة 
الجنود المصريين.. على أن أهل الشهيد عامر أبو بكر عامر أقاموا دعوى قضائية 
ضد سفير إسرائيل في القاهرة باعتباره ممثلا لحكومة إسرائيل.. وظلت القضية 
متداولة في المحاكم المصرية حتى صدر مؤخرا الحكم النهائي في القضية... 
حيثيات الحكم قطعة من الأدب القانوني الرفيع» تتضح من خلالها كافة الأبعاد 
القانونية والدولية للجريمة» وفي النهاية يقضي الحكم بتعويض أسرة الشهيد عامر 
أبو بكر عامر بمبلغ ٠١‏ ملايين دولار تكون الحكومة الإسرائيلية ملزمة بدفعه عن 
طريق سفيرها في القاهرة. 

هذا الحكم التاريخي يؤكد بضع حقائق مهمة: 

أولّا: قدمت المحكمة الأدلة القاطعة على أن قتل الجنود المصريين بهذه الطريقة 
البشعة لم يكن من قبيل الخطأ أو الصدفة» وإنما هو جريمة قتل عمد مكتملة الأركان. 
واستندت المحكمة إلى تقارير المراقبة الدولية المحايدة لتثبت أن الجنود الإسرائيليين 
القتلة كانوا واقعين تحت تأثير هوس ديني يدفعهم إلى كراهية المصريين والسعي إلى 
قتلهم بدون تمييز. 


خبرض 





ثانيًا: أكدت المحكمة أن أموال إسرائيل كلها لن تعوض والد الشهيد عامر ووالدته 
عن ابنهما الذي فقداه. لكنها حددت التعويض بمبلغ ٠١‏ ملايين دولار لأنه ذات المبلغ 
الذي قضت به المحاكم الأوربية كتعويض لضحايا لوكيربي الذين سقطت بهم الطائرة 
في أسكتلنداء وقد تم إجبار الحكومة الليبية على دفع هذا المبلغ لأسرة كل ضحية في 
لوكيربي..إن إصرار القاضي المصري على أن يحصل أهل الشهيد المصري على نفس 
تعويض لوكيربي» يؤسس لمبدأ إنساني راق ونبيل» فالعدالة لا تتحقق إلا بالمساواة 
في الحقوقء كما أن قيمة النفس الإنسانية يجب أن تكون واحدة دائما. فالأم المصرية 
التي فقدت ابنها المجند تحس بذات الألم الذي تشعر به الأم الغربية التي فقدت ابنها 
في لوكيربي. وبالتالي فهي تستحق ذات التعويض. 

الثًا: الحكم نهائي وواجب النفاذ. وقد مضت على صدوره أربعة شهور و لا 
يمكن للسفير الإسرائيلي أن يحتمي بحصانته الدبلوماسية في هذه القضية.. فقد أثبتت 
المحكمة في بحثها القانوني أن الحصانة القضائية التي يتمتع بها السفير الإسرائيلي لا 
تشمل هذه القضية.. إذ تستثني من الحصانة كل القضايا التي لا تتعارض مع وظيفته 
الدبلوماسية ولا تعوقه عن أداء عمله.. السفير الإسرائيلي» طبقا للقوانين المصرية 
والدولية» ملزم بتنفيذ الحكم وإذا امتنع عن التنفيذ فإنه يواجه عقوبات قانونية رادعة 


يجب تطبيقها عليه فورا. 
رابعًا: إن تجاهل هذا الحكم في وسائل الإعلام والدوائر الحكومية الغربية يبين مرة 


أخرى مدى ازدواجية المعايير والنفاق في السياسة الغربية تجاه إسرائيل... لقد اتخذت 
الدول الغربية كلها موقفا قويا موحدا في قضية لوكيربي وضغطت بشدة على ليبيا حتى 
أجبرتها على دفع تعويضات للضحاياء وقال المسئولون الغربيون آنذاك كلاما كبيرا 
وجميلا عن الشرعية الدولية وسيادة القانون وحقوق الإنسان.. لكن ضحايا لوكيربي 
كانوا غربيين» أما ضحايا هذه المجزرة فهم مصريون والذي نفذ المذبحة جنود من 
الجيش الإسرائيلي.. من هنا لاذ المستولون الغربيون بالصمت التام. 

5١ 


خامسًا: يكشف هذا الحكم المواقف المتناقضة المتهافتة للنظام المصري. ففي 
الصراعات الصغيرة (ضد قطر أو قناة الجزيرة) وفي الصراعات التي توافق الهوى 
الأمريكي (ضد إيران وحزب الله وحماس).. يرتدي وزير الخارجية أبو الغيط ثوب 
الأسد الهصور ويهاجم الجميع ويهدد بكسر الأقدام والأعناق ويجلجل صوته متحدثا 
عن السيادة الوطنية والقانون الدولي.. أما هذه المرة فلم نسمع صوت أبي الغيط ولا 
حتى همساته. لأن الحكم صدر ضد إسرائيل التي يفعل النظام المصري كل ما يستطيع 
لإرضائها؛ بدءا من صفقات الغاز والأسمنت إلى إطلاق الجاسوس عزام وحتى إغلاق 
معبر رفح لتجويع مليون ونصف مليون فلسطيني.. والغرض من إرضاء إسرائيل أن 
يتحرك اللوبي الصهيوني فيضغط على الإدارة الأمريكية من أجل قبول توريث الحكم 
من الرئيس مبارك إلى ابنه السيد جمال (الذي ينتظر دوره الآن في حكم مصر وكأنها 
مزرعة دواجن أو عزبة سيرثها عن أبيه). ظ 

سادسًا: يبدأ هذا الحكم صفحة جديدة من الصراع العربي الإسرائيليء إذ يؤسس 
لمعركة قضائية ممكنة ومشروعة ضد جرائم إسرائيل.استنادا لهذا الحكم سيكون 
بمقدور أهالي الشهيدين الآخرين الحصول على ذات التعويضء وكذلك أهالي كل 
المصريين الذين قتلتهم إسرائيل على الحدود..أما أهالي الضحايا الذين سقطوا في 
المذابح الإسرائيلية الكثيرة بدءا من بحر البقر وحتى قانا وغزة» فسيكون بإمكانهم 
ملاحقة إسرائيل في المحافل القانونية الدولية.. إن واجبنا جميعا أن نضغط من أجل 
تنفيذ هذا الحكم ضد السفير الإسرائيلي وإلا فإن عليه تحمل التبعات القانونية لامتناعه 
عن التنفيذ. 

أخيرا.. لا يجوز أبدا أن نشكر القاضي على حكم أصدره. لأن من يملك الشكر 
يملك اللوم واستقلال القاضي يربأ به عن المدح والذم معاء لا سلطان على القاضي إلا 
من القانون وضميره. هذه التقاليد القضائية العريقة ترسخت دائما في أذهان المصريين 
حتى إنهم إذا صدر الحكم لصالحهم لا يشكرون القاضي أبدا وإنما يرددون الهتاف 
الشهير «يحيا العدل». نحن, إذن, لا نشكر القضاة الذين أصدروا هذا الحكم وإنما 


57 


نجد من واجبنا أن نذكر أسماءهم التي ستظل مصر كلها ترددها إلى الأبد. جيلا بعد 
جيل» لأنهم سجلوا صفحة ناصعة في تاريخ القانون والإنسانية. 

صدر هذا الحكم في الدائرة 4 تعويضات من محكمة استئناف القاهرة. الدائرة 
برئاسة المستشار أحمد البرديسي وعضوية المستشارين حمدي غانم وأحمد سليمان 
وحضور أمين السر سعيد زهير. 

أيها القضاة الشرفاء العظام.. يحيا العدل. 


الديمقراطية هى الحل. 


57 


لماذا نذهب لاستقبال البرادعي؟ 


يوم الجمعة المقبل الموافق ١9‏ من فبراير» في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر.ء سوف 
تصل طائرة الخطوط الجوية النمساوية في الرحلة رقم 877 القادمة من فييناء لتبداً 
عندئذ صفحة جديدة من نضال المصريين من أجل انتزاع حقهم في العدل والحرية. 

هذه الطائرة ستحمل إلى مصر واحدا من كبار أبنائهاء الدكتور محمد البرادعي أستاذ 
القانون الدولي والمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية.. الذي ظهر فجأة على 
المسرح السياسي في مصر مطالبا بالإصلاح الديمقراطي فانتزع إعجاب المصريين 
واحترامهم. 

الظاهرة الفريدة حقاء هي ذلك الحماس البالغ لتأييد البرادعي بين أوساط الشباب. 
الذين شكلوا مجموعات عديدة لدعمه وبدأوا حملة في مختلف محافظات مصر لجمع 
توكيلات رسمية وشعبية للبرادعي من أجل تغيير الدستور وهذه سابقة لم تحدث في 
مصر منذ ثورة .١91١9‏ 

وقد بذل هؤلاء الشبان جهدا كبيرا من أجل دعوة المصريين لاستقبال البرادعي في 
المطار يوم الجمعة المقبل. وأنا واثق من أن آلاف المصريين سوف يذهبون لاستقباله 
كما أثق أيضا في أن أجهزة الأمن ستسعى جاهدة إلى إجهاض هذا الاستقبال الشعبي.. 
في كل الأحوالء لم يعد هناك شك أن الدكتور محمد البرادعي قد أصبح الظاهرة 
السياسية الأهم في مصر الآن.. ولعله من المفيد أن نفهم الأسباب: 

أولا: يعيش ملايين المصريين في مستنقع الفقر والمرض والبطالة ويكافحون 
ا 





لمجرد البقاء على قيد الحياة في ظروف غير إنسانية وفي نفس الوقت تتمتع النخبة 
الحاكمة بكل شيء: الثروة والنفوذ والامتيازات وحماية القانون. في ظل هذا الظلم 
الفاحشء تعود النظام المصري على أن يلقي باللائمة على المصريين في كل فشل 
يلحق سياساته. 

والأمثلة على ذلك بلا حصر.. فنحن المصريين في نظر حكامناء شعب كسول جاهل 
يتناسل بلا سبب ولا يعمل ويسيء استعمال كل شيء بدءا من صوته الانتخابي وصولا 
إلى الدعم والكهرباء والمياه.. في ظل هذا التحقير المستمرء فإن ظهور شخصيات 
مصرية ناجحة حققت إنجازات دولية كبرى مثل محمد البرادعي وأحمد زويل ومجدي 
يعقوب. يؤكد للمصريبن ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم. 

ويبين بوضوح أن أزمة مصر لا ترجع إلى عيوب في طبيعة المصريين أو سلوكهم وإنما 
إلى سياسات فاشلة وفاسدة من النظام الجاثم على صدر مصر بالقمع والتزوير. 

ثانيًا: يتمتع الدكتور محمد البرادعي بمجموعة من الصفات المؤثرة التي صنعت 
شعبيته: فهو حاصل على درجة رفيعة من التعليم (دكتوراه في القانون الدولي من جامعة 
نيويورك عام 191/5) وقد حصل بمجهوده وتفوقه على مناصب دولية رفيعة وجوائز 


كما أثبت البرادعي مدى حبه لبلاده عندما تبرع بقيمة جائزة نوبل كلها لصالح رعاية 
الأيتام في مصرء ثم انتقد علنا الفساد والظلم في مصر ففتح على نفسه أبواب جهنم.. 
وكان يستطيع ببعض المداراة أن يحتفظ بصداقة النظام وأن يحصل على منصب حكومي 
رفيع لو أرادء لكن حبه للحق تغلب على حرصه على مصلحته الشخصية. 

أضف إلى ذلك أن النظام المصري ليس له فضل إطلاقا على الدكتور البرادعي 
بل إن العكس صحيح. فقد رفض النظام ترشيح البرادعي لمنصب مدير وكالة الطاقة 
الذرية وبالرغم من ذلك فاز البرادعي بالمنصب بإجماع الأصوات في انتخايات 
نزيهة. 

البرادعي إذن في نظر المصريين رجل وطني كفء وشريف. لم تتلوث يداه بالفساد 
ولم يشارك في تزوير الانتخابات» ولم يسكت على اعتقال وتعذيب الأبرياء» ولم يتلق 


”* 0 


تعليمات من أمن الدولة ولم ينافق الرئيس مبارك ويتغنى بإنجازاته التاريخية الجبارة 
كما يفعل الوزراء المنافقون. كل ذلك جعل البرادعى يحظى بتقدير كل ألوان الطيف 
في السياسة المصرية بدءا من الإخوان المسلمين واليساريين والليبراليين وحتى أقباط 
المهجر. 

الثا: أدى ظهور البرادعي المفاجئ وتزايد شعبيةه يوما بعد يوم إلى إصابة المسئولين 
في النظام بصدمة جعلتهم يشئون عليه حربا شرسة» بدأت بطوفان من الأكاذيب 
والافتراءات التي تقلل من قيمته وإنجازاته وتتهمه بالنقائص جميعا.. بعد ذلك» 
تحركت ضده الخلايا النائمة للنظام.. في الصحافة والإعلام. 

وهؤلاء مجموعة من الإعلاميين والكتبة يتظاهرون بالاستقلال والحيدة حتى 
يكتسبوا ثقة الرأي العام لكنهم ساعة الجد. يتلقون تعليمات مباشرة من الدولة فينفذونها 
بحذافيرها.. ثم جاءت المرحلة الثالثة من الحرب ضد البرادعي على شكل التجاهل 
التام. 

فعلى مدى أسابيع لم ينشر الإعلام الرسمي حرفا واحدا عن البرادعي وكأنه غير 
موجود.. بل اكتشف المسئولون. بالصدفة» أن محافظ دمياط محمد فتحي البرادعي 
يشترك مع الدكتور البرادعي في الاسم. فانهمرت الموضوعات الصحفية على محافظ 
دمياط بمناسبة وغالبا بدون مناسبة» بشكل غير مسبوق لا شك أنه أدهش المحافظ 
نفسه.. والهدف من ذلك إظهار أن الدكتور البرادعي بلا أهمية تذكر بدليل أن هناك 
برادعيا آخر تهم أخباره الرأي العام أكثر منه. 

وهذه الواقعة الطريفة تبين لنا مدى كراهية النظام للدكتور محمد البرادعي والمستوى 
الفكري الضحل الذي يتمتع به بعض المسئولين عن الإعلام في مصر. 

رابعا: على مدى سنوات بذل النظام المصري مجهودا جبارا من أجل إعداد المسرح. 
داخليا وخارجياء لتوريث منصب الرئاسة من الرئيس مبارك إلى ولده جمال. 

في الخارج اعتمد النظام على سياستين: أولا إسداء الخدمات لإسرائيل وإرضاؤها 
تماما حتى يضغط اللوبى الصهيونى على الإدارة الأمريكية من أجل القبول بالتوريث. 
وثانيا استعمال الإخوان المسلمين كفزاعة باعتبارهم سيفوزون بالتأكيد في أية انتتخابات 


55 


صحيحة تقام في مصرء والغرض من ذلك دفع الحكومات الغربية إلى تأييد النظام 
المستبد وقبول التوريث. 

أما في الداخل فقد تشكل تنظيم كامل للتوريث أعضاؤه من القانونيين والإعلاميين 
والشخصيات العامة» الذين خانوا أمانتهم الوطنية والمهنية وأخذوا يرددون أن جمال 
مبارك هو البديل الوحيد المتاح لأبيه» وحاولوا تقديمه للرأي العام في صورة جذابة 
ثم قاموا بالتعديلات الدستورية المشينة التي تحصر المنافسة بين الرئيس وولده. 
والحق أن ظهور محمد البرادعي قد أفسد كل هذه الترتيبات. فهو لا ينتمي للإخوان 
ولا للنظام وقدراته السياسية والمهنية الكبيرة لا يمكن مقارنتها بإمكانات جمال مبارك 
المتواضعة. 

كما أن البرادعي في النهاية وجه معروف ومحترم على مستوى العالم مما يجعل 
ضربه أو اعتقاله أو تلفيق القضايا أو الفضائح من أجل القضاء عليه» مسألة بالغة 
الصعوبة.. ومن أجل إتمام التوريث يحتاج النظام إلى كومبارس» يتقدمون للترشيح 
ضد جمال مبارك ويخسرون الانتخابات لعلهم يضفون بعض المصداقية على هذه 
المسرحية الهزلية. 

وعادة ما يبحث النظام عن هؤلاء الكومبارس بين الشخصيات العامة المتعاونة 
معه أو الطامعة فى المناصبء. أو بين أعضاء الأحزاب الكرتونية الصورية المصنوعة 
بالكامل في مباحث أمن الدولة» إلا أن الدكتور البرادعي انتبه مبكرا لهذا الفخ ورفض 
تماما أن يترشح للرئاسة في ظل هذا العوار الدستوري والقانوني» وطالب بخطوات 
محددة من أجل تعديل الدستور بشكل يسمح بتنافس حقيقي وشريف على منصب 
رئاسة الجمهورية» وقد تضاعف احترام المصريين له عندما أعلن أنه سيعود إلى مصر 
لا ليسعى إلى رئاسة الجمهورية وإنما لينضم إلى القوى الوطنية التي تسعى إلى إقامة 
الديمقراطية في مصر. 

أخيرا.. فإن مصر تمر بلحظة فارقة في تاريخهاء لعلها تشبه المرحلة التي سبقت ثورة 
. ثمة إجماع على أن الوضع القديم لم يعد يصلح وأن التغيير قادم لا محالة. 
ولعلها مفارقة ذات دلالة أن يصل محمد البرادعي إلى مصر في نفس الأسبوع الذي 

5 


يسقط فيه مواطنون مصريون شهداء؛ ليس في معركة حربية دفاعا عن الوطنء وإنما 
خلال صراع بائس للحصول على أنبوبة بوتاجاز ليتمكنوا من طهي الطعام لأولادهم. 
إلى هذا الحد بلغت المهانة بالإنسان المصري. 


أيها القارئ العزيز 

إذا كنت تريد لأولادك أن يعيشوا في بلد يحترم حقوقهم الإنسانية» يتساوى فيه 
الناس جميعا أمام القانون وينعمون بفرص متكافئة في التعليم والعمل. 

تعال معنا يوم الجمعة المقبل إلى المطار لنكون في استقبال الدكتور محمد 
البرادعى. 

الديمقراطية هى الحل. 


كن 








مصر التي استيقظت 


بالرغم من تجاهل الحكومة المصرية رسميا لوصول محمد البرادعي إلى مصر.. 
فإنهاء في نفس الوقت. بعثت برسالة واضحة إلى المصريين. فقد اعتقلت وزارة 
الداخلية عددا من الشباب لمجرد أنهم دعوا المصريين إلى الخروج لاستقبال 
البرادعى. 

كما أكدت أجهزة الأمن أنها لن تسمح أبدا بتجمهر المصريين من أجل استقبال 
البرادعي في المطار» وأعلنت أنها أعدت 8 آلاف جندي من الأمن المركزي للتعامل 
مع هؤلاء المتجمهرين. 

تم تسريب هذه التصريحات غير الرسمية ونشرتها بعض الصحف (المستقلة) في 
الصفحة الأولىء بنفس الصيغة» صباح يوم وصول البرادعي إلى مصر. قرأت هذه 
الأخبار وأنا أستعد للذهاب إلى المطار فتأكد لي أنه في ظل هذه الحملة من الترويع. 
من الطبيعي أن يحجم المصريون عن استقبال البرادعي. 
قانون الطوارئ. الذي يحكم به الرئيس مبارك مصر منذ ثلاثين عاما.. ولكن منذ متى 
كانت الشرطة المصرية تحتاج إلى تهمة للقبض على من تريد؟! إن المواطن المصري 
يعرف جيدا مدى التدكيل الذي تمارسه أجهزة الأمن. 

فى مناسبات سابقة كثيرة» لم يتورع الأمن عن ارتكاب أبشع الجرائم من أجل 
قمع المتظاهرين: ضرب واعتقال وإيذاء جنسي للمتظاهرات وتأجير بلطجية 


5 





والاستعانة بمجرمين مسجلين ليسفكوا دم المعارضين.ء بينما رجال الأمن يتفرجون 
ولا يتدخلون. 

كنت أعرف ذلك وقلت لنفسي صحيح أن المصريين يحبون البرادعي ويؤيدونه. 
لكن الصحيح أيضا أن الخوف طبيعة إنسانية يجب أن نتفهمها.. وطدت نفسي على 
ألا أحزن إذا رأيت عددا هزيلا من المستقبلين لكنى ما إن وصلت إلى المطار حتى 
فوجئت بما لم أتوقعه. 

مئات من المصريين سرعان ما تحولوا إلى آلاف» جاءوا جميعا لاستقبال البرادعى.. 
لم يخافوا من إرهاب الحكومة ولا تهديدات الأمن. أرادوا أن يثبتوا للعالم كله أنهم 
سيساندون محمد البرادعي وسيعملون معه من أجل انتزاع حقوقهم المهدرة.. إن 
الاستقبال الشعبي الحاشد الرائع الذي نظمه المصريون احتفالا بعودة محمد البرادعي 
إلى مصر.. يحمل أكثر من دلالة مهمة: 

أولا: منذ اليوم لاايحق لأحد أن يتهم المصريين بالسلبية والإذعان للظلم والانسحاب 
من الشأن العام.. إلى آخر هذه الصيغ المستهلكة التي لم تعد فعلا تُعبر عن الواقع 
المصري. 

إن آلاف المصريين الذي قهروا الخوف واحتشدوا في المطار لاستقبال البرادعي.. 
ليسوا سياسيين محترفين» ومعظمهم لا ينتمون إلى الأحزاب.. إنهم مصريون عاديون 
تماماء مثل جيراننا في المنزل وزملائنا في العمل. وهم جاءوا من محافظات مختلفة ومن 
طبقات اجتماعية مختلفة» بعضهم جاء بسيارات فخمة وكثيرون جاءوا بالمواصلات 
العامة. 

بينهم أساتذة الجامعة ومهنيون وطلبة وفلاحون وكتاب وفنانون وربات بيوت.. 
منهم المسلمون والأقباط.. بينهم نساء سافرات ومحجبات ومنتقبات. هؤلاء المصريون 
المختلفون في كل شيء اتفقوا جميعا على التغيير. على العمل الجاد من أجل استعادة 
الحق والحرية.. إن الرأي العام المصري تحول من مصطلح افتراضي إلى قوة شعبية 
حقيقية يتزايد تأثيرها كل يوم» تجلت في أقوى صورها يوم استقبال البرادعي. 
5 





ثانيًا: أهنى الدكتور محمد البرادعي على ثقة المصريين» كما أدرك حجم المسئولية 
الملقاة على عاتقه.. إن آلاف المصريين الذين وقفوا طوال النهار لاستقباله» هم في 
واقع الأمر مندوبون عن ملايين المصريين الذين يحبونه ويثقون به.. كنت واقفا وسط 
الحشد عندما اقتربت سيدة مسنة وطلبت أن تكلمنى على انفراد. انتحيت بها جانبا 
فسألتني بصوت خافت: ْ 

«هل تعتقد أن الحكومة ممكن تعمل حاجة تؤذي الدكتور البرادعي؟!). 


لقد أصبح محمد البرادعي بالنسبة لملايين المصريين رمز الأمل في التغيير بكل 
معنى الكلمة.. ولعل الهتاف الذي ارتفع كالهدير: «آدي الجموع يا برادعي.. ما فيش 
رجوع يا برادعي» يعكس بوضوح كيف يثق هؤلاء المصريون في البرادعي وهم 
متأكدون, وأنا معهم. أنه لن يخذلهم أبدا. 

ثالثا: الظاهرة المبهجة حقا في هذا الاستقبال هو ذلك العمل العظيمء الذي قام به 
آلاف الشبان من الجنسين» معظمهم من طلبة الجامعات وشباب الخريجين.. هؤلاء 
يشكلون القوة الأساسية لدعم محمد البرادعي» وهم الجنود المجهولون في تنظيم 

لقد أنشأوا مجموعات على الفيس بوك لدعم البرادعي» وصل عدد أعضاء بعضها إلى 
سبعين ألف عضوء كما أعدوا جيدا للاستقبال مستعملين شبكة اتصال واسعة وفعالة على 
الإنترنت» حيث يتمتع هؤلاء المدونون بمعرفة تقنية تجعل لهم السيادة المطلقة. 

قبل الاستقبال بأيام جهزوا كل ما يلزم» وقاموا بتوزيعه على الناس: خرائط للمطار 
وتعليمات محددة عن كيفية الوصول بالمواصلات أو السيارات بل وأعدوا خطة 
طوارئ إذا منعهم الأمن من الدخول. وخصصوا خطا ساخنا يتصل به أي شخص 
يتم اعتقاله. 

أسماء المنظمين لهذا الاستقبال يجب أن تسجل فى لائحة الشرف: الشاعر 
عبد الرحمن يوسف وهبة علوة وأحمد ماهر وعمرو علي وباسم فتحي وناصر 

5١ 





عبد الحميد وعبد المنعم إمام.. وعشرات من زملائهم الذين قدموا بحق نموذجا 
رفيعا في الشجاعة والعمل الوطني المنظم الفعال. 

رابعًا: قررت أجهزة الأمن منذ البداية عدم التعرض للناس أولا لأن وسائل الإعلام 
العالمية كلها كانت موجودة في المطار مما يجعل الاعتداء على مواطنين جاءوا 
لاستقبال شخصية محترمة ومعروفة دوليا مثل البرادعي» فضيحة كبرى لا يريدها 
النظام لنفسه. 


والسبب الثاني أن أجهزة الأمن كانت على ثقة من أن المصريين سيخافون من 
التهديدات والاعتقالات. وبالتالى سيكون عدد الحضور هزيلا.. لم تتعرض أجهزة 
الأمن للمستقبلين» لكنهم عندما تزايدوا حتى وصلوا إلى عدة آلاف» بدأ الضباط في 
مضايقة الداخلين إلى المطار فكانوا يمنعون كل من يحمل شعارا مؤيدا للبرادعى. 
وكل من يشكون في أنه قادم لاستقباله. ْ 

وعندما هبطت طائرة البرادعي امتلآت الصالة عن آخرها بالمستقبلين الذين ظلوا 
يرددون الهتافات والأناشيد» لكن الأمن منع البرادعي من الخروج وأغلق الباب بحجة 
الحفاظ على سلامته.. والحق أن الأمن كان باستطاعته بسهولة حماية البرادعي. لكن 
منعه كان قرارا سياسيا بالأساسء لأن خروج البرادعي محوطا بهتاف الآلاف من أنصاره 
أمام وسائل الإعلام الغربية» كان أكثر مما يطيقه النظام أو يحتمله. 


قام مسئولو الأمن بإخراج البرادعي من باب آخر بعيدا عن مستقبليه لكنه بعث 
إليهم برسالة عن طريق أخيه الدكتور علي أكد فيها أنه سيأتي من أجل تحيتهم.. وظل 
الآلاف منتظرين حتى ظهرت سيارة البرادعي. ولقد رأى بنفسه مدى الحماس الصادق 
الذي لقيه به الناس. 

.. لقد كان يوم الجمعة الماضي يوما رائعا في حياتي» أحسست خلاله بأنني أنتمي 
حقا إلى أمة عظيمة.. سأظل دائما أتذكر أجواء الصدق والحماسة التي عشتها. لن أنسى 
مشهد آلاف المحتشدين» وهم يهتفون: «تحيا مصرا وينشدون: «بلادي بلادي» فلا 
يتمالك بعضهم مشاعره ويبكي. 


5 








لن أنسى الذين كانوا يتناقشون بحماس فيما يجب على البرادعي أن يفعله بعد وصوله 
إلى مصرء كانوا يتكلمون بود وألفة وكأنهم أصدقاء مع أنهم يلتقون لأول مرة.. لن 
أنسى ذلك الرجل الذي حضر مع زوجته وطفلته الصغيرة الجميلة ذات الضفيرتين» 
التي حملها على كتفيه» وهي تمسك بصورة البرادعي. 

لن أنسى الذين كانوا يوزعون المياه المعدنية والمشروبات المثلجة على الحاضرين.. 
لن أنسى السيدة المحجبة الوقورة» تلك الأم المصرية الطيبة» التي أحضرت معها عدة 
علب من التمر الفاخر.. فتحتها واحدة بعد الأخرى وراحت توزعها على الواقفين 
الذين لا تعرفهم. وعندما كان أحدهم يرفض شاكرا.. كانت تتطلع إليه وكأنها غاضبة 


ثم تبتسم وتقول: 
لازم تأكل حاجة.. إنت واقف من الصبح وأكيد جعان.. والنبي تاخد من يدي. 
هذه مصر التي استيقظت. 
مصر التي لن يستطيع أحد بعد اليوم أن يستعبدها أو يهينها أو يقمعها. 
الديمقراطية هي الحل. 





الطريقة الوحيدة لاخراج باتيستا 


يعيش الدكتور جلال أمين مع زوجته الإنجليزية السيدة جان وأولاده في بيت أنيق 
تحيط به حديقة جميلة بضاحية المعادي.. وفي صيف 117١‏ قرر الدكتور جلال أن 
يسافر إلى بيروت مع أسرته في مهمة عمل لمدة عام واحد» عندئذ خطرت له فكرة أن 
يؤجر بيته وقد عثر بسهولة على مستأجر للبيت» رجل دبلوماسي من بنما يسمى السيد 
باتيستا.. وقع معه الدكتور جلال عقدا لمدة عام واحد فقط. يسكن خلاله باتيستا في 
البيت على أن يتركه في نهاية المدة. 


سارت الأمور بطريقة طبيعية لكن الدكتور جلال عاد إلى مصر في نهاية العام فوجد 
مفاجأة تنتظره.. لقد رفض السيد باتيستا الخروج من البيت وتعلل بأن الدكتور جلال 
لم يخطره بخطاب مسجل كما ينص العقد.. حاول الدكتور جلال إقناع باتيستا بأنه 
اتفق معه من البداية على استئجار البيت لمدة عام واحد غير قابلة للتجديد وذكره بأنه 
اتصل به تليفونيا قبل انقضاء المدة مما يعتبر إخطارا وديا له بأن يترك البيت» لكن باتيستا 
طلب مهلة وراء أخرى وظل يماطل ويراوغء وفي النهاية أعلن بوضوح أنه لن يخرج 
من البيت.. اضطر الدكتور جلال إلى استئجار شقة مفروشة عاش فيها مع أسرته لكن 
الإحساس بالظلم ظل يثقل عليه حتى أوصله إلى حالة من الغضب العنيف. 

وعشية عيد الميلاد (الكريسماس) قال الدكتور جلال لزوجته: «غدا سوف نبيت 
في منزلنا» ظل الدكتور جلال طوال الليل يتصل بالمستأجر باتيستا ويغلق الخط بغير 
أن ينطق بكلمة واحدة.. وقد فعل ذلك عشرات المرات حتى حرم باتيستا من النوم 
وأرهق أعصابه تماما.. وفي ساعة مبكرة من الصباح, استأجر الدكتور جلال ثلاث 


5 


عربات كارو وضع عليها حقائبه ومتاعه ثم طرق باب البيت فخرج له باتيستا. طالبه 
الدكتور جلال بالجلاء عن البيت فوراء تظاهر باتيستا بالموافقة واستدرج الدكتور جلال 
إلى الشرفة ثم قام بإغلاق الأبواب كلها من الداخل. عندئذ توجه الدكتور جلال إلى 
سيارته وأحضر «الكوريك» الحديدي وبدون ترددء قام بتهشيم البوابات الزجاجية 
للمنزل وتناثر الزجاج فأصابه بجروح جعلته ينزف حتى غطى الدم وجهه وثيابه» لكنه 
مع ذلك اقتحم البيت وأدخل حقائبه بدون مقاومة من باتيستا الذي أصابه الذعر مما 
يحدثء وجاءت زوجة الدكتور جلال وحملته إلى المستشهى حيث تم تضميد جروحه 
لكنه عاد من جديد إلى البيت بالضمادات على وجهه. دخل ونام على سريره وأخبر 
باتيستا بأن عليه أن يرحل فورا. 

استدعى باتيستا شرطة النجدة وحاول ضابط الشرطة أن يحل الأمر ودياء طلب 
باتيستا مهلة جديدة لكن الدكتور جلال رفض وأصر على أن يترك المنزل فورا وأبدى 
استعداده لأن يدفع ثمن إقامة باتيستا بالكامل في أي فندق حتى يجد سكنا آخر.. 
عندئذ احتج باتيستا بالعقد وأعطاه للضابط» وهنا طلب الدكتور جلال رؤية العقد 
وأخذه من الضابط ثم مزقه إربا وألقى بقطع الورق على الأرض.. ثار الضابط على 
الدكتور جلال وانصرف مهددا بتصعيد الأمر إلى أعلى مستوى.. لكن الدكتور جلال 
(الذي مهد للمعركة باتصالات مكثفة مع كل من يعرفهم من المسئولين) لم يأبه» وظل 
مستلقيا في السرير بالرغم من جروحه وإحساسه بالإعياء الشديد والضمادات التي 
تغطي وجهه.. عندئذ» أدرك باتيستا أنه لا مفر من الاستسلام وحمل متاعه ورحل عن 
البيت وتركه لأصحابه. 

قرأت هذه الواقعة فى كتاب «رحيق العمر» الذي صدر مؤخرا عن دار الشروق» 
وهو الجزء الثانى من السيرة الذاتية لجلال أمين التى أضاف بها إلى المكتبة العربية 
قطعة من الأدب الإنساني الرفيع.. اندهشت وأنا أقرأما فعله الدكتور جلال مع باتيستا. 
أولا لأن جلال أمين واحد من أكبر وأهم المفكرين العرب. وثانيا لأنني أعرفه عن 
قرب» فهو صديقي وأستاذي على مدى عشرين عاما وهو بالتأكيد من أكثر من عرفت 
لطفا ووداعة..كيف يصل به الأمر إلى أن يتصرف على هذا النحو العنيف؟! السبب أن 
الدكتور جلال أدرك أن هذه الطريقة الوحيدة لاسترداد بيته المغتصب. لقد تكلم مع 


50 





باتيستا بالود مرارا وتكرارا وأعطاه المهلة تلو الأخرى لكن باتيستا رفض أن يخرج. 
كما أن اللجوء إلى إجراءات التقاضي البطيئة كان كفيلا بإضاعة سنوات قبل أن يحصل 
جلال أمين على حقه. 1 

لا أستطيع أن أمنع نفسي هنا من المقارنة بين ما حدث في بيت جلال أمين وما 
يحدث في مصر كلها.. فالنظام الذي يحكم مصرء تماما مثل المستأجر باتيستاء قابض 
على السلطة بدون وجه حق لمدة ثلاثين عاما باستعمال القمع والتزوير.. ونحن نطالب 
النظام منذ أعوام بأن يمنح المصريين حقهم الطبيعي في اختيار من يحكمهم لكنه؛ أيضا 
مثل باتيستاء يطلب المهلة تلو الأخرى من أجل تنفيذ الإصلاح الديمقراطي ويماطل 
ويراوغ حتى يظل محتكرا للسلطة بل ويعمل على توريثها من الرئيس مبارك إلى ابنه 
جمال من بعده. بسبب الاستبداد والفساد» تدهورت الأحوال في مصر حتى وصلت 
إلى الحضيض في كل المجالات. ملايين المصريين يعانون من الفقر والبطالة ويعيشون 
في ظروف لا تليق بالآدميين.. الإضرابات والاعتصامات تتصاعد كل يوم حتى يبدو 
الأمر وكأن فئات المجتمع كلها تعلن احتجاجها على ما يحدث. 

السؤال: في ظل هذا الغضب العام المتصاعد لماذا تأخر التغيير؟ الإجابة أن ما 
ينقص المصريين هو أن يدركواء مثل جلال أمين» أن الحقوق لا توهب وإنما تنتزع 
وأنه في لحظة ماء يجب على المظلوم أن يعقد العزم على انتزاع حقه مهما بذل من 
تضحيات. أنا لا أدعو إلى العنف لكني أدعو إلى الضغط بكل الطرق السلمية من أجل 
انتزاع حقوق المصريين المهدرة. إن مصر الآن في لحظة تحول حقيقية وهي مؤهلة 
للتغيير أكثر من أي وقت مضى.. ولقد أحس المصريون بأمل كبير عندما ظهر الدكتور 
محمد البرادعي وأعلن انضمامه إلى العمل الوطني من أجل تحقيق الديمقراطية 
والعدالة الاجتماعية. 

لقد التقيت الدكتور البرادعي شخصيا فازدت إعجابا به. لمست عن قرب تواضع 
البرادعي وإخلاصه وتفكيره المتزن وإحساسه العميق بمعاناة المصريين.. إن ما يهم 
الدكتور البرادعي ليس الترشح لرئاسة الجمهورية» فهو كشخص أبعد ما يكون عن 
حب السلطة وهو في وضع مهني واجتماعي يجعله في غنى عن ذلك.. كما أن ترشح 


5” 5 








البرادعي أو سواه لرتاسة الجمهورية في ظل الدستور المعيب الحالي الذي يحصر 
المنصب بين الرئيس وأو لاده» سيجعل من أي مرشح بمثابة كومبارس تافه في مسرحية 
التوريث البائسة.. وهو أمر مشين لا يمكن للدكتور البرادعي أو لأي شخص يحترم نفسه 
أن يقبل به. إن قضية البرادعي الوحيدة هي الإصلاح وأمله أن يرى بلاده في المكانة 
التي تستحقها.. ولقد أعلن منذ أيام عن إنشاء الجمعية الوطنية للتغيير ودعا المصريين 
جميعا للانضمام إليها. أهداف هذه الجمعية: إلغاء قانون الطوارئ وإجراء انتخابات 
نظيفة محترمة تحت إشراف قضائي كامل ومراقبة دولية. تعديل الدستور بشكل يتيح 
فرصة متكافئة وعادلة للتنافس على منصب الرئاسة. 

إن الفكر الذي يدعو إليه البرادعي يعتبر الإصلاح الديمقراطي هو الطريق الوحيد 
للإصلاح الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية. المفرح حقا أن شعبية الدكتور 
البرادعي تتزايد يوميا بطريقة غير مسبوقة. عشرات الآلاف من المصريين أعلنوا تأيبدهم 
للبرادعي وثقتهم الكاملة فيه وسوف تستمر حملة التوقيعات حتى تصل إلى مليون 
مصري. عندئذ يجب أن ننتقل إلى مرحلة المواجهة. لم تعد هناك فائدة ولا جدوى من 
توسل حقوقنا عن طريق مناشدة النظام لأنه لن يستجيب ولكن.. لو أن مليون مواطن 
. مصري نزلوا متظاهرين في الشوارع أو أعلنوا الإضراب العام. لو حدث ذلكء, ولو 
مرة واحدة» فإن النظام سينصاع فورا لمطالب الشعب. إن التغيير بقدر ما هو ممكن 
وقريب إلا أن له ثمنا يجب أن ندفعه. لن ننتصر في معركة التغيير إلا إذا عقدنا العزم 
على استرداد حقوقنا مهما تكن التضحيات.. هذه الطريقة الوحيدة لإخراج باتيستا. 





حادث مؤسف لضايط أمن دوئة 


في يوم السبت الماضيء انتهى عمرو بيه الضابط في أمن الدولة من عمله مبكرا 
على غير العادة فعاد بسرعة إلى بيته. كان سعيدا لأنه سيتمكن من رؤية نورهان. ابنته 
الوحيدة التي تبلغ من العمر عشرة أعوام والتي نادرا ما يراها أثناء الأسبوع.. يعود من 
عمله بعد أن تنام ويستيقظ فتكون في المدرسة. دخل عمرو بيه وحيا زوجته نادية التي 
كانت في المطبخ» ثم اتجه بسرعة إلى حجرة ابنته. فتح الباب فوجدها تستذكر دروسها. 
كانت ترتدي ملابس رياضية زرقاء وقد عقدت شعرها على هيئة ذيل حصان. قبّلها 
عمرو بيه على جبينها وسألها إن كانت تعشت فقالت إنها ستتعشى بعد أن تنتهي من 
الواجب المدرسي. قال لها عمرو بيه إنه سيتعشى معها ثم مد يده اليمنى وربت على 
خدها. فجأة بان الفزع على وجه نورهان وصاحت: 

بابا.. فيه دم على إيدك. 


تطلع عمرو بيه إلى كفه اليمنى فوجدهاء يا للغرابة» مغطاة بالدم.. صرخت نورهان 
بفزع وهرعت أمها من المطبخ لتستطلع الأمر. تماسك عمرو بيه وحاول أن يهدئ من 
روع روجته وابنته.. دخل إلى الحمام بسرعة وغسل يده عدة مرات بالماء الساخن 
والصابون حتى أزال آثار الدماء تماما ثم جففها بالفوطة وعندما خرج من الحمام 
وجد زوجته نادية تنتظره؛ قبّلها على خدها وابتسم ليطمئنها. دخل الزوجان إلى حجرة 
النوم وبدأ عمرو بيه في خلع بدلته ليرتدي البيجاما وينام.. لكنه لم يلبث أن نظر إلى 
يده وصاح: 


"8 





هناء لم يعد ممكنا تجاهل ما يحدث.. ارتدت نادية ملابسها على عجل واصطحبته 
في سيارتها. جلس عمرو بيه بجوارها وشرع في الاتصال بمدير مستشفى السلام الذي 
يعرفه جيدا. كان يستعمل تليفونه المحمول بيده اليسرى لأن يده اليمنى كانت مغطاة 
تماما بالدم.. في الطريق إلى المستشفى أخذ عمرو بيه يتساءل: من أين أتى هذا الدم 
على كفه اليمنى؟! إنه لم يجرح نفسه ولا يذكر أن يده ارتطمت بشيء.. استرجع عمرو 
بيه كل ما فعله أثناء النهار.. لقد وصل إلى جهاز أمن الدولة فى الساعة الواحدة بعد 
الظهر وقبل أن يدخل إلى مكتبه قرر أن يمر على زميله تامر بيه ليطمئن منه على أنه 
حجز مصيف مرسى مطروح في أول أغسطس حتى يقضيا فترة المصيف معا.. تامر 
بيه دفعته في الكلية ومن أقرب أصدقائه. دخل عمرو بيه إلى مكتب تامر بيه فوجده 
منهمكا في التحقيق مع بعض الإسلاميين من أعضاء تنظيم الوعد.. رأى رجلا ملتحيا 
بشحنات متتالية من الكهرباء فيطلق صرخات مروعة بينما صوت تامر بيه يجلجل في 
الحجرة: 

تعرف يا روح أمك لو ما اعترفتش.. حاجيب مراتك بثينة وأقلعها ملط وأخلي 
العساكر يعملوا فيها قدام عينيك. 

ما إن لمح تامر بيه صديقه عمرو بيه حتى تهللت أساريره وأسرع يصافحه ثم انتحى 
تحية الصباح على زميله عبد الخالق بيه الذي كان يحقق مع عمال مصنع الأسمنت 
المضربين.. دخل عمرو بيه فرأى رجلا عاريا تماما إلا من ملابسه الداخلية وهو 
مصلوب من يديه وقدميه على خشبة يسمونها العروسة. امتلاً جسد الرجل بالكدمات 
والجروح وقد وقف خلفه مخبر يضربه بالكرباج بينما مخبرون آخرون منهمكون في 
ضربه بعنف على رأسه ووجهه.. أخذ عبد الخالق بيه يصيح فيه: 

مش أنت عامل مناضل وبطل؟ طيب يا روح أمك. وشرفي لأخليك تبوس جزم 
العساكر. أنا هاخليك تتمنى الموت وما تطولوش. 





عمله.. بعد ذلك استقر عمرو بيه في مكتبه» حيث حقق بنفسه مع شابين من حركة 
5 إبريل كانا يدعوان المواطنين في الشوارع إلى الخروج من أجل استقبال الدكتور 
تماما بعد أن ضربهما المخبرون وجلدوهما طوال الليل» فلم يكن لدى عمرو بيه في 
الواقع ما يفعله.. وجّه إلى الشابين وابلا من الشتائم المعتادة وكاد يصرفهماء لكنه لاحظ 
أن أحدهما ينظر إليه بنوع من التحدي فقام من خلف مكتبه وصفعه عدة مرات على 
وجهه. كانت هذه إشارة للمخبرين فأطلقوا عليه وابلا جديدا من الركلات والصفعات 
وهنا صاح فيه عمرو بيه: 

وله.. قول «أنا مره» ياله. 

ظل الضرب يشتد لكن الشاب رفض أن يقول «أنا مره».. هنا أمر عمرو بيه المخبرين 
فسحلوا الشاب من قدميه وظلت رأسه ترتطم بالأرضء بينما هم يضربونه بأيديهم 
وأحذيتهم الغليظة حتى فقد الوعي.. كان هذا كل ما فعله عمرو بيه أثناء النهار. استرجعه 
في ذهنه فلم يجد فيه شيئا غريبا أو غير مألوف. يوم عمل عادي تماماء فمن أين أتى 
هذا الدم الذي يلطخ يده؟! وصل عمرو بيه فوجد مدير المستشفى في انتظاره بنفسه. 
كشف عليه بعناية فائقة ثم أخذ عينة دم تم تحليلها فورا.. جلس عمرو بيه وزوجته 
نادية أمام مكتب مدير المستشفى الذي قرأ نتيجة التحليل أكثر من مرة ثم خلع نظارته 
الطبية وقال: 

بص يا سعادة الباشا.. الإنسان ينزف من كمه في ثللاث حالات: إما بسبب جرح 
أو بسبب جرعة زائدة من أدوية السيولة أو لا قدر الله لو فيه مرض خبيث في الدم.. 
سيادتك لا مجروح ولا أخذت أدوية سيولة وصورة الدم سليمة.. الحقيقة إن حالة 
سيادتك غريبة. خلينا ننتظر 5 7 ساعة وبإذن الله الدم يقف. 

صرف له مدير المستشفى بعض الأدوية وأعطاه غيارات يضعها على يده لإيقاف 

لم ينم عمرو بيه طوال الليل وفي الصباح سمع صوت ابنته نورهان وهي تستعد 
للذهاب إلى المدرسة. لكنه قرر ألا يخرج لرؤيتها حتى لا تفزع من منظر يده المغطاة 


50 








بالدم.. ارتدى ملابسه بمساعدة زوجته التي اصطحبته من جديد إلى مدير المستشفى 
الذي فحصه من جديد» وكرر بأسف أنه لا يوجد تفسير طبى لهذا النزيف وطلب منه 
الاستمرار فى الأدوية والضمادات. 

عاد عمرو بيه إلى بيته واتصل بالجهاز وأخبرهم أنه مريض ولن يعمل اليوم وقضى 
في حجرته يوما آخر لم يأكل خلاله شيئا بالرغم من إلحاح زوجته ولم ينم إلا دقائق 
قليلة يستيقظ بعدها ليتطلع إلى يده فيجدها دائما ملوثة بالدم.. في الصباح دخلت عليه 
زوجته فوجدته ممددا على الفراش وقد بدا عليه الإنهاك الشديد, لكنها رأت على وجهه 
تعبيرا جديدا وغريبا.. تحامل عمرو بيه على نفسه ونهض ثم ارتدى ملابسه بمساعدة 
زوجته وطلب منها أن تصحبه إلى عمله وهناك توجه إلى مكتب سيادة اللواء مدير 
مباحث أمن الدولة وطلب مقابلته فتم إدخاله فورا.. رحب به سيادة اللواء وانزعج 
لما رأى الضمادات على يده اليمنى وقال: 

سلامتك يا عمرو.. ما لك؟ 

حكاية غريبة. عموما خد أجازة لغاية ما تخف بإذن الله. 

لكن عمرو بيه ابتسم وقدم بيده البسرى ورقة وضعها على المكتب أمام سيادة اللواء 
الذي قرأها بسرعة وصاح باستنكار: 

إيه ده.. أنت اتجننت يا عمرو؟! فيه حد يسيب أمن الدولة؟! 

أرجوك يا فندم. 

يا بنى أعط نفسك فرصة للتفكير.. أنت من أفضل الضباط فى الجهاز وقدامك 

عندئل» بدون أن يتكلم.. رفع عمرو بيه يذه اليمنى المغطاة بالدم أمام سيادة 
اللواء. 

الديمقراطية هى الحل. 





ماذا يتوقع المصريون من البرادعي؟ 


يتعرض النظام السياسي في مصر الآن إلى أزمة حرجة:» فالرئيس مبارك (الذي 
نتمنى له الشفاء) قد يضطر إلى التقاعد في أي لحظة.. وبالرغم من الجهود الكبيرة 
التي بذلها النظام لتسويق جمال مبارك فقد فشل تماما في إقناع المصريين بجدارته 
لمنصب الرئيس. أضف إلى ذلك أن معظم المصريين يرفضون فكرة توريث الحكم 
من أساسهاء سواء لجمال مبارك أو أي شخص آخر ويتمسكون بحقهم الطبيعي في 
اختيار من يحكمهم.. في نفس الوقت نجح الدكتور محمد البرادعي في أن يطرح 
نفسه باعتباره قائدا حقيقيا للمصريين في معركة التغيير. إن التأييد الشعبي العريض 
الذي يحظى به البرادعي اليوم يشكل ظاهرة سياسية فريدة لم تحدث في تاريخنا إلا 
مرات قليلة» مع سعد زغلول وجمال عبد الناصر ومصطفى النحاس.. فقد اجتمع على 
تأييد البرادعي مصريون ينتمون إلى مختلف التيارات الفكرية والسياسية.. إسلاميون 
وأقباط واشتراكيون وليبراليون وناصريون ووفديون والأهم من ذلك ملايين المصريين 
العاديين» الذين رأوا في البرادعي قائدا يجسد أحلامهم في العدل والحرية. في ظل أزمة 
النظام والتأييد الواسع للبرادعي» قد يكون من المفيد أن نسأل: ماذا يتوقع المصريون 
من البرادعي؟! الإجابة تتلخص فيما يلي: 

أولّا: الدكتور البرادعي شغل واحدا من أكبر المناصب الدولية كرئيس للوكالة 
الدولية للطاقة الذرية» والذين يتقاعدون من هذه المناصب الرفيعة لا تنتهي مشاغلهم. 
فبمجرد خروجهم من المنصب تنهال عليهم الدعوات لإلقاء المحاضرات والاشتراك 
في الأنشطة الدولية المختلفة.. المصريون يتوقعون من الدكتور البرادعي أن يستقر 
نهائيا في مصرء ويعطي الأولوية لقيادة العمل الوطني لأن القائد الذي يدافع عن حقوق 
001" 


اسم 2 ب ما 





الأمة يجب أن يظل دائما فى أرض المعركة.. وأنا أثق بأن الدكتور البرادعى يتذكر ما 
فعله الزعيم مصطفى النحاس عندما تولى زعامة الوفد عام »١1971/‏ فقد كان آنذاك 
محاميا كبيرا شهيراء لكنه ما إن تولى قيادة الوفد حتى اعتزل المحاماة وأغلق مكتبه 
وقال جملته الشهيرة: 

اليوم صرت محاميا عن الأمة كلها فلا يجوز بعد ذلك أن أدافع عن الأفراد في 
المحاكم. 

ثانيًا: قبل ظهور البرادعي نشأت حركات وطنية عديدة من أجل التغيير كانت أهمها 
حركة كفاية» التي كان لها الفضل الأكبر في كسر حاجز الخوف عند المصريين. إن 
أعضاء كفاية الذين تحدوا قانون الطوارئ وتلقوا على رءوسهم ضربات الأمن المركزي 
وهم الآباء الحقيقيون لحركات الاحتجاج الكثيرة» التي تعم مصر الآن من أقصاها إلى 
أقصاها.. على أن حركات التغيير جميعا (بما فيها حركة كفاية) قد عانت دائما من 
ضعف اتصالها بالجماهير العريضة من المصريين.. أما فى حالة البرادعى فقد حدث 
العكس .. لقد تكونت شعبية البرادعي في الشارع ثم انتقلت بعد ذلك إلى النخبة.. 
إن الذين صنعوا شعبية البرادعي ليسوا كبار المثقفين والسياسيين» وإنما هم عشرات 
الألوف من المواطنين العاديين الذين أحبوه ووثقوا فيه.. هذا التأييد الشعبي الواسع 
للبرادعي يفرض عليه أن يظل دائما وسط الناس.. إن المحيطين بالدكتور البرادعى 
الآن مجموعة من أفضل الوطنيين المصريين وأكثرهم إخلاصا. لكن الباب يجب أن 
يكون مفتوحا للجميع» لقد أصبح الدكتور البرادعي قائدا للمصريين جميعا باختلاف 
اتجاهاتهم.. من هنا يكون من حق أي مصري أن يقابل الدكتور البرادعيء وينقل إليه 
أفكاره ومن واجب الدكتور البرادعي أن يستمع إليه.. إن نجاح الدكتور البرادعى فى 
مهمته الكبرى سيظل دائما مرهونا باتصاله بالناس العاديين البسطاء. 

ثالثًا: كان إعلان الدكتور البرادعى عن تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير عملا سياسيا 
بارعا وأنا أتوقع أن ينضم إلى هذه الجمعية مئات الألوف وربما ملايين المصريين 
بمجرد الإعلان عن فتح باب العضوية لكن باب العضوية لم يفتح بعد.. الناس فى مصر 

بد 











وخارجها يريدون الانضمام إلى البرادعي» ولا يعرفون ماذا يصنعون. لا بد أن تتاح 
لهم فرصة لمشاركة أكبر من كتابة التوكيلات التي يتم جمعها الآن. إن التأييد العريض». 
الذي يتمتع به البرادعي قد جمع حوله مجموعة من أفضل العقول والكفاءات المصرية. 
وكلهم يتوقون إلى اللحظة التي يكلفون فيها بأداء أي مهمة من أجل بلادهم.. نحن نتوقع 
الوطنية وفتح باب العضوية فيها وإنشاء لجان مختلفة متخصصة تحقق الاستفادة من 
الكفاءات جميعا من أجل تحقيق الإصلاح الذي نتمناه. 


رابعًا: نتوقع من الدكتور البرادعي أن يكون مستعدا للصدام العنيف مع النظام 
الحالي» لقد تجاوز البرادعي دور المصلح السياسي إلى دور القائد الوطني» ومن 
الطبيعي أن يدافع النظام الاستبدادي عن مكاسبه بمنتهى الشراسة. لا جدوى إذن من 
تفادي الصدام أو تأجيله لأنه حتميء وقد بدأ بالفعل في الأسبوع الماضي عندما تم 
استدعاء أحد مؤيدي البرادعي» الطبيب طه عبد التواب» إلى مقر مباحث أمن الدولة 
في محافظة الفيوم» حيث تم تجريده من ثيابه وضربه وتعذيبه وإهانته بطريقة بشعة 
وغير آدمية.. هذه الجريمة التي تحدث يوميا في مقار أمن الدولة تكتسب هذه المرة 
معنى جديدا.. إنها رسالة من النظام إلى المطالبين بالإصلاح بأن أحدا منهم لن ينجو 
من تنكيل السلطات حتى لو كان يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة. 

وقد انتبه الدكتور البرادعي إلى ذلك فأصدر أثناء وجوده في كورياء بيانا صحفيا 
أدان فيه بشدة الاعتداء على الدكتور طه عبد التواب وأعلن تضامنه الكامل معه. على 
أن هذا الحادث البشع مجرد بداية للحرب ضد البرادعيء التي سيستعمل فيها النظام 
كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة من أجل القضاء على أمل المصريين في 
الحرية. نحن نتوقع من الدكتور البرادعي أن يستعمل خبرته الواسعة بالقانون الدولي 
في ملاحقة الجلادين» الذين يعتقلون الأبرياء ويمارسون التعذيب من أجل محاكمتهم 
أمام المحاكم الدولية. 

خامسًا: منذ البداية رفض الدكتور البرادعي بإصرار أن يكون مرشحا للرئاسة 


530 


بواسطة أحد الأحزاب المعترف بها ورفض أيضا أن يتقدم إلى لجنة الأحزاب بطلب 
تأسيس حزب جديد. وفي الأسبوع الماضي تسربت الأنباء عن صفقة سرية عقدها 
النظام مع حزبي التجمع والوفد وجماعة الإخوان المسلمين» ؛ يمتنع بموجبها هؤلاء 
عن تأييد البرادعي مقابل إعطائهم بعض مقاعد مجلس الشعب في الانتخابات المزورة 
المقبلة. . هذه الصفقة المؤسفة بقدر ما تكشف عن المستوى الذي انحدر إليه بعض 
السياسيين في مصرء تثبت لنا كم كان الدكتور البرادعي حكيما وبعيد النظر عندما 
رفض أن يتعامل معهم» مما جعله يحتفظ بنقاء صورته عند الرأي العام بعيدا عن فساد 
النظام» وهؤلاء الذين يتظاهرون بمعارضته. بينما هم يتواطئون معه سرا ضد حقوق 
الشعب.. المصريون يتوقعون من الدكتور البرادعي أن يظل متمسكا بموقفه المبدئي. 
وأن يرفض أي نوع من التفاوض أو الحلول الوسط . إن ما يطلبه المصريون ليس تعديلا 
محدودا في السياسات وإنما إصلاح جذري شامل.. إن كل مواطن يوقع على توكيل 
للبرادعي من أجل تغيير الدستور إنما يوقع في نفس الوقت على سحب الثقة من النظام 
الحالي.. لا فائدة إذن من المناشدات وتدبيج العرائض لأن الحقوق لا تهدى 3 
تنتزع. إن قدرتنا على تحقيق العدل مرتبطة دائما باستعدادنا للتضحية من أجله.. | 
مائة عريضة بليغة نناشد فيها النظام لن تجعل المسئولين يقتنعون بالديمقراطية ولك 
لو نزل إلى الشوارع مليون متظاهرء عندئذ فقط سوف يجد النظام نفسه مجبرا على 
الاستجابة لمطالب الإصلاح. 

أخيراء بينما مصر كلها تنتظر عودة الدكتور البرادعي من رحلته.. وجدت من واجبي 
أن أنقل إليه ما يتردد في أذهان المصريين» الذين يحبونه ويعقدون عليه الآمال الكبار. 








لأن باريس عاصمة الفنون والآداب فإن معرض الكتاب في باريس يعد واحدا من 
أهم معارض الكتاب في العالم. هذا العام يبلغ معرض باريس للكتاب عامه الثلاثين» 
وبهذه المناسبة أقيم احتفال كبير اشتركت فيه وزارة الثقافة ووزارة الخارجية في 
فرنساء وتم اختيار ثلاثين روائيا فرنسيا وثلاثين روائيا غير فرنسي من أجل تكريمهم 
في المعرضء وقد تم اختياري بين الروائيين المكرمين في المعرض. 

بالرغم من حصولي على جوائز دولية أدبية عديدة والحمد لله إلا أنني هذه المرة 
أحس باعتزاز كبير» حيث يتم تكريمي وسط مجموعة من أهم الروائيين في العالم 
مثل الروائي الأمريكي بول أوستير والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو والروائي إيمري 
كيرتس الحاصل على جائزة نوبل في عام ٠٠١7‏ والروائية دوريس ليسينج الحاصلة 
على جائزة نوبل في عام »7٠ ١1‏ شرف كبير حقا أن يوضع اسمي المتواضع بين هؤلاء 
العمالقة. 

لا أستطيع أن أصف سعادتي وأنا أرى اسم مصر العظيمة يوضع في كل مكان في 
معرض باريس. مصر تستحق أكثر من ذلك بكثير ولدينا في مصر الآلاف من النابهين 
في كل المجالاتء الذين يستحقون التكريم العالمي لكن النظام الفاسد المستبد الجاثم 
على أنفاس المصريين يمنعنا من الاستفادة بقدراتهم ومواهبهم. 

ما يستحق التأمل فعلا هو الاحترام العميق الذي يتعامل به المسئولون الفرنسيون 
مع الروائيين المكرّمين.. لقد أعطتنا إدارة المعرض بطاقات خاصة ما إن أبرزها في 
أي مكان حتى تفتح الأبواب فورا ويهرع إليك المسئولون ليتأكدوا من أن كل شيء 


505 











على ما يرام وأنك لا تحتاج إلى شيء.. هذا الاحترام البالغ تحظى به في فرنسا ليس 
لأنك مسئول ذو نفوذ وليس لأآنك ثري تعتمد على ثروتك ولكن لأنك كاتب أو 
فنان.. لا أظن الكاتب أو الفنان يحظى باحترام في أي مكان في العالم بقدر ما يحظى 
به في فرنسا. 

ولا يقتصر احترام الأدباء على المسئولين وإنما يشمل أيضا القراء وزوار المعرض.. 
الندوات التي نعقدها نحن الروائيين المكرمين يتزاحم عليها الناس لدرجة تجعل 
الكثيرين يتابعون الندوة وهم وقوف لعدم وجود مقاعد.. عندما نجلس لتوقيع مؤلفاتنا 
يصطف الفرنسيون في طوابير طويلة ليحظوا بتوقيع الكاتب على روايته.. هذا الصباح 
كنت أوقع النسخ الفرنسية من أعمالي عندما وقفت سيدة فرنسية مسنة في الطابور 
وعندما جاء دورها.. ابتسمت وقالت: 

أنا لم أحضر لتوقيع كتبك التي قرأتها جميعا.. لقد جئت فقط لكي أقول: شكرا 
لك. 

قلت لها: أنا الذي أشكرك لآن تقديركِ لي هو أكبر تكريم وأكبر جائزة. 

بالأمس أقيم حفل كبير على شرف الروائيين المكرمين في وزارة الثقافة الفرنسية, 
وهي تقع في مبنى تاريخي فخم وجميل يذكرك بالقصور الملكية المصرية» استقبلنا 
وزير الثقافة الفرنسي فريدريك ميتران (وهو ابن أخ الرئيس الراحل فرنسوا ميتران). 
صافحَنا الوزير ميتران باحترام وشكرّنا على قبول دعوته للتكريم ثم ألقى كلمة جميلة 
عن أثر الأدب في تقدم الإنسانية. 

لم أستطع أن أمنع نفسي من المقارنة بين ما يحدث في مجال الثقافة عندنا وعندهم.. 
فالوزير ميتران يقف أمام كاميرات العالم ليلقي كلمة يرحب بها بالروائيين المكرمين 
فيتحدث عن تأثير الأدب في تقدم الإنسانية.. لم يشر الوزير الفرنسي بكلمة واحدة 
إلى رئيس الجمهورية ساركوزي. لم يتحدث (كما يحدث في مصر) عن عظمة السيد 
الرئيس ولا حكمته ولا شجاعته ولا قوة بصيرته, لم يقل وزير الثقافة الفرنسي إنه تلميذ 
في مدرسة السيدة كارلا زوجة الرئيس ساركوزيء ولم يصفها بأنها أم الفرنسيين ولم 


/اه 5 





يشكرها بصوت متهدج على ما فعلته من أجل أطفال فرنسا ولم يخاطبها قائلا شكرا 
يا ماما كارلا كما يحدث في مصر. 

الأكثر من ذلك. أنني شخصيا قد انتقدت ساركوزي بشدة في وسائل الإعلام 
الفرنسية منذ أن كان وزيرا لداخلية فرنسا.. عندما قال ساركوزي مرة ما معناه: إن 
سكان الضواحي (ومعظمهم من العرب والإفريقيين الفقراء) قاذورات يجب تنظيفها. 
وعندما شن حملة على المهاجرين غير الشرعيين وصلت إلى حد القبض على أطفالهم 
في المدارس. قلت آنذاك في الإعلام الفرنسي إن القبض على الأطفال جريمة بشعة 
بغض النظر عن أسبابهاء وعندما تم انتخاب ساركوزي رئيسا لفرنسا قلت رأبي في 
شخصيته بوضوح. 

كنت وما زلت أعتقد أن نيكولا ساركوزيء بالرغم من ذكائه الميكيافيللي النفعي. فإنه 
شخص ضحل الثقافة يحمل أفكارا يمينية متعصبة ضد الملونين والعرب والمسلمين» 
وهو غير جدير بأن يكون رئيسا لفرنساء كما أن سياسته الخارجية تتسم بالنفاق المشين 
فهو يتحدث كثيرا عن الديمقراطية» وفي نفس الوقت يساند بقوة أسواً الأنظمة المستبدة 
في العالم العربي وإفريقيا.. هذا النقد الشديد لرئيس الجمهورية الفرنسية أعلنته في 
التلفزيون الفرنسي في برنامج «هذا المساء أو لن يحدث أبدا» الشهير الذي يشاهده 
ملايين الفرنسيين» وكررته مرارا في الإذاعة الفرنسية» وفي أحاديثي العديدة للصحافة 
الفرنسية.. لكن ذلك لم يؤثر إطلاقا على اختياري للتكريم في معرض كتاب باريس» 
وأنا واثق أن آرائي السلبية في شخصية ساركوزي وسياساته لم تخطر أصلا على ذهن 
أي مسئول فرنسي في اللجنة المحايدة التي اختارت الروائيين المكرمين من مختلف 
أنحاء العالم. 

هذا السلوك الموضوعي ليس عملا بطوليا استثنائياء لكنه أمر طبيعي في الدول 
الديمقراطية.. لأن المسئولين الفرنسيين منتخبون من الشعب. وبالتالي هم لا يعتبرون 
الرئيس ساركوزي مقدسا ولا يرون فيه والدا للفرنسيين أو رمز فرنسا الأكبر» لا أحد في 
فرنسا يعتبر ساركوزي منشئ فرنسا الحديثة ولا بطل الحرب والسلام ولا شيئًا من هذه 


504 





الأوصاف التي يغدقها الكتبة المنافقون عندنا على الرئيس مبارك.. نيكولا ساركوزي 
مجرد شخص انتخبه الفرنسيون لخدمة الشعب» وهم يستطيعون إزاحته من منصبه في 
أي لحظة إذا شاءوا عن طريق صناديق الانتخاب. من هنا فإن رأيك السلبي في رئيس 
الجمهورية لن يؤثر إطلاقا على حصولك على تكريم تستحقه. 

قارن ذلك يا عزيزي القارئ بما يحدث عندناء حيث يعكف كتبة النظام على تأليف 
الكتبء التي تشيد بعظمة الرئيس مبارك فيحصلون على جوائز معرض القاهرة للكتاب. 
التي يسلمها لهم الرئيس مبارك بنفسه. قارن ذلك بجوائز الدولة في العلوم والآداب. 
التي يتحكم فيها الوزير فاروق حسني. ويسيطر عليها عن طريق لائحة عجيبة تجعل 
غالبية من يصوتون في لجان الجوائز من الموظفين التابعين له مباشرة.. الأمر الذي 
جعل جوائز الدولة المصرية مهزلة كبرى فلا يكاد يمر عام واحد بدون فضيحة جديدة.. 
فمرة يتم منحها إلى الوزراء أنفسهمء ومرة يتشاجر وزيران من أجل الحصول على 
إحدى الجوائز» ومرة تتأخر تعليمات الوزير لآنه مسافر فيجتهد الموظفون ويختارون 
الفائز ثم تأتي تعليمات الوزير على عكس اختيارهم فلا يتحرجون إطلاقا من إعادة 
التصويت ليفوز من يريده الوزير أن يفوز.. هذا هو الفرق بين نظام سياسي ديمقراطي 
محترم ونظام استبدادي لا تنتهي مهازله ومصائبه. 

بقيت ملاحظة لا بد أن أكتبها. أثناء تكريمي في فرنسا وجدت الكثيرين من إخوتنا 
الجزائريين يأتون لتهنئتي بمحبة صادقة ويقولون ما معناه: إن تكريم أديب مصري 
هو تكريم للجزائر وللعرب جميعا». [ 

تأثرت من هذا الشعور النبيل الرائع وشكرتهم بحرارة لكن بعضهم قالوا إنهم عاتبون 
على بعض المثقفين والفنانين المصريين الذين تورطواء أثناء مشكلة مباراة كرة القدم. 
وقالوا أشياء اعتبرها الجزائريون إهانة لبلادهم التي يعتزون بها. حاولت أن أشرح 
لهم كيف شحن الإعلام في مصر والجزائر الشعبين من أجل أغراض سياسية وقلت 
إن تحقيقا محايدا كان من الضروري إجراؤه في الأحداث المؤسفة» التي حدثت في 
القاهرة وفي أم درمان وفي الجزائر نفسها. 








وأكدت لهم أن مكانة الجزائر في قلب كل مصري لا يمكن أن تتأثر بمثل هذا 
الصغار. واتفقناء أنا وأصدقائي الجزائريون, أن المشكلة الأساسية ليست في الإعلام 
ولافي كرة القدم وإنما في الأنظمة المستبدة الجاثمة على أنفاس الشعوب العربية من 
الخليج إلى المحيط والتي أدت بنا إلى هذا الحضيض. 


الديمقراطية هى الحل. 


51 


متى يدرك الرئيس مبارك هذه الحقيقة؟! 


تولى الشاه محمد رضا بهلوي حكم إيران منذ عام ١454١‏ وحتى عام 2191/4 وقد 
كان شاه إيران على علاقة وثيقة بالمخابرات الإنجليزية والأمريكية التي كان لها الفضل 
في إعادته للعرش عندما أجبره رئيس وزرائه الزعيم الوطني محمد مصدق على مغادرة 
إيران في بداية الخمسينيات» كما تميز حكم الشاه بالقمع الشديد للمعارضين وتسببت 
الشرطة السرية الإيرانية (السافاك) في قتل وتعذيب مئات الآلاف من الإيرانيين حتى 
قامت الثورة الإيرانية عام .١91/9‏ 

شاه إيران إذن» بنظرة محايدة وموضوعية:» ديكتاتور سفاح يداه ملطختان بدماء 
الإيرانيين» وقد كان عميلاء بالمعنى الحرفي للكلمة, للولايات المتحدة والغرب. 
منذ عامين التقيت في القاهرة السيدة فرح بهلوي أرملة شاه إيران الراحل في منزل 
أصدقاء مشتركين. 

وقد أعجبت بشخصيتها المنفتحة اللطيفة المتواضعة ولفت نظري ذكاؤها الحاد 
وتعليمها الراقي.. تحدثنا طويلا وأخبرتني أنها تكتب مذكراتها ووعدت بإهدائي نسخة 
منها عند صدورها. وفعلا أرسلت إليّ أخيرا نسخة من كتاب مذكرات فرح بهلوي 
(الصادر عن دار الشروق) بدأت في قراءة المذكرات فاستوقفني أن السيدة فرح تعتبر 
زوجها الراحل شاه إيران بطلا قوميا وصاحب الفضل العظيم على إيران كما أنها تعتبر 
الثورة الإيرانية مجرد مؤامرة قام بها مجموعة من الرعاع والحاقدين. 

وهي تصف اللحظات الأخيرة قبل أن ترغمهما الثورة» هي وزوجهاء على مغادرة 
إيران فتكتب: (إننا نرحل رافعي الرءوس واثقين من أننا عملنا دوما لصالح البلاد وإذا 


51١ 





كنا أخطأنا فعلى الأقل لم نكن نفكر إلا في الصالح العام». اندهشت للغاية من هذا 
الكلام وتساءلت: كيف لهذه السيدة المثقفة الذكية أن تتجاهل أو تغفل عن الجرائم 
البشعة التي ارتكبها شاه إيران في حق بلاده؟ 

قد يقال إن حب الزوجة لزوجها يعميها دائما عن أخطاته لكننا لا نتتحدث هنا عن 
عيوب شخصية وإنما جرائم بشعة ارتكبها الشاه في حق ملايين الإيرانيين.. الأغرب من 
ذلك أن المذكرات حافلة بما يدل على أن شاه إيران نفسه كان يعتقد أنه أدى خدمات 
جليلة إلى الشعب وأنه ضحى براحته وحياته من أجل الوطن.. يقودنا ذلك إلى السؤال: 
كيف يرى الحاكم المستبد نفسه؟! يعلمنا التاريخ أن الحكام المستبدين جميعا كانوا 
يعتبرون أنفسهم أبطالا عظاما وكانوا في حالة دائمة من خداع النفس تجعلهم يبررون 
كل ما يفعلونه من تصرفات سيئة أو حتى ما يقترفونه من جرائم. 

هذا الانفصال الدائم بين الحاكم المستبد وما يحدث في الواقع» ظاهرة وصفها 
الأدب العالمي بدقة وسماها «عزلة الديكتاتور».. فالديكتاتور يعيش في عزلة تامة عن 
حياة مواطنيه ولا يعرف حقيقة ما يحدث في بلاده.. بعد سنوات من حكم الديكتاتور 
تتكون حوله مجموعة من الأصدقاء والأقارب الأثرياء الذين تجعلهم حياتهم الممترفة 
بعيدين تماما عن معيشة الناس العاديين وبالتالي يفقد الديكتاتور إحساسه بالفقراء 
وهو لا يعايش الحياة الحقيقية أبدا وإنما تنتقل إليه صورتها عن طريق تقارير ترفعها 
إليه أجهزة أمنية مختلفة. 

وهذه الأجهزة ترى من مصلحتها دائما تخفيف الصورة القاتمة للأحداث تفاديا 
لغضب الديكتاتور وكثيرا ما تتصارع هذه الأجهزة فيما بينها على ثقة الديكتاتور فتكتب 
تقارير متضاربة وتختلق أحيانا مؤامرات وهمية تزعم أنها قضت عليها لتقنع الحاكم 
بأهميتها. أضف إلى ذلك أن الوزراء الذين يعملون مع الديكتاتور ليسوا منتخبين 
وبالتالي لا يهمهم إطلاقا رأي الناس فيهم وإنما ينحصر اهتمامهم في الحفاظ على 
رضا الحاكم الذي عينهم ويستطيع إقالتهم في أي لحظة. وهم لا يواجهون الحاكم 
بالحقيقة أبدا وإنما يقولون له دائما ما يعجبه. 


517 





نادرا ما يغامر الوزراء في حكم استبدادي بالتعبير عن آرائهم الحقيقية وإنما يظلون 
دائما في انتظار تعليمات الرئيس وتوجيهاته وهم يعتبرون كل ما يفعله الرئيس أو يقوله 
أو حتى يفكر فيه» قمة الحكمة والشجاعة والعظمة. وهكذا تكتمل عزلة الديكتاتور عن 
الحقيقة حتى يفيق في النهاية على كارثة تحيق بالبلد أو ثورة تطيح به من الحكم.. إن 
عزلة الديكتاتور ظاهرة متكررة في التاريخ وهي من أسوأ عيوب النظام الاستبدادي. 
عندما اندلعت الثورة الفرنسية في عام ١184‏ وحاصرت الجماهير الغاضبة الجائعة 
قصر فرساي. سألت ملكة فرنسا ماري أنطوانيت عن السبب فى هذه المظاهرات فقال 
أحد معاونيها: ْ 

-إنهم غاضبون لأنهم لا يجدون الخبز يا صاحبة الجلالة. 

فأجابت الملكة بدهشة: 

- ولماذا لا يأكلون الكعك؟ 


هذه الجملة الشهيرة المنسوبة إلى ماري أنطوانيت تدل على مدى العزلة التى قد 
يصل إليها الحاكم المستبد. لقد كانت ماري أنطوانيت امرأة قوية وذكية بل كانت 
المتحكمة الفعلية فى قرارات زوجها الملك لويس السادس عشر.. لكنها بعد سنوات 

فكرت في ذلك وأنا أتابع ما يحدث في مصر. فقد ذهب الرئيس مبارك لإجراء 
جراحة في ألمانياء أنا بالطبع أتمنى الشفاء لكل مريض لكنني لم أر في مرض الرئيس 
حدثا فريدا من نوعه. فكل إنسان يصيبه المرضء كما أن سن الرئيس المتقدمة تفرض 
عليه بعض المتاعب الصحية بين الحين والآخرء لكن كتبة النظام استقبلوا مرض 
الرئيس وكأنه نهاية الدنيا حتى كتب بعضهم أن مصر مرضت بمرض الرئيس وكأن 
طوال فترة العلاج فلما نجحت الجراحة بحمد الله وعاد الرئيس مبارك إلى مصرء 


وصدرت الأوامر إلى بعض المطربين والمطربات بإعداد أغنيات خصيصا من أجل 
الاحتفال بعودة الرئيسا لميمونة ولا أعلم كيف يقبل فنان حقيقى على نفسه أن يتحول 
”7 





إلى مداح بالأجر مثل أولئك المتسولين الذين يطوفون في الموالد. هل فكر هؤلاء 
المنافقون فيما سيفعلونه عندما يسافر الرئيس مرة أخرى إلى ألمانيا لمتابعة حالته؟ 
هل سيؤلفون أغاني جديدة عند عودته من الفحص الطبي؟ هل يصدق الرئيس مبارك 
هذا النفاق؟ ! ْ | 

ألا يخطر بباله ولو للحظة أن هؤلاء الطبالين والزمارين لا يحبونه وإنما يدافعون 
عن الامتيازات التي حصلوا عليها في عهده؟ ألا يدرك الرئيس مبارك أن كثيرين من 
هؤلاء المنافقين ظلوا دائما ملتصقين بالسلطة وتلونت أفكارهم وآراؤهم بما يناسب 
كل عهد.. كانوا اشتراكيين مخلصين في الفترة الناصرية» فلما تغيرت الرياح واتجهت 
الدولة إلى الاقتصاد الحر صاروا من أكبر أنصار الخصخصة وحرية السوق.. ما 
التصور الذي يملكه الرئيس مبارك لما يحدث في مصر؟ ! هل يعرف أن أكثر من نصف 
المصريين يعيشون تحت خط الفقر؟! ألا يقلق الرئيس أن ملايين المصريين يعيشون 
في العشوائيات بلا ماء ولا كهرباء ولا صرف صحي؟ ألا يزعجه انتشار البطالة والفقر 
والمرض والإحباط؟ هل يعرف الرئيس مبارك أن مصر قد تدهورت إلى الحضيض 
في كل المجالات؟ 

هل سمع عن الفقراء الذين يموتون في الطوابير من أجل الحصول على الخبز وأنبوبة 
بوتاجاز؟ هل سمع عن مراكب الموت التي يحاول من خلالها آلاف الشبان المصريين 
الهروب من البؤس فيلقون حتفهم غرقا في البحر؟ هل قال أحد للرئيس مبارك إن آلاف 
الموظفين يفترشون الأرصفة منذ أشهر أمام مجلس الشعب مع أطفالهم لأن حياتهم 
أصبحت مستحيلة؟ هل فكر الرئيس مبارك في الموظف الذي يتقاضى مائة جنيه في 
الشهر لينفق على أسرة كاملة» بينما كيلو اللحم قد وصل إلى سبعين جنيها؟ لا أعرف 
طبعا كيف يفكر الرئيس مبارك» وإن كنت أعتقد» طبقا لظاهرة عزلة الديكتاتور» أن 
الرئيس مبارك لديه تصور منفصل تماما عن حقيقة ما يحدث في مصر. 

إن الواقع في مصر مرشح للانفجار بقوة في أي لحظة ولو حدث هذا الانفجار, لا 
قدر الله» فسوف ندفع جميعا ثمنا باهظا.. أتمنى أن ينهي الرئيس مبارك سنوات حكمه 


51 





بإجراء إصلاح ديمقراطي حقيقي وتعديل الدستور بحيث يتيح التنافس الشريف بين 
المرشحين وإجراء انتخابات حرة نظيفة حتى يختار المصريون وجوها جديدة محترمة 
تتحمل المسئولية لتنتهي محنة مصر ويبدأ مستقبلها.. متى يدرك الرئيس مبارك هذه 
الحقيقة؟! 


م395 





لماذا يصرحخ سيادة اللواء ؟( 


الشبان والبنات الذين خرجوا يتظاهرون في شوارع القاهرة يوم ١‏ إبريل لم يخالفوا 
القانون ولم يرتكبوا جريمة أو خطيئة. كانوا يريدون فقط أن يعبروا عن رأيهم.. كانوا 
يطالبون بالحرية» بالعدل. بالكرامة» بانتخابات نظيفة وإلغاء قانون الطوارئ وتعديل 
الدستور لإتاحة فرصة متكافئة للترشح بين المصريين جميعا. كل هذه مطالب عادلة 
ومشروعة. لماذا تم التنكيل بهؤلاء الشبان وضربهم وسحلهم واعتقالهم؟! 

لا توجد دولة محترمة في العالم تعاقب مواطنيها بهذه البشاعة لمجرد أنهم عبروا 
عن رأيهم» ما حدث يوم ١‏ إبريل سيظل وصمة عار تلطخ جبين النظام المصري إلى 
الأبد. لقدتم حصار الشبان والبنات بواسطة كردون من عساكر الأمن المركزي؛ ظلوا 
يضغطون على أجساد الشبان حتى كادوا يخنقونهم وسرعان ما انقض عليهم رجال 
فرق الكاراتيه التابعة للشرطة. راحوا يضربون الشبان والبنات بالعصي الغليظة على 
رءوسهم وأجسادهم.. هذا القمع الوحشي لم أره من قبل قط إلا في تعامل الجيش 
الإسرائيلي مع المتظاهرين الفلسطينيين أثناء الانتفاضة.. لماذا يعتدي مصريون على 
مصريين مثلهم بهذه الوحشية؟! [ 

ظل الشبان والبنات يصرخون وأصيبوا بجروح بالغة حتى سالت دماؤهم على 
الأسفلت لكن الضرب لم يتوقف لحظة. أخيرا ظهر رجل جاوز الخمسين؛ ضخم 
الجثة أسمر يرتدي الملابس المدنية وقد استقرت على جبينه علامة صلاة كبيرة. كان 
الجنود ينادونه «سيادة اللواء».. كان هذا اللواء يأمر بإخراج البنات من الكردون. واحدة 
وراء الأخرى. يصرخ بصوت كالرعد في المخبرين: 


سن 





هاتوا لي البنت المومس اللي هناك دي. 

فوراء يندفع المخبرون ليجذبوا البنت من وسط زملائهاء كان الشبان يستميتون في 
الدفاع عن البنت» يحمونها بأجسادهم ويتلقون عنها الضربات» لكن الضرب كان يشتد 
ويزداد ضراوة ويحدث المزيد من الإصابات في أجساد الشبان حتى تخور مقاومتهم 
في النهاية ويتمكن المخبرون من إخراج البنت من وسطهم. يدفعون بها أمامهم وهم 
يضربونها حتى تقف في مواجهة اللواء الذي يتلقاها بوابل من الشتائم البذيئة ثم يرفع 
يده ويصفعها بقوة عدة مرات قبل أن يشد حجابها وينزعه» ثم يمسكها من شعرها 
ويسحلها على الأرض لمسافة طويلة وهو يركلها بقدميه بكل قوته حتى يلقي بها إلى 
الجنود الذين يكملون ضربها وصفعها وركلها ثم يقذفون بها أخيراء بعد أن حطموها 
تماماء في سيارة الترحيلات. 

ظهرت صورة اللواء وهو يعتدي بنفس الطريقة على البنات في كل تسجيلات 
الفيديو التي أفلتت من مصادرة الشرطة. غير أنني لاحظت أمرا غريباء فبينما اللواء 
يهتك عرض البنت ويسحلها ويضربها كان وجهه يتقلص بشدة ويصرخ بلا توقف» 
كان وهو يعتدي عليها يطلق صرخات متحشرجة مشروخة غريبة كأنه هو الذي يتألم. 
وجدتني أتساءل: لماذا يصرخ سيادة اللواء؟! 

الطبيعي أن تصرخ البنت التي يتم انتهاك كرامتها وجسدها في الشارع على مرأى 
من المارة جميعا.. أما اللواء الذي يضربها فلماذا يصرخ؟! إنه قوي» جبار» يسيطر 
على الموقف تماما. إنه يملك كل شيء بينما البنت ضعيفة لا تملك من أمرها شيئا.. 
إنه مطلق الإرادة» مشيئته نافذة» يستطيع أن يفعل بالبنت ما يشاء؛ يضربهاء يصفعهاء 
يسحلهاء حتى لو قتلها لن يعاقبه أحد. لماذا يصرخ إذن؟! في الحرب قد يطلق المقاتل 
صرخات قوية أثناء القتال لكي يبث الرعب في قلوب أعدائه» لكن اللواء لم يكن يحارب 
ولم يكن ينازل عدوا مسلحا. كان يعتدي على بنت ضعيفة لا حول لها ولا قوة تكاد 
تموت من الرعب والأآلم والإحساس بالمهانة والعار. 

هل كان اللواء يصرخ وهو يهتك عرض البنت لكي يقضي على تردد مرءوسيه من 
ضباط الشرطة الذين ربما يرفض بعضهم أن يعتدي على بنت مصرية بريئة لم ترتكب 


5” 





جرما ولم تخالف القانون؟! هل كان يصرخ لكي ينسى أن واجبه الحقيقي أن يحمي 
هذه البنت من الاعتداء لا أن يعتدي بنفسه عليها؟! هل كان يصرخ لينسى أن هذه 
البنت التي ينزع حجابها ويسحلها على الأرض.. تشبه ابنته التي لا شك أنه يحبها 
ويحنو عليها ولايسمح لأحد أبدا بأن يهينها أو يؤذيهاء ابنته التي لو كان لديها امتحان 
صعب أو أصابها برد بسيط لما استطاع سيادة اللوا» أن ينام قبل أن يطمئن عليها.. هل 
كان يصرخ لأنه عندما تخرّج في كلية الشرطة من ثلاثين عاماء كان يحلم بأن يكون 
رجل القانون والعدالة وأقسم على أن يحمي أعراض المصريين وحياتهم وممتلكاتهم 
فإذا به يتورط شيئا فشيئا فى حماية نظام مبارك حتى صارت مهمته أن يهتك أعراض 
البنات.. ربما كان يصرخ لأنه متدين» أو هو على الأقل يعتبر نفسه متدينا: فهو يصلي 
ويصوم بانتظام» حتى صلاة الفجر يحرص على أدائها حاضرا ما استطاع؛ وقد أدى 
فريضة الحج واعتمر أكثر من مرة وهو من كثرة سجوده قد استقرت على جبينه علامة 
الصلاة من سنوات.. كان يصرخ. ربماء لأنه يعلم أنه جاوز الخمسين وقد يحين أجله 
فى أي لحظة. قد يموت فى حادث سيارة أو يكتشف فجأة إصابته بمرض خطير يودي 
بحياته أو حتى» كما يحدث لكثيرين» قد يدخل إلى فراشه في الليل لينام وهو في أوج 
صحته وفي الصباح تحاول زوجته إيقاظه فتجده ميتا. 

سيادة اللواء يعلم يقينا أنه سيموت وسوف يقف أمام ربنا سبحانه وتعالى ليحاسبه. 
الذي يحفظ البلاغات المقدمة ضده لعدم كفاية الأدلة. في يوم العرض العظيم.. 
سوف يتخلى عنه الناس جميعاء الحرس والمخبرون والجنود والضباط» أصدقاؤه 
وزوجته وحتى أولاده. يومتذ لن تنفعه رتبة اللواء ولا علاقاته بكبار المسئولين ولا 
ثروته.. سيقف يومئذ عارياء كما ولدته أمه. ضعيفا بلا حول ولا قوة» يرتعد خوفا من 
الحساب أمام الخالق. يومئذ سوف يسأله الله.. لماذا اعتديت على بنت مصرية ضعيفة 
لا تملك أن تدافع عن نفسها؟ لماذا ضربتها وسحلتها وهتكت عرضها أمام الناس؟! 
هل ترضى أن يفعل أحد ذلك بابنتك؟! ماذا سيقول سيادة اللواء حينئذ؟! لا يستطيع 
أن يقول لربنا سبحانه وتعالى إنه ينفذ التعليمات. لن تغنيه التعليمات شيئا ولن تنفعه 
ولن تمنع عنه عقاب الله على ما ارتكبه من جرائم. 


3518 


بالرغم من سلطة السيد اللواء ونفوذه.. بالرغم من عشرات الألوف من عساكر 
الأمن المركزي والبلطجية ورجال فرق الكاراتيه الذين ينتظرونء كالكلاب المتوحشة 
المدربة» إشارة واحدة منه لكي يضربوا ويسحلوا ويهتكوا أعراض الأبرياء.. بالرغم من 
كل هذه القوة الطاغية» فإن سيادة اللواء كان يحس في أعماقه وهو يعتدي على البنت 
بأنه ضعيف وبائس وعاجز عن السيطرة على نفسه وأنه يتورط شيئا فشيئا في ارتكاب 
جرائم بشعة من أجل حماية الرئيس حسني مبارك وأسرته.. كان سيادة اللواء يحس 
بأن البنت التي يسحلها ويضربها أقوى منه لأنها تدافع عن الحق والعدل ولأنها بريئة 
وشريفة ونقية وشجاعة» ولأنها تحب بلادها وتدافع عنها بكل ما تملك من قوة. 

كانت البنت وهي مسحولة على الأرض تتلقى الضربات وركلات الأحذية العسكرية 
فلا تتوسل ولا تستنجد ولا تستجدي الجلادين بل كانت تهتف: «الحرية.. الحرية.. 
تحيا مصر.. تحيا مصر». 

عندئذ أحس سيادة اللواء بشعور غريبء تأكد له أنه يستطيع أن يقتل هذه البنت. 
يستطيع أن يمزق جسدها لو أراد لكنه لن يستطيع أبدا أن يهزمها أو يذلها أو يكسر 
إرادتها.. أحس بأنه بالرغم من كل قوته مهزوم وأن هذه البنت الضعيفة المنتهكة 
المسحولة هي التي سوف تنتصر. عندئذ لم يكن أمام سيادة اللواء إلا أن يصرخ. 

الديمقراطية هي الحل. 





هل يعتبر تزوير الانتخابات من الكبائر؟! 


خلال الأشهر المقبلة» سوف تشهد مصر انتخابات برلمانية وأخرى رتاسية» لقد 
حاول النظام المصري في السابق أن يستعمل القضاة في التغطية على تزوير الانتخابات 
لكن القضاة الشرفاء رفضوا أن يخونوا مبادئهم وكانت رسالتهم واضحة: إما أن يشرفوا 
على الانتخابات بطريقة جدية محترمة وإما أن ينسحبوا ويتركوا النظام ليبوء وحده 


بعار التزوير. 
هذه المرة قرر النظام من البداية إلغاء الإشراف القضائي وأعلن رفضه لأية مراقبة 


كل ذلك يؤكد أن الانتخابات المقبلة ستكون مزورة. منذ الآن» يعرف المصريون 
جيدا أن أعضاء الحزب الحاكم سيفوزون بأغلبية مقاعد البرلمان وأن الانتخابات 
الرئاسية ستكون مهزلة يتمكن من خلالها الرئيس مبارك من الاحتفاظ بالسلطة أو 
توريثها لنجله جمال. السؤال هنا: من المسئول عن تزوير الانتخابات؟! 

وزارة الداخلية هي الجهة المشرفة على إجراء الانتخابات وهي بالتالي المسئولة 
عن تزويرهاء إلا أن وزير الداخلية في الحقيقة ليس أكثر من منفذ للتعليمات أما من 
يتخد قرار التزوير فهو رئيس الجمهورية نفسه. 

وهكذا ينتقل قرار التزوير من الرئيس إلى وزير الداخلية ثم يقوم بتنفيذه الاف 
الضباط والجنود والموظفين في كل محافظات مصر. هؤلاء المزورون هم الذين 
يمنعون الناس من الإدلاء بأصواتهم ويستعينون بالبلطجية لضرب الناخبين الذين لا 


و33 





ينتمون للحزب الحاكم وهم الذين يقومون بملء البطاقات الانتخابية وتقفيل صناديق 
الاقتراع ثم يعلنون بأنفسهم النتائج المزورة. 

هؤلاء المزورونء مثل معظم المصريين الآنء يحرصون على أداء الصلاة وصيام 
رمضان وأداء الزكاة والحج والعمرة ويطلبون من زوجاتهم وبناتهم ارتداء الحجاب 
لكنهم مع حرصهم على تنفيذ أوامر الدين يشتركون في تزوير الانتخابات فلا يحسون 
أبدا بأنهم يرتكبون معصية دينية ولا يؤرقهم الإحساس بالذنب وهم غالبا ما يعتبرون 
أنفسهم في حالة تنفيذ لتعليمات الرؤساء لا أكثر ولا أقل» كما أنهم يعتبرون مسألة 
الانتخابات برمتها بعيدة عن الدين. لو تخيلنا أن رئيس الجمهورية؛ بدلا من أن يأمر 
بتزوير الانتخابات» قد أصدر تعليماته للضباط والموظفين بأن يشربوا الخمر أو يفطروا 
فى رمضان لثاروا عليه قطعا ورفضوا تنفيذ أوامره لأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية 
الخالق. ا 

لماذا يعتبر هؤلاء الموظفون تزوير الانتخابات مجرد تنفيذ للتعليمات بينما يعتبرون 
شرب الخمر أو الإفطار فى رمضان من أكبر المعاصى؟! الإجابة سوف تقودنا إلى 
المسافة الشاسعة بين حقيقة الإسلام والطريقة التي نفهمه بها. 

اختر ما شئت من كتب الفقه فلن تجد أبدا كلمة واحدة عن تزوير الانتخابات لأنها 
كلها كتب قديمة كتبت في عصور لم تعرف الانتخابات كما أن باب الاجتهاد مغلق 
منذ قرون وكل ما يفعله معظم الفقهاء الآن لا يتجاوز اجترار الآراء الفقهية التي قيلت 
منذ ألف عام» أضف إلى ذلك أن كثيرا من الفقهاء في التاريخ الإسلامي تحالفوا مع 
الحكام المستبدين فكانوا يشرحون للناس أحكام الدين في شتى مجالات الحياة لكنهم 
أغفلوا عمدا الحقوق السياسية للمسلمين بل إن بعضهم كان يلوي عنق الحقيقة ويفسر 
الدين بطريقة تستهدف تدعيم الحاكم المستبد وإعفاءه من المحاسبة. 

في مصر عشرات الشيوخ المشهورين الذين ينتمون إلى مدارس دينية مختلفة. 
بدءا من شيوخ الأزهر إلى شيوخ السلفيين وحتى الدعاة الجدد. هؤلاء يلقون كل 
يوم بمواعظهم على المصريين في آلاف المساجد وعشرات القنوات الفضائية وهم 
يتطرقون إلى كل شيء في حياة المسلم بدءا من الزواج والطلاق وحتى لبس الذهب 

5/5 


والحرير وطريقة الاغتسال من الجنابة لكن أحدا منهم لا ينطق بحرف واحد عن تزوير 
الانتتخابات. منذ أشهر تعرفت إلى داعية شاب شهير فوجدته شابا مهذبا واستأذننى فى 
حضور الندوة الأسبوعية التي أنظمهاء رحبت به ولما جاء إلى الندوة وجد الحاضرين 
يتكلمون عن الديمقراطية وقانون الطوارئ ويؤكدون على حق المصريين في اختيار 
من يحكمهم فلم يشترك في النقاش بكلمة وظل صامتا ثم ذهب ولم يعد فلم أره بعد 
ذلك أبدا!! 

إن الدين عند هذا الداعية لا علاقة له بالعمل العام إطلاقاء الدين عنده يبدأ وينتهي 
عند احتشام المرأة وأداء الفرائض ومكارم الأخلاق. وبالتالي فهو لا يتحمس كثيرا 
لمناقشة الحقوق السياسية أو الحريات العامة كما أنه يدرك أن مناقشة هذه الموضوعات 
في مصر لها ثمن باهظ وهو لا يحب أن يدفعه. عدت إلى كتب الدين لأفهم ما حكم 
الإسلام في تزوير الانتخابات فوجدت أن الذنوب في الدين تنقسم إلى كبائر وصغائر 
الكبائر هي المعاصي الكبرى التي تستوجب عقاب الله في الدنيا وفي الآخرة. وبرغم 
اختلاف الفقهاء حول الكبائر إلا أنهم اتفقوا جميعا على أن شهادة الزور من أكبر الكبائر 
حتى إن القرآن الكرهم قد حذر بشدة من شهادة الزور في أكثر من آية مثل وأ 
لاشَهدورب ألرُوَرَ * (سورة الفرقان من الآية 1/7) و #فاجصينبوا جَكينبوأ اليبضس من الْأوددن 
ْنا قوت زور * (سورة الحج من ع الآية .)7١‏ 

شهادة الزور هي الكذب المتعمد في الشهادة لإبطال الحق. عندما يقف إنسان أمام 
القاضي ويشهد بغير الحق فإنه يرتكب إثما عظيما لأنه يؤدي بشهادته الكاذبة إلى ضياع 
الحق على أصحابه ومنحه بالباطل إلى من لا يستحقه. لقد وصل بعض الفقهاء في 
تحريم شهادة الزور لدرجة أنهم قرنوها بالشرك بالله بل إنهم أكدوا أن شهادة الزور لا 
تمحوها التوبة ولا يمحوها أداء الحج إلا بعد أن يعيد شاهد الزور إلى الناس حقوقهم 
التي ضيعها بشهادته الكاذبة أو على الأقل يعترف أمامهم بجريمته ويطلب عفوهم. 
شهادة الزور التي يعتبرها الإسلام من أعظم الذنوب وأبشع الجرائم» تساوي في حياتنا 
المعاصرة تزوير الانتخابات بلا زيادة ولا نقصان. 


فى 


فالموظف الذي يشارك في تزوير الانتخابات يشهد زورا على نتائج كاذبة ويمنع 
المرشح صاحب الحق من الحصول على المنصب الذي يستحقه بينما يعطي المنصب 
إلى شخص لا يستحقه. بل إن تزوير الانتخابات في رأبي أسوأ بكثير من شهادة الزور. 
لآن شهادة الزور تؤدي إلى ضياع حق فرد أو أسرة. أما تزوير الانتخابات فإنه يؤدي 
إلى ضياع حقوق الأمة بأسرها. لو فهم المزورون في وزارة الداخلية أنهم في نظر 
الدين شهود زور لرفضوا قطعا أن يشاركوا في التزوير لكنهم, مثل كثير من المصريين. 
يعتبرون الانتخابات والديمقراطية وتداول السلطة مسائل ثانوية لا علاقة لها بالدين. 
هذا الفهم القاصر للدين يجعلنا قابلين للاستبداد وأكثر إذعانا للظلم وهو ما يفسر 
انتشار الاستبداد في البلدان الإسلامية أكثر من غيرها. 

إن الشعوب تتقدم في حالتين لا ثالث لهما: إما أن تفهم الدين بطريقة صحيحة 
باعتباره في المقام الأول دفاعا عن القيم الإنسانية: الحق والعدل والحرية» وإما أن 
تنطلق من فكرة أخلاقية تجعل الضمير الإنساني هو الحكم الذي يفرض معايير الشرف 
والأمانة. أما الشعوب التي تفهم الدين بعيدا عن القيم الإنسانية فإن قدراتها تتعطل 
ولا بد أن تتخلف عن ركب الحضارة. 

إن الفهم القاصر الذي يتجاهل روح الدين ويحيله إلى مجموعة من الإجراءات؛ 
يؤدي بالإنسان إلى تدين زائف شكلي ويعطل الإحساس بالضمير الطبيعي وقد يدفع 
المرء إلى ارتكاب أسوأ التصرفات وهو مطمئن إلى سلامة تدينه الذي يراه منحصرا 
في أداء الفروض. 

إن الوضع في مصر قد وصل إلى الحضيض ولم يعد ممكنا السكوت عنه. 
ملايين المصريين يعيشون في ظروف غير آدمية» فقر وبطالة ومرض وقمع وفساد 
غير مسبوق. 

هؤلاء المظلومون من حقهم حياة إنسانية كريمة. إن التغيير الذي نطالب به سوف 
يأتي من قمة الهرم السياسي ومن قاعدته على السواء. واجبنا أن نضغط على النظام حتى 
يسمح بانتخابات سليمة لكننا في نفس الوقت يجب أن نشرح للناس أن من يشترك في 
تزوير الانتخابات يرتكب ذنبا عظيما وجريمة حقيرة في حق بلاده. 


1 

















عندما يعطى الرئيس أوامره بتزوير الانتخابات فلا يجد ضابط شرطة أو موظفا 
في الداخلية يقبل أن يلوث شرفه ودينه بالاشتراك في التزوير. عندئذ فقط سوف يبدأ 
المستقبل في مصر. 

الديمقراطية هي الحل. 


ءة/ى/آى>53, 


هل نبدأ بإصلاح الأخلاق أم بإصلاح النظام؟! 


هاتان الواقعتان شهدتهما بنفسى: 

الواقعة اللأولى فى جامعة القاهرة حيث كنت طالبا فى كلية طب الأسنان وكان علينا 
في نهاية العام أن نؤدي الاختبارات النظرية والعملية» وبعد ذلك الامتحان الشفهي 
الذي هو البوابة السحرية لكل الوساطات والمحسوبية» وأذكر أن زميلة في دفعتنا 
اسمها هالة كان والدها أستاذا للطب في جامعة إقليمية وبالتالى كان صديقا لمعظم 
الأساتذة الممتحنين. 

وقد شاء حظي أن أدخل الاختبار الشفهي مع هالة وزميلة أخرى في مادة وظائف 
الأعضاء. أمطرنى الأستاذ الممتحن بالأسئلة الصعبة ووفقني الله في الإجابة ثم اعتصر 
الزميلة الأخرى بأسئلة عويصة فتعثرت وأخفقت. وعندما جاء دور هالة الجالسة 
بجواري تطلع إليها الأستاذ بحنان وقال: 

إزيك يا هالة؟! سلمى لى على بابا كتير. 

ثم أمرنا بالانصراف. خرجت من اللجنة وأنا أحس بالمهانة والظلم لأنني اجتزت 
امتحانا صعباء بينما هالة لم يوجه إليها الآستاذ سؤالا واحدا. ظهرت النتيجة فحصلت 
أنا وهالة في علم وظائف الأعضاء على تقدير ممتازء أنا لأنني أحسنت الإجابة في 
الامتحان. وهى لأنها نقلت تحيات الأستاذ الممتحن إلى والدها. 

أما الواقعة الأخرى فقد حدثت بعد ذلك بأعوام في جامعة إلينوي» حيث كنت أدرس 
للحصول على درجة الماجستير. فقد كانت أستاذة الإحصاء سيدة أمريكية بيضاء عنصرية 


537 








تكره العرب والمسلمين وبالرغم من أنني أديت الامتحان النهائي بدون خطأ واحد 
فإنني فوجئت بأنها أعطتني تقدير جيد جدا وليس تقدير ممتاز الذي أستحقه. شكوت 
ما حدث إلى زميلة أمريكية فنصحتني بقراءة لائحة الجامعة ومقابلة الأستاذة. 

قرأت اللائحة فوجدت من حق الطالب إذا أحس بأنه مظلوم في اختبار ما أن يتقدم 
بشكوى ضد أستاذه وفي هذه الحالة فإن إدارة الجامعة تعين مجموعة من الأساتذة 
الخارجيين لإعادة تصحيح الامتحان, فإذا كان الطالب مخطنا في شكواه فإن الجامعة لا 
تتخذ ضده أي إجراء (والغرض من ذلك عدم تخويف الطلبة من تقديم الشكاوى). أما إذا 
كان الطالب محقا في شكواه فإن النتيجة تتغير فورا ويتم توجيه إنذار رسمي إلى الأستاذ 
الظالم» مع العلم بأن ثلاثة إنذارات توجه إلى أي أستاذ تؤدي إلى فسخ عقده فورا. 

ذهبت لمقابلة الأستاذة المتعصبة ولما ناقشتها تأكد لي أنها ظلمتني فقلت لها 
بهدوء. 

طبقا للائحة الجامعة فأنا أستأذنك في تصوير ورقة الإجابة لأنني سأتقدم بشكوى 
ضدك. كان لهذه الجملة مفعول السحر. حيث صمتت الأستاذة لحظات ثم قالت إنها 
تحتاج إلى مراجعة الورقة مرة أخرى بعناية. ولما عدت إليها آخر النهار كما طلبت 
أخبرتني السكرتيرة بأن الأستاذة عدلت تقديري إلى ممتاز. 

فكرت طويلا بعد ذلك في مغزى هاتين الواقعتين. فالأستاذة الأمريكية المتعصبة 
ظالمة تماما مثل الأستاذ المصريء لكنها فشلت في ممارسة الظلم لأن القانون في 
جامعة إلينوي يراقب حقوق الطلاب ويعاقب من يجور عليهم مهما يكن منصبه. أما 
القانون في جامعة القاهرة فهو يمنح للأستاذ سلطات نهائية على الطلاب تجعله يفعل 
فيهم ما يشاء بغير حساب. 

إن الذي يحقق العدل في أي مجتمع هو القانون الذي يطبق على الكبير قبل الصغير. 
ما حدث معي في جامعة القاهرة يحدث في مصر كلها. كثير من الناس يأخذون ما لا 
يستحقونه نتيجة لعلاقاتهم أو قدرتهم على دفع الرشاوى أو تزكيتهم من أجهزة الأمن 
أو الحزب الحاكم. 


ا 











غالبية المصريين يعيشون في ظروف غير إنسانية. فقر ومرض وبطالة ويأس كامل من 
المستقبل. القانون في مصر يطبق غالبا فقط على الضعفاء الذين لا يستطيعون الإفللات 
منه وتعطيله. الموظف الصغير الذي يضبط وهو يتلقى رشوة بمئات الجنيهات يحاكم 
ويلقى به في السجن, أما الكبير الذي يقبض عمولات بالملايين فلا أحد يقترب منه. 
في ظل هذا الظلم العام لا يمكن أن نكتفي بدعوة الناس إلى مكارم الأخلاق بدون 
تغيير النظام الفاسد الذي يدفعهم إلى الانحراف. منذ أعوام استضافني برنامج تلفزيوني 
شهير في قناة حكومية لمناقشة ظاهرة الرشوة في مصر. فوجئت بالمذيع يقدم الرشوة 
باعتبارها انحرافا أخلاقيا بحتا سببه الوحيد ضعف الضمير وقلة الإيمان. قلت للمذيع 
إن ما يقوله صحيح لكنه لا يكفي لتفسير الرشوة التي لا يمكن دراستها بدون مناقشة 
مستوى الأجور والأسعار فاعترض بشدة وأنهى الحوار قبل الوقت المحدد. 

والحق أن ما فعله المذيع يفعله المسئولون في الدولة جميعا فهم يقدمون الأخلاق 
باعتبارها شيئا ثابتا منفصلا تماما عن الظروف الاجتماعية والسياسية وهم غالبا ما 
يرجعون المحنة التي تمر بها مصر إلى سوء أخلاق المصريين أنفسهم ولعلنا نفهم 
الآن لماذا يتهم الرئيس مبارك المصريين دائما بالكسل وقلة الإنتاج.. هذا المنطق 
يتجاهل أن الإنتاج في أي دولة يستلزم أولا توفير تعليم جيد وفرص عمل متكافئة 
ورواتب تحقق الحياة الكريمة للناس. 

وكل هذه مهام فشل نظام الرئيس مبارك تماما في تحقيقها للمصريين. في نفس 
السياق نستطيع أن نفهم ما فعله وزير التعليم أحمد زكي بدر (وهو صاحب سجل 
أسود عندما كان رئيسا لجامعة عين شمس فاستعان بالبلطجية ليضربوا بالأسلحة 
البيضاء الطلبة المتظاهرين داخل حرم الجامعة)» لقد ذهب الوزير بدر في صحبة 
الصحفيين وكاميرات التلفزيون في زيارات مفاجئة للمدارس وراح ينكل بالمدرسين 
الذين تغيبوا أو تأخروا عن الحضور ثم ظهر في وسائل الإعلام يدعو المدرسين إلى 
فضيلة الانضباط. 

كأنما هناك مدرسون طيبون خلقهم الله منضبطين ومدرسون آخرون أشرار ومنفلتون 
بطبيعتهم لا بد من عقابهم بشدة حتى يتعلموا الانضباط.. هذا المنطق المغلوط يتجاهل 


5/0 





حقيقة أن مدارس الحكومة بلا أدوات ولا أجهزة تعليم ولا معامل وأن المدرسين 
أو البحث عن عمل إضافي حتى يتمكنوا من إعالة أولادهم. كل هذا لا يريد الوزير أن 
يراه أو يسمعه لأنه سيرتب عليه واجب الإصلاح الحقيقي وهو عاجز عنه. 

إنه فقط يدعونا إلى مكارم الأخلاق بمعزل عن أي اعتبار آخر. نفس المنطق يتبناه 
بدلا من علاج الفقراء ورعايتهم إلى الإجهاز عليهم وإرسالهم إلى العالم الآخر. 
بزيارات مفاجئة للمستشفيات العامة لتتصدر صورته الصفحات الأولى للصحف وهو 
يعاقب الأطباء المتأخرين عن موعدهم ويلقي عليهم محاضرة عن رسالة الطبيب 
الإنسانية. 

ا ل لت 
العلاج وأن الفتران والحشرات المختلفة تمرح في أرجائها وأن هؤلاء الأطياء البؤساء 
لا يجدون ما ينفقون به على أولادهم وأنهم يعملون ليل نهار في عيادات خاصة ليكسبوا 
في شهر كامل ما تدره على سيادة الوزير مستشفياته الخاصة في دقائق. 

إن الدعوة إلى إصلاح الأخلاق بمعزل عن الإصلاح السياسيء بالإضافة إلى 
سذاجتها وعدم جدواهاء تؤدي إلى تشويش الوعي وشغل الذهن عن الأسباب الحقيقية 
الحقوق. لا يجوز أن نحاسب الناس قبل أن نوفر لهم الحد الأدنى من العدالة. أنا لا 
أبرر الانحراف وأعلم أن هناك دائما فئة ممتازة من الناس تظل عصية على الانحراف 

إن إحساس الإنسان بالعدالة يخرج أفضل ما فيه من صفات إنسانية» وبالمقابل 
فإن إحساسه بالظلم واليأس غالبا ما يدفعانه إلى الانحراف والعدوان على الآخرين. 
مهما تكن بلاغة المواعظ التى نلقيها فإننا لن نقضي أبدا على الدعارة إلا إذا قضينا 


57 


على الفقرء ولن نتخلص أبدا من النفاق والرشوة والفساد قبل أن نقيم نظاما عادلا 
يعطي لكل إنسان حقه ويعاقب المسيء مهما يكن موقعه ونفوذه. الإصلاح السياسي 
هو الخطوة الأولى للتقدم وكل ما عدا هذا مضيعة للوقت والجهد. 


57 





هل نحتاج إلى المستبد العادل؟ 


كان الأربعاء الماضي يوما سيئا في حياة جوردون براون» زعيم حزب العمال 
ورئيس وزراء بريطانيا. كان مستر براون يقوم بجولة انتخابية في مدينة روكدال في 
مقاطعة مانشسترء وأثناء حديثه مع الناس في الشارع ظهرت أمامه مواطنة بريطانية 
اسمها جيليان دوفي وهي موظفة متقاعدة في السادسة والستين من عمرها. اشتبكت 
جيليان مع براون في مناقشة ساخنة أمام كاميرات التلفزيون اشتكت خلالها من 
المهاجرين الذين يأتون من أوربا الشرقية إلى بريطانيا فيأخذون فرص العمل من 
البريطانيين. 

حاول رئيس الوزراء أن يقنعها بصحة سياسة حكومته في التعامل مع المهاجرين 
لكن جيليان ظلت متشبثة برأيها فما كان من براون إلا أنه أنهى الحوار بلباقة وسأل 
جيليان عن أولادها وأحفادها ثم صافحها بود وعاد مسرعا إلى سيارته ليلحق 

لكن جوردون براون» لسوء حظه. نسي أن يغلق الميكروفون الصغير المعلق في 
سترته وبالتالي استمر الميكروفون ينقل إلى شبكات التلفزيون حديث رئيس الوزراء 
إلى مساعديه في السيارة. كان براون غاضبا من حواره مع السيدة جيليان وما إن دخل 
إلى السيارة حتى قال لمساعديه: 

«هذه مصيبة» من الذي اقترح لقائي بهذه السيدة؟! إنها امرأة متعصبة». 

تم نقل كلمات براون في وسائل الإعلام جميعا وبعد ساعة واحدة كانت الفضيحة 


573 





تتردد في كل أنحاء بريطانيا: رئيس الوزراء أهان مواطنة بريطانية واتهمها بالتعصب 
لمجرد أنها تخالفه في الرأي. وزاد الحريق اشتعالا أن وسائل الإعلام أخبرت السيدة 
جيليان برأي رئيس الوزراء فيها فغضبت غضبا شديدا. 

وهكذا وجد جوردون براون نفسه في ورطة حقيقية قبل أيام قليلة من إجراء 
الانتخابات العامة (يوم 5 مايو المقبل). اتصل رئيس الوزراء هاتفيا بجيليان ليبلغها 
باعتذاره لكن ذلك لم يكن كافياء ظهر براون على شاشة التلفزيون البريطاني وكان 
المذيع قاسيا معه فأسمعه أولا تسجيلا لما قاله عن جيليان ثم سأله: «هل تلوم نفسك 
على هذا الذي قلته؟» فأجاب رئيس الوزراء بأنه يلوم نفسه وأنه لن يكرر ذلك أبدا في 
المستقبل ثم أعلن اعتذاره لجيليان أمام الشعب البريطاني. 

لكن ذلك أيضا لم يكن كافيا لمحو فعلة رئيس الوزراء الشنعاء فما كان منه 
إلا أن عاد إلى مدينة روكدال وذهب إلى المواطنة جيليان في بيتها وقضى هناك 
أربعين دقيقة يكرر اعتذاره لها.. أخيرا قبلت جيليان اعتذار رئيس الوزراء لكنها 
رفضت أن تخرج معه لتعلن عفوها عنه أمام وسائل الإعلام فخرج جوردون براون 
وحده وأعلن مرة أخرى أنه أخطأ وأنه نادم لكنه يحس بالراحة لأن السيدة جيليان 
تفضلت بقبول اعتذاره. في نفس الوقت الذي كان فيه رئيس وزراء بريطانيا يلح في 
الاعتذار لمواطنة بريطانية بسيطة لمجرد أنه وصفها بالتعصب في حديث خاص 
تم تسجيله عن طريق الخطأ.. كان مئات المواطنين في مصر ينامون منذ شهورء 
مع زوجاتهم وأطفالهم في الشارع أمام مجلس الوزراء ومجلس الشعب. هؤلاء 
النائمون في العراء مندوبون عن ملايين المصريين الفقراء الذين تدهورت أحوالهم 
لدرجة أنهم لا يجدون ما ينفقون به على أولادهم. على أن رئيس الوزراء المصري 
أحمد نظيف لم يكلف نفسه مشقة الخروج إلى هؤلاء البؤساء والاستماع إليهم أو 
محاولة مساعدتهم بأي طريقة بل إنه تركهم وسافر مع عروسه الجديدة في رحلة 
استجمام إلى الغردقة. 

أما الشبان الذين تظاهروا من أجل تعديل الدستور وطالبوا بالحرية وإلغاء قانون 

58١ 











الطوارئ فقد تم ضربهم وسحلهم واعتقالهم بواسطة قوات الأمن المركزي (جيش 
الاحتلال المصري) بل إن بعض نواب الحزب الحاكم طالبوا بإطلاق الرصاص عليهم.. 
هذه المفارقة الغريبة بين سلوك رئيسي الوزراء في مصر وبريطانيا لا بد أن تدفعنا إلى 
التساؤل: لماذا تتعامل السلطات في بريطانيا مع المواطنين بكل هذا الاحترام بينما 
تتعامل السلطات في مصر مع مواطنيها باعتبارهم مجرمين أو حيوانات؟ الفرق هنا 
ليس أخلاقيا وإنما هو سياسي. 

لا يوجد دليل على أن جوردون براون أفضل أخلاقيا من أحمد نظيف لكن براون 
رئيس وزراء متتخب في نظام ديمقراطي وبالتالي فهو يعلم أنه خادم للشعب الذي 
هو مصدر السلطات جميعا ويعلم أيضا أنه لو خسر ثقة الناخبين فإن ذلك يعني نهاية 
مستقبله السياسي. أما أحمد نظيف فهو ليس منتخبا من الأساس وإنما هو معين من 
الرئيس مبارك وبالتالي فإن ما يهمه ليس ثقة الناس وإنما رضا الرئيسء كما أن الرئيس 
مبارك نفسه لم ينتخبه أحد وإنما هو يقبض على السلطة منذ ثلاثين عاما بواسطة القمع 
والانتخابات المزورة. | [ 

وبالتالي فإن ثقة المصريين لا تهمه كثيرا ما دام قادرا على إخضاعهم عن طريق 
أجهزة الأمن. ولو كان جوردون براون يحكم بريطانيا بالتزوير وقانون الطوارئ لما 
اعتذر للسيدة جيليان بل كان غالبا سيأمر بالقبض عليها وإرسالها إلى أقرب مقر 
لأمن الدولة حيث يتم ضربها وتعليقها من قدميها كالذبيحة وصعقها بالكهرباء في 
مناطقها الحساسة؛ وربما كانت السيدة جيليان ستحاكم أمام محكمة أمن الدولة 
(طوارئ) بتهمة إثارة البلبلة وإهانة رموز الدولة وتهديد السلم الاجتماعي في 
بريطانيا. إن طريقة تولي الحاكم للسلطة هي التي تحدد سلوكه أثناء الحكم. هذه 
الحقيقة التي صارت راسخة في العالم المتقدم ما زالت غائبة عن بعض المصريين 
الذين يحاسبون الحاكم على سياساته في السلطة ولا يتوقفون كثيرا عند طريقة 
توليه للحكم. 

بعض المصريين ما زالوا يحلمون بالمستبد العادل» الذي تكون إرادته فوق القوانين 
58 





جميعا لكنه يستعمل قوته الباطشة في تحقيق العدل. إن فكرة المستبد العادل» تماما مثل 
اللص الشريف والمومس الفاضلة.. ليست سوى تعبيرات وهمية فارغة من المعنى 
إذ كيف يكون المستبد عادلا إذا كان الاستبداد ذاته ظلما فاحشا؟! إن مفهوم المستبد 
العادل قد تسرب إلى العقل العربي عبر عصور طويلة من الاستبداد. من الإنصاف أن 
نذكر هنا أن الإسلام الحقيقي قد قدم نموذجا ديمقراطيا عظيما قبل أوربا بقرون طويلة. 
. يكفي أن رسول الله يك لم يختر خليفة له ليترك للمسلمين حرية اختيار من يحكمهم 
بل إن ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة كانوا منتخبين من الناس وخاضعين تماما 
للرقابة الشعبية كما يحدث اليوم في أفضل بلد ديمقراطي. إن أبا بكر الصديق رضي 
الله عنه» أول حاكم في الإسلام, ما إن تولى السلطة حتى خطب قائلا: «أيها الناس لقد 
وليت عليكم ولست بخيركم. فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني, أطيعوني ما 
أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم». 
هذه الخطبة العظيمة قد سبقت الدساتير الحديثة بقرون في تحديد العلاقة الديمقراطية 
بين الحاكم والمواطنين. على أن ديمقراطية الإسلام الأول قد انتهت سريعا لتبدأ عصور 
طويلة من الاستبداد. وضع خلالها فقهاء السلطان الدين في خدمة الحاكم فنزعوا عن 
المسلمين حقوقهم السياسية وأسسوا لفكرتين في منتهى السوء والخطورة. الفكرة 
الأولى: «إن الحكم لمن غلب» وهي تمنح الشرعية لكل من يغتصب السلطة ما دام 
يستطيع الحفاظ عليها بالقوة» والفكرة الثانية: إن طاعة المسلمين للحاكم واجبة حتى 
وإن كان ظالما وفاسدا».. هاتان الفكرتان أحدثتا فجوة في وعي المسلمين بالديمقراطية 
مما جعلهم أميل للإذعان وأكثر قابلية للاستبداد من الشعوب الأخرى. 
إن الأوضاع في مصر قد وصلت إلى الحضيض فصار معظم المصريين يطالبون 
بالتغيير الذي يحقق لهم العدل والكرامة والحرية. يجب أن ندرك أن التغيير لن يتحقق 
أبدا بواسطة شخص مهما تكن نواياه حسنة وأخلاقه فاضلة.. التغيير سوف يتحقق بنظام 
جديد عادل يتعامل مع المصريين باعتبارهم مواطنين كاملي الأهلية والحقوق وليسوا 
رعايا وعبيدا لإحسان الحاكم... عندما يتمكن المصريون. بإرادتهم الحرة» من انتخاب 
71 





لشعب جميعا أمام 
يحكمهم ومن يمثلهم في مجلس 0 
لمستقبل الور 
َ 0 ع الماضى: 
سيكون رئيس [ ظ 
ظ 1 0 7 يطانيا الأسبوع 
بالطل سي 
3 0 تماما 
نون.. ظّ 
القانو 00 
كرامة 
على 


لديمقرا ب 
أ ا 


52 





حكاية ممدوح حمرة 


الدكتور ممدوح حمزة واحد من أكبر أساتذة الهندسة في مصرء أشرف على تنفيذ 
عشرات المشروعات الكبرى في مصر ودول العالم المختلفة بما في ذلك الولايات 
المتحدة وبريطانيا واليابان. ويضيق المجال عن ذكر الجوائز الدولية الرفيعة الكثيرة 
التي حصل عليها ممدوح حمزة مما يجعل إنجازاته مفخرة حقيقية للمصريين والعرب 
جميعا. 


يبا 


على أنه» بالإضافة إلى نبوغه المهني» يتمتع بإحساس عميق بالواجب العام فهو 
يعتقد أن المعرفة ترتب مسئولية نحو الإنسانية ويكرر دائما أنه تعلم في جامعة القاهرة 
على حساب فقراء المصريين» فمن واجبه أن يكرس علمه لمساعدتهم بقدر الإمكان. 
عندما حدثت السيول الأخيرة التي اجتاحت محافظة أسوان وشردت آلاف المواطنين 
الفقراء.. أحس الدكتور حمزة بضرورة أن يفعل شيئا لمنكوبي السيول فظهر في 
التلفزيون على قناة أوربت مع الأستاذ عمرو أديب وأبدى استعداده» متطوعاء لإنشاء 
مساكن بديلة للفقراء الذين شردتهم السيول وسرعان ما تدفقت التبرعات على البرنامج 
حتى وصلت إلى ١8‏ مليون جنيه تم إيداعها في حساب جمعية المواساة الخيرية للونفاق 

على مشروع بناء مساكن لمنكوبي السيول. 
تحمس الدكتور حمزة وترك أعمال مكتبه الخاص في القاهرة وسافر إلى أسوان 
ليشرف مجانا على بناء المساكن للفقراء وتلقاه محافظ أسوان اللواء مصطفى السيدء 
كما هو متوقع» بترحاب بالغ وشكره بحرارة على تبرعه بمجهوده ووقته من أجل 
فقراء مصر ثم أمر فورا بتتخصيص قطعة أرض لينفذ عليها المشروع ثم عاد واستبدل 
24> 








بها قطعة أرض أخرى ذات طبيعة صخرية يصعب البناء عليهاء لكن الدكتور حمزة 
(أستاذ ميكانيكا التربة وهندسة الأساسات) قبل التحدي واستطاع أن يعالج صعوبة 
الأرضء ويتغلب على وعورتها وقام ببناء 9 ؟ وحدة في ثلاثة أسابيع وهو زمن فياسي 
واستطاع بخبرته الكبيرة أن يقلل تكلفة الوحدة السكنية حتى وصلت إلى مبلغ غير 
مسبوق هو 5" ألف جنيه وكان أمل المهندس الكبير أن يتمكن من تعميم مشروعه في 
كل محافظات مصرء من أجل إيواء ملايين المصريين الذين يعيشون في العشوائيات 
في ظروف غير إنسانية بدون مرافق ولا كهرباء ولا صرف صحي. 

استمر العمل قائما على قدم وساق وكان كل شيء يبشر بنجاح مشروع ممدوح 
حمزة لإسكان الفقراء لكن الرياح تغيرت فجأة وبدلا من كلمات التقدير والثناء» انقلبت 
محافظة أسوان على ممدوح حمزة تماما فرفضت تزويد المشروع بالمياه ورفضت 
إعطاءه تراخيص البناء ورفضت دفع مستحقات عمال البناء التي اتفقت عليها بل إنها 
قامت بتجميد أموال تبرعات الأهالي» وهددت جمعية المواساة الخيرية بعقاب شديد 
إذا صرفت جنيها واحدا للدكتور ممدوح حمزة من التبرعات التي دفعها المصريون 
أساسا لأنهم يثقون في إخلاصه وكفاءته. بل وصل الأمر إلى إبلاغ الشرطة التي قبضت 
على المهندسين والعمال في أثناء عملهم في المشروع واحتلت الموقع ومنعت العمل 
فيه ورفضت تحرير محاضر إثبات حالة لصالح ممدوح حمزة. 

وهكذا تحول الدكتور حمزة إلى العدو الأول لمحافظ أسوان الذي استدعى بعض 
المهندسين (وجميعهم كانوا تلاميذ الدكتور حمزة في كلية الهندسة) ليكتبوا تقارير 
تؤكد أن المساكن التي شيدها بها عيوب هندسية» وقد رفض معظم المهندسين مخالفة 
ضمائرهم وكتبوا تقارير يشيدون بالإنجاز الهندسي لأستاذهم الدكتور حمزة وكانت 
التتيجة أن أخفى المحافظ هذه التقارير لأنها جاءت على غير هواه. 

وفي النهاية أحال محافظ أسوان الموضوع إلى النيابة» وهذا تصرف غريب فالدكتور 
ممدوح حمزة ليس قاتلا ولصا حتى تحقق معه النيابة وإنما هو عالم مصري كبير أراد 
أن يخدم بلاده متبرعا بماله ووقته وجهده. للأسف ليس بمقدورنا أن نتفاءل بتحقيقات 
النيابة لأن النائب العام ليس مستقلا عن السلطة السياسية في مصر. على أن السؤال هنا: 


1 





لماذا انقلب النظام على ممدوح حمزة وحاربه بضراوة بعد أن رحب به فى البداية؟ 

أولا: إن الوحدات السكنية التي نفذها ممدوح حمزة زهيدة الثمن جداء تتكلف 
الواحدة منها 5" ألف جنيه بينما مساكن الفقراء التى تنفذها المحافظة تتكلف الوحدة 
الواحدة 6٠١‏ ألف جنيه. 


الفرق بين الرقمين يذهب إلى جيوب كبار المقاولين الذين يتمتعون بعلاقات واسعة 
مؤثرة في أجهزة الدولة المختلفة. هؤلاء المقاولون يعتبرون نجاح ممدوح زة في 
مشروعه تأسيسا لنموذج جديد من إسكان الفقراء قابل للانتشار مما يعد تهديدا خطيرا 
لمصالحهم لأنه سيؤدي إلى خسارتهم لأرباح بالملايين؛ ولذلك فهم سيفعلون كل ما 
بوسعهم للقضاء على مشروع الدكتور حمزة وتحطيمه. 

انيًا: إن المشروعات التي تنفذها المحافظة سيتم افتتاحها بواسطة السيدة سوزان 
مبارك حرم رئيس الجمهورية ولا يليق أبداء في أذهان المسئولين, أن تفتتح السيدة 
سوزان مشروعات إسكان للفقراء باهظة الثمن بينما ينجح ممدوح حمزة في بناء مساكن 
أفضل منها بنصف التكلفة.. ولعل الكابوس الذي يؤرق كبار المسئولين ويمنعهم من 
النوم: أن تسمع السيدة سوزان مبارك عن مشروع ممدوح حمزة الناجح فتوجه إليهم 
هذا السؤال المنطقي: 

كيف استطاع الدكتور ممدوح حمزة أن ينفذ مساكن الفقراء بنصف التكلفة التي 
تقبضونها؟ 

ثالًا: إن نجاح مشروع ممدوح حمزة سوف يثبت مهاراته الإدارية بالإضافة إلى 
نبوغه المشهود في مجال الهندسة» الأمر الذي قد يطرح اسمه بقوة كمرشح للوزارة 
في أي تعديل وزاري قريب. هذا الأمر بالذات يثير فزع بعض الوزراء المرتعدين خوفا 
على مناصبهم وهم يعتبرون ممدوح حمزة وكل من كان في كفاءته. منافسا خطيرا قد 
يؤدي إلى إزاحتهم من مناصبهم. 

رابعا: إن مشروع ممدوح حمزة الذي اعتمد بالكامل على تبرعات الأهالي لا يتبع 


ل 





أي جهة حكومية أو شبه حكومية.. وهو نموذج ناجح قابل للتنفيذ في محافظات مصر 
جميعا.. مما سيؤدي إلى تكوين إرادة شعبية تتحدى الحكومة وتنشئ مشروعات أفضل 
من مشروعاتها. والنظام في مصرء مثل كل الأنظمة الاستبدادية» لا يستريح إطلاقا لفكرة 
استقلال الإرادة الشعبية حتى لو تعلق الأمر ببناء مساكن للفقراء لآن الذين يجتمعون 
اليوم لبناء مساكنهم بأموالهم ومجهودهم سيجتمعون غداء حتماء للمطالبة بحقوقهم 
السياسية المهدرة. 

إن حكاية ممدوح حمزة بقدر ما هي محبطة فإنها مفيدة» وأنا أهديها إلى كل من 
لا يزال يعتقد أنه بالإمكان إحداث النهضة في بلادنا بعيدا عن الإصلاح السياسي.. 
لا يزال بعض الناس الطيبين يتصورون أنه لو اجتهد كل مصري في عمله فإن مصر 
ستتقدم بدون الحاجة إلى تغيير ديمقراطي.. هذا التصور حسن النية لكنه مفرط في 
السذاجة لأنه يفترض أن الاستبداد يقتصر تأثيره على البرلمان والحكومة. والحق أن 
الاستبداد» مثل مرض السرطان. يبدأ في السلطة السياسية ثم ينتشر بسرعة في كل 
أجهزة الدولة فيصيبها بالعطب والعجز. 

الاستبداد يؤدي حتما إلى فساد الدولة وهذا الفساد سرعان ما يؤدي إلى نشوء 
عصابات جهنمية داخل النظام تكون ثروات طائلة من الفساد وهي مستعدة للقتال 
بضراوة وتحطيم أي شخص أو فكرة أو مشروع للحفاظ على مكاسبها. 

أضف إلى ذلك أن نظام الاستبداد يقدم الولاء على الكفاءة؛ وبالتالي فهو يمنح 
المناصب إلى أتباعه المخلصين الذين لا يصلحون غالبا من الناحية الموضوعية لتولي 
المسئولية» الأمر الذي يجعلهم يتوجسون خيفة من ظهور أي كفاءة حقيقية قد تنتزع 
منهم المنصب... وهكذا يتحول نظام الاستبداد إلى ماكينة رهيبة تستبعد بانتظام النوابغ 
والموهوبين وتحاربهم وتضطهدهم وفي نفس الوقت تجتذب الفاشلين ومعدومي 
الكفاءة ما داموا يطبلون ويزمرون للرئيس ويتغنون بعبقريته وإنجازاته العظيمة... كل 
ذلك يؤدي في النهاية إلى تدهور أداء الدولة في كل المجالات حتى تصل البلاد إلى 
الحضيض كما حدث في مصر. 

إن ما حدث للدكتور ممدوح حمزة» هو بالضبط ما حدث من قبل مع الدكتور أحمد 


584 





زويل ومع كل المصريين النابغين الذين حاولوا أن يفعلوا شيئا لمساعدة بلادهم. كل 
ذلك يؤكد مرة أخرى أن خلاص مصر من الكابوس الجاثم عليها لن يأتي أبدا بالمبادرات 
الفردية مهما بلغ إخلاص وحماسة القائمين بها.. إن أي محاولة للإصلاح بعيدا عن 
التغيير الديمقراطي ليست سوى مضيعة للجهد والوقت. 


>20 





هل الحريات تتجزأ؟ 


مجموعة من المحامين في مصر رفعوا دعوى قضائية من أجل مصادرة كتاب ألف 
ليلة وليلة لأنه يحتوي على بعض الألفاظ الخادشة للحياء.. الواضح أن هؤلاء المحامين 
لم يقرءوا كتب التراث لأن معظمها يحتوي على ألفاظ مكشوفة في وصف العلاقة 
بين الرجل والمرأة: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني وكتاب الإمتاع والمؤانسة 
لأبي حيان التوحيدي وغيرهما. 

بل إن الجاحظ -١59(‏ 700 هجرية) وهو أمير النثر العربي بلا منازع» له رسالة 
شهيرة بعنوان «مفاخرة بين أصحاب الغلمان وأصحاب الجواري». يتحاور فيها رجل 
يحب الغلمان مع رجل يحب النساءء الرسالة تحتوي على ألفاظ مكشوفة لكنها تظل 
مع ذلك نصا أدبيا جميلا ورفيعا. 

إن ممارسة الرقابة على تراثنا الأدبي العربي تفتح بابا جهنميا لتدميره وتشويهه. 
الواجب أن نحافظ على تراثنا العظيم كما هو على أن نطبع نسخات منقحة يمكن 
تدريسها للنشء والصغار» مع الحفاظ على النصوص الأصلية بدون أي تغيير أو 
حذف.. كان هذا رأيى؛ ولذلك فقد تحمست وانضممت للمدافعين عن حرية التعبير 
الأدبيى ضد الرقابة والأفكار الرجعية» على أن المفارقة قد حدثت بعد ذلك. 

ففي وسط معركة المثقفين دفاعا عن كتاب ألف ليلة وليلة أعلنت الحكومة المصرية 
تمديد قانون الطوارئ مما يعني تعطيل القانون الطبيعي الذي يحمي حرية المصريين 
وكرامتهم.. هنا كنت أتوقع من فرسان الحرية المدافعين عن ألف ليلة وليلة» أن يستميتوا 
3 








في الدفاع عن الحريات العامة.. لكن ذلك لم يحدث للأسف.. كثير من المثقفين 
الذين يدافعون اليوم عن ألف ليلة وليلة لا يفتحون أفواههم أبدا احتجاجا على تزوير 
الانتخابات أو الاعتقال أو التعذيب» وكلها جرائم بشعة يرتكبها نظام مبارك في حق 
ملايين المصريين. 

من هنا وجدتني أتساءل: هل الحريات تتجزأ؟ هل يمكن الدفاع عن حرية الإبداع 
بعيدا عن الحريات العامة؟ هل يمكن أن ينحصر دور المثقف في الدفاع عن كل ما 
يخص الكتابة بينما يسكت تماما عما يخص الوطن والناس؟ من المؤسف أن نضطر 
إلى طرح هذه الأسئلة» في الدنيا كلها وفي بلادنا في زمن سابق» كان المثقف يتخذ دائما 
موقفا متماسكا في الدفاع الشامل عن الحق والعدل والحرية.. الأمثلة بلا حصر. 


عباس العقاد وطه حسين وألفريد فرج وعبد الرحمن الشرقاوي من الأدباء العرب. 
وفي الغرب: ألبير كامو وجون بول سارتر وبرتراند راسل وجابرييل جارسيا ماركيز 
وجوزيه ساراماجو وبابلو نيرودا وغيرهم كثيرون من كبار المبدعين الذين وقفوا بصلابة 
ضد الظلم والاستبداد وكثيرا ما دفعوا ثمنا باهظا لمواقفهم. 

بل إن أهم روائي في تاريخ الأدبء الكاتب الروسي العظيم فيودور ديستويفسكي 
)1881-187١(‏ انخرط في العمل العام وانضم إلى تنظيم سري من أجل إنهاء النظام 
الملكي في روسيا مما أدى إلى القبض عليه والحكم بإعدامه ثم خفف الحكم في آخر 
لحظة إلى السجن أربع سنوات في سيبيريا. إن الإبداع الأدبي في جوهره دفاع عن القيم 
الإنسانية النبيلة» فكيف يدافع الأديب في كتبه عن الحرية ثم يسكت على انتهاكها في 
حياته اليومية؟! إن المثقف الذي يضع موهبته في خدمة الطغاة ولا يعترض أبدا على 
الظلم والفساد ونهب المال العام وقمع الأبرياء وفي نفس الوقت يثور بشدة دفاعا عن 
قصيدة ممنوعة من النشر أو كتاب تمت مصادرته. لا بد أن يفقد مصداقيته تماما. 

والدليل على ذلك ما حدث أخيرا في ليبيا حيث أدرك المسئولون أن سمعة نظام 
القذافي سيئة للغاية حيث تم اعتقال وتعذيب وتشريد وقتل عشرات الألوف من 
الليبيين الأبرياء لمجرد أنهم يحملون أفكارا معارضة لسياسات العقيد القذافي (الذي 
قرر أخيرا أن يمنح نفسه لقب ملك ملوك إفريقيا).. أراد المسئولون الليبيون أن يفعلوا 

"١ 








شيئا لتبييض وجه نظامهم أمام العالم ولأن ليبيا بلد نفطي ثري ولآن أموال الشعب 
الليبي تحت يد العقيد القذافي ينفق منها كما يشاء بلا حسيب ولا رقيبء فقد تم عمل 
جائزة أدبية كبرى اسمها جائزة القذافي للآداب العالمية قيمتها ١6١‏ ألف يوروء تمنح 
كل عام إلى أديب عالمي كبير من أجل تحسين صورة النظام الليبي. 

وفي أول دورة للجائزة تم اخختيار الروائي الإسباني الكبير خوان جوي تيسولو (9/ 
عاما) الذي يعتبره النقاد أهم روائي إسباني على قيد الحياة.. وقد عانى جوي تيسولو 
نفسه من القمع حيث قتل نظام الديكتاتور فرانكو أمه وهو طفل وأجبره على أن يعيش 
معظم حياته في المنفى. كما أن جوي تيسولو من أكبر المدافعين عن الديمقراطية 
والحرية ومن أكبر المناصرين للحقوق العربية وهو محب للثقافة العربية إلى درجة 
أنه يقيم في مراكش بصفة دائمة منذ سنوات. 

اتصل المسئولون الليبيون بالروائي جوي تيسولو فهنئوه وأبلغوه بأنه قد فاز بجائزة 
القذافي للآداب العالمية» فما كان منه إلا أن كتب خطابا إلى لجنة التحكيم» شكر فيه 
أعضاء اللجنة الذين منحوه الجائزة ثم قال ما معناه: «لقد قضيت عمري أدافع عن حق 
الشعوب العربية في العدالة والحرية ووقفت بكل قوة ضد الأنظمة المستبدة التي أدت 
بفسادها وظلمها إلى إبقاء ملايين العرب في براثئن الجهل والفقر.. أنا لا أستطيع أبدا 
أن أقبل جائزة ممنوحة من العقيد القذافي الذي اغتصب السلطة بالقوة وأقام نظاما 
استبداديا مارس الاعتقال والتعذيب والقتل ضد الليبيين الأبرياء.. أنا أرفض هذه 
الجائزة لأنها ببساطة تتناقض مع كل ما أؤمن به من مبادئ». 

كان هذا الرفضس صفعة مدوية للنظام الليبي سمع صداها في العالم كله وخصصت 
جريدة الإندبندنت الإنجليزية موضوعا طويلا كتبه بويد تونكين من أجل تحية الموقف 
العظيم للروائي جوي تيسولو الذي وصفته بأنه ايمارس دور الكاتب الحقيقي باعتباره 
الضمير الحى للإنسانية الذي يقف دائما ضد القوى الظالمة». بل إن عشرات المثقفين 
الليبيين في المنفى وجهوا رسالة شكر إلى جوي تيسولو كتبوا فيها: «إنك برفضك 
المعلن لجائزة القذافي العالمية للآداب في أول إصداراتهاء وبرغم عرضها المالي 


52343 





المغري» قد وجهت صفعة ضميرية للديكتاتور القذافى الذي اعتقد أنه بأموال الليبيين 
المنهوبة يستطيع أن يشتري ضمائر المثقفين الحية». . 

هكذا وقع المسئولون عن جائزة القذافي في ورطة كبيرة: فلو أنهم ألغوا الجائزة 
ستكون فضيحة» ولو أنهم عرضوها على كاتب عالمي آخر فمن الوارد جدا أن يرفضها 
كما فعل جوي تيسولوء عندئذ ستكون الفضيحة مضاعفة. وبالرغم من أن الجائزة 
مخصصة أساسا لأديب عالمي كبير فإن المنظمين تغاضوا عن هذا الشرط وبحثوا 
عن شخصية عربية توافق على قبول الجائزة» وقد وجدوا ضالتهم في الناقد المصري 
جابر عصفور فأعلنوا فوزه بالجائزة. 

وقد تغاضى السيد عصفوره. للأسف. عن كل هذا السياق وذهب إلى ليبيا وتسلّم 
الجائزة في احتفال كبير أثنى فيه عصفور بالطبع على قائد الثورة الليبية (ملك ملوك 
إفريقيا)» وأشاد بالحرية العظيمة التي ينعم بها الليبيون. لم يستشعر جابر عصفور أدنى 
خجل وهو يتسلم جائزة رفضها قبله كاتب عالمي كبير تضامنا مع الشعب الليبي ضد 
نظام القذافي الاستبدادي لكن مبلغ مائة وخمسين ألف يوروء كان فيما يبدو أكبر من 
قدرة عصفور على المقاومة. 

العجيب أن الأخ عصفور بعد أن قبض الشيك من القذافي عاد إلى مصر بسرعة لكي 
يعقد ندوات حماسية موسعة من أجل الدفاع عن كتاب ألف ليلة وليلة! هل يمكن أن 
نصدق جابر عصفور بعد ذلك في دفاعه عن حرية الإبداع؟! إن الحريات لا تتجزاً. لا 
يمكن أن ندافع عن حرية الإبداع بمعزل عن بقية الحريات العامة.. إن حرية الإبداع 
على أهميتها الكبرى لا تكتسب قيمتها إلا في سياق الدفاع عن حقوق الناس وحريتهم 
وكرامتهم.. إن الفرق بين موقف جابر عصفور وموقف الروائي جوي تيسولوء هو 
بالضبط الفرق بين المصالح والمبادئ» بين الباطل والحق.. عندما يفعل مثقفونا جميعا 
مثل جوي تيسولو. عندئذ فقط سوف ينتهي الاستبداد ويبدأ المستقبل. 

الديمقراطية هي الحل. 


597 





حكاية للصغار.. والكبار 


تحت الشجرة الضخمة على شاطئ النهر» وقف الفيل الكبير» حيث تعود أن يلتقى 
بمعاونيه» لكنه لم يستطع هذه المرة الوقوف على أقدامه الأربع» برك على اللأرض 
وتدلى خرطومه إلى جواره وبدا منهكا للغاية» لدرجة أنه كان يبذل مجهودا كبيرا لكى 
يبقي عينيه مفتوحتين ويتابع ما يحدث حوله.. وأمامه وقف معاونوه الأربعة: الحمار 
والخنزير والذئب ثم الثعلب الذي بدا متوترا وبدأ الحديث قائلا: 

- أيها الإخوان إن غابتنا العظيمة تمر بظروف دقيقة وصعبة؛ سيدنا الفيل الكبير 
ما زال مرهقا من آثار المرض الأخيرء وقد علمت أن حيوانات الغابة كلها قادمة إلينا 
فى مسيرة احتجاجية بقيادة الزرافة. 

هنا نهق الحمار بقوة وقال: 

- لماذا تصر هذه الزرافة على إثارة البليلة؟! 

أصدر الخنزير صوتا رفيعا علامة الاعتراض بينما الرائحة النتنة التى تنبعث من 
جسده تفوح بقوة ثم قال: 

أقترح أن نقتل هذه الزرافة لنستريح منها. 

الحق أنني لم أر لغبائكما مثيلا.. المشكلة ليست في الزرافة.. الحيوانات كلها 
في حالة تذمر ويجب أن نتفاوض معهم لنصل إلى حلول مُرضية. 


:ة0ظ52> 


- آسف أيها الثشعلب.. نحن لن نتفاوض مع أحد.. إن سيد الغابة الفيل الكبير ما زال 

ابتسم التعلب وقال: 

دعنا نتتحدث بصراحة. إن الفيل دغفل لا يصلح للحكم.. إنه يلهو طوال الوقت 
ولا يتحمل المسئولية.. انظروا ماذا يفعل الآن؟! 

تطلعوا جميعا إلى حيث يقف الفيل الصغير دغفل فوجدوه يتمرغ بسعادة على 
العشب» يحرك أذنيه العريضتين ويشفط الماء بخرطومه ثم يرشه على جسده والحق 
أنه بدا في حالة من المرح وخلو البال لا تنفق أبدا مع اللحظات الصعبة التي تمر بها 
الغابة. 

كل ما أطلبه منكم أن تلزموا الصمت وتتركوني أتفاهم مع الحيوانات الغاضبة. 

هنا زام الذئب وقال: 

- منذ متى نعمل حسابا لهذه الحيوانات الحقيرة؟! إننا نقرر ما نريده وليس عليهم 
إلا إطاعة أوامرنا. 

ابتسم الثعلب وقال: 

-أيها الذئب من الحكمة أن تفهم أن الوضع في الغابة قد تغير.. إن الحيوانات اليوم 
ليست كما كانت بالأمس. الوضع الآن لن تجدي معه الشدة. 

- بل إننا نحتاج إلى الشدة اليوم أكثر من أي وقت مضى.. نحن نملك كل شيء.. 
إن لدينا جيشا مدربا من الكلاب الشرسة يكفي لإخضاع أي حيوان يرفع رأسه في 
مواجهتنا. 

هم الثعلب بالكلام ولكن فجأة.. دوت في أنحاء الغابة أصوات الحيوانات» كانوا 
خليطا من كل الأنواع: أرانب ودجاج وبقر وجاموس وخراف وقطط.. حتى القرود 
والنسانيس انضموا إلى المسيرة.. زحفوا من كل مكان فى الغابة وفى المقدمة كانت 


526 


الزرافة الرشيقة تتهادى.. ظلوا يقتربون من حيث يرقد الفيل الكبير.. فجأة.. صاح 
الذئب بصوت مخيف: 

- من أنتم وماذا تريدون؟! 

ردت الزرافة بصوت عال: 

- نحن سكان هذه الغابة.. لدينا مظالم نريد أن نرفعها للملك الفيل. 

- ليس هذا وقت المظالم.. الملك متعب ومشغول. انصرفوا. 

حركت الزرافة رقبتها الطويلة يمينا ويسارا وقالت: 

-لن ننصرف قبل أن نرفع المظالم. 

- هل تجرءون على هذا التحدي؟! 

تدخل الثعلب قائلا: 

حسنا أيتها الزرافة.. اهدئي قليلا.. ما هي المظالم؟ 

قالت الزرافة: 

إن هذه الغابة ملكنا جميعا لكننا محرومون من خيراتها.. أنتم تحكمون الغابة 
لمصلحتكم فقط ولا تعبئون ببقية الحيوانات.. خيرات الغابة الكثيرة تذهب كلها إلى 
الحمير والخنازير والذتاب والثعالب.. أما بقية الحيوانات فهى تعمل طوال النهار 
بشرف ومع ذلك لا تجد طعاما لأولادها. ْ 

هم الذئب بالحديث لكن الزرافة استطردت بحماس: 

-إن وضع الغابة قد تدهور إلى الحضيض في كل المجالات.. أنتم تعانون التخمة 
ونحن نموت من الجوع.. لا يمكن أن نقبل هذا الوضع بعد اليوم. 

أطلقت الحيوانات الثائرة صيحات طويلة تؤيد الزرافة القائدة.. مد الذئب رأسه 
إلى الأمام وصاح: 

- انصرفوا.. لا أريد أن أسمع هذا الكلام.. هيا.. انصرفوا. 
52535 





- لن ننصرف. 

هكذا قالت الزرافة وقد بدا واضحا أنها لن تتراجع.. عندئذ رفع الذئب رأسه وأطلق 
عواء طويلا فظهرت على الفور عشرات الكلاب المدربة وأخذت تزوم وهي تنظر 
إلى الحيوانات بتحدٌ.. كان منظر هذه الكلاب فى السابق كافيا ليث الرعب فى قلوب 
سكان الغابة لكنهم هذه المرة ظلوا ثابتين في مواجهة الكلابء مما دفع الحمار لأن 
يتساءل مندهشا: 

- إنهم لا يخافون من كلاب الحراسة الشرسة.. يا الله.. ماذا حدث في غايتنا؟ ! 

قالت الزرافة: 


-أيها الذئب.. يجب أن تفهم أنت وزملاؤك أننا لم نعد نخاف منكم.. لم نعد نخشى 
شيئا حتى الموت.. إما أن تمنحونا حقوقنا أو سنضطر إلى قتالكم. 

تقدمت كلاب الحراسة المدربة وقد اتخذت تشكيلا قتاليا على هيئة نصف دائرة 
استعدادا للهجوم.. فتحت أفواهها وبانت أنيابها الحادة وأخذت تزوم.. كان منظرها 
مخيفا فعلا لكن الزرافة لم تهتز وقالت: أنتم-يا كلاب الحراسة ‏ أمركم غريب.. أنتم 
تقاتلوننا من أجل حماية الفيل وأعوانه.. بالرغم من أنكم تنتمون إلينا وليس إليهم. أنتم 
مثلنا تعانون الظلم والفقر.. إن حقوقنا المضيعة واحدة فلماذا تؤازرون الفيل الظالم 

بان التردد على بعض الكلاب.. بادرت الزرافة بالهجوم وهجمت خلفها الحيوانات 
جميعا.. اشتبكت معهم الكلاب بضراوة.. سالت دماء غزيرة وسقط قتلى من الجانبين.. 
الغريب أن عددا كبيرا من الكلاب تأثروا من حديث الزرافة ولم يشتركوا في القتال» مما 
جعل الحيوانات الثائرة تنتتصر على بقية كلاب الحراسة.. لما أدرك الثعلب أن الهزيمة 
محققة زاغ وهرب فلم يعد له أثر أما الذئب فقد جثم على الأرض ثم قفز مرة واحدة 
منقضا على الزرافة وعضها بأسنانه القوية في صدرهاء لكنها برغم الألم الشديد والدم 
الذي نزف منها بغزارة» تحاملت على نفسها وركزت تفكيرها ثم صوبت بقدمها رفسة 
محكمة إلى رأس الذئب فسحقت جمجمته فى الحال.. أما الحمار والخنزير فظلا 


5/ 





لغبائهما عاجزين عن التصرف حتى تكاثئرت عليهما الحيوانات وقضت عليهما.. هكذا 
وجدت الحيوانات الثائرة نفسها وجها لوجه أمام الملك الفيل وابنه الفيل الصغير 
دغفل. اقتربت الزرافة وقالت: 


- أيها الفيل العجوز.. لقد انتهى اليوم حكمك.. ما زلت أذكر كيف استبشرت 
الحيوانات خيرا فى بداية عهدك.. لكنك قربت إليك أسوأ الحيوانات وأقذرها وها أنت 
ترى النتيجة بنفسك. 

لقد فعلت دائما ما كنت أعتقد أنه صواب.. فإذا كنت أخطأت سامحونى. 

قالت الزرافة: 

- سنتعامل معك باحترام» لأنك كنت يوما ما فيلا طيبا. سنتركك تمضي بسلام مع 


ابنك الفيل الصغير دغفل. اذهب الآن ولا تعد أبدا إلى هذه الغابة.. يكفى ما أصابنا 
من جراء حكمك الفاسد الظالم. 


هز الفيل العجوز رأسه ورفع خرطومه ببطء وصعوية وبان عليه ما يشبه الامتنان. 
التفتت الزرافة إلى الحيوانات وصاحت: 

- أيتها الحيوانات.. لقد انتهى عهد الظلم إلى غير رجعة. 

ارتفعت أصوات الحيوانات الصاخبة تعلن بحماس عن فرحتها بالحرية. 
الديمقراطية هي الحل. 


لحل 





من يقتل الفقراء في مصر؟١‏ 


الأستاذ محمد فتحي صحفي لامع وأديب موهوب.. ذهب مؤخرا إلى الإسكندرية 
في إجازة مع طفليه وزوجته وأختها الآنسة نشوى.. وقد قضوا جميعا وقتا رائعا ثم 
فجأة حدثت واقعة مؤسفة: فقد صدمت سيارة مسرعة الآنسة نشوى وهى تعبر الطريق 
فأصيبت بجروح وكسور شديدة وتمزقت ملابسها وفقدت وعيهاء ولأنها أثناء الحادثة 
كانت وحدها فقد نقلها بعض المارة إلى المستشفى الأميري بمحطة الرمل.. إلى هنا 
تبدو الحكاية طبيعية: حادث سيارة أدى إلى إصابة إنسانة فتم نقلها إلى المستشفى 
بغرض إسعافها. لكن ما حدث بعد ذلك أغرب من الخيال. 
فقد تم إلقاء المصابة مع عشرات المصابين في مكان يحمل اسم «وحدة عواطف 
النجار للطوارئ» ولمدة ساعتين ظلت نشوى بلا علاج ولا إسعاف ولم يفحصها أي 
للكشف عليها لكن أحدا لم يهتم» مع مرور الوقت ولامبالاة العاملين في المستشفى 
فقد فتحي أعصابه وراح يصرخ في وجه كل من يقابلهم: 
لم يأت طبيب للكشف على المصابة وإنما جاء أمين شرطة ليخبر محمد فتحى 
بأن وقوفه بجوار نشوى ممنوع لأن هذا عنبر حريم غير مسموح للرجال بدخوله. أخذ 
فتحي يهددهم بأنه صحفي وسوف ينشر كل شيء عن الجرائم التي يرتكبونها في حق 
المرضى البؤساء.. هنا فقط ظهر طبيب شاب ليكشف على المريضة. بعد ثلاث ساعات 
كاملة من وصولها محطمة إلى المستشفىء ثم أعلن أنها تحتاج إلى أشعة واكتفى بذلك 
1 





وتركها من جديد ملقاة في مكانها. بعد اتصالات مكثفة أفلح محمد فتحي في الاتصال 
بمدير المستشفى الدكتور محمد المرادنى الذي بدا منزعجا للغاية من فكرة أن يتصل 
به أحد بشأن المرضى فبادر بسؤال فتحي متهكما: 

ما المطلوب مني.. سعادتك؟ ! 

أخبره فتحي بأن أخت زوجته تموت وأنها ملقاة في المستشفى التابع له بدون رعاية 
ولا أشعة منذ أكثر من ثلاث ساعات.. عندئذ قال الدكتور المرادنى: 

تأخير الأشعة مسألة عادية جدا.. حتى لو كنت فى مستشفى خاص ودفعت أتعاب 
الأطباء ممكن الأشعة تتأخر. 

أراد المدير أن يُذكر فتحي بأن نشوى مريضة مجانية وبالتالي لايحق لأهلها الشكوى 
من أي شيء.. قال فتحي للمدير كلاما كثيرا عن الإنسانية وواجب الطبيب في رعاية 


المرضىء وبعد حوار طويل بين فتحي والمدير (الذي يبدو أنه يدير المستشفى عن 
يعد بواسطة التليفون) أمر سيادته بإجراء الأشعة لنشوى وهنا حدثت مشكلة جديدة.. 


فقد اقترب عامل نظافة من نشوى التي ساءت حالتها تماماء وهم بنقلها على ذراعيه 
إلى قسم الأشعة. 

اعترض محمد فتحي لأن نقل المريض المصاب بكسور يحتاج إلى مسعف مدرب». 
وإلاافإن تحريك جسم المصاب بطريقة عشوائية قد يؤدي إلى قتله. سخر العاملون في 
المستشفى من فكرة فتحي وبدت لهم غريبة جدا وقالوا له: 

مسعفين إيه؟! ما عندناش الكلام ده.. يا إما العامل ده ينقلها يا إما نسيبها في 
مطرحها. 

وصاح عامل النظافة وهو يقترب من المصابة المسكينة: 


ياعم خليها على الله.. شيل.. شيل. 

وجذبها بطريقة عنيفة فدوت صرخاتها في جنبات المستشفى. أخيراء عملت نشوى 
الأشعة المقطعية وخرجت لتعمل الأشعة السيئية وهنا جاء دور عامل الأشعة: وهذا 
الرجل (بإجماع العاملين في المستشفى) عابس ومتجهم دائماء يعامل المرضى بطريقة 


و9 





فظة ويتكبر عليهم وإذا لم يعجبه المريض فإنه يعلن أن الجهاز عطلان ويمتنع عن عمل 
الأشعة مهما كانت حالة المريض خطيرة» بالإضافة إلى ذلك فهو ملتح يتبنى الفكر 
السلفي.. ظل عامل الأشعة يتلكأ في حجرته وذهب إليه فتحي أكثر من مرة يرجوه أن 
يحضر لإجراء الأشعة للمريضة.. وأخيرا جاء وصاح في الموجودين: 

الحريم تخرج بره.. مش عاوز حريم هنا. 

حاولت زوجة فتحي أن تفهمه أنها أخت المريضة لكنه أصر على خروجها وسمح 
ببقاء فتحي باعتباره (محرم» ثم أمسك بذراع المريضة بعنف ولما صرخت صاح فيها 
غاضبا: 

وطي صوتك خالص.. مش عاوز صوت. 

وجد محمد فتحي نفسه في موقف صعب لأنه لو تشاجر مع العامل الملتحي فسوف 
تضيع على نشوى فرصة الأشعة مما يعني قتلها فلجأ إلى حيلة ليكسب رضا العامل 
فبدأ يوجه الحديث إلى المريضة مستعملا تعبيرات السلفيين: ما تنسيش تبقي تحطي 
الطرحة اللى نسيناها بره على شعرك.. معلهش يا أختي.. جزاك الله خيرا يا أستاذ.. 
اقري قرآن يا ماما.. الله المستعان يا فندم.. جزاك الله خيرا.. جزاك الله خيرا». 

حققت الخطة هدفها قلان العامل الملتحي ورضي عن المريضة وأجرى لها الأشعة.. 
بعد هذا الإهمال الذي يصل إلى حد الإجرام كان من الطبيعي أن تموت نشوى في 
المستشفى الأميري لكن الله أراد أن يمنحها عمرا جديدا فاستطاع محمد فتحي بما 
يشبه المعجزة أن ينقلها إلى مستشفى خاص حيث أجريت لها عملية عاجلة أنقذت 
حياتها. هذه الواقعة» التي أرسلها الأستاذ محمد فتحي إليّ بكل تفاصيلهاء تحمل في 
ثناياها الإجابة عن السؤال: من يقتل الفقراء في مصر؟! 

إن مسئولية قتل المرضى الفقراء في مستشفيات الدولة تتعدى وزير الصحة إلى 
رئيس الجمهورية نفسه. إن مأساة مصر تبدأً من الرئيس مبارك نفسه الذي هوء بالرغم 
من احترامنا لشخصه ومنصبه. لم ينتخبه أحد ولا يستطيع أحد محاسبته وبالتالي فهو 
لا يشعر باحتياج حقيقي إلى إرضاء المصريين ولا يعبأ كثيرا برأيهم فيما يفعله لأنه 

الا 





يعلم أنه قابض على السلطة بالقوة ولديه أجهزة قمع جبارة كفيلة بالتدكيل بأي شخص 
يسعى إلى زحزحته من منصبه. 

هذا الرئيس الذي يعلو على المحاسبة» المحصن ضد التغيير» يختار وزراءه ويقيلهم 
مسئولين أمامه فقط وليس أمام المصريين فيصير كل همهم إرضاء الرئيس ولا يعبئون 
وظل على مدى أسابيع جالسا بجوار الرئيس أثناء علاجه في ألمانيا. 

إن صحة سيادة الرئيس عند وزير الصحة أهم ألف مرة من حياة المرضى الفقراء 
لأن الرئيس وحده هو الذي يملك إقالته فى أية لحظة.. فى ظل هذا الانفصال الكامل 
الذي توصل إلى إرضاء رؤسائه بطريقة ماء مما جعله محصنا بدوره ضد المحاسبة 
وهو لا يكلف نفسه حتى بالذهاب إلى المستشفى وإنما يديره تليفونيا كما أنه يتعامل 
يأتى التشوه الأخير فى سلوك عامل الأشعة, الذي هو فقير وبائس ومحبط تماما مثل 
المرضى لكن إحساسه بالتعاسة يتحول إلى سلوك عدواني ضد المرضى فيستمتع 
بالتحكم فيهم وإذلالهم وهو إلى ذلك يفهم الدين باعتباره مظاهر وملابس وعبادات 
بعيدا عن القيم الإنسانية مثل الأمانة والرحمة التي هي أهم ما في الدين. 

هذه الدائرة الجهنمية التى تبدأ بالاستبداد وتؤدي إلى الإهمال والفساد تتكرر كل 
يوم في مصر وتنتهي بقتل المزيد من الفقراء.. الذي حدث في المستشفى الأميري هو 
ذاته ما حدث في عشرات العمارات التي انهارت على رءوس سكانها والعَبّارات الغارقة 
والقطارات المحترقة.. من المحزن أن عدد ضحايا الفساد والإهمال فى مصر يفوق 
عدد شهداء مصر في حروبها جميعا.. أي أن النظام المصري قد قتل من المصريين 
أكثر من الذين قتلتهم إسرائيل.. إن إيقاف هذه الجرائم البشعة التي تُرتكب كل يوم 
م 





ضد الفقراء لن يتحقق أبدا بنقل مدير أو عقاب عامل.. عندما يكون الرئيس ووزراؤه 
منتخبين وقابلين للمحاسبة والعزل بواسطة الشعبء عندئذ فقط سيحرصون على حياة 
المصريين وصحتهم وكرامتهم. 

الديمقراطية هى الحل. 





مَنْ يقدر على ثمن الحقيقة؟! 


كنت في زيارة لأحد أصدقائى عندما دخلت علينا ابنته التلميذة فى المرحلة الابتدائية 
وسألته ببراءة: ا ا 

بابا.. ما هي الإنجازات العظيمة العملاقة للرئيس مبارك؟! 

رد صديقي ساخرا: 

الرئيس مبارك ليست لديه إنجازات عملاقة. 

هزت البنت رأسها وخرجت واستأنف صديقي حديئه معي وسرعان ما بان القلق 
على وجهه فنهض ونادى ابنته وسألها: 

لماذا سألتيني عن إنجازات الرئيس مبارك؟! 

قالت الطفلة: 

هذا موضوع التعبير الذي أكتبه الآن وسأقدمه غدا في المدرسة. 

ماذا كتبتٍ في الموضوع؟ 

كتبت ما قلته حضرتك.. الرئيس مبارك ليست لديه إنجازات عملاقة. 

بان الهلع على صديقي وراح يقنع ابنته بأنها يجب أن تكتب ما قاله لهم المدرس 
في الفصل وليس رأي أبيها ولم يتركها حتى تأكد بنفسه أنها كتبت المديح المطلوب 
في الرئيس مبارك. انصرفت من بيت صديقي وأنا أفكر في أننا نتعلم الكذب في سن _ 
مبكرة.. نتعلم منذ طفولتنا أن الحقيقة شيء وما يجب أن يقال شيء آخر. ستكبر هذه 
33> 





البنت وتتزوج وتنجب أطفالا وسوف تعلمهم؛ كما تعلمت. أن الحقيقة لا يجب 
بالضرورة أن تقال. 

سيُعلُم أطفالها أنه ليس من المفيد دائما أن يقولوا ما يعتقدون وإنما الأفضل أن 
يقولوا ما ينجيهم من العقاب أو يجلب عليهم المنفعة حتى لو كان مخالفا للحقيقة.. 
هذا الشرخ الذي يحدث مبكرا في وعي المصريين بين الحقيقة والصورة؛ بين ما يحدث 
في السر وما يظهر في العلن, لا يفارقهم بعد ذلك أيدا. 


هذا الأسبوع تذكرت حكاية ابنة صديقي ثلاث مرات: 


رأيت في التلفزيون تلاميذ صغاراء أولادا وبنات تم جمعهم ووضعهم أمام الكاميرات 
ليرقصوا ويغنوا مرددين أناشيد سخيفة مليئة بالنفاق للرئيس مبارك قام بتأليفها وتلحينها 
مدرسون أخذوا على عاتقهم تعليم تلاميذهم النفاق بدلا من تعليمهم الاستقامة 
والصراحة. 

بعد ذلك تابعت ما يسمى بانتخابات مجلس الشورى ورأيت كيف حشدت وسائل 
الإعلام الحكومي عشرات المثقفين» من صحفيين وإعلاميين وأساتذة جامعيين» 
مختلفين في كل شيء إلا في قدرتهم الفائقة على الكذب.. ظل هؤلاء يؤكدون أن 
الاتتخابات تمت بمنتهى النزاهة والشرف بينما هم يعلمون. مثلنا جميعاء أن الانتخابات 
تم تزويرها بالكامل لصالح الحزب الحاكم.. بل إن التزوير هذه المرة كان شاملا بعد 
استبعاد الإشراف القضائي الحقيقي» فقد تم منع الناخبين بالقوة من الإدلاء بأصواتهم 
وتم تقفيل الصناديق لصالح مرشحي الحكومة. 

ظللت أراقب وجوه المثقفين الكذابين في التلفزيون ووجدتني أتساءل: كيف يجرؤ 
رجل يحترم نفسه على هذا الكذب الفاحش؟! ألا يخجل من زوجته وأولاده عندما 
يرونه وهو يكذب على الملاً؟! لا شك أن هؤلاء المنافقين قد تعلموا مبكراء مثل ابنة 
صديقيء أن الحقيقة لا يجب إعلانها دائما وأنه من المفيد والمقبول أن تكذب لنحصل 
على مكافآت وامتيازات. 





في نفس الأسبوع ارتكبت إسرائيل مجزرة بشعة أضيفت إلى سجلها الأسود الحافل 
بالمذابح عندما هاجم الجنود الإسرائيليون سفينة الحرية في المياه الدولية وأطلقوا 
النار فقتلوا وأصابوا العشرات من دعاة السلام العزل الأبرياء الذين جاءوا من دول 
مختلفة لفك الحصار عن مليون ونصف المليون إنسان في غزة. 

هذا الحصار المشين تشترك فيه الحكومة المصرية بإغلاق معبر رفح» والغرض 
من ذلك إرضاء إسرائيل حتى يضغط اللوبي الصهيوني على الإدارة الأمريكية حتى 
تقبل توريث الحكم في مصر من الرئيس مبارك لنجله جمال.. الغريب أن الحكومة 
المصرية بعد أن أدانت المذبحة باعتبارها استعمالا مسرفا للقوة.. (لاحظ ليونة التعبير) 
دعت دول العالم إلى العمل على فك الحصار عن غزة.. يا لها من أكذوبة كبرى.. 
كيف يدعو النظام المصري إلى فك الحصار عن غزة بينما هو طرف أصيل في هذا 
الحصار؟! بدلا من هذه الدعوة البلاغية الفارغة لماذا لا يبدأ النظام المصري بنفسه 
ويفتح معبر رفح بشكل دائم حتى تتدفق الأغذية والأدوية والمساعدات على إخواننا 
المحاصرين في غزة؟! 

إن الأكاذيب قد انتشرت في حياتنا اليومية لدرجة أن معظم ما نراه يبدو كأنه حقيقي 
وهو كاذب.. كبار المسئولين عندنا يفاخرون بالإصلاحات الديمقراطية التي حققوها. 
أول مبادئ الديمقراطية تداول السلطة بينما الرئيس مبارك يحكم مصر منذ ثلاثين عاما 
فأين الإصلاح الديمقراطي؟! 

فى مجلس الشعب تدور مناقشات ساخنة تصل إلى حد المشادات العنيفة بين 
النواب مما قد يعطي انطباعا بأن في مصر برلمانا حقيقيا والواقع أن كل ما يحدث في 
البرلمان قد قرره سلما الرئيس مبارك الذي تكفي إشارة واحدة منه لكي يغير نواب 
الحكومة رأيهم فورا من النقيض إلى النقيض. 

إن معنى الاستبداد أكبر بكثير من الاستحواذ على السلطة. الاستبداد يعني» في 
جوهره. اغتصاب حق الناس في الاختيار وكسر إرادتهم وإخضاعهم بالقوة لرغبات 
شخص واحد.. الأمر الذي يقضي على احترامهم لأنفسهم ويجعلهم أكثر قابلية 
للإذلال. الأسوأ من ذلك أن الاستبداد يعطل مبدأ الانتتخاب الطبيعي ويقدم الولاء على 


0. 


الكفاءة فلا تُمنح المناصب غالبا لمن هم أهل لهاء إنما يكافأ بها الأتباع والمريدون على 
إخلاصهم للحاكم؛ الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى غياب العدالة مما يجعل الأسباب 
لا تؤدي إلى النتائج.. فالاجتهاد والذكاء لا يؤديان بالضرورة إلى النجاحء والانحراف 
لايؤدي بالضرورة إلى العقاب. هنا يتحول الكذب من نقيصة إلى مهارة تجلب المنافع» 
ويتحول النفاق إلى نوع من الكياسة واللياقة يؤدي بالمنافق إلى الحصول على مغانم كان 
بالتأكيد سيفقدها إذا قال الحقيقة» وهكذا يتلف شيئا فشيئا إحساسنا الفطري بالشرف 
ونقع في ازدواجية بين ما نقوله وما نفعله.. إن الانحراف الأخلاقي الناجم عن الاستبداد 
سرعان ما ينتقل من المؤسسات السياسية إلى كل مجالات الحياة.. ففى مصر (وفي 
الدول العربية الواقعة جميعاء للأسف. في برائن الاستبداد).. كثيرا ما يعيش الناس 
انفصالا كاملا بين القول والفعلء بين المظهر والجوهرء بين الصورة البراقة والحقيقة 
المؤلمة.. يكفي أن تطالع صفحات الحوادث في الصحف لتجد معظم المتهمات 
بالجرائم محجبات» يكفي أن تمشي على ضفاف النيل لتجد عشرات الشبان الذين 
يختلسون اللمسات والقبلات مع فتيات محجبات. بل إن فتيات كثيرات يرتدين مع 
الحجاب ملابس ضيقة تثير الغرائز أكثر من ملابس السافرات المحتشمات.. أنا أحترم 
المحجبات وأحترم الحجاب كاختيار شخصي لا يمنع المرأة من التعليم والعمل لكنني 
ببساطة ضد الانفصال بين المظهر والسلوك كما أنني أعتقد أن ما نفعله في هذه الحياة 
أهم بكثير مما نرتديه من ملابس . 

المسئولون في الدولة المصرية الذين يقمعون المصريين ويزورون إرادتهم في 
الاتتخابات ويتسببون في نهب أموالهم وإفقارهم وتجويعهم. معظم هؤلاء المسئولين 
يؤدون الصلاة في أوقاتها ويصومون ويحجون إلى بيت الله الحرام ويؤدون العمرة 
أكثر من مرة وهم لا يرون أي تناقض بين ورعهم الديني والجرائم التي يرتكبونها في 
حق الناس.. إن الازدواجية التى يبدؤها الاستبداد فى قمة السلطة» سرعان ما تنتشر 
مثل السرطان في جسد المجتمع كله لتدمر خلاياه الأخلاقية وتعلم الناس الكذب 
والخداع والنفاق. 

هذا بالضبط ما يحدث الآن في المجتمعين المصري والعربيء لا يعني ذلك بالطبع 
أن المصريين والعرب جميعا كذابون» بل إن قلة ممتازة من الناس سوف تظل قابضة 


5 / 





على الجمرء متمسكة دائما بالقيم الأخلاقية الصحيحة مهما تكن الظروف غير مواتية.. 
لكن كثيرا من البشر لديهم من الضعف الإنساني ما يجعلهم غير قادرين على التمسك 

إن اتساق القول مع الفعل والاستقامة والصراحة وكل مفردات الشرف لا يمكن 
أن تتحقق من قاعدة المجتمع فقط دون قمته فالسمكة تفسد دائما من رأسها كما يقول 
الصينيون.. ستظل الدعوة الفردية لإصلاح الأخلاق قليلة التأثير ما لم يصاحبها إصلاح 
سياسي يعيد إلى الناس حقهم الطبيعي الأصيل في اختيار حكامهم ويجعلهم سواسية 
أمام قانون عادل وقاض محايد مستقل لا سلطة عليه إلا من ضميره.. عندئذ فقط سوف 


هل يحمينا الاذعان من الظلم ؟! 


يُحكى أن فلاحا أجيرا أصاب ثروة طائلة فاشترى قاربا كبيرا (من النوع الذي يسمونه 
في الريف «ذهبية») ثم ارتدى ثيابا أنيقة غالية الثمن وجلس في الذهبية وهي تنساب 
على سطح النيل» عندئذ رآه صاحب الأرض التي يعمل فيها؛ وكان رجلا متغطرسا 
قاسى القلبء فأمر عماله الذين هجموا على الذهبية وقبضوا على الفلاح وأحضروه 
أمام صاحب اللأرض ودار بينهما الحوار التالى: 

صاحب الأرض: منذ متى كان الفلاح يركب ذهبية جديدة؟ ! 

الفلاح: هذه النعمة من رحمتك وعدلك وإحسانك يا سيدي. وهذا شيء يسركم 
يا سيدي لأنه من فضلك ومن خيرك. 

صاحب الأرض: كيف يجوز للفلاحين أن يتشبهوا بأسيادهم ويركبوا ذهبيات؟! 

الفلاح: معاذ الله أن أتشبه بأسيادي فمن أكون؟! أنا عبد من عبيدكم وكل ما أكسبه 
هو في النهاية ملك لكم. 

صاحب الأرض: إذا كنت لا تريد أن تتشبه بنا فلماذا اشتريت ذهبية وركبتها فى النيل 
كأنك من أسياد البلد؟! أتريد أن يراك الفلاحون فيعتقدون أنك صاحب شأن ومقام؟ ! 

الفلاح: أستغفر الله يا سيدي.. إن كنتم ترون فيما فعلته عيبا فأنا أشهد الله ورسوله 
ألا أعود أبدا إلى ركوب هذه الذهبية. تبت على يديك يا سيدي. أرجوك اقبل توبتي. 

صاحب الأرض: توبتك مقبولة لكننى سأفعل بك ما يجعلك لا تكرر خطأك بعد 
ذلك أبدا. 





ثم أمر صاحب الأرض الخدم فقيدوا الفلاح وسحلوه على الأرض حتى لطخوا ثيابه 
الجديدة بالوحل ومزقوها ثم أخذوا يضربونه حتى سال الدم من ركبتيه ورجليه وظهره.. 
بينما صاحب الأرض يضحك ويردد: هكذا لن تنسى أبدا مقامك الوضيع يا فلاح. 

هذه الواقعة حدثت بالفعل في واحدة من قرى مصر في مطلع القرن العشرين» وقد 
حكاها الكاتب الكبير أحمد أمين في كتابه الرائع «قاموس العادات والتقاليد المصرية» 
(الصادر عن دار الشروق).. وهي تعكس في رأبي نمطا شائعا من العلاقة بين المستبد 
وضحاياه.. فهذا الفلاح كان يدرك بلا شك أن من حقه أن يركب الذهبية لأنه اشتراها 
من حر ماله ومن حقه أيضا أن يرتدي ما شاء من ثياب. 

كان الفلاح يدرك أنه لم يرتكب أي خطأ لكنه رأى من الحكمة أن يعتذر لصاحب 
الأرض ويعلن توبته عن ذنب لم يقترفه. لقد بالغ الفلاح في إذلال نفسه حتى يفلت 
من الظلم ولكنه بعدما أهدر كرامته تماما تلقى نصيبه من الضرب والسحل والمهانة.. 
وهكذا نرى أن الإذعان لم يمنع عنه الظلم ولو أنه وقف بشجاعة أمام صاحب اللأرض 
ليدافع عن حقه في أن يعامّل كإنسان لكان على الأقل احتفظ بكرامته ولما أصابه من 
شجاعته أسوأ مما أصايه بإذعانه. 

هذا المعنى أتذكره وأنا أتابع ما يحدث في مصر هذه الأيام. فقد نشأت أجيال من 
المصريين على اعتقاد راسخ بأن الإذعان للظلم هو قمة الحكمة وأن الانحناء والتذلل 
لصاحب السلطة خير وسيلة لاتقاء شروره.. اعتقد المصريون طويلا أن الاعتراض 
على نظام الاستبداد ليس إلا حماقة لن تغير الأوضاع إلى الأحسن أبداء كما أنها كفيلة 
بإضاعة مستقبل كل من يقاوم الظلم واعتقاله وتعذيبه وربما قتله. 

اعتقد المصريون أن التعايش مع الحاكم الظالم سينجيهم من شره واطمأنوا إلى أن 
آلة القمع الجبارة التي يملكها النظام لا تتحرك أبدا إلا لتسحق من يعترض عليها.. أما 
من ينحني ويذعن وينصرف إلى أكل عيشه وتربية أولاده فلن يصيبه النظام بضرر أبدا 
بل إنه سيحميه ويرعاه. لكنهم ينتبهون الآن. ربما لأول مرة خلال عقود. إلى حقيقة 
أن الإذعان والسكوت عن الحق والتذلل للظالمين» كل ذلك لا يمنع الظلم أبدا.. بل 
كثيرا ما يضاعفه. 


5٠ 





إن الشاب خالد محمد سعيد من مدينة الإسكندرية لم يكن له أي نشاط عام, لم 
يكن عضوا في أي جبهة أو حركة تستهدف تغيير النظام.. بل لعله لم يشترك في مظاهرة 
في حياته. كان خالد شابا مصريا مسالما تماماء يحلم مثل ملايين المصريبن بأن يهرب 
بأي طريقة من وطنه الظالم إلى أي بلد يعيش فيه بحرية وكرامة. 


كان يتتظر حصوله على جواز سفر أمريكي مثل إخوته ليترك مصر إلى الأبد. وفي 
ذلك المساء توجه إلى مقهى للإنترنت ليقضي بعض الوقت كما يفعل ملايين الناس. 
لم يرتكب جريمة ولم يخالف القانون لكنه ما إن دخل إلى المقهى حتى انقض عليه 
اثنان من المخبرين وبدون كلمة واحدة» راحا يضربانه ببشاعة ويخبطان رأسه في حافة 
المائدة الرخامية بكل ما يملكانه من قوة ثم سحلاه إلى خارج المقهى ودخلا به إلى 
عمارة مجاورة وظلا يضربانه ويخبطان رأسه في بوابة العمارة الحديدية حتى تحقق 
لهما ما أرادا. 

فقد تهشمت جمجمة خالد ومات بين أيديهما وبغض النظر عن السبب الحقيقي 
وراء هذه المجزرة البشعة وبغض النظر أيضا عن البيانات المتلاحقة من وزارة الداخلية 
لتفسير الجريمة» التي تين أنها كلها غير صحيحة.. فإن المغزى الواضح لهذه المجزرة 
أن الإذعان لم يعد كافيا لحماية المصريين من القمع. 

لقد تم ضرب خالد سعيد بنفس الطريقة التي يتم بها ضرب الشبان المتظاهرين من 
أجل الحرية. لا فرق. لم يعد القمع في مصر يفرق بين المتظاهرين والمعتصمين وبين 
الجالسين على المقاهي والنائمين في بيوتهم. 

إن قتل خالد سعيد بهذه البشاعة وإفلات القتلة من العقاب يدل ببساطة على أن أي 
ضابط شرطة أو حتى أي مخبر يستطيع أن يقتل من يشاء من المواطنين ولسوف تتحرك 
أجهزة الاستبداد فورا لتبرئة القاتل بوسائل كثيرة وفعالة في ظل قانون الطوارئ وعدم 
استقلال القضاء عن رئاسة الدولة. 

إن ملايين المصريين الذين بكوا عندما رأوا صورة خالد سعيد وقد تهشمت 
جمجمته وتناثرت أسنانه وتمزق وجهه من أثر المذيحة» كانوا يبكون ليس فقط تعاطفا 


51١ 





مع الشهيد وأمه المسكينة وإنما لأنهم تخيلوا أن وجوه أولادهم قد تكون غدا مكان 
صورة خالد سعيد. ولعل صورة شهادة الخدمة العسكرية لخالد سعيد المنشورة في 
الصحف بجوار صورة جثته المشوهة تعكس الحقيقة المحزنة: إن مصر صارت تفعل 
بأبنائها ما لم يفعله الأعداء. 

إن مصير خالد سعيد قد يحدث لأي مصري بل إنه حدث بالفعل لمئات الآلاف من 
المصريين: فالذين غرقوا في عبّارات الموت. والذين انهارت على رءوسهم العمارات 
بسبب التراخيص الفاسدة ومواد البناء المغشوشة؛ والذين ماتوا من أمراض أصابتهم 
من الأغذية الفاسدة التي استوردها الكبارء والمنتحرون يأسا من المستقبل؛ والشبان 
الجامعيون الذين حاولوا الهروب لينظفوا المراحيض في أوربا فسقطت بهم قوارب 
الموت وغرقوا... 

كل هؤلاء كانوا مواطنين مسالمين تماما ولم يَدّر بأذهانهم قط أن يقاوموا الاستبداد 
لكنهم اعتقدواء تماما مثل الفلاح في الحكاية» أن باستطاعتهم أن يتعايشوا مع الظلم 
وينحنوا أمام الظالم ثم ينشئوا عالمهم الصغير الآمن لهم وأولادهم, لكنهم جميعا 
فقدوا حياتهم بسبب النظام الذي خافوا من مواجهته. أي أن ما حدث لهم جراء الإذعان 
والخضوع هو بالضبط ما كانوا يخشون وقوعه إذا احتجوا وثاروا. 

إن حالة الاحتجاجات الشاملة التي تجتاح مصر الآن من أقصاها إلى أقصاهاء 
تعود بالأساس إلى أن حياة ملايين الفقراء التي كانت صعبة أصبحت مستحيلة» لكن 
السبب الأهم لهذا الاحتجاج العنيف إدراك المصريين أن السكوت عن الحق لن 
يحميهم من الظلم.. لقد جرب المصريون طريقة الحل الفردي على مدى ثلاثين 
عاما؛ فكان المصري يهرب من جحيم بلاده إلى دول الخليج حيث كثيرا ما يتحمل نوعا 
جديدا من الإذلال والقهر ويعود بعد سنوات ببعض المال يمكنه من الحياة المريحة 
بعيدا عن السياق العام لمعاناة المصريين. هذه الحلول الفردية لم تعد تجدي.. وأصبح 
المصريون محاصرين في بلادهم. 
51 





وقد أدركوا أخيرا الدرس الذي لم يفهمه الفلاح في الحكاية؛ أن عواقب الشجاعة 
ليست أبدا أسوأ من عواقب الخوف وأن الوسيلة الوحيدة للنجاة من الحاكم الظالم 
هي مواجهته بكل ما نملك من قوة. 

الديمقراطية هي الحل. 


571 





محاوئة لمهم أسياب القسوة 


في يوم الأربعاء ١7‏ يونيوعام ١405‏ كانت مصر واقعة تحت الاحتلال البريطاني» 
وخرج خمسة ضباط بريطانيين لاصطياد الحمام ببنادقهم في أنحاء الريف. وقد أخطأ 
أحدهم فأطلق أعيرة طائشة أدت إلى إشعال النار وإصابة امرأة فلاحة فتجمع الأهالي 
وطاردوا الضباط البريطانيين مما أدى إلى موت أحدهم بتأثير ضربة شمس. 


وقد اعتبر اللورد كرومرء الحاكم البريطاني لمصر آنذاك» ما حدث نوعا من التمرد 
فقرر أن يعاقب المصريين بقسوة حماية لهيبة الإمبراطورية البريطانية وجنودها فأصدر 
أوامره بالقبض على 65 فلاحا قدموا لمحاكمة سريعة لم تتوافر فيها أي ضمانات 
قانونية. 

أدانت المحكمة ؟”' فلاحا وحكمت بإعدام أربعة منهم شنقا بينما تراوحت الأحكام 
على بقية الفلاحين بين الحبس مع الأشغال الشاقة والجلد. تم تنفيذ الأحكام في 

وعرفت هذه المذبحة باسم القرية التي جرت فيها: قرية دنشواي في محافظة 
المنوفية. ثار الرأي العام في مصر ضد الجريمة البشعة التى ارتكبها الاحتلال البريطانى 
ويضيق المجال عن أسماء الكتاب والشعراء الذين كتبوا المقالات ونظموا القصائد 
البريطاني في الصحافة الغربية إلى أمير الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وقاسم 
أمين وغيرهم كثيرون.. وفي بريطانيا ذاتها أدان مثقفون وسياسيون بريطانيون مذبحة 
١‏ ؟ 





دنشواي كان أبرزهم الكاتب الكبير جورج برنارد شو الذي كتب مقالا شهيرا بعنوان 
ايوم العار على بريطانيا العظمى). 

وقد أدت هذه الحملة الواسعة إلى إقالة اللورد كرومر من منصبه وصدور العفو 
الشامل عن المتهمين المحبوسين في دنشواي. 

درست مثل المصريين جميعا مذبحة دنشواي في المدرسة الابتدائية ونسيتها زمنا 
ثم عدت إلى تذكرها هذه الأيام وأنا أتابع الجريمة البشعة التي ارتكبها النظام المصري 
في الإسكندرية فقد ظل اثنان من المخبرين يضربان شابا مسالما أعزل اسمه خالد سعيد 
حتى تهشمت جمجمته وأسلم الروح بين أيديهما. 

عندما رأيت صورة خالد سعيد وقد تشوه وجهه تماما من التعذيب» وجدتني أعقد 
مقارنة مؤسفة: في حادثة دنشواي تم إعدام أربعة فلاحين مصريين بالإضافة إلى فلاح 
آخر قتله البريطانيون بالرصاص؛ أي أن ضحايا مذبحة دنشواي خمسة مصريين» فكم 
يبلغ عدد ضحايا التعذيب في ظل النظام الحالي؟ طبقا لبيانات المنظمة المصرية لحقوق 
الإنسان» على مدى ثمانية أعوام فقط (منذ عام 7٠٠٠١‏ حتى عام ..)3٠١4‏ توفي من 
أثر التعذيب في أقسام الشرطة ومقار أمن الدولة ١١7‏ إنسانا مصريا. 

في مذبحة دنشواي أمرت سلطة الاحتلال البريطاني بجلد 78 فلاحا مصريا فكم 
يبلغ عدد ضحايا التعذيب بواسطة الشرطة المصرية؟! (في الفترة بين عامي 7٠٠١‏ 
بلغ عددهم 75 مصرياء كلها حالات تعذيب موثقة بالإضافة_بالطبع إلى 
عشرات الحالات التي امتنع فيها الضحايا عن الإابلاغ عن تعذيبهم خوفا من انتقام 
الجلادين.. هنا نصل إلى حقيقة غريبة: أن ضحايا القمع بواسطة النظام المصري قد 
فاق عددهم ضحايا دنشواي عشرات المرات.. الأمر الذي يطرح السؤال: لماذا يقسو 
النظام إلى هذا الحد علينا نحن المصريين؟! لماذا يفعل مواطنون مصريون بمصريين 
مثلهم أسوأ مما فعله جنود الاحتلال البريطاني بهم؟! الإجابة تستدعي المقارنة بين 
الاحتلال والاستبداد وهما يتشابهان في نواح كثيرة. فالحكم المستبد» تماما مثل جيش 
الاحتلال» يستولي على السلطة ويحافظ عليها بالقوة المسلحة. 


ا 





الاستبداد مثل الاحتلال لا يحترم المواطنين الذين يقمعهم. الاحتلال يرى 
فيهم جنسا أقل من جنسه والاستبداد يراهم جهلاء وكسالى وعاجزين عن ممارسة 
الديمقراطية» وفي الحالتين فإن المواطنين في نظر الاحتلال والاستبداد.» مخلوقات 
قليلة الإدراك والكفاءة وبالتالي فإن حقوقهم الإنسانية أقل من سواهم بل إن قمعهم 
واجب وإذلالهم هو الطريقة المثلى للسيطرة عليهم.. أما احترام إرادتهم وإنسانيتهم 
فسوف يؤدي إلى إفسادهم وتمردهم. إن الاستبداد في جوهره احتلال داخلي لا يتم 
بواسطة جيش أجنبي وإنما بواسطة مواطنين من أبناء البلد. 

بقي فرق مهم: إن الضابط البريطاني الذي كان يعذب المصريين ويقتلهم كان 
بمقدوره أن يزعم لنفسه كذبا أنه في حالة حرب قد تبيح فعل ما هو محظور في حالة 
السلم. أما الضابط الذي يعذب أبناء بلده ويقتلهم فهو يشكل حالة فريدة من نوعها. 

الشاب المصري الذي اجتهد حتى التحق بكلية الشرطة ليتخرج ويحافظ على 
القانون ويحمي حياة الناس وأعراضهم وممتلكاتهم» كيف يتحول أحيانا إلى جلاد 
يعذب المواطنين ويقتلهم؟! تؤكد دراسات علم النفس أن الجلاد ليس بالضرورة شريرا 
أو عدوانيا بطبعه» بل قد يكون خارج عمله شخصا عاديا تماما لكنه يحتاج إلى اجتياز 
عدة خطوات نفسية حتى يصير مؤهلا لممارسة التعذيب: أولا أن يعمل داخل نظام 
سياسي يبيح التعذيب كوسيلة مقبولة لانتزاع الاعترافات من المعتقلين أو عقابهم. 

وثانيا أن يجد زملاءه في العمل يمارسون التعذيب حتى يتمكن من إقناع نفسه بأنه 
يمارس التعذيب انصياعا لأوامر الرؤساء التي ليس بمقدوره أن يخالفها.. الخطوة 
الثالثة في التكوين النفسي للجلاد هي التبرير.. يجب أن يبرر الجلاد لنفسه جريمة 
التعذيب بأنه يفعل ذلك من أجل حماية الوطن أو الدين أو المجتمع وحرصا على 
أمن المواطنين وسلامتهم. يجب أن يصور الجلاد ضحاياه باعتبارهم أعداء أو عملاء 
مأجورين أو مجرمين حتى يتحمل ضميره ارتكابه لجريمة التعذيب في حقهم. 

على أن هذه الخطوات لإعداد الجلاد كما أثبتها علم النفس لا تكفي في رأبي 
لتفسير ما حدث لخالد سعيد. لماذا تم تعذيب هذا الشاب البريء بكل هذه البشاعة؟ ! 


15 

















إذا كان رجال الشرطة قرروا قتله فلماذا لم يطلقوا عليه الرصاص؟ رصاصة واحدة 
كانت تكفي لقتله؟ ألم يكن قتله بسرعة أرحم له ولأمه التي عاشت ثمانية وعشرين 
عاما ترعى ابنها وتربيه وتحنو عليه وترقبه بفرح وهو يكبر ويتم تعليمه ويؤدي الخدمة 
العسكرية وفجأة» استدعوها لتتسلمه فرأته جثة مشوهة وقد تمزق لحم وجهه وتناثرت 
أسنانه من شدة التعذيب. 


إن التفسير الوحيد لهذه القسوة الرهيبة أن الجلاد المصريء بعد أن يمر بكل 
الخطوات اللازمة لإعداده لممارسة التعذيب» لا يفلح تماما في قتل ضميره. يظل 
مدركا في أعماقه بالرغم من كل شيء. أنه يرتكب جريمة بشعة وأنه لا يحمي الوطن 
والمواطنين كما يزعم وإنما يحمي شخصا واحدا هو الحاكم. 

إن الجلاد يعرف أن ما يفعله في الناس ضد القانون والعرف والدين وهو بالتأكيد لا 
يحب لزوجته أو أولاده أن يعرفوا أبدا أنه يعذب الأبرياء حتى الموت.. هذا الإحساس 
بالذنب هو الذي يجعل الجلاد المصري أكثر شراسة حتى من جندي الاحتلال 
الأجنبى.. كأنما هو لا يطيق أن يظل فى منطقة التردد ومحاسبة النفس.. كأنما يريد 
إسكات صوت الضمير تماما وهو يسعى إلى ذلك بارتكاب المزيد من التعذيب 
والقمع» هكذا يذهب بعيدا في ارتكاب جرائمه حتى يموت ضميره تماما فيستريح 
من تأنيبه إلى الأبد.. إن الطريقة الوحشية التي تم قتل خالد سعيد بها قد استقرت في 
تاريخ مصر وذاكرة المصريين إلى الأبد.. إن المسئول الحقيقي عن قتل خالد سعيد 
ليسوا المخبرين الذين ضربوه حتى الموت ولا هو مأمور القسم الذي أرسلهم ولا 
مدير الأمن ولا حتى وزير الداخلية. 

المسئول سياسيًا عن مقتل خالد سعيد وشهداء التعذيب جميعا هو رئيس الدولة 
نفسه الذي لو أراد أن يمنع التعذيب عن المصريين لفعل ذلك بكلمة واحدة بل بإشارة 
واحدة من يده» ولو كان خالد سعيد أوربيا أو أمريكيا لتدخل بنفسه للقبض على قاتليه 
وعقابهم بشدة. 

لكن حظ خالد سعيد التعس جعله يولد مصريا في زمن يتم فيه قتل المصريين 
كأنهم كلاب ضالة» بلا محاسبة ولا تحقيق عادل ولا حتى كلمة اعتذار. إن مقتل 


71 / 











خالد سعيد نقطة فارقة أدرك عندها المصريون مدى الإذلال والمهانة الذي انحدروا 


إليه وتأكد لهم عندئذ أن حياتهم بحرية وكرامة لن تتحقق إلا بعد أن تتخلص مصر 
من الاستبداد. 


الديمقراطية هى الحل. 


518 


الشاب الذي عاش إلى الأيد 


بعد أن أغلق خالد باب الشقة ونزل عدة درجات على السلمء توقف فجأة وكأنه 
تذكر شيئا ثم صعد مرة أخرى وفتح الباب ودخل. كانت أمه جالسة في الصالة تشاهد 
التلفزيون» سألها خالد إن كانت تحتاج إلى شيء يحضره معه عندما يرجع بالليل» 
ابتسمت وقالت إنها لا تحتاج إلى شيء والحمد لله. تطلع إليها خالد. اقترب منها 
وقبّل جبينها فاحتضنته وهي تدعو له بحرارة. فكر وهو يخرج إلى الشارع أن الله قد 
أنعم عليه بأم رائعة وأنه يجب أن يفعل كل ما يستطيع لإسعادها.. عزم خالد على أن 
يمر على مقهى الإنترنت ليقابل بعض أصدقائه ثم يذهب بعد ذلك إلى محطة الرمل 
ليشتري بعض اللوازم لجهاز اللاب توب الخاص به.. بدا كل شيء عاديا في الشارع. 
الزحام والضجيج وأصوات السيارات وصياح الباعة. دفع خالد بيده باب المقهى 
ودخل لكنه ما إن قطع بضع خطوات حتى أحس بحركة خلفه. 

التفت فوجد شخصين يتوجهان نحوه وهما ينظران إليه بغضب. توقف ليسألهما 
ماذا يريدان لكنهماء بلا كلمة واحدة» انقضا عليه. أمسك أحدهما به من القميص 
وبدأ الآخر يضربه بيديه وقدميه بكل قوته. صاح خالد معترضا لكن الرجل الممسك 
بقميصه راح يضرب رأسه بقوة في حافة المائدة الرخامية. حاول الزبائن الموجودون 
في المقهى إنقاذ خالد لكن أحد الرجلين صاح: 

إحنا بوليس. 

عندتذ خاف الناس وابتعدوا. تدفق دم خالد بغزارة ولطخ ثيابه وبدأ يسيل على 
الأرض. استمر الرجل يضرب رأسه في المائدة فأحس خالد بألم رهيب وصرخ: 

518 





كفاية.. حرام عليكم. 
قام الرجلان بسحله على الأرض وهما يكيلان له الضربات ثم دخلا به باب 
العمارة المجاورة وراحا يخبطان رأسه فى البوابة الحديدية للعمارة بكل قوة. هنا 


صاح خالد: 
كفاية. أنا هاموت. 
فصاح أحد الرجلين بصوت أجش: 
-أنت ميت ميت ياين الكلب. 


ظل خالد يصرخ لكن الرجلين استمرا في مهمتهما: واحد يضرب بيديه وقدميه 
والآخر يخبط رأس خالد بكل قوته فى البوابة الحديدية. صارت آلام خالد فوق 
الاحتمال وفجأة حدث شيء غريب. تلاشى الألم تماما. أحس خالد براحة مدهشة 
[ كأنما كان ينوء بحمل ثقيل ثم تخلص منه فجأة فأصبح خفيفا وحرا. اختفى المشهد 
من أمام نظره وساد ظلام حالك. لم يعد خالد يرى شيئاء أحس كأنه ناكم ثم فجأة بزغ 
نور قوي ووجد خالد نفسه في مكان كأنه حديقة جميلة. أحس خالد بدهشة بالغة ثم 
نظر إلى جسده وتحسس وجهه فلم يجد أي أثر للدماء والجروح. ظهر أمامه رجل 
عجوز تبدو عليه علامات الطيبة وابتسم وقال: 

-أهلا وسهلا يا خالد. 

هز خالد رأسه وهوما زال مأخوذا. قال العجوز بود: 

- لقد صعدت إلينا هنا لأنك فقدت حياتك من الظلم. من الآن فصاعدا لن يعكر 
صفوك شيء أو مخلوق. 

أشكرك. 

هكذا قال خالد وهو يلتفت حوله. كانت الحديقة مليئة بأشجار وزهور بديعة لم 
ير مثلها في حياته. ابتسم العجوز وقال: 
95 








- ستعيش هنا مع أفضل مخلوقات الله في راحة تامة وبهجة خالصة. بعيدا عن 
العالم الظالم الذي جئت منه. الناس هنا سعيدون جدا بمجيئك وقد أرسلوا إليك 
وفدا ليستقبلك. انظر. 

نظر خالد خلفه فوجد ثلاثة أشخاص: وجد رجلا فى الخمسين من عمره يرتدي 
الملابس العسكرية وطفلا في العاشرة وامرأة محجبة في نحو الثلاثين من عمرها.. 
كان الثلاثة يضحكون وقد ظهرت عليهم السعادة. قال العجوز: 

- أقدم إليك الفريق عبد المنعم رياض والطفل الفلسطيني محمد الدرة وهذه 


الدكتورة مروة الشربيني. 

صافحهم خالد بمحبة واحترام وأراد أن يتحدث معهم قليلا لكن العجوز سحبه 
من يده قائلا: 

- سيكون لديك وقت طويل للكلام معهم. أريد الآن أن أريك المكان الذي ستعيش 
فيه إلى الأبد. 

-إنه مكان رائع لم أر مثله من قبل. 


-هل تريد شيئا يا خالد؟ كل طلباتك مجابة. 
- أريد أن أطمئن على أمى. 
ابتسم العجوز وأخرج من جيبه بللورة براقة ومستديرة تماماء في حجم البرتقالة 


وناولها إلى خالد وقال: 
-إذا أردت أن ترى أي شخص من العالم الذي جئت منه. يكفي أن تفكر فيه وسوف 
تراه بوضوح في البللورة. 


أمسك خالد بالبللورة وفكر في المخبرين اللذين ضرباه حتى الموت فظهرا فورا على 
سطح البللورة.. كانا يجلسان في مكان يشبه غرفة المباحث في القسم وأمامهما طعام 
يأكلان منه بشهية ويتبادلان الحديث والضحكات مع العسكري الواقف بجوارهما.. 


١ 


ثم فكر خالد في ضابط الشرطة الذي أعطى الأمر للمخبرين بقتله فظهر فورا. يبدو أنه 
كان في يوم الراحة لأنه كان يرتدي ترينج سوت في غاية الأناقة وقد تمدد على أريكة 
وراح يتابع مباراة كرة القدم في التلفزيون. ثم فكر في الصحفي الذي اتهمه ظلما بإدمان 
المخدرات فظهر على البللورة في وضع مخجل جعل خالد يصرف نظره بسرعة ثم 
قال للعجوز: 

لا أفهم كيف يستطيع الذين ظلموني أن يستمتعوا بحياتهم. 

ابتسم العجوز وقال: 

- كل هذا باطل. لن يهنأ الظالمون بحياتهم أبدا.. لقد كتب الله عليهم المعيشة 
الضنك حتى تحين ساعة الحساب. 

فكر خالد في أمه فظهرت وقد جلست على فراشه في حجرته. راحت تقرأ القرآن 
وتبكي. أحس خالد بالحزن من أجلها فقال للعجوز: 

- من فضلك. هل يمكن أن تخبر أمي أننى بخير؟! 

- لا أستطيع. 

قلت لي إن طلباتي مجابة. 

- إلا الاتصال بالعالم الذي جئت منه. ممنوع. عموما اطمئن يا خالد. أمك سيدة 
صالحة ومؤمنة وسوف تصعد إلينا يوما. عندئذ ستسعد بصحبتها إلى الأبد. 

ساد الصمت بينهما لكن العجوز بدا عليه الغضب فجأة وقال: 

- ماذا يحدث في مصر يا خالد؟! أنا حزين من أجل المصريين. 

-لماذا؟ 

- في الماضيء كان معظم المصريين الذين يصعدون إلينا من العسكريين.. جنودا 
وضباطا قتلهم أعداء مصر وهم يدافعون عنها. الآن ومنذ سنوات يصعد إلينا كل يوم 
مصريون قتلهم مصريون مثلهم. 


7 














هز خالد رأسه وقال بأسف: 

-حياة المصري لم تعد تساوي شيئا. 

قال العجوز: 

- تصوريا خالد أننا أنشأنا قسما خاصا للمصريين. إن عدد الذين يصعدون إلينا من 
مصر أكثر من الذين يصعدون من أي بلد آخر. تعال معي. 

تبعه خالد وسط الأشجار والورد حتى وصلا إلى ساحة كبرى احتشد فيها الاف 
الناس ملامحهم جميعا مصرية. كانوا يبتسمون في بهجة. أشار إليهم العجوز وقال: 
في عبارات الموت والذين احترقوا في القطارات والذين أصابهم السرطان من الأغذية 
الفاسدة والذين ماتوا من الإهمال في مستشفيات الحكومة بالإضافة طبعا إلى الذين 

- شيء مؤسف. 

- أنا لا أتخيل كيف يتحمل إنسان ذنب هؤلاء جميعا أمام الله. 

- طبعا.. انظر. 

نظر خالد إلى البللورة فرأى وجها مألوفا لديه. سأله العجوز: 

هل عرفت الشخص الذي أقصده. 

- نعم . 

هذا الرجل لديه فرصة أخيرة. 

فرصة أخيرة؟ 

- لقد أمد الله في عمره ليمنحه فرصة أخيرة حتى يقيم العدل ويرفع الظلم. أتمنى 
أن ينتبه ويسعى إلى الإصلاح وإلا فإن موقفه سيكون صعبا للغاية. 


وفيض 


فعلا.. عندما يصعد إلى هنا كيف سيقابل كل هؤلاء الضحايا وماذا سيقول 
لهم ؟ 

-إذا استمر الظلم فإن هذا الرجل لن يصعد إلى هنا أبدا.. سوف يذهب إلى الضفة 
الأخرى.. 

وماذا يوجد في الضفة الأخرى؟! 


نظر العجوز إلى خالد ولاذ بالصمت. 


571 


عشاء مفاجىٌ مع شخصية مهمة 


دعاني أحد الأصدقاء إلى العشاء في مطعم شهير يقع في مركب على نيل الزمالك. 
جلست مع صديقي إلى المائدة المحجوزة لنا. 

سارع الجرسون إلينا مرحبا وسألنا إذا كنا نود أن نشرب شيئا قبل الأكل.. طلب 
صديقى عصير ليمون بينما طلبت أنا زجاجة بيرة مثلجة بدون كحولء تبادلنا بضع 
كلمات ثم بانت الدهشة على وجه صديقي. اقترب مني وهمس: 
من؟ 

جمال مبارك. 

أدرت رأسى ببطء لأراه. لاحظ صديقى انفعالى بهذه المصادفة فقال: 

تحب تقعد مطرحي عشان تشوف أحسن؟ 

كان العرض مغريا. جلست مكانه فرأيت جمال مبارك جالسا مع زوجته السيدة 
خديجة» كان يرتدي جاكيت كحليًا (بليزر) وقميصا أبيض بدون رابطة عنق بينما ارتدت 
زوجته ثوبا أزرق أنيقاء اندهشت لأنني لم أر حراسة حولهما... لم أستطع أن أرى الطبق 
الذي تأكل منه السيدة خديجة أما الأستاذ جمال فكان يأكل بشهية بيتزا نابوليتانا. 

رحت أراقبهما بضع دقائق ثم حدثت المفاجأة. نظر إليّ جمال مبارك وابتسم. 
هززت رأسي محييا فأشار إليَّ بيده أن اقترب... استأذنت من صديقي وتوجهت إلى 
مائدة السيد جمال لكننى فوجئت برجل تبدو عليه علامات الشراسة يعترض طريقي 


وا 








بجسده الضخم. لمحت طبنجة كبيرة معلقة تحت سترته, قال له السيد جمال شيئا لم 
أتبينه فتراجع مفسحا الطريق... ابتسم جمال مبارك وقال: 

فرصة سعيدة. 

على فكرة أنا وخديجة من قراتئك. 

جاء الجرسون فطلبت نصف دجاجة مشوية وبطاطس (بوم فريت) مع زجاجة 
بيرة أخرى مثلجة بدون كحول. سألت السيد جمال عن صحة الرئيس مبارك فقال 

الحمد لله. 

تكلمنا بعد ذلك عن المطعم. أبدينا نحن الثلاثة إعجابنا بمهارة صاحبه اللبناني. 
كنت أغالب إحساسا داخليا ملحّاء غلبنى فى النهاية فقلت فجأة: 

يا أستاذ جمال. أشكرك على حفاوتك وكرمك. لدي كلام لا بد أن أقوله لك 
وأخشى أن أفسد هذا اللقاء اللطيف. 

الحالة فى مصر سيئة للغاية. لقد وصلنا إلى الحضيض. 

تطلع إِلَيّ بانتباه وقال: 


صحيح لدينا مشكلات كبيرة. لكن هذا الثمن الذي يجب أن ندفعه من اجل 
التنمية. 


أين هى هذه التنمية؟ 

لقد حققت الحكومة فى السنوات اللأخيرة معد لات تنمية غير مسبوقة. 

مع احترامي لك.. أين التنمية التي تتحدث عنها إذا كان نصف المصريين يعيشون 
تحت خط الفقر؟ ألم تسمع عن الشبان الذين ينتحرون من الفقر والبطالة؟! 


717 





كل هذه المشكلات لدينا دراسات مفصلة عنها في لجنة السياسات. 

يا أستاذ جمال. معظم ما يردده المحيطون بك في لجنة السياسات غير حقيقي. 
إنهم انتهازيون وهم يدفعون بك إلى التوريث من أجل مصالحهم. 

صمت جمال مبارك وبان عليه التفكير وقال: 

ماذا تقصد بالتوريث؟! 

أن ترث الحكم من الرئيس مبارك. 

أليس من حقي أن أمارس السياسة مثل أي مواطن.. إذا رشحت نفسي للرئاسة ثم 
فزت في الانتخابات هل يكون ذلك توريئا؟ ! 

أنت تعلم جيدا أن الانتخابات في مصر صورية ومزورة.. هل ستكون فخورا إذا 
وصلت إلى رئاسة مصر بالقمع والتزوير؟! 

الاتتخابات في الدنيا كلها لا تخلو من تجاوزات.. كما أعتقد أنك تبالغ في مسألة 
القمع هذه. 

يا أستاذ جمال.. هل تعيش معنا في نفس البلد؟! هناك فرق بين التجاوزات والتزوير 
المنظم الذي يحدث في مصر.. أما القمع فيكفي أن تدخل على الإنترنت لترى قصصا 


خالد سعيد الذي قتلته الشرطة فى الإسكندرية.. 


قالت السيدة خديجة: 

لقد حزنت جدا من أجل هذا الشاب. 

قال السيد جمال: 

لقد أصدرت تصريحا طالبت فيه بأن تأخذ العدالة مجراها. 

ما فائدة هذا التصريح؟ المطلوب إلغاء قانون الطوارئ الذي يتم في ظله تعذيب 
آلاف المصريين. 


1 





الموضوع أمامه.. ثم قال فجأة بصوت مرتفع: 

الكلام سهل والفعل صعب.. أنت وظيفتك أن تكتب قصصا ومقالات. أما أنا 
فأعمل ١١‏ ساعة في اليوم من سنوات من أجل إصلاح البلد. 

انزعجت من تغير لهجته لكنني قررت أن أمضي إلى النهاية. قلت: 

أولا الكتابة مهنة صعبة جدا. ثانيّا حتى لو كنت تبذل مجهودا كبيراء المهم نتيجة 
هذا المجهود.. اسمع يا أستاذ جمال.. ما صفتك التي تعمل بها؟ 

أنا أمين لجنة السياسات فى الحزب الوطنى الديمقراطى. 

تطلع إليَّ بغضب واضح وأحسست لأول مرة أنه ندم على دعوتي إلى مائدته. 
ابتسمت السيدة خديجة ونظرت إلى زوجها لتخفف من توتره لكنه قال بصوت 
مرتمع: 

من حقك طبعا أن ترى أننا لم ننجز شيئا في لجنة السياسات.. لكن الحمد لله أن 
ما فعلناه يقدره الكثيرون.. داخل مصر وخارجها. 

أين هذا التقدير الذي تتحدث عنه؟! 

إن رؤساء تحرير صحف الحكومة يمدحونك لأنك ولي نعمتهم. الفقراء الذين 
يحتشدون لاستقبالك في جولاتك يتم جمعهم بواسطة الحزب الوطني وأجهزة الأمن. 
أما الصحافة العالمية فهناك انتقادات جادة لفكرة التوريث.. هل قرأت ما كتبه جوزيف 
مايتون فى جريدة الجارديان العام الماضي؟ 


ماذا كتب؟ ! 
التفثت جمال مبارك إليها وقال: 


34 





لقد كتب جوزيف مايتون أننى لا أصلح إطلاقًا كرئيس وأنني أمثل كل ما هو خطأ 
فى مصر.. حسئا.. هذا رأيه.. هناك صحف عالمية كثيرة تكتب عنى أشياء منصفة. 

للأسف فإن أكثر الصحف احتفاء بك هي الصحف الإسرائيلية.. ألم تفكر في 
سبب ذلك؟! أن المديح المطول الذي كتبته عنك جريدة معاريف الإسرائيلية هذا 
الأسبوع يستحق التأمل. 

ماذا تقصد؟ 

هل تعتقد أن إسرائيل تريد الخير لمصر؟! 

بادرت السيدة خديجة قائلة: 

لا طبعا. 

فكر جمال مبارك قليلا وقال: 

لو افترضنا أن نية إسرائيل دائما سيئة.. ماذا تريد أن تقول؟! هذا الإلحاح الإسرائيلي 
من أجل توريثك للحكم إنما يعكس فزع الإسرائيليين من تطبيق الديمقراطية في 
متبر . 

إنهم يدركون جيدا أن مصر تملك إمكانات دولة كبرى ولو حققت الديمقراطية 
فسوف تنهض وينهض معها العالم العربي.. ولذلك فهم يدافعون عن التوريث حتى 
تظل مصر في أسوأ أحوالها. 

تنهد جمال مبارك وقال وهو يستعد للنهوض: 

قبل أن تنصرف لديّ سؤال أخير. 


طبعا. 





إن حب مصر يحتم عليك أن تُغلب مصلحتها على مصلحتك.. أريدك أن تعدني 
الآن بأن تتخلى نهائيا عن فكرة التوريث وتعمل مع المصريين من أجل الإصلاح 
الديمقراطي. 

نظر إليّ جمال مبارك وراحت شفتاه تتحركان لكن صوته انقطع فجأة وسمعت طنينا 
مستمرا ثم أضاء المكان بضوء مبهر» فتحت عينى بصعوبة فوجدت أمامي زوجتي وهي 
تحمل برطمان عسل النحل كعادتها عندما توقظني في الصباح.. ابتسمت وقالت: 


صباح الخير. 

صباح النور. 

مين الأستاذ جمال ده اللي كنت بتكلمه وأنت نائم. 

جمال مبارك. أصلي اتفقت معاه على تأييد الديمقراطية. 

ضحكت زوجتي وقالت: 

جمال مبارك يؤيد الديمقراطية مرة واحدة؟ طيب.. اصحى وافتح بقك. 
فتحت فمي وتناولت ملعقة كبيرة من عسل النحل. 

الديمقراطية هي الحل. 


رين 


في مديح العدالة 


هذه مقارنة تستحق التأمل: 

الضباط الذين يتورطون في تعذيب المعتقلين يعيشون فى خوف دائم» يستعمل 
بعضهم أسماء مستعارة ويتنقل بعضهم بين أكثر من مسكن وفي كل الأحوال يحيطون 
أنفسهم بحراسة مكثفة لأنهم يدركون أنه في أية لحظة قد يبرز أحد ضحاياهم لينتقم 
لشرفه وكرامته.. بالمقابل» فإن القاضي في محكمة الجنايات كثيرا ما يحكم بإعدام 
أحد المتهمين ثم ينصرف بعد ذلك إلى بيته آمنا بغير حراسة.. بل إن أهل المتهم 
المحكوم عليه بالإعدام يستقبلون الحكم بالصراخ والعويل لكن فجيعتهم في قريبهم 
الذي سيموت لا تتحول أبدا إلى غضب على القاضي الذي حكم بموته.. السؤال هنا: 
لماذا يخاف الضابط الذي مارس التعذيب من انتقام الضحايا بينما القاضى الذي حكم 
بالإعدام لا يتطرق إلى ذهنه أبدا أن أهل المتهم سينتقمون منه؟ الإجابة: أن العدل الذي 
يحققه القاضي هو الذي يوفر له الحماية أفضل من فرقة كاملة من الحراس. 

لا يقتصر تأثير العدل على القضاة والمتقاضين وإنما يمتد إلى الناس جميعا.. 
الإحساس بالعدالة هو الذي يطلق طاقات الإنسان ويحثه على الاجتهاد ويجعله يحلم 
بالمستقبل وهو واثق من تحقيق هدفه. العدل معناه وجود مجموعة من القيم الإنسانية 
المتفق عليها تنعكس كلها في قانون يتساوى أمامه الناس جميعا.. هذا المفهوم لم يعد 
موجودا في مصر. لا توجد قاعدة واحدة في مصر تسري فعلا على الجميع.. بدءا من 
مخالفات المرور وحتى قروض البنوك وبيع أراضي الدولة وشركاتها وأملاكها. 

5١ 


من أنت ومن أبوك وما حجم ثروتك وما قوة علاقتك بالنظام الحاكم؟ كلها عوامل 
حاسمة في تحديد القاعدة التي ستحاسب على أساسها. كل شيء في مصر أصبح 
وفقا للظروف وكل حالة لها قواعدها الخاصة.. الأسباب لم تعد بالضرورة تؤدي 
إلى النتائج. الاجتهاد لا يؤدي بالضرورة إلى النجاح والخطأ لا يؤدي بالضرورة إلى 
العقاب» ملايين الفقراء يدفعون ضرائب عن مرتباتهم الهزيلة بينما أبناء الأكابر يصنعون 
الثروات الضخمة ولا يجرؤ أحد حتى على سؤالهم من أين لكم هذا الثراء؟! 

الأجهزة الرقابية في مصر إذا ضبطت موظفا صغيرا منحرفا تسارع بتقديمه للمحاكمة. 
أما إذا كان المنحرف وزيرا فإن الأجهزة الرقابية تكتفي بأن تقدم تقريرا بانحرافه إلى 
رئيس الدولة الذي يفعل عندئذ ما يشاءء إذا أراد حاسبه وإذا أراد وضع تقرير انحرافه 
في الدرج. 

إذا أساء ضابط شرطة معاملة ابن أحد الكبراء تتم محاسيته فورا. أما وقائع تعذيب 
الفقراء حتى الموت في أقسام الشرطة فإن النظام لا يتوقف كثيرا عندها ويعتبرها بعض 
التجاوزات.. السائح الغربي أثناء زيارته إلى مصر إذا تعرض إلى خدشء تحتشد أجهزة 
الدولة جميعا للقبض على المجرم الذي خدشه. أما أن يعذب رجال الشرطة شابا بريئا 
مثل خالد سعيد في الإسكندرية حتى يتهشم رأسه ويموت. فإن أجهزة الدولة ‏ على 
العكس - تتكاتف لحماية القتلة وتشويه سمعة الشهيد.. الذين عاشوا في مصر خلال 
الستينيات لاا شك يذكرون ظاهرة فريدة من نوعها: مئات من الطلاب في الثانوية 
والجامعة كانوا يستذكرون دروسهم في الشارع تحت المصابيح العامة.. كان هؤلاء 
فقراء إلى درجة لا تسمح لهم بالاستذكار في بيوتهم لكنهم كانوا يجتهدون وهم واثقون 
من أن تحقيقهم للنجاح مسألة وقت لأن تقدمهم في الحياة مرهون باجتهادهم.. هذه 
الفرص المتكافئة في التعليم والترقي انتهت تماما. 

أبناء الأغنياء يلتحقون بالشهادات الأجنبية التي توفر لهم فرص الالتحاق بأفضل 
الجامعات وهم أنفسهم الذين سوف يحظون بأفضل الوظائف عن طريق الوساطة:؛ أما 
ملايين الطلبة الفقراء فليس أمامهم إلا شهادة الثانوية العامة التي تتعمد الدولة وضع 
يفرضسن 





امتحاناتها بطريقة صعبة للغاية بغرض تعجيز الفقراء عن الالتحاق بالجامعات.. إذا 
مرض المصري وكان غنيا فهو يحظى بأفضل رعاية طبية داخل بلاده أو خارجهاء أما 
ملايين المرضى الفقراء فإن الإهمال يقتلهم في مستشفيات الحكومة فلا يستوقف 
ذلك أحدا من المسئولين. 

أينما وليت وجهك في مصر ستجد ظلما فاحشاء ستجد من يأخذ شيئا لا يستحقه 
وآخرين محرومين من أبسط حقوقهم. أينما نظرت ستجد محسوبية ووساطة 
واستثناءات.. الاستثناء صار هو القاعدة.. في كليات الطب اعتاد كثير من الأساتذة 
تمييز أبنائهم عن بقية الطلاب حتى صاروا يعتبرون تعيينهم كمعيدين (بغض النظر عن 
مستواهم العلمي) حقا أصيلا لهم. 

عندما ثار الجدل حول قواعد تعيين خريجي كليات الحقوق في النيابة العامة صرح 
أحد المسئولين قائلا: (إن خريج الحقوق الحاصل على تقدير مقبول إذا كان قادما من 
بيئة قضائية فهو يساوي في الصلاحية الحاصلين على تقدير جيد جيدا من خارج البيئة 
القضائية».. هذا التصريح الغريبء الفريد من نوعه في تاريخ القضاءء يشير بوضوح 
إلى أن أبناء السادة المستشارين لهم أولوية في التعيين حتى لو كان تحصيلهم العلمي 
أضعف من سواهم. لم يفكر قائل هذا التصريح في أن البيئة القضائية يفترض أن تدفع 
صاحبها إلى التفوق وليس إلى الفشل ولم يفكر في أن هذا المنطق العجيب يقضي على 
مبدأ تكافؤ الفرص من أساسه ويؤسس للظلم فيمن ستكون وظيفتهم تحقيق العدل, 
والأخطر أنه يقضي على روح الاجتهاد فلماذا يتعب طالب الحقوق نفسه في التحصيل 
إذا كان يعلم أن زميله القادم من بيئة قضائية ستكون له الأولوية في التعيين؟ المعركة 
الدائرة الآن بين المحامين والقضاة في مصر لها دلالة مهمة.. فقد بدأ الأمر بمشادة بين 
رئيس نيابة طنطا وأحد المحامين.. (وبناء على رواية المحامي فقد اتهم السيد رئيس 
النيابة أنه استدعى الحرس واشترك بنفسه معهم في الاعتداء عليه بالضرب.. تجمهر 
المحامون اعتراضا على ضرب زميلهم وقام المحامي بالاعتداء على رئيس النيابة.. 
المدهش أن كل الإجراءات التي اتخذت بعد ذلك تجاهلت تماما اتهام المحامي للسيد 


نقرضنا 








إلى محاكمة كانت النيابة خلالها هي الخصم والحكم.. واختصت المحكمة نفسها 
بسرعة ناجزة لا تتوافر عادة لسائر المتقاضين فى مصر. 

فصدر الحكم خلال أيام بحبس المحاميين لمدة خمسة أعوام.. الذين يدافعون عن 
هذه المحاكمة يؤكدون أنها كانت ضرورية لحفظ هيبة القضاء. الحقيقة أن هيبة القضاء 
لا تتحقق أبدا إلا بالعدل. كما أن هيبة القضاء المصري تأثرت بشدة قبل ذلك أكثر من 
مرة فلم يغضب لها الغاضبون الآن. عندما يكون القضاة تابعين ماليا وإداريا بالكامل 
لوزير العدل الذي يعينه رئيس الجمهورية.. ألا يعد ذلك انتقاصا من استقلال القضاء 
وهيبته؟! عندما خاض آلاف القضاة العظام معركتهم النبيلة من أجل تحقيق استقلال 
القضاءء قام ضابط شرطة بضرب سيادة المستشار محمود حمزة وسحله على الأرض 
أمام نادي القضاة على مرأى من الناس جميعا. أين كانت هيبة القضاء آنذاك؟ 


وعندما رفض القضاة الشرفاء التغاضي عن تزوير الانتخابات أثناء إشرافهم عليهاء 
تعرض كثيرون منهم لاعتداءات من ضباط الشرطة. أين كان الغاضبون لهيبة القضاء 
آنذاك ولماذا لم تجر محاكمات سريعة للضباط المعتدين على القضاة أسوة بما حدث 
مع المحامين؟! 


كل هذه مجرد أمثلة على أن القواعد في مصر مطاطة تتسع وتضيق وفقا للظروف 
والأحوال.. إن غياب العدالة السبب الأصلي لتدهور كل شيء في مصر.. ليس 
المصريون شعبا مترفا مدللا بل إنهم خلال تاريخهم الطويل أثبتوا دائما قدرة فائقة 
على تحمل الصعاب والأزمات. 

لم تهزم مصر قط في تاريخها إلا وأعقبت هزيمتها بانتصار. عندما نشبت حرب 
١437‏ كنت تلميذا في المرحلة الثانوية وذهبت مع زملائي نجمع التبرعات من أجل 
المجهود الحربي. لن أنسى ما حييت كيف كان الناس يتدافعون لإعطائنا المال ولا 
كيف خلعت نساء كثيرات حليهن الذهبية وأعطيننا إياها عن طيب خاطر.. مشكلة 
مصر ليست في الفقر ولا قلة الموارد ولا كثرة السكان.. مشكلتها تنلخص في كلمتين: 
غياب العدالة. 


7 





حتمال. لن _- « 0 1 
١ 0 ْ ّْ ْ'‏ حساأ بالعدالَة ولايمكن 
إن ' 3" 
ْ لانتماء وطاقتهم 
حساسهم بأ 
ظ ْ ١‏ 2 لاستبداد. 


قراطية هى الحل. 
الديمقراطية هي 


مام 


خواطر عن صحة السيد الرئيس 


في الثمانينيات كنت أدرس في الولايات المتحدة للحصول على درجة الماجستير 
في طب الأسنان» وأتدرب في الوقت نفسه بوصفي طبيبًا في مستشفى جامعة إلينوي 
بمدينة شيكاغو.. كان المرضى الذين يترددون على المستشفى أمريكيين فقراء» معظمهم 
من السود والملونين. كان لكل مريض ملف طبي دقيق» يحمل تاريخه الطبي» وحالته 
الصحية» ونتائج التحاليل التي قام بها. وكان أول ما نتعلمه بوصفنا أطباء» أن الملف 
الطبي له حصانة» فلا يجوز لأي شخص الاطلاع عليه من دون إذن صاحبه. 

إذ تعتبر الحالة الصحية لأي شخص من أسراره الشخصية التي يحميها القانون 
في الولايات المتحدة. ثم حدث في تلك الفترة أن تعرض رئيس الولايات المتحدة 
رونالد ريجان (آنذاك) لأزمة صحية مفاجئة» نقل على إثرها إلى المستشفى؛ حيث 
خضع لجراحة سريعة لاستئصال ورم صغير في الأمعاء. منذ اليوم الأول تم الإعلان 
رسميا عن كل تفاصيل المرضء ونوع الجراحة التي خضع لها الرئيس» وآثارها الجانبية 
المحتملة. 

بل إن التلفزيون الأمريكي استضاف مجموعة أطباء وسألهم جميعا عن تأثير الأدوية 
التي يتناولها الرئيس (ريجان) على تركيزه الذهني وحالته النفسية. الغريب أن الأطباء 
أكدوا أن هذه الأدوية ستجعله غير صالح لاتخاذ القرارات لمدة ثلاثة أسابيع» يعود 
بعدها الرئيس إلى حالته الطبيعية. الحق أنني وجدت في ذلك مفارقة كبرى.. المواطن 
الأمريكي الفقير البسيط الذي يتردد على مستشفى الجامعة لا يجوز لمخلوق الاطلاع 
على حالته الصحية إلا بإذن منه» وفي الوقت نفسه عندما يمرض رئيس الدولة يصبح 


75 





من حق الشعب الأمريكي أن يعرف كل شيء عن مرضه. والأدوية التي يتناولها.. 
الفكرة هنا من المبادىء الأساسية للنظام الديمقراطي. 

المواطن العادي لا يتولى منصبا عاماء وبالتالى فإن صحته أو مرضه شأن لاا يخص 
أحدا سواه. وحياته الخاصة لها حصانة قانونية» أما رئيس الدولة فهو موظف عام انتخبه 
المواطنون لأداء مهمة معينة لفترة محددة» وهم يستطيعون في أي وقت أن يسحبوا ثقتهم 
ما إن يتولى منصبه حتى يفقد خصوصيته» وتصبح حياته كلها مكشوفة أمام الناس. 

من حق الرأي العام أن يعرف أدق تفاصيل حياته» بدءا من مصدر ثروته وحجمها 
وعلاقاته العاطفية وحتى حالته الصحية والأمراض التى يعانى منها؛ لأن القرارات التى 
يتخذها الرئيس تؤثر فى مصير ملايين البشر وأي خلل في تفكيره أو اضطراب في حالته 
النفسية» قد يؤدي إلى كارثة يدفع ثمنها الوطن والمواطنون جميعا. 

..تذكرت كل ذلك وأنا أتابع الضجة المثارة الآن في مصر حول صحة الرئيس 
مبارك.. فقد نشرت صحف عالمية عديدة تقارير زعمت فيها أن حالة الرئيس مبارك 
الصحية متدهورة» ومن أجل الرد على هذه التقارير» ظهر الرئيس مبارك في أكثر من 
مناسية عامة» وشنت الحكومة المصرية حملة مضادة نفى المسئولون خلالها تماما أن 
يكون الرئيس مريضاء وأعلنوا أن صحته فى أحسن أحوالهاء بل أكدوا أن الموظفين 
غالبا عن مجاراته في تحركاته الكثيرة نتيجة لنشاطه الزائد وحيويته الفائقة. على أن 
تقارير الصحافة الغربية عن مرض الرئيس مبارك لم تتوقف. بل زادت» عندئذ صدرت 
التعليمات لرؤساء تحرير الصحف الحكومية فبدأوا حملة صحفية شاملة أكدوا فيها 
أن حالة الرئيس الصحية ممتازة» وأدانوا بشدة تقارير الصحافة الغربية واعتبروها 
دليلا قاطعا على مؤامرة صهيونية استعمارية كبرى خبيثة» هدفها تشكيك المصريين 

نحن نتمنى طبعا للرئيس مبارك الصحة الجيدة وطول العمر (كما نتمنى ذلك لأي 
إنسان). لكن السؤال هنا: بدلا من هذه الحملاات الصحفية واتهام الصحف العالمية 


نخسا 





بالمؤامرة.. لماذا لم تلجأ الحكومة المصرية إلى وسائل موضوعية للإعلان عن حالة 
الرئيس مبارك الصحية بطريقة مقنعة؟! الفرق بين ما حدث في مرض الرئيس الأمريكي 
وما حدث في مرض الرئيس المصري هو ذاته الفرق بين النظام الديمقراطي وحكم 
الاستبداد.. في النظام الديمقراطي يعتبر رئيس الدولة شخصا عاديا من الوارد جدا أن 
يصيبه المرض مثل بقية خلق الله فلا يعيبه ذلك ولا ينقص من قدره إطلاقا. 

أما رئيس الدولة في أنظمة الاستبداد. فلا يقدم إلى الناس باعتباره إنسانا عاديا 
ولكن باعتباره زعيما ملهما وقائتدا فذا لا مثيل لحكمته وشجاعته» بل أسطورة نادرا 
ما تتكرر في تاريخ الوطن.. من هنا فإن المرض بكل ما يستدعيه في الذهن من ألم 
وتوجع وضعف إنساني لا يتفق مع صورة الرئيس الأسطورية التي تجعله فوق البشر 
العاديين.. مرض الرئيس في نظام ديمقراطي قد يثير القلق على مستقبل الرئيس وليس 
على مستقبل الوطن.. إذا تقاعد الرئيس فإن النظام الديمقراطي يتيح للمواطنين اختيار 
من يخلفه بسهولة وبساطة. أما في نظام الاستبداد فإن مستقبل الوطن والمواطنين في يد 
الرئيس وحده. وبالتالي فإن مرضه يشكل خطرا حقيقيا على تماسك الوطن وسلامته. 
لأن الرئيس الفرد إذا أبعده المرض عن الحكم فإن البلاد كلها تبدأ رحلة مع المجهول 
لا يعرف أحد مداها ولا نتيجتها.. فرق آخر مهم الرئيس الديمقراطي يحس دائما بأنه 
مدين بمنصبه للشعب الذي اختاره عن طريق الانتخاب الحرء وبالتاليى من حق الذين أتوا 
به إلى منصبه أن يعرفوا حالته الصحية ليتأكدوا من قدرته على أداء مهامه بكفاءة. 


أما الرئيس في مصر فيتولى الحكم عن طريق استفتاءات وانتخابات صورية وهو 
يحافظ على السلطة بالقوة» وبالتالي لا يحس بأنه مدين للشعب بمنصبه بل على العكس. 
كثيرا ما يؤكد الكتبة والمسئولون المنافقون أن الرئيس هو صاحب الفضل الأكبر على 
المصريين؛ لأنه يضحي براحته من أجلهم, وبالتالي فإن المصريين مطالبون ببذل كل 
الجهد ليثبتوا أنهم جديرون برئيسهم العظيم. في ظل هذا الوضع المقلوب لا يحق 
للمصريين أن يعرفوا عن الرئيس إلا ما يريد هو أن يكشف عنه. وبالطريقة التي يراها 
سيادته ملائمة للشعب. يكفي أن يؤكد لنا الرئيس أنه بخير حتى نحمد الله ونسكت. 
ولا كلمة واحدة بعد ذلك. الإلحاح في السؤال عن صحة الرئيس يعتبره المسئولون 
78 





سلوكا منفلتا ينم عن وقاحة وقلة تربية» وقد يكشف عن خيانة وعمالة لجهات أجنبية 
معادبية. 


منذ عامين» في ظروف مشابهة كتب الصحفي الكبير إبراهيم عيسى عدة مقاللات 

تساءل فيها عن صحة الشائعات التي تزعم أن الرئيس مريضء تم اعتبار هذه المقاللات 
, ' 

جريمة في حق الوطن؛ ومثل إبرهيم عيسى أمام المحكمة التي حكمت عليه بالحبس: 
ولم ينقذه من هذا المصير إلا صدور العفو الرئاسي عنه.. كانت الرسالة واضحة: إياك 
أن تتحدث أكثر مما يجب عن مرض الرئيس؛ لأن الرئيس قد يغضبء وإذا عضب 
الرئيس عليك فإن مصيرا أسود ينتظرك. لن ينقذك من غضب الرئيس إلا عفو الرئيس. 
لأن إرادة الرئيس في مصر فوق القانون» بل إنها في الواقع هي القانون. 

إن تعامل النظام مع ما نشرته الصحافة العالمية عن صحة الرئيس مبارك» يكشف 
عن أزمة حقيقية في مفهوم الحكم في مصر.. إذ يثبت النظام مرة أخرى أنه لا يعتبر 
المصريين مواطنين بل رعاياء لم يحق لهم يوما اختيار من يحكمهم بإرادتهم الحرة» 
وبالتالي لا يحق لهم أبدا أن يعرفوا إذا كان الرئيس مريضا ولا أن يعرفوا إذا كان ينوي 
الاستمرار في منصبه أم التقاعد» ولا حتى ماذا سيحدث إذا ترك الرئيس منصبه لأي 
سبب.. الشعب المصري في نظر نظام الاستبداد أقل من أن يختار وأقل من أن يسأل 
وأقل من أن يعرف.. هذا التشوه في مفهوم السلطة لا يرجع إلى طبيعة الحاكم بقدر ما 
يعود إلى طبيعة نظام الحكم. إن طريقة تولي الحكم تفرض على الحاكم رؤيته وسلوكه 
أثناء ممارسته للسلطة. عندما ينتزع المصريون حقهم الطبيعي في اختيار من يحكمهم. 
عندئذ فقطء سيتحول الحاكم من أسطورة لا تتكرر إلى مجرد موظف عام في خدمة 
الشعب» وسيكون من حق المصريين أن يعرفوا حالته الصحية بدقة ووضوح.. يومئذ 
سوف تنهض مصر ويبداً المستقبل. 

الديمقراطية هي الحل. 


رضن 








هل يُعتبر الظلم من مبطلات الصيام؟ 


منذ سنوات كنت أركب المترو يوميا من السيدة زينبء أمام المحطة كان هناك بائعون 
افترشوا الأرض ليعرضوا بضاعتهم المتنوعة. بينهم كان رجل هادئ ومهذب جاوز 
الستين يرتدي دائما جلبابا وجاكيت قديما ويفرش بضاعته أمامه على الأرض: 

أقفال ومفكات ومفارش من البلاستيك وأكواب وغير ذلك من الأشياء البسيطة. 
ذات صباح» في رمضانء رأيت حملة من شرطة المرافق تنقضٌ على البائعين» معظم 
الباعة حملوا بضاعتهم وركضوا بأقصى سرعة فنجوا لكن البائع العجوز لم يتمكن 
من الهرب» صادر المخبرون بضاعته ولما راح يصيح ويستغيث انهال عليه الضابط 
بشتائم قبيحة مقذعة؛ ولما استمر في الصياح ضربه المخبرون ضربا مبرحا وقبضوا 
عليه واصطحبوه معهم. العجيب أن المخبرين الذين ضربوه كانت وجوههم شاحبة 


من أثر الصيام. 
فكرت في أن هؤلاء الذين ظلموا البائع العجوز لا يتطرق إليهم الشك أبدا في أن 
صيامهم صحيح من الناحية الشرعية. 


وجدتنى أتساءل: كيف نصوم رمضان ونؤذي الناس؟! ألا يعتبر ظلم الناس من 
مبطلات الصيام؟! عدت إلى كتب الفقه فوجدت مبطلات الصيام سبعة أشياء : 

أولا: الأكل والشرب. ثانيًا: ما كان مثل الأكل والشرب. ثالثًا: الجماعء رابعًا: 
الاستمناءع» خامسًا: القيء عمذاء» سادسًا: نزول الدم من الحجامة. سابعا: نزول دم 
الحيض أو النفاس من المرأة.. مبطلات الصيام إذن كلها تخص الجسد. مع أن الرسول 
كيه قال: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه».. 
5 








مثل الكذب والظلم والنميمة» لكن جمهور الفقهاء حصروا مبطلات الصيام في الأشياء 
الحسية» أما السلوك المنحرف فهو في رأيهم يضيع ثواب الصيام لكنه لا يبطله.. بالتالي 
فإن الصائم إذا تقيأعمدا أفطر في الحال أما إذا كذب ونافق وظلم الناس وأكل حقوقهم 
فإن ذلك لا يبطل صيامه. 

بهذا المفهوم الغريب للصيام» نجد أنفسنا وجها لوجه أمام القراءة المغلوطة للدين. 
لقد تحولت العبادات فى أحيان كثيرة إلى هدف فى حد ذاتها بدلا من أن تكون وسيلة 
للترقي وتطهير النفس. 

صارت للتدين خطوات ثابتة محددة كأننا بصدد إعلان شركة تجارية أو إصدار 
جواز سفر. تحول الإسلام عند كثيرين إلى مجموعة من الإجراءات على المسلم أن 
يستوفيها بحذافيرها بغير أن يؤثر ذلك بالضرورة في سلوكه في الحياة. هذا الانفصال 
بين العقيدة والسلوك صاحب عصور الانحطاط في العالم الإسلامي, بل هو في الحقيقة 
السبب الأول فى الانحطاط. 

إذا أردت أن تتأكد بنفسك يا عزيزي القارئ_ما عليك إلا أن تتوجه إلى أقرب قسم 
للشرطة فستجد المواطنين يضربون ويهانون والذين يفعلون بهم ذلك كلهم صائمون 
لايتطرق إليهم أدنى شك في صحة صيامهم. 

في مصر عشرات الألوف من المعتقلين الإسلاميين الذين قضوا وراء القضبان 
سنوات طويلة بلا محاكمة» بل إن كثيرين منهم حصلوا على أحكام عديدة بالإفراج 
ظلت حبرا على ورق ولم تنفذ قط. المسئولون عن تدمير حياة هؤلاء البؤساء وأسرهم. 
مسلمون نادرا ما تغيب عن وجوههم علامة الصلاة ولا يحسون أبدا بأن ما يفعلونه 
ينتقص من دينهم. الأعجب من ذلك ما يحدث في المقار الأمنية والمعسكرات التي 
يتم فيها تعذيب المقبوض عليهم ببشاعة لانتزاع الاعترافات المطلوبة منهم. 

في هذه السلخانات البشرية التي تنتمي إلى ظلام العصور الوسطىء. توجد دائما 
زاوية يؤدي فيها الجلادون الصلاة في مواقيتها.. هل يوجد من هو أحرص على شعائر 

5١ 








الدين من قادة الحزب الوطني الذين نهبوا الشعب المصري وزوروا إرادته وأفقروه 
وأذلوه؟! 

هذا الفهم الخاطئ للدين هو الذي حول شهر رمضان من مناسبة إلهية لتقويم 
سلوك الإنسان إلى حفلة زار كبيرة ندخلها جميعا فنصخب ونصيح ونصلي ونصوم 
ولا ينعكس ذلك غالبا على تعاملنا مع الناس.. عندما أرى آلاف المسلمين يزحفون 
كل ليلة لأداء صلاة التراويح أحس بمزيج من البهجة والحزن. أبتهج لآن المسلمين 
متمسكون بدينهم فلا شيء يثنيهم عن أداء فرائضه. وأحس بالحزن لأن هذه الألوف 
المؤلفة من الناس قد فاتتهم رسالة الإسلام الحقيقية: «إن غاية الجهاد كلمة حق عند 
سلطان جائر». كثير من المسلمين لا يرون في الإسلام إلا الحجاب والنقاب والصلاة 
والعمرة والحج. 

هؤلاء يثورون بشدة احتجاجا على مشهد تظهر فيه ممثلة عارية ويقودون حملاات 
عنيفة لمنع مسابقات ملكة الجمالء لكنهم أمام الاستبداد والقمع لا ينطقون بكلمة 
واحدة. بل إنهم مذعنون مستسلمون لظلم الحاكم لا يفكرون أبدا في الثورة عليه. 

هؤلاء المسلمون؛ في فهمهم القاصر للدين» ضحايا لنوعين من المشايخ. مشايخ 
الحكومة ومشايخ الوهابية. أما مشايخ الحكومة فهم موظفون عندها يتقاضون رواتبهم 
وحوافزهم منهاء وبالتالي يمستخلصون من الدين كل ما يؤيد رغبات الحاكم مهما تكن 
فاسدة أو ظالمة» أما مشايخ الوهابية فهم يؤكدون أن الخروج على الحاكم المسلم 
حرام حتى لو كان فاسداء بل إن طاعته واجبة حتى لو سرق مال المسلمين وجلد 
ظهورهم ظلما. 

الوهابيون يشغلون العقل المسلم بكل ما هو ثانوي في الدين. في مصر عشرات القنوات 
التلفزيونية الوهابية» الممولة بأموال النفط» يظهر فيها يوميا مشايخ يتقاضون سنويا ملايين 
الجنيهات مقابل إلقاء المواعظ على المصريين الذين يعيش نصفهم في الفقر المدقع. 
يظهر الشيخ من هؤ لاء على الشاشة وبجواره إعلانات عن غسالات وثلاجات وكريمات 
لإزالة البقع الجلدية ومستحضرات لإزالة الشعر نهائيا من جسد المرأة. 

وهم يعظون المسلمين في كل شيء إلا فيما يحتاجون إليه حقا. لن تجد شيخا واحدا 
5 








المصريين من أن يتم توريثهم من الحاكم إلى ابنه كأنهم مجموعة من البهائم. بعض 
هؤلاء المشايخ لم يتحرجوا من إعلان تعاونهم الكامل مع أجهزة الأمن. وبعضهم 
أفتى بأن التظاهر والإضراب حرام على المسلمين. 

أي أنهم لم يكتفوا بالسكوت عن الحق بل أعانوا الحاكم على الظلم عندما منعوا 
الناس من المطالبة بحقوقهم المضيعة. هذا التدين الشكليء السبب الأصيل في تخلفناء 
وصفه منذ مائة عام المصلح العظيم الإمام محمد عبده )١115065-١48594(‏ في أعماله 
الكاملة (الصادرة عن دار الشروق). 

فكتب يقول: 


«(المسلمون ضيعوا دينهم» واشتغلوا بالألفاظ وخدمتها. وتركوا كل ما فيه من 
المحاسن والفضائل. ولم يبق عنهم شيء, هذه الصلاة التي يصلونها لا ينظر الله إليها 
ولايقبل منها ركعة واحدة؛ حركات وألفاظ لا يعقلون لها معنى» لا يخطر ببال أحد 
منهم أنه يخاطب الله تعالى ويناجيه بكلامه ويسبح بحمده ويعترف بربوبيته ويطلب 
منه الهداية والمعونة دون غيره. 

من العجيب أن فقهاء المذاهب الأربعة (وربما غيرهم أيضا) قالوا إن الصلاة بلا 
حضور ولا خشوعء يحصل بها أداء الفرض» ما هذا الكلام.. إنه باطل. 

هذه الكلمات على الرغم من قسوتها تؤكد من جديد الحقيقة الغائبة: 

إن جوهر الإسلام الدعوة إلى الحق والعدل والحرية» وكل ما عدا ذلك أقل أهمية. 
إن الشعور الديني الجياش في مصر حقيقي وصادق لكنه نادرا ما يتخذ مساره الصحيح.. 
القضية الرئيسة في بلادنا واضحة كالشمس: حالة مروعة من الفساد والقمع والظلم 
استمرت ثلاثين عاما حتى دفعت بمصريين كثيرين إلى الانتحار أو الجريمة أو الهروب 
من الوطن بأي ثمن. 

بعد أن ظل الرئيس في الحكم ثلاثين عاما بغير انتخابات حقيقية واحدة» فإن 

77 





المسرح يعد الآن لكي يرث ابنه الحكم من بعده. كأن مصر الكبيرة العظيمة قد تحولت 
إلى مزرعة دواجن يكتبها الأب باسم أولاده. أليس في هذا قمة الظلم؟! عندما نقتنع 
أن الظلم من مبطلات الصيام وندرك أن انتزاع حقوقنا المغتصبة أهم من ألف ركعة 


نؤديها في صلاة التراويح. . عندئذ فقط نكون قد توصلنا إلى الفهم الصحيح للإسلام.. 
الإسلام الحقيقي هو الديمقراطية. 
الديمقراطية هى الحل. 


5 





ملا حظات على مشروع جمال ميارك 


منذ أسبوع واحدء لو كان أحد الصحفيين قد سأل الوزير فاروق حسني عن حالة 
المتاحف في مصر لكان سيادته قد أكد أن إجراءات صيانة متاحفنا وتأمينها لا تقل 
عن مثيلاتها في المتاحف العالمية. ولو كان الرئيس مبارك قد قام بزيارة لمتحف 
محمود خليلء لكان وزير الثقافة» كعادته» ارتدى أبهى حلله ووقف يستقبل الرئيس 
أمام الكاميرات ليؤكد له أن كل شيء على ما يرام. 

لكن ما حدثء أن واحدة من أهم اللوحات في تاريخ الفن قد تمت سرقتها من 
متحف محمود خليل في وضح النهار» وسرعان ما كشفت التحقيقات أن تأمين المتحف 
كان منعدما؛ لأن معظم كاميرات المراقبة لا تعمل من سنوات» كما أن المتحف نفسه 
لم تجر فيه أي صيانة منذ عام ١41465‏ . إن اللوحة المسروقة من التراث الإنساني الذي 
يصعب تثمينه بأي مبلغ من المال. إن ما حدث كارثة حقيقية وخسارة كبرى لمصرء 
كما أنه فضيحة مدوية كانت كفيلة بإقالة وزارة بأكملها لو كنا في بلد ديمقراطيء لكننا 
في مصرء وبالتالي لن تؤثر هذه الفضيحة على مركز فاروق حسنيء ولن تزحزحه أبدا 
من منصبه؛ لأنه يتمتع بثقة الرئيس التي تحميه مهما ارتكب من أخطاء أو تسبب في 
كوارث. 

ما حدث مع فاروق حسني يتكرر مع معظم الوزراء في مصر؛ فقد ظل وزير الكهرباء 
حسن يونس يؤكد أن شبكات الكهرباء في أحسن أحوالهاء بل إنه قبيل شهر رمضان 
أطلق تصريحا فريدا من نوعه قال فيه: 

>” 





االن تنقطع الكهرباء أبدا عن الصائمين»» وبعيدا عن الطابع «الجهادي» لهذا التصريح 
الذي يحصر خدمة الكهرباء في نطاق المسلمين الصائمين (وماذا عن المواطنين الأقباط 
أو المسلمين الذين يفطرون بأعذار شرعية؟!) فقد تبين أن كلام الوزير غير صحيح؛ إذ 
ما إن بدأ شهر الصيام حتى سبحت مصر في الظلام» وأخذت الكهرباء تنقطع لساعات 
طويلة عن أحياء وقرى بأكملها. ولما سأل الرئيس مبارك وزير الكهرباء عن السر في 
انقطاع التيار» ألقى بلومه على المصريين؛ لأنهم يسرفون في استعمال أجهزة التكييف؛ 
وكأن هؤلاء المواطنين لم يشتروا أجهزة التكييف من حر أموالهم, أو كأنهم لا يدفعون 
ثمن الكهرباء التي يستعملونها. بعد قليل اكتشفنا أن أعطال الكهرباء تعود أساسا إلى 
تصدير الغاز إلى إسرائيل؛؟ الأمر الذي أدى إلى نقص الغاز الذي يغذي محطات توليد 
الكهرباء. هذا الفشل الذريع لوزير الكهرباء كان كفيلا بإقصائه عن منصبه فورا لو كنا 
في بلد ديمقراطيء لكننا في مصر؛ حيث لا يعتبر الفشل سببا حاسما في إقالة الوزراء. 
السؤال هنا: لماذا يبدو المسئولون المصريون على هذه الدرجة من الفشل والتخبط 
والاستهانة بحقوق المصريين؟! 

المشكلة لا تكمن في شخصيات الوزراء» وإنما تعود بالأساس إلى طريقة توليهم 
لمناصبهم. في البلاد الديمقراطية يحصل الوزير على منصبه بعد أن يفوز في انتخابات 
حقيقية» وبالتالي يكون همه دائما إرضاء الناخبين الذين أتوا به إلى منصبه» والذين 
يستطيعون إقالته إذا أرادواء أما في بلادنا المنكوبة بالاستبداد. فإن الرئيس يعين الوزير 
ويقيله لأسباب لا نعرفها أبداء وبالتالي ينحصر هم الوزير المصري في الاحتفاظ 
برضا الرئيسء» وهو لا يهتم أبدا بالرأي العام؛ لأنه يعلم أن أحدا في البلد لا يستطيع 
أن يحاسبه ما دام الرئيس راضيا عنه.. المشكلة في مصر ليست في الأشخاصء وإنما 
في طبيعة النظام السياسي الذي يقدم الولاء على الكفاءة» والذي يضع السلطات كلها 
في يد الرئيس» ويعطل مبدأ تكافؤ الفرصء ويقضي على الانتتخاب الطبيعي» فيستبعد 
أصحاب الكفاءات والمواهبء ويمنح المناصب غالبا لكتبة التقارير الأمنية والمبايعات 
والطبالين والزمارين. إن حالة الانهيار الرهيبة التي تشهدها مصر في كل المجالاات 
تؤكد حاجتنا الفورية إلى الإصلاح الديمقراطيء الغريب أنه في الوقت الذي ترتفع فيه 
أصواتنا لتطالب بحق المصريين في اختيار من يحكمهم, تجري المحاو لات على قدم 
5 





وساق حتى يرث السيد جمال مبارك حكم مصر عن والده. هنا يصبح من الضروري 
أن نناقش مشروع جمال مبارك حتى نفهم مغزاه وهدفه: 

أولا: يقول أنصار السيد جمال إنه مواطن مصري له حقوق سياسية مثل سائر 
المصريين» وبالتالي من حقه أن يترشح لرئاسة الجمهورية. الحق أن هذا منطق مضلل. 
فنحن جميعا نعرف أن الانتخابات في مصر كلها مزورة» بل إن تزوير الانتخابات أصبح 
مهمة رسمية تشترك فيها عدة وزارات بكفاءة. كما أن مصر محكومة بقانون الطوارئ 
الذي يطلق يد وزارة الداخلية فى اعتقال المعارضين والناخبين جميعاء وإذا أضفنا 
إلى ذلك التعديلات الدستورية التي فصلت شروط الترشح للرئاسة على مقاس جمال 
مبارك» واستبعاد القضاة من الإشراف على الانتخابات» وحقيقة أن القضاء المصري 
ليس مستقلا؛ حيث يخضع القضاة إداريا لسلطة وزير العدل الذي يعينه رئيس الدولة.. 
فى مثل هذه الأجواء القمعية. لا يمكن أن نتحدث عن جمال مبارك باعتباره مجرد 
مرشح للرئاسة؛ لأن ترشيحه سيؤدي قطعا إلى حصوله على منصب الرئاسة. ولا يمكن 
أن نصدق أن ماكينة التزوير الجبارة التى تعمل دائما من أجل مرشحي الحزب الحاكم 
سوف تتردد فى تزوير الانتخابات عندما يتعلق الأمر بنجل السيد الرئيس. 

ثانيًا: يؤكد أنصار السيد جمال مبارك أنه يتمتع بصفات حميدة عديدة: فهو قد تلقى 
تعليما جيداء بالإضافة إلى إتقانه للغة الإنجليزية. وخبرته الكبيرة ففى مجال الاقتصاد. 
ويؤكدون أن توليه الحكم سوف يمثل خطوة نحو الديمقراطية؛ لأنه سيكون أول رئيس 
مدنى لمصر منذ ثورة ..١407‏ وهذا المنطق أيضا مغلوط تماماء فما قيمة أن يكون 
الرئيس مدنيا في نظام عسكري ودولة بوليسية؟! في مصر عشرات الألوف من الشباب 
الذين تلقوا تعليما جيداء ويتقنون أكثر من لغة أجنبية» ولديهم خبرة عظيمة في الاقتصاد. 
لكن ذلك لا يعني أبدا أنهم يصلحون لرئاسة الجمهورية. كما أننا هنا لا نناقش شخصية 
جمال مبارك أو مهاراته أو نواياه» وإنما نعترض على مبدأ التوريث نفسه. عندما يتم 
الإصلاح الديمقراطي كاملاء وفي ظل انتخابات نظيفة وحقيقية» عندئذ فقط سيكون 
من حق جمال مبارك أن يتنافس مع آخرين على منصب الرئاسة. 

لا 








ثالعًا: بالرغم من الجهود المضنية والمبالغ الطائلة التي أنفقها أنصار جمال مبارك 
على مدى أعوام» فقد فشلوا تماما في إقناع المصريين بمشروع التوريث. والدليل على 
ذلك. الحملات الهزيلة الهزلية التي تجرى الآن لدعم جمال مبارك» والتى تعكس 
بوضوح طبيعة أنصار التوريث الذين ينقسمون إلى نوعين من الناس: مسئولون في 
الحزب والحكومة يريدون أن يحجزوا مقاعدهم منذ الآن في عربة الحكم الجديد. 
وحيتان المال والأعمال الذين يدركون جيدا أن الإصلاح الديمقراطي سيؤدي إلى 
محاسبتهم.ء وبالتالي فهم يقاتلون من أجل استمرار نظام الرئيس مبارك في شخص 
ولده. 

إن مشروع جمال مبارك يحمل في جوهره معنى واحدا: توريث مصر كأنها مزرعة 
أو عقار»ء هذا المعنى» بالاضافة إلى ما يحمله من إهانة بالغة للشعب المصريء يسير 
في عكس اتجاه المستقبل» ويقضي على كل أمل للمصريين في العدل والحرية» ويغلق 
الباب أمام أي إصلاح ديمقراطي لسنوات مقبلة.. إن اللحظة التي تمر بها مصر الآن 
فارقة: لا تترك فرصة لموقف متوسط أو متذبذب. لم يعد ممكنا لأي مصري أن يمسك 
بمنتصف العصا أو يسعى لإرضاء الأطراف جميعا. إنها لحظة الحقيقة والاختيار. إما 
أن ننتزع حقوقنا بوصفنا مواطنين محترمين» وإما أن نقبل معاملتنا كعبيد يرثنا الابن 
والصواب إلى واجب وطني بمثابة فرض عين على كل مصري يحب أن يرى بلاده دولة 
كبرى عصرية ومتطورة» يتساوى فيها الناس جميعا في الحقوق والواجبات. 

وبالمقابلء فإن تأييد التوريث ليس مجرد موقف شخصى أو سياسىء وإنما يعكس 
انتهازية شائنة. كل من يؤيد التوريث يقدم مصلحته الشخصية على واجبه الوطني. 
من أجل أن تحقق بلادنا استقلالها وتقدمها. 


عن 





لماذا لا يذهب المصريون إلى الانتخابات؟! 


عندما ثار المصريون في عام ١9١4‏ ضد الاحتلال الإنجليزي وسافر الزعيم سعد 
زغلول إلى باريس ليعرض مطالب الأمة المصرية على مؤتمر الصلح الذي أعقب 
الحرب العالمية الأولى» قامت الحكومة الإنجليزية بمناورة بارعة فأرسلت إلى مصر 
لجنة لتقصى الحقائق برئاسة وزير المستعمرات البريطاني آنذاك اللورد ملنر» وسرعان 
مافهم المصريون هذه الخدعة وأدركوا أن أي تعامل مع لجنة ملئر سيقوض مصداقية 
سعد زغلول باعتباره الزعيم المفوض من الشعب المصري. 

وصلت لجنة ملنر إلى القاهرة لتجد في انتظارها مقاطعة شاملة» لم يقبل سياسي 
مصري واحد التعامل مع اللجنة» حتى إن رئيس الوزراء آنذاك محمد سعيد باشا استقال 
من منصبه حتى لا يضطر للتعامل مع اللورد ملنرء ويحكى أن اللورد ملئر ضل طريقه 
ذات مرة في شوارع القاهرة فلما سأل سائقه أحد المارة عن العنوان أجابه الرجل: «قل 
للخواجة بتاعك يسأل سعد باشا في باريس». 

كانت نتيجة هذا الإجماع الوطني أن فشلت لجنة ملنر في مهمتها واضطرت الحكومة 
البريطانية إلى الإذعان لإرادة المصريين والتفاوض مع سعد زغلول مباشرة. 

هذا الوعي السياسي الحاد للشعب المصري ستجده بلا استثناء في كل صفحة من 
تاريخ مصر. المثقفون والساسة يحللون كل شيء بناء على نظريات وأفكار مسبقة وهم 
يتكلمون كثيرا ويخوضون مناقشات معقدة يختلفون فيها دائماء أما الناس العاديون» 
حتى لو كانوا أقل تعليماء فهم كثيرا ما يتمتعون بفطرة سياسية سليمة تمنحهم رؤية 
ثاقبة لكل ما يحدث فيتخذون ببساطة مذهلة الموقف الصحيح. 


528 


ما زلنا بعد أربعين عاما من وفاة الزعيم جمال عبد الناصر نتناقش حول أخطائه 
وإنجازاته» أما الشعب المصري فقد قال كلمته عندما مات عبد الناصر فخرج ملايين 
المصريين ليودعوه إلى مثواه الأخير. 

هؤلاء البسطاء الذين أجهشوا بالبكاء كالأطفال حزنا على عبد الناصر كانوا يدركون 
جيدا كل أخطائه ويعلمون أنه تسبب في هزيمة قاسية لمصر والأمة العربية لكنهم 
أيضا أدركوا أنه كان زعيما عظيما نادرا في إخلاصه لمبادته» وأنه بذل جهده وحياته 
من أجل أمته. عندما تختلط علينا الاختيارات ‏ نحن المثقفين ‏ يجب أن ننصت دائما 


إن أفراد الشعب ليسوا أبداء كما يقول المسئولون المصريونء دهماء ولا غوغاء 
لا يعرفون مصالحهم. بل هم على العكس يتمتعون عادة ببوصلة لا تخطئ يحددون 
على أساسها الموقف الصحيح. إذا كنا نعاني انحراف مثقفين كثيرين عن الخط الوطني 
وتحولهم إلى أعوان وأبواق لنظام الاستبداد فيجب أن ندرك أن سقوط المثقف يبدا 
دائما باحتقاره للشعب. 


لا يمكن أن نفهم بلادنا إلا إذا فهمنا الشعب ولا يمكن أن نفهم الشعب إلا إذا احترمنا 
قدراته وتفكيره واستمعنا إلى آراء الناس واختياراتهم وتعاملنا معهم ليس باعتبارهم 
كائنات ناقصة الإدراك والآهلية تحتاج إلى وصايتناء وإنما باعتبارهم أشخاصا يتمتعون 
بخبرة في الحياة يجب أن نتعلم منها.. بعد أسابيع قليلة سوف تبدأ انتخايات مجلس 
الشعب» وقل رفض النظام إعطاء أي ضمانات لنزاهة الانتخابات: رفض إلغاء قانون 
الطوارئ ورفض تنقية جداول الناخبين من أسماء الموتى (الذين يصوتون دائما لصالح 
الحزب الحاكم) ورفض الإشراف القضائي أو حتى المراقبة الدولية» كل المؤشرات 
إذن تقطع بأن الانتخابات القادمة ستكون مزورة مثل كل الانتخابات السابقة. 

في مثل هذه الظروف يقرر الشعب المصري مقاطعة الانتخابات» وبالرغم من 
محاولات النظام المستميتة فإن نسبة الحضور لا تتعدى أبدا ٠١‏ في الماثة من الناخبين. 
السوّال هنا: لماذا لا يذهب المصريون إلى الانتخابات؟ ! 


50 





الحقيقة أن مقاطعة المصريين للانتخابات ليست تصرفا سلبيا كما يردد كتبة النظام 
المنافقون» وإنما هو موقف واع وفعال وصحيح. إذا كانت الانتخابات مزورة» وإذا 
كان منع التزوير مستحيلاء فإن المقاطعة تصبح الاختيار الصحيح لأنها تمنع النظام 
من الادعاء بأنه يمثل الشعب الذي يحكمه. 

من هنا نفهم إلحاح النظام الشديد على المصريين حتى يشاركوا في الانتخابات 
القادمة؛ فالمسرحية قد تم تأليفها وإخراجها وتوزيع أدوارها بالكامل» إنهم فقط 
يحتاجون إلى مجموعة من الكومبارس حتى يبدأوا العرض. الشعب المصري ليس 
سلبيا أبدا لكنه حكيم تكونت خبرته على مدى قرون طويلة. والدليل على ذلك حرص 
المصريين على الاشتراك في أي انتخابات محترمة. 

في العام الماضي ذهبت لأدلي بصوتي في انتخابات النادي الرياضي الذي أشترك 
فيه فوجدت زحاما شديدا من أعضاء النادي الذين جاءوا في يوم عطلتهم ووقفوا في 
صفوف طويلة من أجل اختيار أعضاء مجلس الإدارة الجديد. خطرت لى فكرة فبدأت 
أسأل مَن أعرفهم من الأعضاء إذا كانوا يدلون بأصواتهم في الاتتخابات البرلمانية أو 
الرئاسية. 

معظم الذين سألتهم تطلعوا إلِيَّ بسخرية وأكدوا أنهم لا يشتركون أبدا في انتخابات 
الحكومة لأنها مزورة» وبعضهم قالوا إنهم لا يملكون بطاقات انتخابية من الأساس.. 
الحقيقة في مصر واضحة كالشمس.. نظام مستبد ظالم وفاشل احتكر السلطة ثلاثين 
عاما بواسطة القمع والتزوير حتى تدهورت مصر إلى الحضيض في كل المجالاات 
وهو يدعو المواطنين إلى الاشتراك فى الانتخابات المزورة ليضفى عليها مصداقية 
زائفة شكلية. ٠‏ ْ 

من هنا تكون مقاطعة الانتخابات القادمة الموقف الصحيح. المصريون البسطاء 
سيقاطعون الانتخابات؛ لأنهم لا يريدون مناصب ولا يحلمون بعضوية البرلمان وليست 
لديهم استثمارات يخافون على ضياعها وليس لهم أي علاقات ودية بأجهزة الأمن. 

منذ أسابيع نق رأفي الصحف عن مناقشات تدور في الأحزاب حول مقاطعة الانتخابات 
أو الاشتراك فيها.. السؤّال هنا: هل توجد ضمانة واحدة لإجراء انتخابات حقيقية؟ هل 


570١ 





تعهد النظام بعدم التزوير» وحتى إذا تعهد بذلك فهل وفى النظام مرة واحدة بتعهداته؟ ! 
ما قيمة أن يدخل حزب ما انتخابات يعلم سلفا أنها مزورة؟ يقولون إنهم سيشتركون 
في الانتخابات ليفضحوا النظام» وهل يحتاج النظام إلى المزيد من الفضائح؟! 

ثم ما هذه الأحزاب, وماذا فعلت على مدى عقود من أجل ملايين الفقراء؟ ماذا 
فعلت الأحزاب لمنع التعذيب والقمع والفساد؟ الإجابة صفر.. لاشيء.. معظم هذه 
الأحزاب عرائس ورقية تنتحرك بخيوط في أيدي النظام؛ بعض القياديين فيها يعملون 
بتنسيق كامل مع أجهزة الأمن» وبعضهم محبوبون من النظام (الذي يزعمون أنهم 
يعارضونه) لدرجة أنهم أعضاء معينون في مجلس الشورى. 

لا قيمة إذن لموقفهم إذا اشتركوا في انتخابات مزورة مقابل مقعد أو مقعدين في 
مجلس فاقد الشرعية.. المؤسف حقا أن تتورط جماعة الإخوان المسلمين فى المشاركة 
في الانتخابات المزورة. يبدو أنه كتب على الإخوان ألا يتعلموا أبدا من أخطائهم. كل 
من يقرأ تاريخ الإخوان المسلمين سيندهش من الفارق الشاسع بين مواقفهم الوطنية 
ضد الاحتلال الأجنبي ومواقفهم إزاء الاستبداد. 

فقد لعب الإخوان دورا مشرفا عظيما في حرب فلسطين عام »١4548‏ وقادوا 
المقاومة المصرية ضد الإنجليز في مدن القناة عام ١945١‏ فضربوا مثلا عظيما في 
التضحية والشجاعة» لكن الإخوان بكل أسف في معظم مواقفهم الداخلية» غلبوا 
مصلحة الجماعة على مصلحة الأمة» ووقفوا فى صف الاستبداد بلا استثناء» واحد 
فقد أيدوا الملك فاروق وإسماعيل صدقى جلاد الشعب وساندوا عبد الناصر عندما 
ألغى الحياة النيابية» وأيدوا أنور السادات وتغاضوا عن إجراءاته القمعية» أما عن توريث 
الحكم من الرئيس مبارك إلى ولده جمالء فقد أطلق بعض الإخوان تصريحات مطاطة 
مائعة تقرأ من اليمين واليسار. 

إذا اشترك الإخوان في الانتخابات القادمة فإنهم يمنحون هذا النظام الظالم شرعية 
زاتفة هو في أمس الحاجة إليها ويلعبون دور الكومبارس البائس في مسرحية سيدفع 
ثمنها المصريون جميعا. 

إن من يدعو إلى الاشتراك في انتخابات مزورة واحد من ثلاثة: إما أنه ساذج لا 


550 








يفهم ما يحدث حوله وإما أنه طالب منصب يتمنى الحصول عليه بأي ثمن وإما أنه 
عميل للنظام يتلقى منه تعليمات لا بد أن ينفذها. مقاطعة الانتخابات المزورة القادمة 
هو الموقف الصحيح الذي اتخذه الشعب المصري. وبالتالي فإن كل من يشترك فيها 
يكون خارجا على إرادة الأمة. 

عندما تحدث في مصر انتخابات حقيقية سنشترك فيها جميعاء أما الآن فلنتركهم 
يلعبون مسرحيتهم السخيفة المملة وحدهم.. من دون كومبارس. 

الديمقراطية هي الحل. 


ردن 








في مخاطر التمييز الايجابي 


سافرت في إجازة قصيرة وفوجئت عند عودتي بأن السيدة نجلاء الإمام اتصلت 
بمكتبي أكثر من مرة. كانت معلوماتي عن نجلاء الإمام أنها مسلمة تنصرت وقلت 
لنفسي من الجائز أنها بسبب تحولها إلى المسيحية تعاني من التضييق والاضطهاد 
فعزمت على الكتابة دفاعا عن حقها في اختيار دينها. ا 

إن حرية العقيدة حق أساسي من حقوق الإنسان وقد كتبت وسأكتب دائما دفاعا 
عن حقوق الأقباط والبهائيين والمسلمين والبشر جميعا في اعتناق أديانهم وممارسة 
عباداتهم بحرية وكرامة.. كما أن الرأي الفقهي الأقوى في الإسلام يؤكد أنه لا عقوبة 
على المرتد. من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. من حق نجلاء الإمام إذن أن تتنصر 
ولايقلل ذلك أبدا من حقوقها كمواطنة مصرية. 

غير أنني شاهدت لقاءات نجلاء الإمام التلفزيونية المسجلة على الإنترنت فوجدتها 
تتطاول على الإسلام وعلى الرسول يلك بألفاظ فاحشة» بعد ذلك اتصلت بالسيدة 
نجلاء الإمام وقلت لها بوضوح إن من حقها أن تعتنق المسيحية ولكن ليس من حقها 
أبدا أن توجه الإساءة إلى الإسلام ورسوله كَكِيةٍ وأكدت لها أن هذا الكلام الفاحش لو 
أنها قالته في بريطانياء الديمقراطية الأعرق في العالم» لكان كفيلا بمحاكمتها جنائيا 
بتهمة احتقار عقيدة المسلمين والحض على كراهيتهم. 

بعد أيام وقعت حادثة طائفية أخرى, فقد اختفت السيدة كاميليا شحاتة زوجة كاهن 
دير مواس بالمنياء وضغطت الكنيسة على النظام المصري بمظاهرات حاشدة انتقلت 
من المنيا إلى القاهرة» لم يمنع رجال الأمن المتظاهرين الأقباط ولم يضربوهم أو 
30> 





يعتقلوهم كما يفعلون عادة مع المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية» وقد لوح قداسة 
البابا شنودة بتدويل قضية كاميليا إذا لم تحضرها أجهزة الأمن فورا. 

هنا حدث شيء غريب فقد تبين أن السيدة كاميليا اعتنقت الإسلام وذهبت إلى 
الجامع الأزهر من أجل إشهار إسلامهاء فإذا بالموظفين في الأزهر حصن الإسلام 
الراسخ يخضعون لتعليمات الأمن ويمتنعون عن إشهار إسلام كاميليا. بل إن أجهزة 
الأمن بدلا من أن تحميها قامت باختطافها وتسليمها إلى الكنيسة التي قامت باعتقالها 
في مكان مجهول. 

وعندما تظاهر المسلمون دفاعا عن حق كاميليا في اعتناق الإسلام قام رجال الأمن 
بضربهم واحتجازهم وتفريقهم. هكذا أصبح الوضع في غاية الشذوذ: مواطنة مصرية 
تمنعها الدولة من تسجيل عقيدتها التي اختارتها بمحض إرادتهاء ثم يتم اختطافها 
واحتجازها رغما عنهاء كل هذه جرائم يعاقب القانون المصري إذا ارتكبها أفراد لكنه 
يقف الآن مكتوف اليدين أمام الكنيسة القبطية بكل ما لها من تاريخ واحترام. 

الأغرب من هذا أن السيد نجيب جبرائيل» محامي الكنيسة القبطية بعد أن شكر 
رجال الأمن الذين اختطفوا كاميليا قام بمناشدة البابا شنودة من أجل مضاعفة رواتب 
الكهنة ومنع زوجاتهم من العمل» لأن عمل زوجات الكهنة في رأيه من شأنه تعريضهن 
لزعزعة عقيدتهن المسيحية. انزعجت من هذا التصريح أولا لأنه يصدر عن محام طالما 
رفع لواء حقوق الإنسان التي يبدو أنها في رأيه تشمل الأقباط فقط دون المسلمين؛ 
وثانيا لأن السيد جبرائيل يعتبر زوجات الكهنة بمثابة كائنات فاقدة التمييز ضعيفة 
الإرادة تحتاج دائما إلى وصاية الكنيسة وحمايتها حتى لو أدى ذلك إلى منعهن من 
حقهن الطبيعي في العمل. 

وهذه النظرة المهينة للمرأة تتطابق للأسف مع رؤية بعض المتطرفين المسلمين.. 
الحقيقة الآن: أن مواطنة مصرية اسمها كاميليا شحاتة يتم التنكيل بها ببشاعة» لم ترتكب 
كاميليا أي جريمة ولم تخالف القانون ولم تؤذ أحدا لكنها اختارت الإسلام بمحض 
إرادتها وبدلا من أن تكفل لها الدولة حرية العقيدة قامت بالتواطؤ مع الكنيسة ضدها 

و 





إلى درجة أن حضرة المفتي علي جمعة قال: «مسموح شرعا تسليم المسيحيين الذين 
يعتنقون الإسلام إلى كنيستهم». وهذا كلام غير صحيح ولا يستحق حتى مناقشته. 

ما يحدث الآن مع كاميليا شحاتة قد حدث من قبل من سنوات مع وفاء قسطنطين 
المسيحية التي أسلمت فتم تسليمها للكنيسة ولا يعرف أحد حتى الآن مصيرها وسط 
شائعات عن موتها أو قتلها.. إن مأساة كاميليا شحاتة» تدل على خلل جسيم في وظيفة 
الدولة ووظيفة الكنيسة. المصريون جميعا مضطهدون من النظام الاستبدادي الذي 
جثم على مصر ثلاثين عاما فأوصلها إلى الحضيض في كل المجالات. 

صحيح أن الأقباط كثيرا ما يعانون من التمييز ضدهم. لكن مشاكل الأقباط لا يمكن 
أن تحل بمعزل عن مشكلات المصريين جميعا.. إن الكنيسة المصرية» بقيادة قداسة 
البابا شنودة الثالث» بدلا من أن تحشد الأقباط مع المسلمين في نضالهم من أجل العدل 
والحرية؛ تحولت إلى حزب سياسي طائفي. لقد أصبحت الكنيسة في مصر هي دولة 
الأقباط الحقيقية التي ينتمون إليها ويذعنون لأوامرها الدينية والدنيوية جميعا. 

الكنيسة تتحدث سياسيا باسم الأقباط وتحثهم على مواقف سياسية بعينها وتقدم 
لهم مرشحين محددين وتحضر لهم أتوبيسات تنقلهم ليدلوا بأصواتهم لصالحهم وقد 
اتبعت الكنيسة المصرية سياسة مزدوجة لإخضاع النظام المصري لمطالبها: فهي في 
الخارج تستغل تعاطف الدوائر الغربية مع الأقباط وتتحرك بعنف من أجل إحراج 
النظام» إن مظاهرات أقباط المهجر وشكاواهم للمؤسسات الدولية والحكومات 
الغربية» كلها تتم بموافقة الكنيسة حتى لو تظاهرت بغير ذلك. 

أما السياسة الداخلية للكنيسة فتتلخص في إعلان الولاء الكامل للنظام المصري 
ومباركة توريث مصر من الرئيس مبارك إلى ولده جمال. ولا يتسع المجال هنا لذكر 
التصريحات والمواقف المعلنة من البابا شنودة ومساعديه في التغني بحكمة الرئيس 
مبارك وإنجازاته التاريخية مع تأييد جمال مبارك والتعامل معه باعتباره الرئيس القادم 
لمصر. 

وإزاء سياسة العصا والجزرة التي أتقنتها الكنيسة المصرية» ترنحت الدولة المصرية 
واهتزت خطواتها وتحول التميبز ضد الأقباط إلى تمييز إيجابي في صالحهم على طول 


0 





الخط حتى ولو خالف ذلك العرف والمنطق والقانون» الأسوأ من ذلك أن مطالب 
الكنيسة المصرية كلها طائفية وليست وطنية. 

لم يحدث أبدا أن أدانت الكنيسة تزوير الانتخابات أو التعذيب أو قانون الطوارئ. 
كل ما تطلبه الكنيسة امتيازات للأقباط بدون الالتفات إلى مطالب المصريين المشروعة. 
كأنما تبعث الكنيسة إلى النظام المصري بالرسالة التالية: 

١احقق‏ لنا نحن الأقباط ‏ مطالبنا ثم افعل بعد ذلك ما شئت في المسلمين» فذلك 
أمر لا يهمنا». 

إن الكنيسة في المسيحية سلطة روحية وليست سياسية أبداء ولقد قال السيد المسيح 
بوضوح قاطع: «أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله». (إنجيل متى» الإصحاح .)5١‏ 

الغريب أن الكنيسة تعيب على الإخوان المسلمين خلطهم للدين بالسياسة بينما 
تفعل هي نفس الشيء. لقد أنجزت الكنيسة المصرية تاريخا وطنيا عظيما في مقاومة 
الاحتلال والاستيدادء لكنها الآن تخالف تاريخها وتلعب دورا سياسيا طائفيا سيؤدي 
إلى إخراج الأقباط من الإجماع الوطني وسوف يحيلهم من مواطنين مصريين إلى 
أقلية طائفية متواطئة مع نظام الاستبداد» تحقق مصالحها الضيقة بعيدا عن مصلحة 
الشعب والوطن. 

إذا استمر هذا التمييز الطائفي ستكون نتيجته الطبيعية إذكاء روح الكراهية ضد 
الأقباط» الأمر الذي سيشعل فتنة طائفية قد تحرق مصر كلها لا قدر الله.. إن قضية 
كاميليا شحاتة هي قضية مصر. 

قضية العدل والحرية. قضية حق الإنسان في الاختيار. لو أن كاميليا شحاتة كانت 
مسلمة وتنصرت لكتبت أيضا مدافعا عن حقها في اختيار الدين الذي تريده. إن الموقف 
من مأساة كاميليا شحاتة يكشف الحقيقي من الزائف في مجال الدفاع عن الحريات. 
لماذا لا نسمع الآن أصوات منظمات حقوق الإنسان ومنظمات تحرير المرأة الممولة 
من الغرب؟ لماذا لم تصدر الخارجية الأمريكية والهيئات الغربية بيانات شديدة اللهجة 
تضامنا مع كاميليا كتلك التي تصدرها دائما دفاعا عن الأقباط والبهائيين؟! 





إن كاميليا قبل أن تكون مسلمة أو مسيحية إنسانة. لا يجوز قمعها واعتقالها وإجبارها 
على تغيير معتقداتها الدينية مها كانت الحجج والمبررات.. إن الأديان جميعا جاءت 
من أجل حفظ كرامة الإنسان وحريته» وكل ما يعتدي على حقوق الإنسان ليس من 
الدين في شيء. 

الديمقراطية هي الحل. 


لاا 








هل أصبح أساتثة الجامعة كلهم منافقين ؟! 


أستاذي وصديقي الكاتب الكبير علاء الديب» الذي أعطاني ذات يوم رواية «سيدهاراتا» 
للروائي الألماني هرمان هسه فتحمست لها وكتبت عنها مقالا نقديا نشرته المجلة 
على أربع صفحات. على أنني كتبت في نهاية المقال «أشكر الأستاذ علاء الديب لأنه 
أعطانى هذه الرواية ودلني على هذا النبع الفنى الجميل». فوجئت وأنا أطالع المقال 
المنشور بأن جملة الشكر قد حذفت وكنت أعرف أن الأستاذ علاء الديب لا يمس 
حرفا واحدا مما أكتب» فذهبت إليه معاتبا فإذا به يقول بهدوء: 


- لقد حذفت جملة الشكر لأنني رئيس القسم الأدبي ولا يجوز أن أسمح بنشر أي 

هذه واقعة والواقعة الأخرى بطلها أحمد بك غنيم الذي شغل منصب المحامي 
العام في مصر خلال السبعينيات وكان صديقا مقربا لأبي عباس الأسواني (رحمة الله 
عليهما).. حكى لي أحمد بك غنيم أنه عندما كان رئيسا لنيابة قصر النيل كان يسكن مع 
أسرته فى منطقة وسط البلد التابعة للنيابة التى يرأسهاء فقرر آنذاك ألا يشتري احتياجاته 
من دائرة قصر النيل إطلاقاء بل كان يبعث بمن يشتريها من محلات فى أحياء بعيدة 
ولما سألته عن السبب قال ببساطة: 


كنت أحس بحرج عندما أشتري من التجار الذين يعرفون أنني رئيس النيابة التابعين 
لها. أنا مثلا كنت أدخن نوعا من السجائر لا يتوافر داتما ولو أننى اشتريته من أي محل 
08 





في دائرة قصر النيل سيكون صاحب المحل قد جاملني» وهو قد يقف يوما أمامي شاكيا 
أو مشكوا في حقه وهذا بالتأكيد يجرح حياد القاضي. 

هاتان الواقعتان أتذكرهما دائما كنموذج لنبل صاحب السلطة وتعففه عن أن يزج 
بنفسه في أي شبهة للمحاباة أو التمييز لصالحه. في البلاد الديمقراطية قوانين صارمة 
تمنع استفادة صاحب السلطة من منصبه. بل إن العرف هناك أقوى من القانون: فإذا كنت 
مثلا رئيسا للجنة التحكيم في مسابقة ووجدت ابنك أو زوجتك بين المتسابقين يجب 
عليك أن تتنحى فورا. وإذا كنت أستاذا جامعيا لا يجوز أبدا أن تقوم باختبار أولادك 
أو زوجتك في الامتحان. فكرت في كل ذلك وأنا أتابع على شاشة التلفزيون مراسم 
منح السيدة سوزان مبارك» حرم السيد رئيس الجمهورية» شهادة الدكتوراه الفخرية 
من جامعة القاهرة. أنا لا أناقش إنجازات السيدة سوزان مبارك ولا أحقيتها في التكريم 
وأعرف أنها قد تم تكريمها دوليا في مناسبات وبلاد عديدة. المشكلة هنا أن رئيس 
جامعة القاهرة يتم تعيينه بقرار جمهوري أي أنه. بحكم القانون. مرءوس مباشر لرئيس 
الجمهورية وبالتالي فإن تكريم السيدة سوزان يكون في الواقع تكريم أحد المرءوسين 
لقرينة رئيسه. أضف إلى ذلك أن الدكتوراه الفخرية تخضع لتصويت أعضاء مجلس 
الجامعة أي أنها تقترب من مفهوم المنافسة التي لا بد أن تكون متكافئة وعادلة. 

بل إن مجلس جامعة القاهرة ذاته قد رفض من قبل منح الدكتوراه الفخرية للعالم 
الباكستاني الكبير محمد عبد السلام الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء. الدكتوراه 
الفخرية بهذا الشكل. إذن» في حكم المسابقة التي يقوم أعضاء مجلس الجامعة 
بالتحكيم فيها.. ألا يجدر بهذه المسابقة أن تكون نزيهة وموضوعية بعيدا عن شبهة 
المحاباة والمجاملة؟ كنت أتمنى أن تعتذر حرم الرئيس عن عدم قبول هذه الدكتوراه 
وكانت حينئذ ستضرب لنا مثلا في رفضها للمجاملة من مرءوسين لزوجها.. على أن 
الذي يستحق التأمل فعلا هو الدكتور حسام كامل رئيس جامعة القاهرة الذي لم يستشعر 
أدنى حرج في كيل المديح والاحتفاء البالغ بقرينة رئيس الدولة الذي عينه في منصبه. 
ثم هؤلاء الأساتذة الأجلاء أعضاء مجلس الجامعة الذين لم يستشعروا أي حرج وهم 
يصوتون بالإجماع لمنح الدكتوراه لحرم الرئيس. 


ا 





الحق أن سوابق مجلس جامعة القاهرة بهذا الصدد مؤسفة.. فقد سعى مدير الجامعة 
السابق إلى إرضاء النظام الحاكم بكل الطرق فأمر بتخصيص مبنى كامل داخل حرم 
الجامعة من أجل جمعية المستقبل التي يرأسها السيد جمال مبارك» ولم يكتف المدير 
السابق بهذا التصرف الشاذ غير المسبوق في تاريخ الجامعة» بل إنه بموافقة معجلس 
الجامعة أيضاء أهدى درع جامعة القاهرة إلى السيد كمال الشاذلي مسئول النظام البارز 
الذي لم يعرف عنه أي إنجاز علمي من أي نوع (ما عدا ولعه بمشاهدة قناة ديسكفري 
الذي لا أعتقد أنه سبب كاف لتكريمه).. وتيسيرا على كمال الشاذلي فإن المدير السابق 
اصطحب أعضاء المجلس وذهبوا جميعا إلى مبنى الحزب الوطني حيث أهدوا درع 
الجامعة إلى كمال الشاذلي بدون أن يتحرك من مكتبه. 

هل أصبح أساتذة الجامعة في مصر كلهم منافقين؟! هذا السؤال يقودنا إلى أسئلة 
أخرى: ماذا يحدث إذا غضب الرئيس على مواطن مصري؟! في البلاد الديمقراطية 
تكون سلطة رئيس الدولة مقيدة بالقانون» وبالتالى فإن غضبه على أي شخص لن 
يضيره أبدا ما دام لم يخالف القانون.. أما في بلادنا المنكوبة بالاستبداد فإن غضب 
الرئيس معناه الهلاك المحقق لأن سلطته مطلقة» وهو إذا غضب غضبت له أجهزة 
الدولة جميعا وهبت فورا للتنكيل بالمغضوب عليهم.. أعضاء مجلس الجامعة الذين 
وافقوا على منح الدكتوراه الفخرية لقرينة الرئيس» يدركون أنهم لو أعلنوا رفضهم 
سوف يجلبون لأنفسهم مشاكل جمة هم في غنى عنها. سؤال آخر: كيف حصل رئيس 
جامعة القاهرة على منصيه؟ ! 

النظام في مصر يقدم الولاء على الكفاءة؟ وبالتالي فإن رئيس الجامعة يعلم جيدا 
أنه لم يعين في منصبه بسبب كفاءته» بل لعله يدرك أن هناك كثيرين أكفأ منه لكنه حظي 
بمنصبه فقط لأنه استطاع أن يثبت ولاءه للنظام» ولأن أجهزة الأمن كتبت تقارير في 
صالحه. ماذا نتوقع بعد ذلك من رئيس الجامعة الطموح؟! لابد أن يتفتق ذهنه عن 
طرق مبتكرة يثبت بها ولاءه للنظام.. إن رئيس جامعة القاهرة حسام كامل بعد أن منح 
الدكتوراه الفخرية لحرم الرئيمس» سيكون مطمئنا تماما على مستقبله المهني وغالبا ما 
سوف يتم اختتياره وزيرا في أقرب فرصة. من الآن فصاعدا لن يحاسب أحد رئيس جامعة 
القاهرة على تردي التعليم وانقطاع البحث العلمي ونقص الإمكانات وانتشار الفساد 


51 


والدروس الخصوصية وتعيين أولاد الأساتذة والكبراء ظلما فى السلك الجامعى. 
كل هذه المصائب التي جعلت جامعة القاهرة العريقة مستبعدة من أي تقييم دولي 
للجامعاتء لا تهم رئيس الجامعة إطلاقا ما دام رئيس الدولة راضيا عنه.. المسئول 
في الدولة الديمقراطية يكون حريصا على إرضاء المواطنين الذين اختاروه لمنصبه 
عن طريق انتخابات حرة» أما في مصر فإن المسئول يظل دائما في خدمة الرئيس» 
وحده لا شريك له. ا 

المشكلة ليست في الأشخاص وإنما في النظام. الأساتذة الذين منحوا السيدة 
سوزان الدكتوراه الفخرية ليسوا منافقين بطبيعتهم» لكن طبيعة النظام أملت عليهم ما 
فعلوه ولو قيض لهم أن يعملوا في نظام ديمقراطي لرفض كثيرون منهم الاشتراك في 
أي محاباة للحاكم وقرينته.. على أن الصورة ليست قاتمة تماما؛ ففي وسط التهليل 
والتصفيق للسيدة حرم الرئيس» اتخذ عشرات الأساتذة في جامعة القاهرة موقفا شريفا 
ونبيلا وأصدروا بيانا شجاعا يدينون فيه استعمال الجامعة لأغراض سياسية وينزهون 
الدكتوراه الفخرية عن أن تكون وسيلة لإرضاء الرؤساء.. هؤلاء الأساتذة. بقيادة العظيم 
الدكتور محمد أبو الغار» ستذكرهم مصر دائما في لوحة الشرف لأنهم تصرفوا بما 
تمليه عليهم ضمائرهم ودافعوا عن الحق غير عابئين بسيف الحاكم ولا ذهبه. إن منح 
الدكتوراه الفخرية لحرم رئيس الجمهورية بهذه الطريقة» يدل على أن قيم الجامعة 
قد تدهورت كما تدهورت مصر كلها. لقد وقف رئيس الجامعة ومعه وزير التعليم 
العالي أمام حرم الرئيس مطرقين» كحملين وديعين» متأهبين لتنفيذ الأوامر بل على 
أتم استعداد للتنافس والتزاحم من أجل الفوز برضا رئيس الدولة. هؤلاء المسئولون 
ومن على شاكلتهم هم الذين أوصلوا بلادنا إلى الحضيض. 

الديمقراطية هي الحل. 


5 





رائحة غريبة في جناح الرئيس 


عاد الرئيس مبارك من رحلته العلاجية فى ألمانيا وقد تماثل للشفاء واستعاد نشاطه 
بالكامل.. 


على أن الطبيب الألماني أرسل معه ممرضة ألمانية لتسهر على رعايته» حاول 
الرئيس مبارك أن يشرح للطبيب أن هناك ممرضات مصريات على أعلى مستوى لكن 
الطبيب الألماني أصر على موقفه. الممرضة الألمانية التي جاءت مع الرئيس مبارك 
اسمها داجمار ميزنبرج» جاوزت الستين من عمرها لكنها في غاية النشاط والدقة. تم 
تخصيص حجرة لها في استراحة شرم الشيخ بجوار الجناح الرئاسي. صارت داجمار 
تدخل على الرئيس عدة مرات يوميا لتعطيه الدواء في موعده وتجري قياس الضغط 
وتأخذ عينات التحاليل لترسلها إلى المعمل. أمس في الساعة الرابعة بعد الظهر كان 
الرئيس مبارك جالسا إلى مكتبه وقد ارتدى ثيابا بسيطة وأنيقة: حذاء رياضيًا مريحًا 
و«بنطلون رصاصي» وقميصًا أبيض بكم طويل. كان مستغرقا تماما في قراءة تقرير 
رفعه إليه رئيس الوزراء» فجأة شم الرئيس رائحة غريبة. رائحة جميلة نفاذة تشبه رائحة 
المسك ظلت تسري شيئا فشيئا في أنحاء الجناح حتى توقف الرئيس مبارك عن القراءة 
ونهض من مكانه ليكتشف مصدر هذه الرائحة.. عندئذ حدثت مفاجأة أخرى, فقد 
رأى الرئيس مبارك أمامه غمامة كأنها سحابة كثيفة من البخار ظلت تمتد حتى حجبت 
الرؤية. بعد لحظات انقشعت الغمامة ونظر الرئيس مبارك إلى المقعد المواجه له فلم 
يصدق عينيه. كان الرئيس جمال عبد الناصر جالسا أمامه بهدوء وهو يبتسم.. تغلب 
الرئيس مبارك على دهشته وقال: 


تددن 





- أهلا وسهلا يا فندم. 

كان عبدالناصر شابا في الثلاثين وكان وجهه نضرا رائقا. ابتسم وقال: 

أهلا بك يا سيادة الرئيس مبارك. 

- لاايا فندم.. أرجو أن تناديني باسمي المجرد. لن أنسى أبدا أنني خدمت تحت 
قيادة سيادتكم. 

-ما زلت متواضعا كما عهدتك يا أخ حسني. لكنك رئيس مصر منذ ٠‏ عاماء وهذا 
يفرض علينا احترامك ويفرض عليك أيضا حسابا قد يكون عسيرا. 

أطلق عبد الناصر ضحكة خخافتة لم يتجاوب معها الرئيس مبارك لكنه قال بلطف: 

- تحب سيادتك تشربس حاجة؟! 

- لا شكرا. في المكان الذي جئت منه لدينا مشروبات رائعة لا تعرفونها أنتم هنا. 

-هل أنت في الجنة يا فندم؟! 

- هذه أشياء لا أستطيع أن أصرح بهاء لكني والحمد لله أعيش هناك سعيدا راضيا. 


لا يكدر صفوي إلا ما يحدث في مصر. يا أخ حسني لقد زرتك من قبل وفي كل مرة 
نتفق على أشياء لكنك لا تنفذها. 


- أرجوك لا تغضب مني يا فندم. كثيرا ما تكون الظروف أقوى من الإنسان. 

- نحن في العالم الآخر نتابع ما يحدث في مصر بالتفصيل. لقد انتهزت فرصة 
أقوله لك. 

تفضل. إني أستمع إليك. 

في تلك اللحظة سمع طرق خفيف على الباب فبدا التردد على وجه الرئيس مبارك 
لكن عبد الناصر ابتسم وقال: 

- لا تقلق. لن يرانى أحد سواك. 
350 





دخلت الممرضة داجمار وحيت الرئيس مبارك وأعطته حبة دواء بلعها مع رشفة 
ماء ثم انصرفت.. تطلع الرئيس مبارك إلى عبد الناصر الذي قال: 

- مصر في رأبي لم تمر قط بفترة مثل الفترة الحالية. فقر وبطالة وفساد ومهانة. 
الإنسان المصري فقد كرامته داخل بلاده وخارجها. 

قاطعه الرئيس مبارك قائلا: 

هذا كلام جرائد المعارضة يا فندم. 


نهض عبدالناصر من مقعده وبدأ يتكلم بحماس: 

-بل هذه الحقيقة. نحن في العالم الآخر نتابع كل ما يحدث.. نصف الشعب المصري 
تحت خط الفقر يا أخ حسني. ملايين المصريين يعيشون في ظروف غير آدمية بالمرة. 
منذ أسابيع صعد إلينا شاب بريء من الإسكندرية اسمه خالد سعيد ضربه مخبران من 
الشرطة حتى هشما دماغه تماما. هل أصبح دور الدولة قتل المصريين؟! هل أحدثك 
عن المصريين الذين استشهدوا فى القطارات المحترقة والعبّارات الغارقة والبيوت 
المنهارة» الذين ماتوا من المبيدات المسرطنة والماء الملوث بالمجاري؟ هل تعلم أن 
عدد هؤلاء الشهداء أكبر من عدد شهداء مصر فى حروبها جميعا؟ 

كل عهد له إيجابيات وسلبيات. 

-لم يحدث من قبل في تاريخ مصر أن مات المواطنون وهم يتنازعون على رغيف 
خبز أو أنبوبة بوتاجاز. 

بدا التوتر على وجه الرئيس مبارك وقال: 

-يا فندم نحن نبذل مجهودا كبيرا لكن الزيادة السكانية المتزايدة تقضي أولا بأول 
على آثار التنمية. 

- هذا غير صحيح. في ظل الإدارة الجيدة يمكن للزيادة السكانية أن تتحول إلى 
عامل إيجابى يساعد التنمية كما حدث فى الصين والهند. 

ساد الصمت من جديد, ثم قطعه عبد الناصر قائلا: 


مجم 


-يا أخ حسني كيف توزعون أرض مصر على رجال الأعمال بالأمر المباشر؟! 
أليست هذه أرض مصر الغالية التى قاتلت أنا وأنت دفاعا عنها؟! 

- نحن نحاول جذب الاستثمارات بكل الطرق. 

لماذا لا تكون الاستثمارات مبنية على قواعد شفافة وعادلة؟! هل هناك بلد فى 
العالم يوزع أرضه مجانا على الأفراد؟! اسمع يا أخ حسني.. يجب أن أختصر كلامي 
لأن الوقت ضيق. 

- أشكرك لكني في الواقع أنزل من العالم الآخر بتصريح محدد المدة.. يا أخ حسني. 
كيف تقبل أن تورث حكم مصر إلى ابنك جمال؟ ! 
أليس من حقه أن يمارس حقوقه السياسية؟! 

- من حقه طبعا بشرط أن تكون الحقوق السياسية متوافرة للمصريين جميعا.. في 
ظل التزوير والتعذيب وقانون الطوارئ والتعديلات الدستورية الأخيرة التى استحدثتها 
يا أخ حسني. فإن ترشيح ابنك جمال سيؤدي حتما إلى توريث الحكم. 

ابتسم الرئيس مبارك وتطلع إلى عبد الناصر بنظرة ذات مغزى وقال: 

اسمح لي يا فندم. قانون الطوارئ وتزوير الانتخابات والاعتقال والتعذيب. كلها 
أشياء ليست من اختراعى. 

-كانت هذه أخطاء الثورة فلماذا تصر على تكرارها؟ ! ولماذا لا تأخذ من الثورة إلا 
سلبياتها؟! أنا مندهش جدا من نوعية المسئولين الذين تختارهم.. من اين تأتي بهم؟! 
هل يعقل أن تتورط جريدة الأهرام في تزوير صورة تجمع زعماء العالم لمجرد أن تظهر 
أنت في المقدمة؟! العالم كله يضحك علينا.. 

-يقولون إنهم أرادوا أن يصنعوا صورة تعبيرية. 

ضحك عبد الناصر عاليا وقال: 


57 








- تعبيرية؟! ما هذا الكلام الفارغ؟! ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم؟! يا أخ حسني 
لن أطيل عليك.. خذ.. 

أخرج عبدالناصر ورقة مطوية وأعطاها للرئيس مبارك قائلا: 

- هذه عريضة كتبها إليك زعماء مصر من العالم الآخر. وقعوا عليها جميعا بدءا 
من أحمد عرابي حتى مصطفى النحاس. 

- ماذا يقولون فى هذه العريضة؟ 

أحب أن تقرأها بنفسك.. إنهم يؤكدون أن مصر قد وصلت إلى الحضيض في 
كل المجالات ويطالبونك بتطبيق الإصلاح الديمقراطي فورا. 

- إن شاء الله. 

٠‏ ابتسم الرئيس مبارك ولم يردء بينما تقدم عبد الناصر نحوه وصافحه بحرارة 
قائلا : 

- يجب أن أنصرف الآن. مع السلامة. 
راحت رائحة المسك تفوح بقوة.. ظل الرئيس مبارك جالسا وعلى شفتيه الابتسامة 

- سيادة الرئيس. يجب أن أقيس الضغط. 

مد الرئيس مبارك ذراعه اليسرى وشمر قميصه وبدأت داجمار تقيس الضغط. 

بيدما ظلت الورقة التي تركها عبد الناصر مطوية أمامه لم يفتحها. 

الديمقراطية هى الحل. 


كن 





مصير إبراهيم عيسى 


في الثمانينيات» تقدمت للحصول على بعثة دراسية للولايات المتحدة» وكان من 
ضمن الشروط اجتياز امتحان اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية (المعروف بالتويفل).. 
أديت الامتحان في قاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية» التي اكتظت عن آخرها بأطباء 
ومهندسين شبان تقدموا مثلي لأداء الامتحان من أجل الفوز بالبعثة.. في ذلك اليوم 
سألت كل من قابلتهم في القاعة إذا كانوا يريدون البقاء في الولايات المتحدة لو 
أتيحت لهم الفرصة:؛ كانت الإجابة نعم مؤكدة» بل قال كثيرون إنهم يريدون الخروج 
من مصر إلى أي بلد. 

فكرت آنذاك كيف أن خسارة مصر فادحة في أبنائها. إن هؤلاء الأطباء والمهندسين 
تحتاج مصر إليهم بشدة لكنهم بمجرد أن يتموا تعليمهم يهاجرون منها إلى بلاد أخرى. 
قادني ذلك إلى سؤال آخر: لماذا يرغب هؤلاء الشبان في الفرار من مصر؟ الفقر ليبس 
السبب؛ لأنهم يستطيعون بقليل من الصبر والجهد أن يعملوا في مصر بأجور معقولة. 
كما أنهم في الغرب كثيرا ما يضطرون إلى العمل في مهن بسيطة لا تتفق مع الشهادات 
التي يحملونها. 

إن السبب الأصلي في هجرة هؤلاء هو الإحباط. فقدان الإحساس بالعدالة لآن 
الأوضاع في مصر مقلوبة: الأسباب في مصر غالبا لا تؤدي إلى النتائج. الاجتهاد ليس 
أبدا شرطا للتقدم والكفاءة ليست أبدا معيارا للحصول على وظيفة جيدة» بل إن صناعة 
الثروة لا علاقة لها غالبا بالنبوغ والاجتهاد. كل ما تحصل عليه في البلاد الديمقراطية 


58 








باجتهادك وأحقيتك تستطيع أن تحصل عليه في مصر بعلاقاتك وشطارتك. وكل ما 
يوؤهلك هناك للترقي لا يكفي في مصر إطلاقا لكي يدفعك للأمام. بل على العكس. 
إذا كنت موهوبا في مصر فأنت في مشكلة كبرى» وسيكون وضعك أفضل لو كنت 
عاديا أو حتى خائبا وبليداء أولا لأن النظام مصمّم أصلا للعاديين فهو يضيق بالنوابغ» 
وثانيا لأن مستقيلك أولاء وأخيرا يتوقف على علاقاتك وليس استحقاقك. 

إن الموهبة في مصر تشكل عبئا على صاحبها وتثير عليه الضغائن والأحقاد وتجعل 
الكثيرين يتطوعون لتدميره. 

إذا كنت موهوبا في مصر فعليك أن تختار بين ثلاثة طرق: إما أن تهاجر إلى بلاد 
ديمقراطية تحترم المواهب وتقدر الكفاءة فتعمل بجد وتتقدم كل يوم حتى تصبح مثل 
أحمد زويل ومحمد البرادعي ومجدي يعقوب وأمثالهم» وإما أن تسلم موهبتك لنظام 
الاستبداد وتقبل أن تكون خادما له وأداة للقمع والظلم والتدليس على المصريين. وإما 
أن تقرر الاحتفاظ بشرفك؛ عندئذ سينتظرك مصير إبراهيم عيسى. 

إبراهيم عيسى واحد من أكثر الصحفيين المصريين موهبة وإخلاصا وشجاعة. 
استطاع بموهبته الساطعة» بدون إمكانات تقريباء أن يصنع جريدة الدستور لتكون علامة 
فارقة في الصحافة المصرية والعربية» وهو شأن الأساتذة الكبار لم يكتف بإنجازه المهني 
وإنما رأى من واجبه أن يرعى المواهب الشابة فقدم في الدستور عشرات الأسماء. 
كلهم جاءوا إليه صغارا فأحبهم وشجعهم وعلمهم الطيران حتى حلقوا عاليا في سماء 
الصحافة المصرية. لو أن إبراهيم عيسى ظهر في بلد ديمقراطي لكان الآن يعيش ملكا 
متوجا تقديرا لنبوغه وعمله. لكنه للأسف في مصرء حيث لا يحتمل نظام الاستبداد 
أبدا أن تكون موهوبا وشريفا في نفس الوقت. 

لم يكن إبراهيم عيسى معارضا للحكومة» وإنما كان معارضا للنظام. لم يكن يشن 
الحملات ضد المسئولين عن الصرف الصحي والتليفونات» وإنما كان يوجه نقده إلى 
رأس النظام شخصيا.. كان يطالب بتغيير ديمقراطي حقيقي. بانتخابات نظيفة وتداول 
السلطة» وكان يقف بصلابة ضد توريث الحكم من الأب إلى الابن» وكأن مصر صارت 


11146 





مزرعة دواجن. نجح إبراهيم عيسى في أن يجعل من الدستور مدرسة صحفية كبرى 
وبيتا كبيرا يتسع للوطنيين جميعا. 

كل مصري لحق به ظلم كان يجد الدستور إلى جانبه» وكل كاتب يمنع له مقال 
في أي جريدة يستطيع فورا أن ينشره في الدستور. كانت الدستور جريدة المصريين 
جميعاء تدافع عن الحق بلا خوف ولا حسابات. وقد حاول النظام إسكات عيسى 
بكل وسيلة. 

جربوا معه كل الطرق.. أنهكوه بمحاكمات عبثية وقضايا تافهة وروعوه وهددوه 
بالحبس لأنه جرؤ على السؤال عن صحة الرئيس مبارك ثم قرروا العفو عنه في اللحظة 
الأخيرة. حاولوا شراءه عن طريق تكليفه بتقديم برامج تدر عليه دخلاء وكان ظنهم أنه 
سيعمل حسابا لأكل عيشه فيصمت لكن الأيام أثبتت أن ضميره غير قابل للشراء. 

ظل إبراهيم عيسى قابضا على جمر الحقء يقول دائما ما يعتقده ويفعل دائما ما 
يقوله. ومع ازدياد الضغوط الشعبية والدولية المطالبة بالتغيير الديمقراطي في مصر 
ارتبك نظام الحكم وتوتر. أصبح إبراهيم عيسى أكبر من طاقة النظام على الاحتمال. 
هنا تم اعتماد خطة محكمة لتدمير إبراهيم عيسى سرعان ما تتابعت حلقاتها الواحدة 
تلو الأخرىء. ظهر في الأفق رجل اسمه السيد البدوي لا نعلم عنه شيئا إلا أنه ثري 
وصاحب قنوات الحياة التلفزيونية» مما يدل على أنه يتمتع برضا كبار المسئولين في 
النظام. 

بدأ البدوي ينفق أموالا طائلة حتى فاز بزعامة حزب الوفد, ثم أنفق أموالا أخرى 
حتى دفع حزب الوفد إلى الاشتراك ككومبارس بائس في مسرحية الانتخابات المزورة 
المقبلة» كان هذا أول هدف حققه البدوي للنظام ثم جاء الهدف الثاني.. فجأة» رأينا 
السيد البدوي يشترى جريدة الدستور ويؤكد منذ اللحظة الأولى أن خطها السياسي 
لن يتغير أبدا وأن مبدأه دائما فصل الإدارة عن التحرير. 

ثم ظهر مع البدوي مالك آخر اسمه رضا إدوارد» وهو شخص لا علاقة له بالصحافة 
من قريب أو بعيد. أدى الشريكان مهمتهما بحرفية عالية» فالسيد إدوارد يتحدث بخشونة. 
ام 





ويجاهر دائما بولائه للنظام أما السيد البدوي فهو مبتسم بشوش يوزع كلماته الحلوة 
وأحضانه وقبلاته على الجميع. لكن الخطة الموضوعة يتم تنفيذها بدقة. 

في أول يوم تنتقل فيه ملكية جريدة الدستور رسميا إلى السيد البدوي يكون أول 
قرار يتخذه. إقالة إبراهيم عيسى بطريقة متعسفة ومهينة.. بعد ذلك كان كل شيء 
محسوبا بدقة.. الصحفيون الشبان الذين ذهلوا وهم يرون البدوي ينكل بأستاذهم 
فاحتجوا واعتصموا. 

هؤلاء مشكلتهم هينة» سيكتب لهم البدوي عقودا جديدة برواتب جيدة تجعلهم 
ينسون ما حدث.. أما نقابة الصحفيين فقد وجدت نفسها أمام واقعة غير مسبوقة في 
الصحافة المصرية. أعضاء مجلس النقابة أخذوا الأمر بجدية وطالبوا بعودة إبراهيم 
عيسى إلى عمله لأن فصله بهذه الطريقة تعسفي وغير شرعي.. هنا جاء دور نقيب 
الصحفيين السيد مكرم محمد أحمدء الذي هو من كبار المادحين للرئيس مبارك 
والمشيدين بحكمته وإنجازاته» راح النقيب وجاءء ثم صعد درجات السلم ونزل 
عليهاء ثم عقد اجتماعات مطولة خرج بعدها لينصح إبراهيم عيسى باللجوء إلى 
القضاء للحصول على حقه (يا له من دور نقابي فعال).. هكذا تم إنجاز الهدف بإقالة 
إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير الدستور التي صنعها بفكره وجهده.. وتبين بوضوح أن 
السيد البدوي ورضا إدوارد ليسا إلا آخر طبعة من رجال النظام. السؤال هنا: كل هذه 
الخطط والتكتيكات والملايين المهدرة من أجل التخلص من كاتب موهوب شريف 
لايملك إلا أفكاره وقلمه؟ لماذا لاا يوظف النظام كل هذا الجهد من أجل إنقاذ ملايين 
المصريين من الحضيض الذي يعيشون فيه؟ لقد انتهت جريدة الدستور لكنها دخلت 
تاريخ مصر كتجربة صحفية ووطنية عظيمة. 

أما إبراهيم عيسى فقد نجحوا في إقالته من رئاسة تحرير الدستور» لكنهم لن 
يستطيعوا أبدا إزاحته من لوحة الشرف التي تحفظ فيها مصر أسماء أبنائها الشرفاء 
المخلصين.. شيء واحد لم ينتبه إليه السيد البدوي والذين رسموا له الخطة. أن 
إبراهيم عيسى الذي صنع جريدة الدستور قادر على صناعة عشرات الجرائد الأخرى. 


57/١ 








وأن تيار التغبير في مصر سينتصر بإذن الله لأنه يدافع عن الحق والعدلء بينما يدافع 
أتباع النظام عن الظلم والقمع والشر. مصر قد نهضت ولن يستطيع أحد. مهما يكن 
أن يعطلها عن المستقبل. 

الديمقراطية هى الحل. 


7 


لهذا يتقدمون ولهذا نتخلف 


أكتب هذا المقال وأنا معلق بين السماء والأرض في الدور السابع عشر من فندق 
كروان بلازا في وسط مدينة شيكاجو. أتطلع من الشرفة فأرى ناطحات السحاب 
العملاقة وشبكة الطرق السريعة الكثيفة المتقاطعة. أرى شيكاجو التي عشت فيها 
وتعلمت واكتشفت عالما إنسانيا جديدا ومثيرا كتبت عنه في رواية تحمل اسمها. منذ 
خمسة وعشرين عاما بالضبطء حصلت على درجة الماجستير في طب الأسنان من 
جامعة إلينوي في شيكاجو. 


هذا العام فوجئت بإدارة جامعة إلينوي تهنئني بالحصول على جائزة الإنجاز لهذا 
العام.. جائزة الإنجاز هي أكبر جائزة تمنحها الجامعة لخريجيهاء وهي تمنح لخريج 
الجامعة الذي يحقق إنجازا استثنائيا فريدا على المستوى الوطني أو العالمي. من 
ضمن ستمائة ألف خريج أتموا دراستهم في جامعة إلينوي لم يفز بالجائزة إلا عدد 
قليل من الخريجين. أنا الفائز رقم “47 في تاريخ الجامعة وأول مصري وعربي ينال 
هذا الشرف. الحمد لله. 

كم أحسست بالفخر وأنا أسمع اسم مصر العظيمة يتردد في أروقة واحدة من أكبر 
الجامعات الأمريكية.. أعدت لي إدارة الجامعة برنامجا احتفاليا رائعا: اصطحبوني 
في جولة في أنحاء شيكاجوء رأيت الشوارع التي مشيت فيها وجلست في الأماكن. 
التي ترددت عليها من ربع قرن.. بل إنني رأيت سكن الطلاب الذي أقمت فيه فوجدته 
كما هو وتطلعت إلى شرفة الحجرة التى كنت أسكن فيها. يا الله. هل كنت أتصور وأنا 
أستذكر دروسي في هذه الشرفة أنني سأعود بعد ربع قرن لأحصل على جائزة الإنجاز 


7 








من الجامعة.. في اليوم التالى ذهبت لأزور كلية طب الأسنان. وجدت عميد الكلية 
د. بروس جراهام في انتظاري ومعه مساعداه د. فالنتينو ود. بايك» صحبوني في جولة 
في كلية طب الأسنان. التي درست فيها فانهمرت على ذهني الذكريات. 

هنا العيادة التى كنت أعمل فيهاء وهنا المعمل الذي أجريت فيه أبحاث الماجستير. 
أطلعنى العميد بالتفصيل على التطور المدهش الذ.ي أدخله على الكلية لتكون دائما 
مو اكبة للتطو ر العلمي. الأجمل من كل ذلك: قامت إدارة الجامعة بالبحث عن أساتذتي. 
الذين درسوا لي منذ خمسة وعشرين عاما ودعتهم للحضورء دكتور ديل أيزنمان ودكتور 
عبد المنعم زكي ودكتور دينيس ويبر. تأثرت بشدة لما رأيتهم. 

لن أنسى ما حييت فضل هؤلاء الشيوخ الأجلاء.. علموني وقاموا برعايتي وأنا 
طالب مغترب بلا حول ولا قوة وساندوني حتى تخرجت وها هم الآن, بالرغم من 
تقاعدهم وتقدمهم في السن. يتكبدون المشقة ويحرصون على الحضور للمشاركة 
في الاحتفال بحصولي على الجائزة.. عقدت لي إدارة الجامعة ندوة تحدثت فيها عن 
الأدب العربي امتلأت فيها قاعة المكتبة عن آخرهاء واشتركت مع الحاضرين في نقاش 
ثقافي وسياسي ثري وممتع. بالأمس أقيم الاحتفال الكبير لتسليم الجائزة. 

أمام عشرات المدعوين الأمريكيين أشاد رئيس جامعة إلينوي بما اعتبره إنجازا 
استثنائيا حققته في الأدب, وأكد أن الجامعة فخورة بي باعتباري أحد أبنائها ثم نادى 
على اسمي لأتسلم الجائزة فضجت القاعة بالتصفيق. قلت كلمة قصيرة أكدت فيها 
أننى مدين لجامعة إلينوي بما حققته من نجاح لأنني تعلمت فيها أن العمل المنتظم 
الشاق هو الطريق الوحيد للإنجاز.. قلت لهم إنني حصلت على جوائز أدبية دولية 
كثيرة» لكن هذه الجائزة لها فرحة خاصة لأنها من جامعة إلينوي التي تعلمت فيهاء كأنني 
أنال التقدير من أفراد أسرتي.. بعد الاحتفال جاء الجميع لتهنئتي فسألت المسئولين 
في الجامعة كيف يتم اختيار الفائز بجائزة الإنجاز؟! أخبروني بأنه توجد إدارة خاصة 
لمتابعة الخريجين في كل كلية. 

وعندما تكتشف أن أحد الخريجين قد حقق إنجازا مرموقا فإنها تطرح اسمه كمرشح 
فيتم التصويت عليه أولا داخل الكلية ثم بعد ذلك يتم التصويت على مستوى الجامعة. 
7 


وبالتالي تكون المنافسة بين أسماء مرشحين عديدين من كليات مختلفة» ومن يفز 
بأغلبية الأصوات يحصل على الجائزة. سألتهم: لماذا تهتم جامعة إلينوي بمتابعة نشاط 
خريجيهاء وكثيرون منهم يعيشون في بلدان بعيدة» وقد انقطعت علاقتهم بالجامعة 
منذ فترة طويلة؟! كانت الإجابة: إن علاقة الجامعة بخريجيها لا يجب أن تنقطع أبداء 
فكل من تخرج في إلينوي أصبح عضوا في أسرة الجامعة» وكل إنجاز يحققه يحسب 
للجامعة ويجب أن تفخر به. عشت أياما من السعادة حتى جاءتني من مصر أخبار 
مؤسفة: طالبة في جامعة الأزهر فرع الزقازيق» رأيت صورتها فوجدتها فتاة مصرية 
وديعة محجبة مثل ملايين البنات المصريات. ذهبت لتتلقى العلم في جامعتها فطلب 
منها ضابط الأمن تفتيش حقيبتها فرفضت. فإذا بسيادة النقيب ينهال عليها بالضرب 
المبرح. جلدها بالخرطوم وصفعها ولكمها وراح يركلها بكل قوته في بطنها. 

لا أفهم ما ذنب الفتاة المسكينة حتى تتعرض لهذا الاعتداء الوحشي وبأي حق يضرب 
حضرة الضابط بهذه القسوة بنتا ضعيفة لا تملك الدفاع عن نفسها؟! ولو صح ما قالت 
فإنه لم يكتف بهذا الاعتداء بل إنه منع سيارة الإسعاف من نقلها إلى المستشفى حتى 
تدهورت حالتهاء وأصيبت بنزيف داخلي ما زالت تعالج من آثاره.. ما فعله النقيب لو 
تم إثباته في تحقيقات النيابة العامة يشكل عدة جرائم في قانون العقوبات المصري. 
وكلها مسجلة بالصوت والصورة على فيديو موجود على مواقع الإنترنت.. لكنك تعلم 
يا عزيزي القارئ» كما أعلم» أن هذا الضابط لن يحاسبه أحد أبدا بل على العكس. 
ربما تتم ترقيته مكافأة له على الاعتداء على الطالبة.. الأغرب من هذا أن رئيس جامعة 
الآأزهر قال كلاما يساند فيه الضابط في اعتدائه على الطالبة. 

لا يمكن هنا أن أمنع نفسي من المقارنة: جامعة إلينويء تتابع بدقة نشاط خريجيها 
في كل أنحاء الدنيا فتكافئ من ينجح منهم» وتحتفل بهم وتعتبرهم أبناءها الذين ربتهم 
وعلمتهم, أما جامعة الأزهر, أعرق جامعة إسلامية في العالم» فإن ضابط الأمن فيها 
يعتدي على طالبة بطريقة وحشية» ويمنع إسعافها فيوافقه في ذلك رئيس الجامعة. 
ما الذي يصنع هذا الفارق الرهيب في علاقة الجامعة بطلابها. الإجابة كلمة واحدة: 
النظام السياسي.. في جامعة إلينوي يتم اختيار رئيس الجامعة عن طريق نظام صارم 
من الانتخابات من لجان مختلفة» بعد ذلك تتم متابعة أداء رئيس الجامعة من لجنة 


7/0 














متخصصة تكتب تقريرا سنويا عن أخطائه» وتستطيع أن تقيله في أي لحظة. جامعة 
إلينوي مستقلة تماما في إدارتها عن التأثير الحكومي. لا يستطيع الرئيس أوباما نفسه 
أو سواه أن يقيل رئيس الجامعة لو أراد. 

رئيس جامعة إلينوي يعمل من أجل العلم» وهو في خدمة الأساتذة والطلاب. أما 
رئيس جامعة الأزهر فلا يتم تعبينه إلا بعد موافقة الأمن» ويستطيع تقرير أمني واحد 
أن يطيح به من منصبه» ولو أنه اتخذ موقفا جادا لمساندة الطالبة المعتدى عليها لتمت 
إقالته فورا.. النقيب يعلم أنه أقوى بكثير من رئيس الجامعة» وهو شأن كل المسئولين 
عن الأمن في مصر مطلق اليد تماما في ضرب المصريين وإهانتهم ما دام ذلك يؤدي 
إلى بقاء الحاكم في السلطة» بل إن استعمال العنف مع المعارضين هو الطريق الأكيد 
للترقي. ما زلنا نذكر كيف أدخل البعض البلطجية إلى جامعة عين شمس عندما كان 
رئيسا لهاء ودفعهم للاعتداء على الطلاب بالسنج والمطاويء وكانت النتيجة حصوله 
على منصب أعلى مكافأة له على تفانيه في خدمة النظام.. الجامعة في البلاد الديمقراطية 
تحرز تقدما علميا يؤدي إلى نهوض البلد كله. 

أما الجامعة في مصر فهي تتخلف وتتدهور كل يوم لأن رئيس الجامعة لا يهمه 
العلم في قليل أو كثير. كل ما يهمه إرضاء أجهزة الأمن وإثبات الولاء للرئيس والنظام. 
الفرق بين ما حدث في جامعة إلينوي وما حدث فى جامعة الأزهر. هو الفرق بين بلد 
السلطة فيه للشعب والسيادة فيه للقانون. وبلد السلطة والسيادة فيه لشخص الحاكه 
فقط.. أما الشعب فلا كرامة له ولا حقوق. 


الديمقراطية هى الحل. 


7